شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مولدات الكهرباء في مصر... حلٌ للأزمة أم كارثة بيئية وصحية؟

مولدات الكهرباء في مصر... حلٌ للأزمة أم كارثة بيئية وصحية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 19 أغسطس 202411:59 ص

اضطر عماد الونش (35 عاماً)، المقيم في محافظة أسيوط في صعيد مصر، لشراء مولد كهربائي تزامناً مع تطبيق مصر خطة تخفيف الأحمال منذ صيف العام الفائت، وذلك لاستخدامه المنزلي، فضلاً عن شرائه مولداً آخر لمزرعة الدواجن التي يملكها.

دفع عماد 143 ألف جنيه (نحو 2900 دولار) لشراء مولدات مستعملة نظراً لارتفاع سعر الجديد منها بصورة مبالغ فيها، ولم يعلم بأن شقيقته ستتضرر من انبعاثاتها ما تسبب في دخولها المستشفى.

يحكي عماد لرصيف22: "اشتريت مولدات تعمل على البنزين، بعد معاناتنا من انقطاع الكهرباء لمدة تراوح من 3 إلى 4 ساعات يومياً، في وقت نعاني من درجات الحرارة المرتفعة، ولم يكن أمامنا بديل آخر لتوفير الكهرباء خلال ساعات الانقطاع، خاصة مع نفوق آلاف من صغار الدواجن التي أملكها في مزرعتي، فكلفتني خسائر تقدر قيمتها بنحو 780 ألف جنيه (أكثر من 15 ألف دولار) بسبب ارتفاع درجات الحرارة".

اشتريت مولدات تعمل على البنزين، بعد معاناتنا من انقطاع الكهرباء لمدة تراوح من 3 إلى 4 ساعات يومياً.

حاول عماد التخفيف من حدة الانبعاثات بتركيب مواسير لتخرج خارج المنزل إلا أنها لم تمنع الضرر، فاشتكت شقيقته من ضيق التنفس الشديد لتنقل إلى المستشفى ويشخص الأطباء إصابتها بحساسية الصدر، وذلك بعد خمسة أيام من استخدامهم المولدات.

ودفع انقطاع الكهرباء المصريين للإقبال على شراء المولدات الكهربائية، بسبب قطع التيار الكهربائي يومياً لمدة ساعتين، فيما سجلت بعض المحافظات قطع التيار ما بين 3 و 5 ساعات يومياً خلال يونيو/ حزيران الماضي، لكن ازدياد أعداد المولدات بشكل عشوائي وغير مدروس يمثل خطراً داهماً على صحة المصريين، إذ تنجم عنها انبعاثات ضارة على الصحة العامة والبيئة معاً.

آثار صحية وبيئية خطيرة

يكشف الدكتور محمد عز العرب أستاذ الباطنة والكبد بالمعهد القومي للكبد، والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، عن خطر عوادم المولدات الكهربائية على الصحة العامة خاصة لو استخدمت في مناطق سكنية مزدحمة، ويقول لرصيف22: "في حال زاد عدد المولدات زادت الملوثات، إذ تحتوي العوادم على أكاسيد الكربون، كما تحتوي عوادم الديزل على رقائق صغيرة من الكربون وبخار الماء والكبريت وأكسيد الكبريت والنيتروجين، وكلها مركبات سامة لها تأثير على المدى القصير والطويل".

ويشير عز العرب إلى أن استنشاقها المباشر ينفذها بسهولة من الأنف للرئتين ما يسبب كحة مستمرة وتهيجاً للأنف والأذن والحنجرة والعينين وأزيزاً في الصدر وحساسية وصعوبة في التنفس، وقد يسبب ربواً، فيما قد ينتج أعراضاً أخرى نتيجة نقص مستويات الأكسجين وزيادة مستوى أول أكسيد الكربون، وصداعاً وغثياناً، كما يؤدي في بعض الحالات للتسمم بأول أكسيد الكربون، وهو حالة تحتاج إلى تدخل عاجل ورعاية مركزة، وتتمثل أعراضها في صداع وميل للتقيؤ، أما التعرض الطويل لهذه المركبات فيتسبب في الإصابة بالسرطان الرئة أو المثانة.

ومن جهة أخرى، تساهم تلك الانبعاثات الناجمة عن المولدات في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري المسببة للتغير المناخي عالمياً.

حاول عماد التخفيف من حدة الانبعاثات الناجمة عن المولدات بتركيب مواسير لتخرج خارج المنزل إلا أنها لم تمنع الضرر، فاشتكت شقيقته من ضيق التنفس الشديد لتنقل إلى المستشفى ويشخص الأطباء إصابتها بحساسية الصدر، وذلك بعد خمسة أيام من استخدامهم المولدات

ويشير الدكتور عاطف وهدان وهو الأستاذ المساعد بمجال الأمراض الصدرية في جامعة الأزهر، إلى أن انبعاث الأبخرة الناجمة عن المولدات قد يؤدي إلى زيادة الحساسية لدى مرضى الحساسية الصدرية أو إصابة أصحاء بالحساسية، ويشدد على ضرورة وضعها في الأماكن المفتوحة جيدة التهوية كالشرفات.

أما هاني عبده وهو أخصائي طب السمع والاتزان، فيقول لرصيف22 إنّ أي تعرض لصوت عالٍ بشكل مستمر يؤثر على شعيرات الأذن الداخلية، ويمكن أن يمتد هذا التأثير ليكون خطيراً.

ويقول المهندس حسام محرم المستشار الأسبق لوزير البيئة لرصيف22: "يتم التوسع في استخدام المولدات التي تعمل بوقود أحفوري (الديزل) في أي دولة أو منطقة غير مخدومة من الشبكة القومية للكهرباء، أو في المناطق التي تعاني قصوراً في النطاق الذي تغطيه شبكة الكهرباء، وقد تنتشر بسبب القصور في كفاءة الشبكة مما يؤدي إلى انقطاعات متكررة وطويلة في الخدمة، وهنا ينتعش استخدام المولدات الكهربائية، كما نرى في لبنان والعراق نتيجة الدمار الذي لحق بشبكات الكهرباء نتيجة الحروب المتتالية".

بحسب محرم، إذا استمرت مشكلة انقطاع الكهرباء فمن المتوقع التوسع في استخدام المولدات الكهربائية، ومن مظاهر التلوث الناجم عنها تلوث الهواء بالدخان وأول وثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت، فضلاً عن التلوث الضوضائي والاهتزازات التي تؤثر في المنشآت المجاورة، ومن المفترض أن تكون هناك معايير تحكم الانبعاثات التي تصدر عن المولدات، تضع الحدود القصوى لتركيزات كل ملوث من الملوثات الصادرة.

وبحسب دراسة بعنوان "انبعاثات مولدات الكهرباء وتأثيراتها على جودة الهواء والبيئة" صادرة عن Asian Journal of Green Chemistry، تعد انبعاثات مولدات الكهرباء وباءً صامتاً ومتفشياً بسبب المكونات الكيميائية المعروفة بأنها سامة ومسببة للسرطان، وتشير الدراسة إلى أن إمدادات الطاقة غير الموثوق بها جعلت الكثير من الناس يعتمدون بشكل كبير على مجموعات توليد الطاقة بكافة أنواعها بما لها من آثار وخيمة. وتنوه إلى ضرورة تقييم جودة الهواء في المناطق التي تنتشر ضمنها المولدات، لجعل البيئة خالية من الملوثات السامة، وتخفيض أعداد الوفيات الناجمة عن استنشاق مواد ملوثة سامة من هذه الأجهزة.

زاد الإقبال على شراء المولدات بنسبة 80% منذ العام الفائت بين أوساط ملاك العقارات والشركات والمقاهي.

كما صدرت دراسة عن جامعة كركوك في العراق عام 2018، نوهت إلى ارتفاع نسب الملوثات في الهواء ونسب التلوث الضوضائي الناجم عن استخدام مولدات الكهرباء، خاصة القديمة منها، وهذا الارتفاع يفوق النسب المسموح بها كي لا تكون ضارة على الصحة والبيئة.

زيادة الإقبال

بحسب بسنت محمد، وهي تعمل في مجال المبيعات مع شركة تجارة مولدات كهربائية في محافظة الدقهلية، فقد زاد الإقبال على شراء المولدات بنسبة 80% منذ تموز/ يوليو 2023، وذلك بين أوساط ملاك العقارات والشركات والمقاهي.

وتشير في حديثها لرصيف22 إلى تداول منتجات صينية الصنع تراوح أسعارها من 10500 إلى 35000 جنيه (ما بين 200 و700 دولار)، وهذه الأسعار ترتفع شهراً بعد آخر جراء زيادة الطلب.

وتتفق معها حبيبة عمر وهي أيضاً موظفة مبيعات في شركة استيراد مولدات كهربائية في القاهرة، إذ تشير إلى زيادة الطلب على المولدات بنسبة تراوح من 60 إلى 70%، تمثل مبيعات المنازل 30% منها، أما الشركات والمزارع فلها نسبة 70% من المبيعات، وتراوح أسعارها من 20 ألفاً إلى ما يتخطى 1.5 مليون جنيه، وتضيف: "تعد ميزة كتم الصوت وتوفير البنزين أو السولار الأكثر طلباً من عملائنا المقبلين على شراء المولدات".

وفي هذا السياق، يرى يقول الدكتور محمد السبكي الرئيس التنفيذي الأسبق لهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة والرئيس التنفيذي المؤسس لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك سابقاً، ضرورة تقنين استخدام المولدات ووضع محددات كفاءة عملها بأن تتوافق مع المواصفات المصرية القياسية، والمتمثلة في استهلاك كميات أقل من الوقود، والتسبب بانبعاثات أقل كي لا تؤثر سلباً على الصحة العامة والبيئة، مع تشديد رقابة هيئة الرقابة على الصادرات والواردات للتفتيش على المولدات المستوردة وقياس مدى مطابقتها للمواصفات.

كيف يمكن التخفيف من المشكلة؟

يشير المهندس حسام محرم إلى الحاجة لتركيب أنظمة لخفض تركيزات ملوثات الهواء الصادرة عن حرق الوقود المستخدم في تشغيل المولدات، مع ضرورة الالتزام بالحد الأدنى من ارتفاع المداخل، والعمل على عزل المولدات في غرف أو في أماكن مخصصة تضمن العزل الصوتي بحيث لا تسبب تلوثاً ضوضائياً للمناطق القريبة، مع مراعاة أن تكون الأماكن معدة لامتصاص الاهتزازات الناتجة عن تشغيل المولدات حتى لا تؤثر على سلامة المنشآت التي توجد ضمنها أو المنشآت المحيطة بها.

ويعتبر محرم أن الحلول الجذرية تتمثل في التوسع في استخدام الخلايا الشمسية في المنازل بدلاً من المولدات، باعتبار أن تلك الخلايا من تطبيقات الطاقة المتجددة التي نتجنب من خلالها الآثار السلبية للملوثات الغازية الناتجة عن حرق الوقود، كما أنها لا تسبب الضوضاء أو الاهتزازات التي تسببها المولدات.

هناك حاجة لتركيب أنظمة لخفض تركيزات ملوثات الهواء الصادرة عن حرق الوقود المستخدم في تشغيل المولدات، مع ضرورة الالتزام بالحد الأدنى من ارتفاع المداخل، والعمل على عزل المولدات في أماكن مخصصة تضمن العزل الصوتي بحيث لا تسبب تلوثاً ضوضائياً للمناطق القريبة

ويضيف: "على الحكومات التي يعاني مواطنوها من قطع التيار الكهربائي التوسع في مد خدمات الشبكة القومية للكهرباء بحيث تغطي جميع التجمعات العمرانية، مع الحفاظ على كفاءة عالية لتلك الشبكة، وتقليل الانقطاعات في الخدمة إلى أقل مدى ممكن، وهذا ما سيقلل الحاجة إلى وجود أو استخدام المولدات".

بدوره ينصح عز العرب باستخدام المولدات في الأماكن الواسعة مع تهوية جيدة، وعدم الاستخدام لفترات طويلة، والإغلاق الفوري للمولد، والاتجاه للكشف الطبي حال حدوث أعراض صحية، فيما لا يحبذ استخدامها في الأماكن الضيقة، مشيراً لضرورة أن تكون مطابقة للمواصفات وقليلة العادم قدر الإمكان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image