شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"The Goat life"... الفيلم الذي أغضب السعوديين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 19 أغسطس 202411:04 ص
Read in English:

"The Goat Life”: The film that angered the Saudis

ليست السينما حدثاً عارضاً في الهند وحياة مواطنيها، فالبلد الذي ينتج قرابة 2000 فيلم سينمائي سنوياً، يتنفّس هذا الفن ويُظهر من خلاله ثقافته الخاصة وتنوع مصادرها، حتى صراعاته السياسية والدينية والإثنية، منذ أن سطع نجم "الشاب الغاضب" أميتاب باتشان، في سبعينيات القرن الماضي، حتى بداية الألفية الجديدة، مع ظهور أفلام مغايرة للحبكة الهندية التي عرفت بل وعُيّرت بها، مع شاروخان وفيلم "اسمي خان"، الذي ناقش بكل جرأة ما يتعرّض له المسلمون بعد تفجير 11 سبتمبر، أو أفلام مثل "بينك" الذي ناقش قضية العنف ضد النساء وباجرنجي باهيجان الذى ناقش قضية الصراعات السياسية بين الدول الجارة.

قدّمت لنا مؤخراً هذه الجدلية الهندية فيلماً جديداً من خلال منصة نتفليكس، يناقش قضية شائكة هي قضية العمالة المهاجرة في البلدان الخليجية، عن قصة حقيقية لأحد مواطنيها الذين سافروا للسعودية، وبدأ الجدال...

"حياة الماعز"

يبدأ الفيلم (ثلاث ساعات) بعرض حياة نجيب محمد، الشاب البسيط من ولاية كيرلا، والذي يحلم بفرصة السفر لتحقيق أحلامه وتأمين مستقبل طفله الذي لم يولد بعد، وكالقصة المعتادة، يحاول نجيب وشقيقه الأصغر الحصول على تأشيرة لدولة خليجية بمقابل مادي، وبعد معاناة لجمع أموال التأشيرة، ينجح نجيب وشقيقه في الحصول على عمل في شركة سعودية، وتتحوّل الحياة لحلم وردي جميل حتى يصلا مطار جدة، وهنا تنقلب حياته رأساً على عقب بعدما يستقبله الكفيل ويقوم بإجباره على البقاء وحيداً في الصحراء، بدون صحبة إلا الماعز، حتى أصبح واحداً منها، دون مشاعر أو إحساس بالوقت، أو حتى رغبة في التحدّث أو التفكير، ما أثر على ذاكرته ومخارج ألفاظه في وقت لاحق، وتتوالى أحداث الفيلم المأساوية حتى ينجو نجيب بعد ثلاث سنوات من تلك المعاناة بمعجزة حقيقية.

قدّم الممثل العماني طالب البلوشي شخصية الكفيل السعودي القاسي، كما كانت هناك مشاركة للممثل الأردني عاكف نجم، ما أثار غضب الجمهور السعودي على السوشيال ميديا

عُرض الفيلم لأول مرة في 29 آذار/مارس الماضي، وحقق قرابة البليون روبية (حوال 12 مليون دولار) في أرجاء الهند، رغم أنه لم يُعرض باللغة الهندية الرسمية، فالبطل يتحدّث لغة الماليالامية، لغة سكان ولاية كيرلا.

قدّم الممثل بريثفيراج سوكوماران، الشخصية بشكل أثار إعجاب بطل القصة الحقيقية، والذي علّق على أداء البطل بجملة: "شعرت بأنني أرى انعكاسي في معظم مشاهد الفيلم". وقام الممثل العماني طالب البلوشي بدور "الكفيل السعودي" بشكل يُعرض ربما للمرة الأولى في السينما، ما أثار الجدل الواسع حول الفيلم. وشخصية الكفيل هنا شخصية رجل مجرّد من الرحمة، يتعامل مع الجمال والماعز بطريقة أفضل من عامله، ويرفض أن يعطيه أبسط حقوقه وكأنه لا يستحق الحياة كإنسان، بل ويحاول السيطرة عليه كحيوان وتجريده من آدميته، سواء بالضرب أو بإطلاق الرصاص على إحدى ساقيه لمجرّد التذمّر. الممثل طالب البوشي عُماني الجنسية، ولكنه يعتبر شخصية مؤثرة في سينما المالاليان الهندية، نظراً لمشاركاته العديدة سواء كمؤلف أو ممثل، كما لم يخلُ الفيلم من مشاركة أخرى عربية من الممثل الأردني عاكف نجم، والذي ظهر كضيف شرف في الفيلم.

من هو نجيب محمد؟

قام الكاتب الهندي بينيامين بنشر القصة الكاملة بعنوان "أيام الماعز" في عام 2008، وذكر أن القصة الحقيقية حدثت عام 1992، حيث كانت دول الخليج في عملية استيراد هائلة للعمالة الهندية، وكان نجيب واحداً من هؤلاء الشباب الذين نجحوا في الحصول على فرصة بعدما دفع مبلغ 55 ألف روبية (650 دولاراً) لتأشيرة عمل بالسعودية، وكانت حياته ستكون مختلفة كلياً لو لا قيام أحد السعوديين باختطافه من المطار، مستغلاً عجز الشاب بسبب اللغة، ومظهره الذي يوحي بعدم الخبرة وحداثة العهد بالسفر أو التعامل مع العالم الخارجي.

يروي الكاتب عن لسان نجيب الكثير من المواقف المجرّدة من الإنسانية التى تعرّض لها خلال ثلاث سنوات، منها النوم بجوار 700 معزة، وعدم وجود ملابس سوى التى يرتديها وعدم السماح له باستخدام المياه، سواء للاستحمام أو قضاء حاجته، وعدم تقديم طعام له سوى الخبز والبصل، بجانب تعرّضه الدائم للتعذيب وإتلاف أوراقه الرسمية حتى لا يتسنّى له الهرب من تلك الصحراء التى لا نهاية لها، على حد وصفه.

 يُعرض الفيلم منذ شهر عبر منصة نتفليكس، إلا أن الهجوم السعودي لم يبدأ سوى منذ أيام قليلة، ويعود ذلك لعدم إتاحة خاصية الترجمة العربية من قبل، وبالتالي لم يحصل على الاهتمام الكافي من المشاهد العربي

ردود الأفعال الهندية

رغم نجاح نجيب بالعودة إلى وطنه بعد ثلاث سنوات مرعبة، إلا أنه لم يستطع تجاوز الأمر حتى بعد عشرات السنوات، وخاض العديد من البرامج العلاجية العضوية والنفسية حتى يستطيع مواصلة حياته بشكل طبيعي فقط، وتولت العديد من الجمعيات الهندية حالة نجيب على عاتقها، ولكن بعد صدور الفيلم، انطلقت حملات عديدة للمطالبة بمراقبة الانتهاكات ضد العمال الهنود حول العالم، وضرورة وضع قوانين لحماية هؤلاء العمال مادياً ومعنوياً، كما أصبح نجيب ضيف العديد من القنوات، وتهافتت الصحف والمواقع لنشر أحاديث صحفية تجعله يحكي عن تجربته بشكل مفصل، كي لا تتكرّر التجربة مع أحد آخر.

الهجوم السعودي

رغم أن الفيلم يُعرض منذ شهر عبر منصة نتفليكس، إلا أن الهجوم السعودي لم يبدأ سوى منذ أيام قليلة، ويعود ذلك لعدم إتاحة خاصية الترجمة العربية من قبل، وبالتالي لم يحصل على الاهتمام الكافي من المشاهد العربي، ولكن بعد النجاح الكبير الذي حققه الفيلم والجدل العالمي حول تلك القضية، تحوّلت أنظار العالم العربي ،خاصة السعودية، نحو الفيلم الذي قام البعض منهم بانتقاده قبل مشاهدته، وهذا ما ظهر بقوّة من خلال منصة "إكس" الذي أصبحت أداة هجوم الجمهور السعودي على الفيلم وصنّاعه مع تداول العديد من المعلومات الخاطئة حول الفيلم.

فمثلاً ذكرت العديد من التغريدات أن الفيلم صُوّر بدولة الإمارات، ما جعل الهجوم يشملها هى وسلطنة عمان (موطن البطل الثاني للفيلم) في حين أن الفيلم تمّ تصويره ما بين صحراء الأردن والجزائر وولاية كيرلا، كما أن مشاركة ممثلين عرب من جنسيات مختلفة لا يمثّل موقف الدول نفسها، ولا يمثلّ حتى موقفاً شخصياً للممثل، لأن القصة لا تخضع لآراء أو مواقف، بل هي أحداث حقيقية ووقائع مثبتة، تعتبر جرائم ضد الإنسانية بشكل عام دون الانحياز لجنسية دون أخرى، لكن هذا المنطق البسيط لم يعف المغردين من الهجوم على الدول المذكورة.

شمل الهجوم السعودي وأصحاب "نظرية المؤامرة ضد السعودية" صنّاع العمل الذين "يلفقون التهم الجاهزة" ويستهدفون موقع "بلد الحرمين"، حسب رأيهم، ولكن دون سبب واحد منطقي يدفع هؤلاء الصنّاع لتوجيه وتلفيق التهم لدولة بحجم السعودية مازالت الجالية الهندية من أكبر الجاليات على أراضيها، والملاحظ أن الهجوم السعودي لم يتطرّق لقصة نجيب نفسها أو المعاناة التي مرّ بها، بل أجمعت الآراء فقط على رغبة صنّاع العمل والممثلين بتشويه السعودية وصورة الكفيل وتواطؤ بعض الدول العربية مع الهند، والتشكيك فى نوايا منصة نتفليكس التي لا نبرّئها بالتأكيد، لكن في سياقات مغايرة لهذا السياق.

العديد من القصص المأساوية عاشها عمّال من مصر وعمان والأردن وسوريا واليمن، إضافة للعمالة الأجنبية، تسبّب بها نظام الكفيل، تمّ كشف بعضها سابقاً وتزايد الكشف عنها بشكل ملحوظ عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد عرض الفيلم

نظام الكفيل

لم تكن هذه المرة الأولى التي تثير فيها شخصية الكفيل الجدل وتوجيه اتهامات تتعلّق بانتهاكات لإنسانية العمال الأجانب في الأراضي السعودية، ففي عام 2020، قامت العديد من وكالات الأنباء العالمية بنشر تقرير حول شهادات مروّعة لعمال أثيوبيين تم احتجازهم في السعودية للعمل بالإجبار، دون توفير أدنى مستويات الرعاية الاجتماعية، رغم وجود وباء كورونا القاتل في ذلك الوقت، ووصف العمالُ السعودية حينها بالجحيم، بسبب ما قام به الكفيل الخاص بهم من ممارسات غير إنسانية، ما جعل الحكومة السعودية نفسها تطلق مبادرة تسمى "تحسين العلاقات التعاقدية للعاملين" وإلغاء نظام الكفيل المثير للجدل في عام 2021، إلا أن قرارات صدرت لاحقاً بإخضاع بعض المهن لنظام الكفيل، أي العمل بنظام الكفيل مرة أخرى ولكن بشكل جزئي، وبالتالي استمرار الأزمة، لأن المهن الخاضعة للنظام هي نفسها المهن التي عانت لسنوات من الكفيل وسلطاته التي تشبه نظام عبودية مقنن.

العديد من القصص المأساوية عاشها عمّال من مصر وعمان والأردن وسوريا واليمن، إضافة للعمالة الأجنبية، تسبّب بها نظام الكفيل، تمّ كشف بعضها سابقاً وتزايد الكشف عنها بشكل ملحوظ عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد عرض الفيلم، وحالات أخرى مسكوت عنها بسبب الخوف من فقدان العمل أو غضب الكفيل أو الاضطهاد الذى قد يطول في بعض الأحيان أسرة العامل أيضاً وليس العامل نفسه فقط، لكن المعاناة الكبرى في هذا النظام تقع على عاتق العمال الأجانب من الهند وبنجلاديش وباكستان وأثيوبيا والفلبين، وغيرهم من دول شرق آسيا وأفريقيا الوسطى، بسبب اللغة والجهل بشروط التعاقد، وغالباً ما يكونون من طبقات اجتماعية غير متعلمة، ما يجعلهم عرضة للانتهاكات غير الإنسانية.

وبعد كل ما خلّفه الفيلم من جدل على صعيد دولي، إلا أنه على المستوى الفني، ودون النظر إلى أي أبعاد أخرى، يعتبر وجبة فنية دسمة ويحقق كل معايير الأعمال الفنية العظيمة، لذا ينصح بمشاهدته سواء كنت مهتمّاً بالقضايا الإنسانية أو محباً للسينما الهندية فقط.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard