شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الشماتة بإيران... نحن مثلهم، فلماذا نهاجمهم؟

الشماتة بإيران... نحن مثلهم، فلماذا نهاجمهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الثلاثاء 13 أغسطس 202401:42 م

حاولت كثيراً تجنّب متابعة الأحداث التي تشير إلى أن أيامنا المقبلة ستزداد صعوبة، وحاولت أكثر تجاهل ما يُثار بعد وفاة أي شخصية عامة، إذ يُنصب لها الميزان، ويُقرَّر مصيرها من قِبل بشر ينضحون بأقذر ما تحمله أنفسهم أحياناً، لكني فشلت في الأيام الأخيرة، والتي شهدت اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أثناء إقامته في إيران.

وكغيري، تابعت أخبار حادثة الاغتيال، وقرأت بعض التحليلات، كما تابعت ردود فعل الأصدقاء الذين انقسموا إلى ناعين لـ "الشهيد" ومهاجمين له، باعتباره رمزاً لحركة حماس التي يختلف معها كثيرون، لكن ما لفت نظري أن المهاجمين، وكثيراً من المترحّمين على هنيّة، اتفقوا على الشماتة في إيران، التي تقدّم نفسها كقوة إقليمية بينما هي مخترقة أمنية ولا تستطيع حماية اللاجئين على أرضها، وحين أعلنت طهران إنها ستردّ على إسرائيل، لم يكن من هؤلاء الشامتين سوى السخرية، على طريقة: "هتضربوا صواريخ في الهواء"، و"أدينا مستنيين لمّا نشوف".

حالة السخرية والشماتة التي عبّر عنها عرب كثيرون، لم تبدأ باغتيال هنيّة، بل هي حالة تتكرّر كلما أعلنت إيران إنها ستردّ عسكرياً، انتقاماً لاغتيال أحد قادتها، مثلما حدث بعد اغتيال قاسم سليماني ومحمد رضا زاهدي، أو كلما أكّدت دعمها للقضية الفلسطينية وقدرتها على ضرب إسرائيل، وهذا اتضح بعد طوفان الأقصى، الذي ما إن ظهرت طهران على الساحة، حتى انهالت عليها وصلات السخرية التي امتدّت إلى حزب الله، لأنه لم يُعلن الحرب الشاملة، رغم فتحه جبهة قتال محدودة منذ اليوم الأول.

والسؤال الحقيقي: لماذا يسخر ويشمت بعضنا كعرب في إيران؟ هل لأنها دولة دينية؟ أم لأنها ديكتاتورية تقمع الحريّات والنساء وتصادر الحقوق؟ أم لأنها دولة توسّعية تريد السيطرة على الدول من خلال أذرعها العسكرية؟ وإذا كانت تلك الأسباب كافية لأن تدفع الفرد إلى رفض النموذج الإيراني ومهاجمته، فهل يحق لنا، كعرب تحديداً، أن نكون ضمن هؤلاء الرافضين؟

لماذا يسخر ويشمت بعضنا كعرب في إيران؟ هل لأنها دولة دينية؟ أم لأنها ديكتاتورية تقمع الحريّات والنساء وتصادر الحقوق؟ أم لأنها دولة توسّعية تريد السيطرة على الدول من خلال أذرعها العسكرية؟

سؤالي سببه أنني أرى الدول العربية ليست إلا الوجه الآخر لإيران، وبالتالي من غير المعقول أن نرفض ما نقبله ونسعى إليه، فإذا كانت إيران دولة دينية يحكمها المُرشد، فإن معظم الدول العربية تحكمها دساتير منصوص في أول بنودها "الإسلام هو دين الدولة"، كما أن معظم القوانين العربية خاضعة للشريعة الإسلامية، بل ولأشدّ الآراء تطرّفاً في الدين، مثل قانون "إزدراء الأديان" وغيره، أي إننا دول دينية أيضاً، فقط ينقصنا المُرشد، وإن كان مُرشدونا كُثراً، فرجال الدين لهم الكلمة العليا في التحريم والتحليل، وشيخ الأزهر سلطته أقوى من رئيس الجمهورية أحياناً،  فحين رفض الأول توثيق الطلاق رغم محاولات "السيسي" ذلك، نُفّذت رغبة شيخ الأزهر، ولقى ذلك ترحيباً مجتمعياً، كما تلقى البنود والقوانين السلفية دفاعاً مستميتاً ضد أي محاولة لتغييرها.

أما معاداة طهران لأنها دولة ديكتاتورية، فأعتقد علينا كعرب أن نخجل من قول ذلك، ونحن يحكمنا رؤساء بالعقود، مثل مصر وتونس والجزائر وسوريا وليبيا، أو يتوارثنا مشايخ وملوك إلى أن يشاء الله، مثل دول الخليج، ولن أتحدث عن الحريات المقموعة والحقوق المهدورة، لأن أي تقرير حقوقي عالمي قادر أن يثبت أن الدول العربية على رأس قوائم الدول القمعية، بل وأحياناً نتفوّق على إيران التي نهاجمها في قمع الحريات.

يتبقى أذرع إيران العسكرية في بعض الدول العربية، وهذا يجعلنا ننظر إلى طهران نظرة ريبة وخوف أن تطمع في أراضينا، ورغم أن ذلك واجب علينا، لكن شرط أن نساوي بين إيران وبين جميع الدول التي تحذو حذوها، فنأخذ نفس الموقف من الدول العربية التي موّلت مرتزقة لخراب دول أخرى، أو قصف دول مجاورة، ونتخلّى عن التغنّي باحتلال مصر للسودان قبل 1952، ولن أكذب حين أقول إن في داخل الكثير منا رغبة أن تصبح دولته ذات سطوة على جيرانها وقادرة على التحكّم في أكثر من دولة، لأن ذلك، في موروثنا الإمبراطوري، دليل قوة وعظمة.

هكذا نحن، لا نختلف عن إيران في شيء، وما نهاجمها بسببه نفعله نحن بسهولة، أما السخرية والشماتة فنابعة من أسباب أخرى لا علاقة لها بالنظام السياسي وحقوق الإنسان

هكذا نحن، لا نختلف عن إيران في شيء، وما نهاجمها بسببه نفعله نحن بسهولة، أما السخرية والشماتة فنابعة من أسباب أخرى لا علاقة لها بالنظام السياسي وحقوق الإنسان، وأهم تلك الأسباب الخلاف المذهبي، فناهيك عن نشأتنا تحت شعار "الشيعة أخطر على المسلمين من إسرائيل"، كما أن البعض، كسُنّة، لا يريدون أي نصر يأتي على يد طرف "شيعي"، لأن ذلك يعني هزيمة "مذهبنا" أيضاً، أما السبب الثاني فهو شعورنا بالعجز تجاه كل ما يفعلونه، فهم يطلقون صواريخ ولو في الهواء، نحن أقصى طموحنا أن تسحب دولتنا سفيرها من إسرائيل، ولأننا عاجزون عن فعل ذلك، ليس أمامنا سوى التقليل مما يفعلون، أما السبب الأخير، فهو أن المعركة مع إيران معركة آمنة، فسبّ خامنئي علناً لا يكلف الكثير مقارنة بسبّ أمير خليجي أو رئيس دولة عربية شقيقة.

وحتى تتضح الصورة أكثر، حديثي هذا ليس معناه دعم النموذج الإيراني للحكم، لأنني في النهاية أرفض أي نظام ديني أو ديكتاتوري أياً كان موقفه من قضيتي، لكن حديثي ينطلق من مبدأ الإنصاف، وهو مبدأ يفرض علينا أن ننظر إلى أنفسنا أولاً لنُدرك أننا نسخة عن الذين نهاجمهم، وبالتالي علينا رفض كل الأنظمة الدينية والديكتاتورية، بما فيها الأنظمة التي نعيش تحت حكمها، وفضلاً عن إننا نعجز عن ذلك، فإن بعضنا يفضّل النموذج الإيراني شرط أن يكون وفق المذهب الذي يدين به، أو الخيار الثاني وهو السكوت انطلاقاً من حِكمة: "لا تعايرني وأعايرك، الهمّ طايلني وطايلك".

لكن ما حدث أننا لا نقف ضد الكل، ولا نسكت، بل نتعامل بازدواجية تدفع بنا إلى تجاهل الضحية. نسأل بخبث: كم ساعة مرّت دون أن ترد إيران؟ ثم نتبع ذلك بوصلات سخرية سخيفة، ولا نلتفت إلى أن هناك بشراً يفقدون أرواحهم، بل لا نلتفت أننا لم نهاجم القتلة أنفسهم، كعناصر محبّة للسلطة والغطرسة عند جميع الأطراف المتصارعة على دمنا وأرضنا، وربما، دون قصد، وقفنا في صفّهم وبرّرنا أفعالهم، حتى تخيّلت أن البعض سيهنئهم قائلاً : "أضرب كمان علشان منحسش إننا لوحدنا العاجزين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard