أشهر جريمة قتلٍ اتُّهم بها الحشاشون في العصور الوسطى، هي الجريمة التي ربما لم تكن لهم أي يدّ فيها، وهي قضية مقتل وزير السلاجقة الحكيم الخواجة نظام الملك الطوسي، الذي عمل وزيراً في البلاط السلجوقي منذ عام 1064 إلى 1092م، ويُعدّ من أبرز الوزراء والمفكّرين السياسيين في إيران في العصر السلجوقي.
اكتسبت الطائفة الشيعية الإسماعيلية في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، العديد من الأتباع في إيران، التي كانت حينها تحت حكم الإمبراطورية السلجوقية السنّية المدعومة من الخلافة العباسية، وكانت الأخرى تقدّم الدعم العسكري والمالي للخلافة العباسية. خلال هذه الفترة، تشكلت حركة شيعية ناطقة أغلبها بالفارسية، في مواجهة هذه الإمبراطورية السُنّية الناطقة بالتركية.
وهذه الفرقة الشيعية الجديدة، التي تعرضت لاضطهاد كبير من قبل السلاجقة الأتراك، تمردت على الإمبراطورية، بقيادة حسن الصباح، وانطلق هذا التمرد من قلعة ألموت، وتوسع بشكل كبير، بعدما استطاع الإسماعيليون أن يغزوا المزيد والمزيد من القلاع في جميع أنحاء إيران وحتى في العراق والشام، ومن هنا اعتمدوا سياسة الكفاح المسلح، وبشكل أكثر دقّةً "اغتيال" الشخصيات العسكرية والدينية والسياسية، بهدف محاربة الخلافة السنّية والحكومة التركية.
أشهر جريمة قتلٍ اتُّهم بها الحشاشون في العصور الوسطى، هي الجريمة التي ربما لم تكن لهم أي يدّ فيها، وهي قضية مقتل وزير السلاجقة الحكيم الخواجة نظام الملك الطوسي
ولكن لم يكن الأمر سهلاً عليهم، حيث كان في البلاط السلجوقي، العديد من المثقفين والمفكرين الذين كانوا يحاربون الإسماعيليين بشتى الطرائق. من بين هذه الشخصيات البارزة والمؤثرة يمكن ذكر الوزير نظام الملك الطوسي، الذي كان يعتقد أنه يجب تكييف دين الدولة مع التفكير السياسي القديم لإيران، وبما أن السلاجقة المحاربون كانوا لا يعرفون طرائق وعادات فن الحكم والإدارة، فقد تم إسناد شؤون إيران السياسية والاقتصادية إلى الوزراء الإيرانيين خلال فترة حكمهم، وكان الخواجة نظام الملك أبرز هؤلاء الوزراء وأقواهم.
النهج المختلف لهؤلاء السياسيين الإصلاحيين والإسماعيليين، جعلهم على خلاف مع بعضهم بعضاً، إلى درجة أنه بعد مقتل الخواجة نظام الملك، اعتقد الكثيرون أنه قُتل على يد إسماعيليي ألموت.
الوزير الذي شيّد أكبر جامعة في عصره
كان الخواجة نظام الملك، فلاحاً إيرانياً، وُلد في مدينة طوس في خراسان (شمال شرق إيران). حاول من وجهة نظره إصلاح البلاد والمساعدة في إحياء التقاليد الإيرانية من داخل حكومة الأتراك السلاجقة.
درس الخواجة نظام الملك، العلومَ في مدينتَي طوس ونيشابور، ثم سافر إلى مَرو للمزيد من الدراسة، حيث التقى بالمتصوف الإيراني الشهير أبي سعيد أبو الخير. بعد ذلك بفترة ذهب إلى مدينة غزنة في أفغانستان التي كانت عاصمة الغزنويين آنذاك، وعند وصوله إلى المدينة دخل في خدمة الوزير السلجوقي أبي علي بن شاذان، وعمل عنده كاتباً.
الطوسي كان يؤمن بمبادئ المساواة الإسلامية، والتي بموجبها يجب أن يتمتع الأشخاص داخل الحكومة الإسلامية بفرص متساوية مع الآخرين بغض النظر عن مكانتهم.
في أثناء عمله كاتباً أثبت جدارته، ومن هذا المنطلق نصّبه ألب أرسلان، وزيراً له وهو في الثانية والثلاثين من عمره، وأوكل إليه جميع شؤون البلاد، وقدّم نظام الملك خلال فترة وزارته خدمات ثقافيةً هائلةً لم يسبق لها مثيل في تاريخ إيران، وبالإضافة إلى تصريف شؤون الدولة وحلّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بدأ بإنشاء مدارس اشتهرت في التاريخ باسمه وعرفت بـ"المدارس النظامية"، وكانت تُعدّ هذه المدارس أكبر الجامعات في عصرها. أنشأ هذه الجامعات في جميع أنحاء الأراضي السلجوقية، مثل: نيشابور وآمل وجرجان وشيراز وأصفهان وبلخ وهرات ومرو وبغداد والموصل.
