شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"كأننا عايشين في السخانة"... موجة الحرّ تعطّل الحياة وتتسبب بخسائر كبيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 27 يوليو 202311:20 ص

أسأل صديقتي المقيمة في تونس عن أوضاعها وعائلتها خلال موجة الحر الأخيرة التي تعيشها كثير من بلدان العالم، والمستمرة منذ قرابة أسبوعين، فتجيب على الفور: "طقس حار جداً... كأننا عايشين في السخانة".

وتشير سهام وهي باحثة في مجال العلوم السياسية ومقيمة في العاصمة التونسية، إلى تأثير واضح لدرجات الحرارة المرتفعة على الروتين اليومي للناس، وتعطّل الوتيرة العادية للحياة والعمل، ما جعل تونسيين كثراً يشعرون بأن "الطبيعة لا ترحمهم، فإلى جانب الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة ونقص المواد الغذائية الأساسية، تأتي درجات الحرارة لتزيد المعاناة والغضب، فهي تسببت في انقطاع الماء والكهرباء لأيام متتالية"، مضيفة أن البعض يعتبرون أن "الارتفاع المطوّل لدرجات الحرارة علامة على الغضب الإلهي بسبب انتشار الفساد".

ووصلت درجات الحرارة مؤخراً في بعض المناطق التونسية إلى 50 درجة مئوية، وهي أعلى من معدلاتها الموسمية بما يراوح بين 6 و 10 درجات مئوية، ما تسبب بحرائق وانقطاعات طويلة للتيار الكهربائي، وما تزال الموجة التي أطلق عليها العلماء اسم "القبة الحرارية" مستمرة مع توقعات ببلوغ ذروتها اليوم الخميس.

إلى جانب الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة، تأتي درجات الحرارة لتزيد المعاناة والغضب.

وتلاحظ سهام أن "المتضررين الحقيقيين من ‘السخانة’ هم العمّال المياومون، والنساء العاملات في الفلاحة، والفئات المهمشة، بجانب مهاجري جنوب الصحراء غير النظاميين، والمضطرين للعمل تحت أشعة الشمس الحارقة أو من لا يملكون مأوى"، وهو ما نشر شعوراً بالسخط بين المواطنين من الطبقة المتوسطة والفقيرة المعدومة، وهم غير قادرين على التكيف مع الحر الشديد سواء داخل منازلهم أو ضمن ظروف عملهم".

وتختم: "لا متعة للبسطاء في ارتفاع الحرارة، فهي مكلفة مادياً ومرهقة معنوياً، وتحتاج أشخاصاً ميسورين مالياً للتكيّف معها على مستوى الروتين اليومي من الاستهلاك وتبريد المنازل والترفيه وحتى طبخ أو شراء الأكلات الخفيفة والمثلجات".

"الأمر متروك لله"

أحاسيس الغضب والسخط هذه يشعر بها أيضاً مواطنون في بلدان عربية أخرى تعيش نفس المعاناة من ارتفاع درجات الحرارة، التي وصفها خبراء بأنها "أمر غير مسبوق"، إذ أشارت تقارير إلى أن تموز/ يوليو الحالي شهد أسخن يوم يسجل على الإطلاق عالمياً، مع احتمالات كبيرة لأن يكون التغير المناخي هو المسبب الأساسي لذلك.

من دمشق، يتحدث أبو سامي وهو سائق سيارة أجرة، عن صعوبات كبيرة يعانيها أثناء عمله اليومي الذي يبدأ من ساعات الصباح الأولى ولا ينتهي حتى آخر اليوم. يقول لرصيف22 بتهكّم: "كأن كلشي عشناه بسنين الحرب ما كان كافي، ليجي غضب السماء كمان".

لا يملك أبو سامي الكثير من الحيل التي يمكن أن يتبّعها ليخفف وطأة الحر "القاتل" أثناء ساعات عمله، مع وصول درجات الحرارة لأكثر من أربعين درجة مئوية وارتفاع ملحوظ لنسبة الرطوبة في الجو، الأمر الذي وصفه مركز التنبؤ بالأرصاد الجوية في سوريا بأنه "الصيف الأشد حرارة"، وقد تسبب بحرائق كبيرة أتت على مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية في محافظات عدة.

