شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كيف تتخزّن المشاعر السلبية في الجسد في ظلّ الأزمات؟

كيف تتخزّن المشاعر السلبية في الجسد في ظلّ الأزمات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الخميس 8 أغسطس 202412:44 م

في ظلّ الأزمات المتتالية والضغوط اليومية التي تحيق بلبنان والمنطقة العربية، نجد أنفسنا محاطين بمشاعر القلق والخوف التي تتسلّل إلى أعماقنا وتثقل كواهلنا.

هذه المشاعر السلبيّة ليست مجرّد أفكار تجول في أذهاننا، بل هي طاقة تتراكم في أجسادنا، مسببّةً توترات وآلاماً جسديةً لا يمكن تجاهلها.

كيف يقوم الجسد بتخزين هذه المشاعر؟ وما هي الآثار الجسدية التي قد تظهر نتيجة ذلك؟ كيف يتفاعل الجسد مع التوتر والقلق المتزايد؟ وكيف يمكننا مواجهتهما بطرائق فعّالة لاستعادة توازننا النفسي والجسدي وسط هذه الظروف الصعبة؟

تخزين المشاعر السلبية في الجسد

"لنتفقّ بدايةً على أن مفهوم تخرين المشاعر السلبية في الجسد يأتي من الحضارات القديمة، خصوصاً الطبّ الصينيّ التقليديّ. أمّا في علم النفس الحديث، فهو معروف باسم طبّ نفس جسدي"؛ بهذه الجملة توضح المعالجة النفسية ريما ذياب، مفهوم تخزين المشاعر السلبية في الجسد.

وتضيف لرصيف22: "في الواقع، ليس هناك من مكان معيّن في الجسد تتخزّن فيه المشاعر؛ ففي الطب الصينيّ القديم يُقال إن مشاعر الغضب تتخزّن في الكبد، ومشاعر الحزن في الرئتين، ومشاعر الفرح في القلب، ومشاعر القلق في الطحال".

وتتابع: "أمّا في العلم النفسي الحديث، فلم يتمّ التحدّث عن مكان معيّن في الجسد قد تتخزّن فيه المشاعر، إنما تمّ التحدّث عن العلاقة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية".

"في الطب الصينيّ القديم يُقال إن مشاعر الغضب تتخزّن في الكبد، ومشاعر الحزن في الرئتين، ومشاعر الفرح في القلب، ومشاعر القلق في الطحال"

تشرح ريما ذياب كيف تؤثّر الصحة النفسية على الصحة الجسدية، موضحةً أن القلق من أكثر المشاعر التي يعيشها الشعب اللبناني اليوم في ظلّ الظروف التي يشهدها، وهذه المشاعر تختلف من شخص إلى آخر: "بعض الأفراد قد يشعرون بالتوتر، إمّا من خلال دقّات القلب السريعة، أو من خلال شدّ العضلات في الرقبة والظهر. أمّا البعض الآخر، فقد يُصاب بأمراض الأكزيما بسبب القلق".

كذلك، توضح أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز الهضمي، مثل الإمساك والإسهال نتيجة التوتر القائم في لبنان.

من ناحية أخرى، تقول ذياب، إن غالبية الأشخاص، في الوضع الراهن، تكون أجسادهم في جهوزية كاملة بشكل واعٍ أو لاواعٍ: "أجسادنا تفرز الكورتيزول والأدرينالين طوال الوقت، ممّا يؤدّي على المدى القصير إلى مشكلات جسدية مثل دقات القلب السريعة، شدّ العضلات، والتنفّس السريع أو البطيء. أمّا على المدى البعيد، فيشعر جسدنا بأنّه مُتعب، وتالياً يتأثّر وزننا، ويصبح جهازنا المناعي ضعيفاً، ونصير أكثر عرضةً للمرض. من هنا، فإن إفراز هذه الهرمونات بكثرة بسبب القلق الناتج عن الأحداث التي يمرّ بها لبنان، هو بمثابة تخزين للمشكلات الجسدية التي ستظهر أكثر على المدى البعيد".

علامات تشير إلى أن الجسد يخزّن المشاعر السلبية

توضح ريما ذياب أن هناك ثلاث علامات أساسية تشير إلى تخزين الجسد للمشاعر السلبية:

-العلامات الجسدية: منها مشكلات في الجهاز الهضمي أو العصبي، ومشكلات في الجلد. هذه العلامات تثبت أن الجسد قد تعب من القلق ومما يحصل. وفي هذا السياق، يكشف موقع Mind، أنّ المرء عندما يواجه مستويات عاليةً من التوتر، فإن هذه الآثار الجسدية يمكن أن تتفاقم وقد تُحدث ما يسمى بمتلازمة القلب المكسور، أي اعتلال عضلة القلب تاكوتسوبو، وهي حالة مشابهة بأعراضها للنوبة القلبية، وعند السيدات، يمكن أن يسبب التوتر في انقطاع الطمث الثانوي، ويحدث هذا عندما لا تأتي الدورة الشهرية لمدّة ثلاثة أشهر أو أكثر.

-العلامات العاطفية: منها تقلّب المزاج، عدم التركيز، وعدم الشعور بشيء، وكلّها علامات تدلّ على أن الجسم لم يعد يتحمّل هذا القلق وأصبح يحمي نفسه من الأوضاع التي تحدث من حوله.

-العلامات السلوكية: مثل الإفراط في التدخين وشرب الكحول، وتأجيل العمل أو كثرة العمل، والانفعال المبالغ فيه وعدم الخروج من المنزل.

"أجسادنا تفرز الكورتيزول والأدرينالين طوال الوقت، ممّا يؤدّي على المدى القصير إلى مشكلات جسدية مثل دقات القلب السريعة، شدّ العضلات، والتنفّس السريع أو البطيء. أمّا على المدى البعيد، فيشعر جسدنا بأنّه مُتعب، وتالياً يتأثّر وزننا، ويصبح جهازنا المناعي ضعيفاً، ونصير أكثر عرضةً للمرض"

يكشف عماد (30 عام) أنّه كلّما سمع جدار صوت، يشعر بنبضات قلبه تتسارع، ويبقى على هذه الحالة لساعات طويلة، فالقلق يسيطر عليه على الرغم من أنّه يدرك أنّه مجرّد جدار صوت.

أمّا ستيفاني (اسم مستعار)، التي تعيش في الجنوب، فلم تعد أعصابها قادرةً على تحمّل التوتر، وفق ما تشرح لرصيف22: "عم ضلّ متوترة كلّ الوقت، بحسّ جسمي مشدود ومعدتي مكربجة، وما تعوّدت لا على صوت القصف ولا على صوت جدار الصوت"، كاشفةً أنّها قررت اللجوء إلى معالج نفسيّ لأن الخوف والتوتر يسيطران عليها بشكل دائم.

بدوره، يقول إبراهيم البالغ من العمر 60 عاماً، إنّه لا يزال حتى اليوم، يخاف على نفسه وعلى أولاده وأحفاده، على الرغم من أنّه عاش الحرب. يقول لرصيف22: "أنا وزوجتي نعيش وحدنا في بيروت، ولا يمكنني أن أصف مدى الرعب الذي نعيشه كلّما حصل شيء في المنطقة. نحن لا نقلق على أنفسنا فحسب، بل يزداد هذا التوتر لأنّنا نفكّر في عائلتنا التي لا يمكننا حمايتها".

ويكشف أنّه يلجأ هو وزوجته إلى تدخين علبتَي سجائر أو أكثر في اليوم: "هذه الوسيلة الوحيدة التي تُشعرنا ببعض الراحة، وتزيل التوتر ولو قليلاً". ويضيف ضاحكاً: "هيدا أكثر سبب بخلّيني إتخانق مع ولادي وأحفادي".

وعن احتمال الهجرة، يقول ابراهيم: "بصراحة، أحياناً أتمنّى لو أذهب بعيداً من هنا. ولكن من ناحية أخرى، لا يمكنني أن أترك هذا البلد، خصوصاً أنّني قضيتُ فيه أجمل لحظات عمري. ليس من السهل التخلّي عنه".

طرائق التعامل مع تحرير المشاعر السلبية المخزّنة في الجسم

تشير ريما ذياب، إلى أنّنا وسط الأحداث التي يشهدها لبنان اليوم، ليس في استطاعتنا أن نعلم إلى أين سنذهب ولا حتى أن نتوقّع ما الذي سيحدث. هذا الأمر سيؤدّي إلى القلق والذي يعني بمفهومه الخوف من المجهول، وفق ما تقول: "هذه المشاعر تُعدّ طبيعيةً جدّاً، لأنّنا في الوضع الحالي لا نعلم ما إذا كان جدار صوت أو غارةً، وطبعاً لن نصل إلى مرحلة لا نشعر فيها بالقلق أبداً، فهذا ليس أمراً طبيعيّاً".

"عم ضلّ متوترة كلّ الوقت، بحسّ جسمي مشدود ومعدتي مكربجة، وما تعوّدت لا على صوت القصف ولا على صوت جدار الصوت"

تتابع: "جسدنا ليس جاهزاً لتجاهل التوتر، وهذه المشاعر جزء منها طبيعيّ، لكن في حال لاحظنا أن القلق يؤثّر على حياتنا اليومية، فيجب اتّباع هذه الخطوات:

- أن نكون واعين للمشاعر التي نحسّ بها وأن نفهمها.

- ممارسة اليقظة الذهنية، وتعني التركيز في الأمور الحالية، أيّ سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام. إذا تركنا عقلنا يسرح بمخيّلته، سيفكّر في الماضي والمستقبل ويولد لديه التوتر. أمّا في حال فكّرنا في الماضي والحروب، فسنشعر بالإحباط.

- ممارسة النشاطات البدنية مثل الرياضة، وتساعد في التخفيف من التوتر وإفراز الهرمونات التي تسبّب هذه المشاعر السلبية.

- التعبير من خلال الفنون كالكتابة والرسم.

- تلقّي دعم اجتماعي والابتعاد عن الأشخاص السلبيين.

- ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا والتنفّس العميق.

- التقليل من مشاهدة الأخبار، لأنّ التعرّض لها بكثرة يؤدي إلى القلق.

وتختم ريما ذياب: "بما أنّنا نعيش في توتر مستمرّ، سواء بسبب الأزمات الاقتصادية والهزات أو الوضع السياسي، فهذا الأمر يزيد من حدّة القلق. هناك العديد من الأشخاص الذين لم يشعروا بالخوف في حرب تموز، لكنّهم شعروا بهذا الإحساس الآن لأن جهازهم العصبيّ شعر بالتعب. لذلك من الضروريّ خلق روتين صحيّ، من خلال تناول المأكولات الصحية، والنوم 7 ساعات على الأقلّ، والابتعاد عن التدخين وشرب الكحول، وهذا بجانب طلب المساعدة من معالج/ ة نفسيّ/ ة، في حال ارتفعت نسبة التوتر". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image