ومن أكبر الجامعات التي أسسها الخواجة نظام الملك، هي مدرسة بغداد العسكرية، التي كان عدد طلابها في ذلك الوقت يبلغ ستة آلاف طالب، وحضرها على مرّ التاريخ أساتذة بارزون أمثال الإمام محمد الغزالي وسعدي الشيرازي وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهم من النخب. إلى جانب بناء الجامعات والمدارس، قدّم العديد من الخدمات الأخرى، حيث شيّد خزانات المياه والأسواق والمستشفيات.
توفي الطوسي، في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1092، عندما كان ذاهباً مع الجيش الملكي من أصفهان إلى بغداد، حيث طُعن بسكين على يد شخص كان يرتدي جلباباً صوفيّاً، وهو في معسكر الجيش المستقر بالقرب من منطقة "صحنه" في مدينة كِرمانشاه غرب إيران، وبعد يوم واحد من الإصابة توفي ودُفن في حي أحمد آباد في كرمانشاه.
من قتل وزير السلاجقة؟
بعد وفاة الإمبراطور ألب أرسلان، تولّى ملك شاه، الذي كان عمره 18 عاماً فقط، العرشَ بدعم من نظام المُلك، الذي كان يحكم البلاد في تلك الحقبة، وكانت تمرّ بأوقات صعبة ومضطربة، ولم يكن هناك من يستطيع إخراجها من ذلك الوضع الفوضوي.
النظرة الإصلاحية لنظام الملك والنظرة الثورية لحسن الصباح، تواجهتا بسبب اختلاف الرؤى، وكلاهما رأى في الآخر عقبةً أمام تحقيق أهدافه. وعلى الرغم من أن نظام الملك قُتل في النهاية بمؤامرة من قبل تُركان خاتون، الزوجة الأولى لمَلِك شاه السلجوقي، إلا أن عداوته مع إسماعيليي ألَموت دفعت الكثيرين إلى الشك في أنه قُتل على يد أتباع حسن الصباح.
النهج المختلف لهؤلاء السياسيين الإصلاحيين والإسماعيليين، جعلهم على خلاف مع بعضهم بعضاً، إلى درجة أنه بعد مقتل الخواجة نظام الملك، اعتقد الكثيرون أنه قُتل على يد إسماعيليي ألموت
وفي السنوات الأخيرة من حكم ملك شاه السلجوقي، ابن ألب أرسلان، حدثت خلافات بين الملك والخواجة نظام الملك، ما أدى إلى إقالة نظام الملك من الوزارة حتى قُتل الوزير وهو برفقة الملك السلجوقي. كان قاتله يُعرف بأبي طاهر أراني، وبما أن القاتل كان من أصول ديلمية، فقد شك في أنه من الإسماعيليين، وبرغم ذلك ربط البعض مقتله بوصية ملك شاه، كما رأى آخرون أن عزله وقتله كانا مؤامرةً من تركان خاتون زوجة ملك شاه؛ لأن نظام الملك كان ضد تولّي ابنها محمود، ولاية العهد.
أفكار الطوسي
تتوافق بعض أفكار الطوسي مع الأفكار الاشتراكية أو الشيوعية المعاصرة، خاصةً أن نظرته إلى ملكية الأرض بعيدة كل البعد عن نظرية الملكية الإسلامية، وهي أقرب إلى ما يُسمّى اليوم بالملكية الجماعية الشيوعية، إذ ترجع ملكية الأرض في الإسلام إلى الشخص المالك ولم تكن ملكاً لرئيس الحكومة، بينما كان نظام الملك يعتقد أنها لرئيس الحكومة.
ومن وجهة نظره، إذا لم يتمكن صاحب الأرض من القيام بواجباته على الوجه الصحيح، فيجب أن تؤخذ الأرض منه، وكان الخواجة يرى أيضاً أنه يجب على الحكومة مساعدة المحتاجين واتخاذ الخطوات اللازمة لدعمهم.
كما كان يعتقد أنه يجب إعطاء طبقة الفلاحين اهتماماً خاصاً، ومن الضروري حمايتهم من أولئك الذين يجمعون الضرائب بطريقة ظالمة وبالقوة، وعلى الحاكم أن يوقف هذا النوع من الأعمال، وهناك نقطة أخرى مهمة في تفكير الطوسي الاقتصادي هي أن الحكومة يجب أن تنفق الإيرادات التي تحصّلها على السلع العامة وأن تعتني بحقيقة أن الخزانة الحكومية مملوكة للجمهور.
كما كان الطوسي يؤمن بمبادئ المساواة الإسلامية، والتي بموجبها يجب أن يتمتع الأشخاص داخل الحكومة الإسلامية بفرص متساوية مع الآخرين بغض النظر عن مكانتهم. ووفقاً لآرائه، فإن المساواة في الفرص الاقتصادية شرط ضروري لتحقيق المساواة الاجتماعية، ومن آرائه أيضاً أن هذه الجهود الاجتماعية والاقتصادية المبذولة، تؤدي في النهاية إلى الإدارة الفعّالة للزكاة، وزيادة التبرعات والصدقات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع