قررت النيابة العامة العسكرية الإسرائيلية والدفاع العام العسكري أمس الثلاثاء 13 آب/ أغسطس، إحالة الجنود الخمسة المشتبهين باغتصاب أسير فلسطيني في معتقل "سدي تيمان" الإسرائيلي إلى الحبس المنزلي لمدة عشرة أيام، بعد دفع كفالة مادية قدرها 5 آلاف شيكل (ما يعادل 1350 دولاراً).
وقال بيان للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه سيتم استجواب الجنود الأسبوع المقبل فور انتهاء التحقيق، وقبل أن تُقدّم لوائح اتهام بحقهم.
بدورها، قالت النيابة العامة إن "لهؤلاء الجنود عائلات، وإنهم لا يشكلون خطراً على الجمهور، لذلك وجب تسريحهم إلى بيوتهم".
ويأتي هذا الادعاء بالتزامن مع ادعاءات أخرى من قبل محامي الدفاع تقول إن "ثمة صعوبات في مسار التحقيق لإثبات التهم".
وقد ذهب هذا "التعاطف" الإسرائيلي مع الجنود المتهمين باغتصاب أسير فلسطيني والتسبب بنقله إلى المستشفى، حدّ اقتحام عشرات الإسرائيليين معتقل "سدي تيمان" في 29 تموز/ يوليو 2024، احتجاجاً على اعتقال الشرطة العسكرية الإسرائيلية جنود الاحتياط المتهمين بالاغتصاب.
وربما بلغ التعاطف مستوى "التطبيع" مع قضية اغتصاب الأسرى الفلسطينيين وشرعنتها، حتى بعد أن نشرت الصحف العبرية فيديو مسرّباً من المعتقل، يظهر فيه جنود احتياط وهم يجرون أسيراً ويخفونه عن عيون الكاميرات ويقومون باغتصابه.
فقامت القناة 14 الإسرائيلية، بعد أيام من تسريب الفيديو، باستضافة أحد الجنود المتورطين باغتصاب الأسير، ويدعى مئير من وحدة 100. فظهر هذا ملثماً ومادحاً احتجاج إسرائيليين للدفاع عنه وعن زملائه الجنود، مؤكداً أنه "حافظ على القانون داخل المعتقل وأنه من الصعب الوقوف أمام المجرمين والمغتصبين الأسرى"، بحسب تعبيره.
ليكشف جندي الاحتياط عن هويته ووجهه، بعد استضافته في القناة، في فيديو على منصة "إكس".
فتح التحقيق من باب رفع العتب
وبحسب تحقيق موسع أجرته "وول ستريت جورنال"، التي استندت فيه إلى التحقيق الذي أجرته السلطات العسكرية الإسرائيلية مع جنود احتياط حول ارتكاب انتهاكات جنسية بحق معتقل فلسطيني، فقد أُفرج عن خمسة منهم، ونفوا جميعاً التهم المنسوبة إليهم.
وكان التحقيق قد كشف بأن اثنين من الجنود كذبا أثناء التحقيقات معهما، وفق وثيقة إسرائيلية نشرتها القناة 12، تبين حالات الكذب وفق جهاز كشف الكذب. إذ طُرح سؤالان متطابقان على المشتبه بهما، الأول: هل أدخلت شيئاً في شرج الفلسطيني أثناء التفتيش؟ والثاني: "هل تخفي هوية الشخص الذي أدخل شيئاً في شرج الفلسطيني؟" أجاب المشتبه بهما بالنفي على كلا السؤالين، وأثبت جهاز كشف الكذب أنهما لا يقولان الحقيقة.
لكن هل للأدلة البصرية أو نتائج التحقيق الأولي وزن حقيقي في المسار القضائي الإسرائيلي الذي غض الطرف، أو ربما أيد انتهاكات تاريخية طويلة بحق الأسرى الفلسطينيين؟ تقول المحامية عبير بكر لرصيف22: "لو كانت المؤسسات الإسرائيلية تريد حقاً احترام القانون بنية صافية، لكانت وضعت حداً لجميع الانتهاكات التي تجري داخل السجون منذ بداية الحرب على غزة".
وتضيف: "لكن النيابة العامة والمحكمة العليا الإسرائيلية امتنعتا عن التدخل لإيقاف استمرار التعذيب، حتى بعد وصول أنباء عن استشهاد أسرى تحت التعذيب".
تجربتنا القضائية في المرافعات القانونية بالمحاكم الإسرائيليّة كافية لأن نعلم أن كل هذا المشهد ما هو إلا مسرحية ومهزلة تحاول من خلالها هيئات إنفاذ القانون استعادة مكانتها أمام الرأي العام
وتؤكد بكر أن الحديث لا يدور عن معتقل "سدي تيمان" الذي ذاع صيته بعد الشهادات التي أدلى بها أسرى غزيون تم تسريحهم إلى غزة، أو شهادات الاغتصاب التي نُقلت على لسان الصحافي محمد عرب من قبل وكيله المحامي خالد محاجنة، الذي كان أول مدني يزور المعتقل ويستمع إلى أساليب التعذيب المروعة من هناك.
بل يدور الحديث أيضاً عن كل المنشآت التي يُعتقل فيها الفلسطينيون من غزة والداخل والضفة والقدس الشريقة، بحسب بكر.
"إن تناول قضية الاغتصاب في "سدي تيمان" في الإعلام الأجنبي، وتسريبات الأطباء الذين أشرفوا على علاج الأسرى الذين بُترت أطرافهم، هو ما أحرج المؤسسة، التي بدت وكأنها تهتم بحقوق الأسرى"، تؤكد بكر.
وتشير إلى "أن عدم تحقيق إسرائيل بتهم التحريض على إبادة جماعية، ورّطها قانونياً ودولياً، فبدأت بفتح التحقيقات من باب رفع العتب والتضليل".
وترى بكر أننا "نتحدث عن جهاز قانوني تغاضى عن التحقيق بجرائم ارتكبت على مدى عشرة أشهر، وهذا يكفي لجعله مسؤولاً عن استمرار هذه الانتهاكات، وليس أفراد من الجيش بعينهم. بل إن إلقاء المسؤولية على جندي تأتي من أجل حماية المسؤولين عن إنفاذ القانون".
نصف الإسرائيليين يؤيدون اغتصاب الأسرى
أكد الفيديو الذي يوثق حالة الاغتصاب، وشهادة الطبيب الذي استقبل الأسير المغتصَب في المستشفى وجود "إصابة خطيرة في المؤخرة ناجمة عن إدخال جسم غريب"، بالإضافة إلى الشهادات التي نشرها مركز المعلومات الإسرائيلي "بتسيلم" تحت عنوان "أهلاً بكم في جهنم"، ووثق شهادات 55 أسيراً فلسطينياً تطرق جزء منها إلى حالات اغتصاب اعتداءات جنسية، وأبدت فئات كثيرة من المجتمع الإسرائيلي تأييداً لجميع أنواع التنكيل بالأسرى، بما فيها الاغتصاب.
فقد أظهر استطلاع صادم للقناة 12 الإسرائيلية أن 47% من الإسرائيليين يوافقون على إعطاء الحق للجندي الإسرائيلي باغتصاب المعتقل الفلسطيني.
وعلى الرغم من أن القناة 12، قالت في تقرير لها إن "المعتقل الذي يظهر في الفيديو لم يشارك في عملية 7 أكتوبر، وبحسب معلومات شعبة الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية، فهو ضابط في شرطة حماس، وكان يعمل في قسم مكافحة المخدرات"، إلا أن صحافيين إسرائيليين يستغلون ما روجت له أطراف كثيرة في إسرائيل بأن كل غزي هو "متورط" مع حماس، وبأن كل "متورط" محسوب على "النخبة" التي شاركت في أحداث 7 أكتوبر
فظهر الصحافي الإسرائيلي، يهودا شليزنجر، أثناء استضافته في القناة 12 الإسرائيلية وقال: "من المؤسف أنهم- أي الجنود الإسرائيليون- لا يفعلون ذلك بشكل منظم كجزء من سياسة التنكيل بالمعتقلين".
وأضاف: "هذا ما يستحقه هؤلاء. وهذا أجمل انتقام علينا أن نقدمه لهم. وربما يمكننا استخدام ذلك كوسيلة للردع".
وتُلاحظ، أيضاً، تعليقات المواطنين الإسرائيليين على الأخبار التي ينشرها الإعلام العبري في السياق نفسه. فيقول تعليق نُشر باسم "مواطنة" في صحيفة معاريف: "أي شخص لديه شك حول ما يجب فعله مع المعتقلين، يجب أن يشاهد مقاطع الفيديو من السابع من أكتوبر. عار على الشرطة العسكرية، هل انتهوا من التحقيق في كل المواضيع الأخرى؟"
وفي تعليق آخر منشور في نفس الصحيفة على الخبر عينه يقول: "عالم مقلوب- حماس يعذبون الرهائن ويرسلون الفيديوهات إلى بن غفير- وفي المقابل الشرطة العسكرية لدينا تعتقل الجنود الاحتياطيين بسبب سوء معاملة الإرهابيين... إذا لم يكن هذا بسبب سياسة اليسار التي تخشى من محكمة العدل الدولية، فأنا لا أعرف. أين الوطنية؟ أين الدفاع عن الجنود؟ عار، عار، عار."
أظهر استطلاع صادم للقناة 12 الإسرائيلية أن 47% من الإسرائيليين يوافقون على إعطاء الحق للجندي الإسرائيلي باغتصاب المعتقل الفلسطيني
وربما يستمد المؤيدون لاغتصاب الأسرى الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي هذه الشرعية من المستوى السياسي الذي أدانوا جهاراً التحقيق مع الجنود المتهمين واعتبروهم أبطالاً.
فقد علق إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي- والمسؤول المباشر عن سياسة تصعيد التعذيب في السجون منذ بدء الحرب- على اقتياد الجنود المتهمين والتحقيق معهم بقوله: "المشهد الذي يظهر فيه رجال الشرطة العسكرية وهم يعتقلون أفضل أبطالنا في "سدي تيمان" هو أمر مخزٍ للغاية".
كما أوصي وزير الدفاع ورئيس الأركان وسلطات الجيش بدعم المقاتلين والتعلم من مصلحة السجون: "لقد انتهى وقت التسامح مع الإرهابيين. يجب أن يحصل المقاتلون على دعم كامل"، بحسب ما نشره موقع القناة 12 العبرية.
وفي سياق متصل رفض وزير المال بتسئليل سموتريتش قضية التحقيقات مع المتهمين بقوله: "جنود الجيش الإسرائيلي يستحقون الاحترام، ولن يُعتقلوا كآخر المجرمين. أدعو المسؤولة القانونية للجيش إلى رفع يديها عن جنودنا الأبطال".
هل تخاف إسرائيل من الرأي العام؟
يؤكد الكاتب والباحث الفلسطيني د. عقل صلاح أن "ملف الأسرى وقتل العشرات منهم هو مادة دسمة لمحاكمة إسرائيل إن رفعت السلطة الفلسطينية دعوى إلى محكمة الجنايات الدولية. ولعل إسرائيل تريد تخفيف حدة الانتقاد الموجه لها والساعي إلى تشويه صورتها، عبر القول إنها معنية بالتحقيق في الانتهاكات ضد الأسرى. فهي تعلم علم اليقين أن دافع حماس من وراء السابع من أكتوبر هو تحرير الأسرى أصحاب المؤبدات، وعددهم حوالي 550 أسيراً".
ويرى الباحث أن قضية الاغتصاب قد تُعرض القادة الإسرائيليين، سيما المسؤولين عن سياسة السجون، للاعتقال في الخارج ورفع قضايا في المحكمة الدولية ومحكمة الجنايات الدولية".
من جانبها، تذكّر المحامية عبير بكر بمحاكمة إسرائيل وقادتها في الهيئات القانونية الدولية: "وهذا ما يجعلها مستنفرة اليوم، فهي تحاول أن تُقنع هذه الهيئات بأن لديها نظاماً قانونياً وهيئات تحقيق غير منحازة ومستقلة، تحقق بكل الشبهات التي تشير إلى وقوع جرائم حرب".
ربما يستمد المؤيدون لاغتصاب الأسرى الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي هذه الشرعية من المستوى السياسي الذي أدانوا جهاراً التحقيق مع الجنود المتهمين واعتبروهم أبطالاً
"لكن تجربتنا القضائية في المرافعات القانونية بالمحاكم الإسرائيليّة كافية لأن نعلم أن كل هذا المشهد ما هو إلا مسرحية ومهزلة تحاول من خلالها هيئات إنفاذ القانون استعادة مكانتها أمام الرأي العام الدولي، في الوقت الذي كانت هي شريكة فعالة بملاحقات الفلسطينيين والتغاضي عن تحريضات لإبادة جماعية"، تؤكد بكر.
وعلى الرغم من أن جميعات حقوقية إسرائيلية تطالب بإغلاق المعتقل، فإنّ تحريض المستوى السياسي وأطياف كبيرة من المجتمع الإسرائيلي على الفلسطينيين، قد يجعل هذه المطالبات حبراً على ورق.
فقد طالبت جمعيات حقوقية في جلسة للمحكمة العليا التي انعقدت في السابع من آب/ أغسطس الجاري، بإغلاق معتقل "سدي تيمان" مدعيةً بأن الأدلة تراكمت حول الانتهاكات داخله، وتكشف عن واقع لا يمكن تصوره.
لكن الجمهور أثار حالة من الشغب والصخب داخل الجلسة. حين ردد البعض: "عار… عار". وطالب آخرون بمزيد من الاغتصاب مرددين: "الشعب هو الملك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com