شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
السمكة الببغائية صديقة الشعاب المرجانية في مصر... هل تنقذها المطالبات بمنع الصيد؟

السمكة الببغائية صديقة الشعاب المرجانية في مصر... هل تنقذها المطالبات بمنع الصيد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 4 أغسطس 202412:40 م

بينما كنت أتجول في إحدى سلاسل السوبر ماركت الشهيرة في مصر، وجدت في القسم الخاص بالأسماك نوعاً لفت انتباهي رغم أنه لم يكن على قائمة مشترياتي، اقتربت منه ووجدته سمكاً جميل اللون يجمع بين درجات الأخضر والأزرق والرمادي، ويحمل اسم "الببغاء"، تساءلت على الفور: هل هذه السمكة الجميلة مكانها الأفضل موائد الطعام، أم الأَولى بها بيئتها الطبيعية؟

عند البحث عن سمك الببغاء أو الحريد، تبين أن له وظيفة طبيعية تتمثل في تنظيف البيئة البحرية من الطحالب والشعاب المرجانية الميتة، واصطياد هذا النوع من الأسماك يهدد التوازن البيئي في البحر الأحمر بالتحديد، وسط مطالبات لجمعيات بيئية ونشطاء بالتوقف عن صيدها وتوعية الصيادين، وغياب وجود قرار حكومي يمنع صيدها رغم أهميتها للبيئة الطبيعية للحفاظ على التوازن البيئي.

هل هذه السمكة الجميلة مكانها الأفضل موائد الطعام، أم الأَولى بها بيئتها الطبيعية؟

تعد أسماك الببغاء من الأسماك المحببة لدى سكان المناطق الساحلية، ويعد تناولها بمثابة موروث ثقافي بالنسبة لهم، ويتم تمليحها وحفظها لمدة شهر على الأقل ثم تناولها.

سمات الحريد

يوضح الدكتور محمود محروس فراج أستاذ علوم البحار والأسماك في كلية العلوم بجامعة الأزهر في أسيوط، أن أسماك الحريد تعد من أجود أنواع الأسماك في البحر الأحمر والبحار الحارة وشبه الاستوائية، وهي إحدى نقاط الجذب السياحي والاقتصادي والغذائي، وتعكس البيئة التي تعيش بداخلها وبين جوانب تفرعاتها بشكل تكاملي وتكافلي، النهج البيئي الرائع والتناسق المنظم بين الكائنات الحية المختلفة في نفس البيئة، وإذا اختل جزء من هذا النسق المنظم أصيبت الأجزاء الباقية بالخلل.

السمكة الببغائية صديقة الشعاب المرجانية في مصر... هل تنقذها المطالبات بمنع الصيد؟أسماك الببغاء في الأسواق المصرية

يضيف محروس لرصيف22 أن أسماك الحريد أو الببغاء من الأسماك العظمية، وسميت بالببغاء نظراً لشكل فمها المشابه لطائر الببغاء، إضافة إلى أسنانها العظمية القوية التي تنهش بها الطحالب الموجودة على الشعاب المرجانية، وتأخذ معها بعض الرمال والفتات الصلب. وتندرج هذه الأسماك تحت فصيلة "سكاريدي" التي تضم ما يقرب من 80 نوعاً بمختلف أعدادها وأحجامها وأماكن انتشارها، ويتراوح طولها من عدة سنتيمترات إلى أكثر من متر ونصف، والجلد الخارجي لجسمها سميك ومغطى بقشور كبيرة.

بحسب محروس، تعيش سمكة الببغاء في البحار الدافئة، وتوجد على طول سواحل الدول المطلة على البحر الأحمر، وفى الآونة الأخيرة انتشر عدد قليل منها في البحر المتوسط، لكن لم تصل بعد كمياتها لتلك الموجودة في البحر الأحمر.

الدور البيئي للحريد

يقول الدكتور محمود حنفي أستاذ البيئة البحرية في جامعة قناة السويس، والمستشار العلمي لجمعية "هيبكا" للحفاظ على الحياة البحرية، إن دور سمك الحريد في البيئة البحرية حيوي ومهم، ويتمثل في إعادة تدوير كربونات الكالسيوم في المياه، فهيكل المرجان يتكون عبر ترسيب كربونات الكالسيوم مشكلاً ما يعرف بالحيد المرجاني الكبير، وعندما تموت الشعاب المرجانية تغطيها الطحالب، ودور الحريد يكون بنحت أو أكل الطحالب التي تظهر على أسطح الهياكل الميتة للمرجان، وأثناء عملية النحت يخرج جزء من كربونات الكالسيوم الموجودة فيها إضافة إلى الطحالب، وتتغذى عليها هذه الأسماك.

الوعي بالمشكلة موجود لدى معظم قاطني البحر الأحمر، لكن الأمر يحتاج إلى موقف قوي، وهو إصدار قرار بوقف الصيد، والحلقة الضعيفة في هذا الأمر هي مجتمع الصيادين، فلا بد من توفير مصدر رزق بديل لهم كي يتوقفوا عن صيد هذه الأسماك

يكمل حنفي: "تتم عملية هضم الطحالب داخل سمك الحريد ولكنه لا يهضم كربونات الكالسيوم، بل تخرج للبحر مرة أخرى مع عملية الإخراج، فيعاد تدويرها ويأخذها المرجان مرة أخرى"، كما يشير أستاذ البيئة البحرية إلى أن عملية النحت التي يقوم بها الحريد لأسطح المرجان الميتة تجعلها ملساء، ما يجعلها مناسبة ليرقات المرجان للنمو مرة أخرى، بالتالي يمكنها أن تكوّن مستعمرات جديدة.

يضيف الدكتور محروس أن سمكة الحريد بسبب تغذيتها على الطحالب الموجودة على الشعاب تجعلها متجددة ونظيفة، مما يساعد على ازدهارها، كما أنها تخرج كميات من الرمال في عملية الإخراج بعد هضم المواد الغذائية، مما يساعد في تكوين ودعم البيئة البحرية.

السمكة الببغائية صديقة الشعاب المرجانية في مصر... هل تنقذها المطالبات بمنع الصيد؟أسماك الببغاء في الأسواق المصرية

وأفادت ورقة بحثية نشرت عبر موقع الجمعية البيئية النرويجية NSO عن تأثير الصيد المستمر لأسماك الحريد في على الدور الطبيعي الذي تقوم به في البيئة البحرية، لا سيما مع تأثيرها الكبير على النظم البيئية للشعاب المرجانية، وأظهرت النتائج تأثير استمرار ممارسات الصيد على وجود هذه الأسماك.

طبق مفضل... لكن مهم للبيئة

يوضح الدكتور محمود الحنفي أن أسماك الحريد لها عدة أنواع، وهي من الأطباق المحببة لساكني المدن المطلة على البحر الأحمر، بالتالي هي هدف مهم للصيادين لسببين: الأول تفضيل السكان المحليين لها، والثاني أنها من الأسماك سهلة الصيد وذلك لارتباط وجودها بالحيد المرجاني، ويتم صيدها بمجرد الاقتراب منها في فترة المساء، وتكون في حالة نوم في الأماكن الضحلة.

كل الأسباب السابق ذكرها أدت إلى زيادة معدلات صيد سمكة الببغاء، بالتالي بدأ المخزون الطبيعي منها يتراجع.

السمكة الببغائية صديقة الشعاب المرجانية في مصر... هل تنقذها المطالبات بمنع الصيد؟أسماك الببغاء في الأسواق المصرية

عن التقديرات العددية لأسماك الحريد وما إذا كانت مهددة بخطر الانقراض أم لا، يشير المتحدث إلى غياب الأبحاث العلمية في هذا الشأن، والتي يمكن من خلالها معرفة حجم المخزون الطبيعي وهل أصابه الانهيار أم لا، رغم أنه من الواضح من دون الحاجة إلى إجراء دراسة، بأن مخزون الأسماك في البحر الأحمر بصفة عامة بدأ يصل للحدود الحرجة، والسبب أن هذا البحر من الناحية العلمية لا يعتبر مصيداً، بل هو من البحار الفقيرة، أي أن قدرته على إنتاج مواد عضوية حية محدودة جداً نتيجة لنقص الأملاح المغذية، بالتالي لا يعتبر مصيداً له قيمة عالية باستثناء المناطق التي تضم الشعاب المرجانية والأسماك، وهي مساحة محدودة جداً.

أسماك الحريد من الأطباق المحببة لساكني المدن المطلة على البحر الأحمر، بالتالي هي هدف مهم للصيادين.

يشير دكتور محمود حنفي إلى أن الأسماك في البحر الأحمر لها قيمة اقتصادية عالية وهي داخل البحر، فمثلاً سمكة القرش فيه هي من الحجم الكبير، ولها مردود اقتصادي عالٍ بوصفها منتجاً سياحياً يجذب غواصين من كافة أنحاء العالم، إضافة إلى الأسماك الملونة والشعاب المرجانية، بالتالي بقاء هذه الأسماك حية أفضل بكثير، وخصوصاً أن مخزون هذه الأسماك وصل للحدود الحرجة.

وعن أنواع أسماك الحريد الموجودة في البحر الأحمر، يشير الدكتور محروس إلى وجود الكثير من الأنواع بأعداد مختلفة، وبلغ إنتاج المصيد لأسماك الحريد من البحر الأحمر نحو 1164 طناً خلال عام 2020 طبقاً لإحصائية جهاز حماية البحيرات وتنمية الثروة السمكية، ويعلق بأن هذه النسبة من الإنتاج انخفضت بعد أن سجلت 1874 طناً خلال عام 2011.

الحريد والمرجان

يرى الدكتور محمود حنفي أن علاقة أسماك الحريد بالمرجان مهمة جداً، لأنها جزء من نظام بيئي واحد، كل نوع من السمك فيه له دور، والمرجان في الجزء المصري من البحر الأحمر ربما يكون الوحيد من نوعه عالمياً مع نهاية هذا القرن، فبسبب التيارات المائية يتمكن من مقاومة ظروف تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة البحار، وهو بذلك يوصف بأنه "نقطة أمل" للمرجان الذي يتعرض في كل الأماكن الاستوائية للابيضاض بفعل التغير المناخي.

وفي مقابلة مع الباحث بريت تايلور الأستاذ المساعد في جامعة غوام البحرية، يفيد بأنه لا يوجد نوع آخر من الكائنات يقوم بنفس وظيفة أسماك الببغاء، لذلك فهي فريدة ولا يمكن استبدالها كما يقول لرصيف22، كما أن أسماك الببغاء تستجيب جيداً للاضطرابات قصيرة الأمد، وبالتالي زادت أعدادها نتيجة لتأثيرات تغير المناخ.

السمكة الببغائية صديقة الشعاب المرجانية في مصر... هل تنقذها المطالبات بمنع الصيد؟أسماك الببغاء في الأسواق المصرية

منع الصيد

عن وجود قيود لمنع الصيد في البحر الأحمر يقول الدكتور محمود حنفي بأن الوعي بالمشكلة موجود لدى معظم قاطني البحر الأحمر، لكن الأمر يحتاج إلى موقف قوي، وهو إصدار قرار بوقف الصيد، والحلقة الضعيفة في هذا الأمر هي مجتمع الصيادين، فلا بد من توفير مصدر رزق بديل لهم كي يتوقفوا عن صيد هذه الأسماك، وهو إجراء هام للحفاظ على التنوع البيولوجي وكذلك الحفاظ على مصادر الدخل الاقتصادي الناتج عن السياحة المائية.

عندما تموت الشعاب المرجانية تغطيها الطحالب، ودور الحريد يكون بنحت أو أكل الطحالب التي تظهر على أسطح الهياكل الميتة للمرجان، فيخرج جزء من كربونات الكالسيوم الموجودة فيها إضافة إلى الطحالب، وتتغذى عليها هذه الأسماك، وبالتالي لها دور بيئي هام جداً

ويفيد الباحث بريت تايلور بأن بعض دول الكاريبي حظرت صيد أسماك الببغاء، وأخرى في منطقة الهندو-باسيفيك، مضيفاً أن بعض الدول تحظر فقط صيد الأنواع الأكثر عرضة للخطر، ففي جمهورية بالاو يتم حالياً حماية سمكة الببغاء العملاقة.

وفيما يتعلق بالصيد المستدام يوضح الدكتور محمود محروس وجود قوانين وتشريعات تضم عدة بنود منها وقف الصيد لفترات معينة، بالاعتماد على رؤى علمية بهدف منح الفرصة للأسماك للتكاثر، ولتقليل جهد الصيد الواقع عليها، هذا بالإضافة إلى وضع مواصفات للشباك المستخدمة، والأنواع التي يتم صيدها، ويشير إلى ضرورة أن تقوم المنظمات البيئية بتوعية الصيادين للحفاظ على الثروات السمكية، علاوة على الدعم الاجتماعي لأسر الصيادين.

تصوير: كريم أنور


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image