يقول الرجل الخمسيني: "أبلل منشفة بالماء البارد طوال الوقت لأضعها على وجهي ورقبتي، وأحاول شرب الكثير من المياه، عدا ذلك فإن هذه السيارة القديمة التي استأجرها للعمل عليها لا تحتوي مكّيفاً للهواء".

تنسحب هذه المعاناة أيضاً لمنزل الرجل الكائن في إحدى ضواحي دمشق، وهو لا يحتوي على أي وسائل تبريد سوى مروحة صغيرة تعمل على البطارية، لا تكفي لأكثر من ساعة أو اثنتين، مع وصول مستوى تقنين الكهرباء لعشرين ساعة يومياً في معظم أنحاء سوريا. يقول إنه لم يعد ينتظر شيئاً سوى انتهاء هذه الأيام الحارة بسلام، "فما باليد حيلة".

ومن العراق، ومع وصول درجات الحرارة في معظم المدن لأكثر من 45 درجة مئوية، تشير هيام عبدالله رشيد الدوري، وهي محاسبة ثلاثينية مقيمة في مدينة تكريت، إلى أن الناس يحاولون تجنّب الخروج من منازلهم خلال ساعات النهار، أو ارتياد بعض الأماكن التي يمكن أن تساعد بالتخفيف من الشعور بالحر عند الإمكان، مثل شواطئ الأنهار والأسواق والمطاعم.

يعيش الأهالي مخاوف على أطفالهم نظراً للأمراض التي تسببها موجة الحر، ما يضاعف ضغوط الحياة وسط تردي الواقع المعيشي، وتحاول الأمهات تخفيف تأثير ارتفاع درجات الحرارة عن أطفالهن بتجريدهم من ملابسهم ووضعهم في أوعية مليئة بالماء، إلى جانب الخروج من المنزل مساء

لكن الأمر يزداد صعوبة كما تقول مع الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي والتي يمكن أن تصل حتى ست عشرة ساعة يومياً، بسبب تهالك شبكة الكهرباء وازدياد الضغط عليها، وتضيف في حديثها لرصيف22: "منذ أيام انفجر عمود الكهرباء في منطقتنا بسبب الحر، وتسبب بحريق، وكان علينا الانتظار يوماً كاملاً حتى إصلاحه". وتنسحب هذه الصعوبات على العديد من قطاعات الحياة مثل الزراعة والأعمال وغيرها، وتسبب خسائر كبيرة للعراقيين يصعب التعامل معها أو تعويضها.

ترى هيام أن "الحلول التي يملكها المواطن العراقي لمواجهة هذه الأيام الصعبة محدودة للغاية، فمن يمتلك إمكانية يعتمد على مولدات الكهرباء لتخفيف الشعور بالحر، وإلا فإن الأمر متروك لله سبحانه وتعالى".

"أجواء مميتة"

في مصر، يبدو هذا الصيف فعلاً غير مسبوق، فإلى جانب الطقس الشديد الحرارة في معظم المحافظات، تعاني البلاد في الأيام الأخيرة من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي مع اتباع الحكومة سياسة تخفيف الأحمال على شبكة الكهرباء بسبب نقص الغاز، وهو أمر لم يختبره الناس منذ أكثر من عشر سنوات، ما جعل معاناتهم مضاعفة وفق وصف كثيرين.

"الجو في الفترة الحالية كارثي، يمكن وصفه بأنه مميت في بعض فترات النهار، تحديداً من الثانية عشرة ظهراً حتى الرابعة عصراً"، هكذا يصف علي محمد (75 عاماً) والمقيم في محافظة الغربية شمال مصر الأيام الأخيرة.

ويشير إلى أن الصعوبة تزداد عند انقطاع الكهرباء الذي قد تصل مدته لأكثر من ست ساعات يومياً، خاصة مع إصابته بحساسية الصدر والجيوب الأنفية منذ الصغر: "ذات ليلة استيقظت وأنا أحتضر تقريباً وعاجز عن التنفس، تناولت حبوب الاستنشاق وجلست في الشارع لأكثر من ساعتين فجراً حتى عادت الكهرباء".

الجو في الفترة الحالية كارثي، يمكن وصفه بأنه مميت في بعض فترات النهار.

يرى محمد أن موجة الحر هذا العام غير مسبوقة، ويشعر بوطأتها أكثر مع إقامته في منطقة ريفية تحيطها الأراضي المزروعة التي تناقصت مساحاتها كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب انتشار المباني وتوسع الحركة العمرانية.

"كيف أتعامل مع هذه الحرارة المرتفعة؟ أستحم كل ساعة أو ساعتين تقريباً، وأشرب الكثير من المياه والعصائر وأتناول الفاكهة، وأشغّل المراوح عند الإمكان، وطبعاً لا أخرج من المنزل نهائياً، كما أضفت مادة عازلة للحرارة وأشعة الشمس على سطح المنزل، وعوازل قماشية للشرفات لتفادي المزيد من أشعة الشمس عليها"، يقول الرجل مضيفاً أنه يفكر بشراء مكيّف للمنزل بعد أن كان رافضاً للفكرة لأنها "مش مستاهلة"، مع مولد كهربائي لتفادي انقطاع التيار لساعات طويلة.

وبالنسبة لأمل أحمد، وهي سيدة عشرينية حامل الآن بطفلها الأول ومقيمة أيضاً في محافظة الغربية، فإن منزلها الواقع في الطابق الأخير دون وجود شقة أعلى من شقتها، يجعل التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة صعباً للغاية. تقول لرصيف22: "أغلب الوقت أجلس شبه عارية وأحياناً أضطر للجلوس تحت المياه لساعة أو ساعتين متواصلتين، لكن أحياناً تكون المياه ساخنة أيضاً فأترك شقتي وأذهب لبيت أمي حتى المساء".

لا تمتلك أمل أي وسيلة تساعدها على التكيف مع هذا الجو، فحتى بوجود المراوح تتصبب عرقاً وتتنفس بصعوبة، ومرات كثيرة تشعر بالاختناق. باختصار تقول بأنها تعاني في الأيام الأخيرة "بشكل لا يمكن تصوره على الإطلاق".

"حلول بدائية"

اليمن بدوره يشهد موجة من الحرارة الشديدة خاصة في المحافظات الساحلية حيث تتجاوز درجات الحرارة الأربعين مئوية، في ظل استمرار الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي، وغياب وسائل تخفيف الحرارة الخانقة، وعدم قدرة مئات آلاف الأسر على توفير بدائل من مكيفات ومبردات تقيهم حر الصيف وانتشار الأمراض.

وتتحدث الصحافية والكاتبة المقيمة في مدينة تعز بشرى الحميدي عن لجوء كثير من اليمنيين لحلول بدائية، مثل تعبئة الخزانات بالمياه كي يبللوا ملابسهم، وشراء قوالب الثلج وقد أصبح الحصول على ماء بارد شغلهم الشاغل.

أستحم كل ساعة أو ساعتين تقريباً، وأشرب الكثير من المياه والعصائر وأتناول الفاكهة، وأشغّل المراوح عند الإمكان، وطبعاً لا أخرج من المنزل نهائياً، كما أضفت مادة عازلة للحرارة وأشعة الشمس على سطح المنزل، وعوازل قماشية للشرفات لتفادي المزيد من أشعة الشمس عليها

تضيف الحميدي لرصيف22: "يعيش الأهالي مخاوف على أطفالهم بالدرجة الأولى، نظراً للأمراض التي تسببها موجة الحر ومنها الجفاف وضربات الشمس والتسمم الغذائي، ما يضاعف ضغوط الحياة وسط تردي الواقع المعيشي، وتحاول الأمهات تخفيف تأثير ارتفاع درجات الحرارة عن أطفالهن بتجريدهم من ملابسهم ووضعهم في أوعية مليئة بالماء، إلى جانب الخروج من المنزل مساء إلى الشوارع".

كما تزداد معاناة قاطني المخيمات في اليمن وفق حديث الحميدي، "إذ تلقي أزمة انعدام المياه النظيفة ومياه الشرب ووسائل النظافة الشخصية بثقلها على كاهلهم، وترتفع الحرارة داخل الخيام وينتشر الغبار الكثيف في كل مكان، كما يصعب تبريد الخيام أو تبريد الأطفال أثناء ارتفاع درجات الحرارة، وسط غياب أي نوع من الحلول الجذرية، فتتحول الخيام إلى ما يشبه الفرن، ما يدفعهم إلى ترطيبها من الماء المعاد استخدامه، كون المياه الجديدة مخصصة للأمور الأكثر أهمية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard