شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الحُب الذي هو أكثر من ذلك

الحُب الذي هو أكثر من ذلك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأحد 25 أغسطس 202412:48 م

يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً نتخيّل من خلالها المستقبل الذي نوّد أن نعيش فيه، أو ذلك الذي سيُفرض علينا.

إنه ربيع العام 2041. أنا وأنتِ خارجَتان معاً لموعد في حارتنا الصغيرة. أمسك يدكِ بأريحية. نمشي بهدوء. نراقب القرية الصغيرة في مدينتنا الصغيرة في الرستاق. يدي تتنقل على كتفك بحرية، أو ملفوفة حول خصرك. نمضي نحو الوادي عبر الطريق الذي نحبّ. نرى الخضرة والزرع، ونمرّ على الناس؛ نسلّم، نبتسم، ونصل إلى الوادي ونسبح في بركة يجري فيها الماء. وعندما نخرج، نلفّ فوطةً ونحتضن بعضنا. بعدها نجلس على حصيرة ونشرب الشاي الذي أحضرناه. يرانا الناس، يحيّوننا، ولا يخجلون من منظر نومك في حجري.

ليس صعباً أن نُحبّ في هذه القرية. كُلٌّ هنا مع شريكه الذي يحبّ. يلتقي المحبّون في القهوة وسط القرية، حيث كل من يحبّ مع من يحبّ من دون أن يموت أو يُضرَب أو يُحبَس أو يجبَر على الزواج. نجلس هناك مع أصدقائنا. يجلس الجميع بشكل اعتيادي، وبلا خجل. يتحدث بعض الناس أحياناً، ينتقدون، ولكن بلا ضرر. نتحدث مع الأجداد عن الماضي. يخبروننا عن ماضي أجدادهم الذين كان واقعهم غير واقعنا، حيث لم يكن مسموحاً للنساء الخروج من المنزل. يخبروننا عن عدد كبير من الشباب والبنات الذين أُجبروا على الزواج من أشخاص غير الذين يحبّونهم، ويذكرون قصة الفتاة التي قُتلت لأنها التقت بحبيبها في الحارة ولمس يدها، فأخذها أخوها وضربها حتى ماتت. 

إنه ربيع العام 2041، أنا وأنتِ خارجَتان معاً لموعد في حارتنا الصغيرة. أمسك يدكِ بأريحية. نمشي بهدوء. نراقب القرية الصغيرة في مدينتنا الصغيرة في الرستاق. يدي تتنقل على كتفك بحرية، أو ملفوفة حول خصرك. نمضي نحو الوادي عبر الطريق الذي نحبّ

نعود إلى منزلنا الذي نعيش فيه، دون خجل، ودون أن يتحدث أحد عنّا. يأتي الجيران إلى منزلنا، ليشربوا القهوة صباحاً. نلتقي بهم ويحيّوننا، ويرون أن فتاتين وقعتان في الحب... أمر طبيعي، وليس بمأساة، ولا جريمة. نعيش هنا في بلادنا التي نحبّ، في الريف الذي يستهوينا، مع أصوات لا تخفت، وروائح الأشجار والنخيل والمزراع، حيث تمنّينا دوماً أن نكون. لم نختر حتى مزرعةً بعيدةً عن الأنظار، في منطقة لا يعرفنا فيها أحد، لنعيش في مكان يشبهنا، بل اخترنا أن نعيش بين أهلنا، في مكان قريب، وفي بيت بلا حوش، بيت صغير، كما تمنينا دوماً، نجلس على عتبته كل يوم، ونشرب الشاي في الحارة.

لم تتقبّل أمي وأبي علاقتي بحبيبتي بسهولة، ولكنهما لم يغضبا. أخذا وقتاً للتأقلم، ومن ثم أحبّاها، وباركا علاقتنا، وكان باقي الناس في العائلة متقبّلين، غير شرسين، يستقبلونها في بيوتهم، ويحيّوننا، ويعزمونها إلى مناسباتهم، ويحبّونها أكثر مني أحياناً. 

ليس صعباً أن نُحبّ في هذه القرية. كُلٌّ هنا مع شريكه الذي يحبّ. يلتقي المحبّون في القهوة وسط القرية، حيث كل من يحبّ مع من يحبّ من دون أن يموت أو يُضرَب أو يُحبَس أو يجبَر على الزواج

عندما فكرت في الحياة هنا، رحّب بي الناس، فلا مشكلة في أن تعيش فتاة وحدها بلا زوج، مع شريكتها، فالواقع المعيش حيث لا نهاية للحب، أمرٌ مقبول. ولا مشكلة للناس معنا، لا يعاملوننا كطاعون، ولا يخفون عنا بناتهم وأبناءهم. لا يكشّرون أو ينتهون إلى فكرة أن ما نفعله ليس فقط حراماً، بل منافٍ للطبيعة. فالحُب انتشر في القرية، وأصبح مقبولاً بشدّة، وأصبح الناس يقبلون كل هذا بصدر رحب، حتى وإن تمنّوا في صدورهم ألا يصبح أبناؤهم مثلنا... ليس ذلك بالمهم، ما داموا يقبلون وجودنا.

عندما نخرج إلى العاصمة مسقط، تصبح الأمور أكثر سلاسةً، فلا أحد يمانع من فكرة تقبيلي خدّك في الشارع. يبتسم الناس، ولا أحد يمانع بكل تأكيد أن أمسك يدك في المول، وأن تداعبي شعري بهدوء. لا مشكلة في أن نعبّر عن هويتنا. قد يبدي بعض الناس تحفظهم، أو استياءهم من منظر يدي بيدك، ولكن يبقى ذلك مضحكاً ومثيراً للسخرية، فواقع الحياة أفضل بكثير مما هو عليه، لا يخرّبه أشخاص يخشون الحب، وفكرة وجوده في قلوبنا.

أصبح الحب مباحاً، وجميلاً، فنحن نرى الناس يقبّلون بعضهم في الشوارع؛ يحتضن الأحبّاء بعضهم أمام برج الصحوة، ولا يأتي أي شخص ليخبرهم بأن ما يفعلونه مخالف للقانون والأعراف، أو لا يريح منظرهم بعض الناس.

نذهب أنا وأنتِ إلى متحف الحب في قلب العاصمة، الذي يضمّ قصص حب استثنائيةً في تاريخ بلادنا، ففيه توجد صور شهيدات الحُب وشهدائه، أولئك الذين قُتلوا ظلماً بسبب أن الناس في ذلك الماضي كانوا يرون الحُب عاراً وعيباً وحراماً. نمتلئ بالفخر كوننا تخطّينا تلك المرحلة. المتحف مليء في الواقع بكل رسائل الحب والقصص التي حُرم أصحابها من أحبّائهم، نمشي أنا وأنتِ، نأخذ صورةً نحتضن فيها بعضنا البعض بجانب صورة شهيدتين قُتلتا بالسلاح سنة 2020، لأنهما لم تكونا صديقتين وحسب. كانتا أكثر من ذلك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard