شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
يعيشون ويلات الحرب مرتين... ما هي أسباب استمرار محنة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا؟

يعيشون ويلات الحرب مرتين... ما هي أسباب استمرار محنة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 2 أغسطس 202405:11 م
Read in English:

Living the scourge of war twice: Why do Sudanese refugees in Ethiopia continue to suffer?

بعدما فرّوا من جحيم الحرب في السودان، وجد أكثر من 6000 لاجئ سوداني أنفسهم أمام نيران حرب أخرى في إثيوبيا حيث اضطروا للعيش داخل غابة في منطقة أولالا في إقليم أمهرا الإثيوبي منذ الأول من أيار/ مايو 2024.

يقول هؤلاء اللاجئون السودانيون إن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وزّعتهم داخل معسكرات غير آمنة في الإقليم الإثيوبي المشتعل بالصراعات بسبب تمرّد مليشيات فانو على الحكومة المركزية هناك، متجاهلةً أثر ذلك عليهم نفسياً وجسدياً إذ عرّضهم لهجمات عديدة تجعل حياتهم في خطر، علاوة على النهب وأخذ بعضهم رهائن مقابل المال. 

كان اللاجئون السودانيون مقسّمين بين داخل معسكري أولالا وكومر، وغادروهما بصورة جماعية بعد استغاثات تشرح وضعهم القاسي صاغتها بيانات عديدة أصدرتها تنسيقية اللاجئين السودانيين بإقليم أمهرا، وانتهى بهم الأمر إلى الاعتصام داخل هذه الغابة في ظروف أمنية وإنسانية بالغة التعقيد مع عدم تلقيهم الدعم الكافي من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات المختصة. وفي هذه الغابة ازدادت أوضاعهم سوءاً مع اشتداد الأمطار وانتشار الأمراض في ما بينهم وصاروا معرضين أكثر لمخاطر الوضع الأمني المتدهور للإقليم. 

يقول نحو 6000 من اللاجئين السودانيين إن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وزّعتهم داخل معسكرات غير آمنة في الإقليم الإثيوبي المشتعل بالصراعات بسبب تمرّد مليشيات فانو على الحكومة المركزية هناك، متجاهلةً أثر ذلك عليهم نفسياً وجسدياً وتعريضهم لهجمات عديدة من قطاع الطرق 

ووفقاً لمنظومة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، فقد أفرزت الحرب في السودان منذ اندلاعها في 15 نيسان/ أبريل 2023، أزمة نزوح ولجوء هي الأكبر من نوعها فى العالم حيث نزح أكثر من 7.9 مليون شخص داخلياً إلى المدن الأكثر أمناً ولجأ نحو مليوني شخص إلى دول الجوار، منهم نحو 58 ألف لاجئ في إثيوبيا، ويواجه هؤلاء اللاجئون في معظم هذه الدول ظروفاً قاسية بدرجات متفاوتة ويفتقرون إلى الدعم الإنساني اللازم وبطئاً في الإجراءات المطلوبة. 

تجدر الإشارة إلى أن هذه الأعداد تظهر في تحديث المنظمة الصادر 29 تموز/ يوليو 2024.

قتلى وجرحى بين اللاجئين

وفي تصعيد خطير للأوضاع الامنية أعلنت تنسيقية اللاجئين، في بيان، في 20 تموز/ يوليو المنقضي، أن العالقين داخل غابة اولالا قد تعرضوا لهجوم من قبل مجموعة مسلحة أسفر عن قتيلين و17 جريحاً. كما أعلنت، في بيان يوم 25 من الشهر نفسه، عن هجوم جديد بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء واستخدام العصي وأعقاب الأسلحة لضرب اللاجئين، ما أوقع أكثر من 15 إصابة دون وقوع خسائر في الأرواح.

وقد ربطت بيانات التنسيقية بين تزامن هذه الاعتداءات وتهديد زعم اللاجئون أنهم تلقوه من قبل دائرة العائدين واللاجئين الإثيوبية (RSS) باستخدام القوة في حالة رفضهم الانتقال طوعاً إلى معسكر (أفتت)، في الوقت الذي يطالب فيه اللاجئون العالقون بنقلهم خارج إثيوبيا أو إعادتهم إلى السودان.

يفضلون الحرب على معسكرات إثيوبيا

أحد المتحدثين باسم اللاجئين العالقين، ويُدعى إبراهيم صابون، يقول لرصيف22 إنهم يعانون بصورة كبيرة، دون وجود حلول عملية مُرضية لهم، مشيراً إلى أن أحد الحلول التي اقترحتها السفارة الأمريكية في أديس أبابا كان إجلاء المعتصمين بالغابة إلى معسكر (أفتت)، غرب قوندر، وهو معسكر يقع أيضاً داخل إقليم أمهرا المتدهور أمنياً ويبعد عن المعسكرين اللذين هُجِرا من قبل اللاجئين نحو 25 كيلومتراً فقط، على حد قوله.

يذكر أن السفارة الأمريكية في أديس أبابا هي أحد أهم الفاعلين في ايجاد حلول لأزمة اللاجئين السودانيين في إثيوبيا كما تعتبر الولايات المتحدة أكبر المانحين للأمم المتحدة بتقديمها للمنظمة نحو 14 مليار دولار سنوياً.

ويضيف صابون أن الأزمة ستظل كما هي في حال انتقل اللاجئون إلى هذا المعسكر، واصفاً ذلك بـ"التمادي في الخطأ"، بينما مطالبهم "واضحة" وهي نقلهم إلى معسكرات خارج إقليم أمهرا تماماً، لافتاً إلى أنهم حينما وزعوا على معسكريّ أولالا وكومر احتجوا، فتم منحهم "ضمانات وتطمينات لم تتحقق".

الأمر نفسه تؤكده لرصيف22 الناشطة في قضية اللاجئين العالقين نجلاء علي التي تقول إن هناك 1000 لاجئ يمثلون من تبقى في معسكر كومر قد تم نقلهم إلى معسكر (أفتت) الجديد، و"الأخبار التي وصلتنا منهم أن المعسكر غير جاهز ولا يكفي لاستيعاب هذا العدد. لذا وضع بعضهم داخل مدارس في المنطقة".

وتتساءل علي: "كيف يمكن أن يستوعب هذا المعسكر العدد العالق في الغابة والمقدر بـ6080 لاجئاً وهو لم يتسع لـ1000؟".

بصورة عامة، تواجه جهود الأمم المتحدة لمعالجة أزمة اللاجئين التي أفرزتها الحرب في السودان عجزاً كبيراً في التمويل، حيث تم توفير 21% فقط من التمويل المطلوب البالغ 1.51 مليار دولار. أما في ما يخص التمويل الموجه للاجئين السودانيين في إثيوبيا، فإن 12% فقط منه قد توفر من حجة كلية تبلغ 175 مليون دولار

من جانبه، يشكو عمر محمد أحمد، أحد اللاجئين العالقين في غابة أولالا الإثيوبية، المخاطر الأمنية والصحية التي يتعرض لها وسائر اللاجئين العالقين هناك، موضحاً أنهم يواجهون شتى أنواع التعدّيات من قتل وسرقة وخطف بهدف الحصول على فِدية، علاوة على قرب دخول فصل الخريف وغزارة الأمطار في المنطقة ما يعرضهم لأمراض عديدة.

ويقول لرصيف22: "كل يوم نفقد أحداً منا، ولا تصلنا مساعدات من المنظمات المعنية. كذلك، لا تتواصل معنا السفارة السودانية في أديس أبابا، وتتحجج المفوضية بعدم قدرتها على الوصول إلينا لخطورة الأوضاع الأمنية". يوضح أحمد أن موظفي المفوضية زاروا الغابة مرتين فقط منذ أن لجأوا إليها، مختتماً حديثه بأنه يفضل العودة إلى السودان رغم الحرب الدائرة هناك على المكوث في هذه الغابة أو في المعسكرات الإثيوبية غير الآمنة، لافتاً إلى أن الشرطة الإثيوبية لا تستطيع حماية عناصرها من المتمردين المسلحين حتى تحمي اللاجئين.

جهود دون مستوى الكارثة

بصورة عامة، تواجه جهود الأمم المتحدة لمعالجة أزمة اللاجئين التي أفرزتها الحرب في السودان عجزاً كبيراً في التمويل، إذ تم توفير 21% فقط من التمويل البالغ 1.51 مليار دولار. أما في ما يخص التمويل الموجه للاجئين السودانيين في إثيوبيا، فإن 12% فقط منه قد توفر من حجة كلية تبلغ 175 مليون دولار.

وفي تصريح لرصيف22، تقول فيث كاسينا المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لمنطقة شرق أفريقيا والقرن الإفريقي ومنطقة البحيرات العظمى، إن اللاجئين العالقين في غابة أولالا عددهم "ألف لاجئ فقط وليس أكثر من 6 آلاف كما تقول تنسيقية اللاجئين السودانيين في بياناتها"، وإن المفوضية "قلقة على أوضاعهم غير المستقرة مع اشتداد الأمطار في هذه الفترة من العام".

كما تؤكد كاسينا أنهم في المفوضية ومعهم السلطات الوطنية وعلى مدى الأشهر الماضية كانوا على تواصل دائم مع اللاجئين المحتجين يشرحون لهم الخطوات التي تتخذها الجهات المعنية لمعالجة الوضع، والتي تشمل زيادة دوريات الشرطة وتعزيز الأمن على طول طريق أولالا ومحاولة تشجيعهم على العودة إلى المخيم، خصوصاً أن هناك أسراً لاجئة لا تزال تقيم هناك. 

كاسينا تقول أيضاً إن فرقهم "موجودة على الأرض تقدم للاجئين السودانيين في المعسكرات في أولالا وغيرها المعونات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء والمياه والخدمات الطبية والمأوى والتعليم"، موضحةً أن مفوضية اللاجئين قد بدأت في 29 من تموز/ يوليو المنقضي في نقل أكثر من 2700 لاجئ إلى موقع (أفتت) الجديد، بما يشمل 120 لاجئاً كانوا يمكثون على الطريق السريع قرب غابة أولالا وعدداً آخر كان يُخيّم قرب قسم شرطة كومر.

وتشدد المتحدثة على أن الموقع الجديد يتيح وصول أفضل للخدمات ويعد أكثر أمناً، معبّرةً عن أسفها لتعرض عدد من اللاجئين لهجوم من "مجرمين"، حسب وصفها، ما نتج عنه قتيلان وعدد من المصابين "تعتني بهم حالياً المفوضية وتقدم لهم الدعم الطبي اللازم". وتختم بالإشارة إلى ضرورة استجابة اللاجئين المعتصمين في الغابة للدعوات الى العودة إلى المعسكرات المعدة لهم من قبل المفوضية لتفادي مثل هذه الحوادث.

التعتيم الإعلامي والتدهور الأمني

وترى المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، نون كشكوش، في حديثها لرصيف22، أن هؤلاء اللاجئين العالقين قد وقعوا ضحايا للحرب مرتين، مرة في السودان ومرة حينما لجأوا إلى إثيوبيا وتم توزيعهم على معسكرات داخل إقليم أمهرا المتدهور أمنياً، وهذا هو السبب في عدم تلقيهم الدعم المطلوب، فهم حالياً داخل منطقة حرب وطوارئ في منطقة لا تخضع حالياً لسيطرة الحكومة الإثيوبية، لذلك لا تسمح الحكومة بأي إجراءات لزيارة المعسكر. ورغم اجتهاد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فإنهم يعانون من صعوبة وصول الإمداد الغذائي والصحي بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في الإقليم نتيجة سيطرة مليشيات فانو عليه مع انتشار عصابات الشفتة.

أحد اللاجئين السودانيين لرصيف22: "كل يوم نفقد أحداً منا، ولا تصلنا مساعدات من المنظمات المعنية. كذلك لا تتواصل معنا السفارة السودانية في أديس أبابا، وتتحجج المفوضية بعدم قدرتها على الوصول إلينا لخطورة الأوضاع الأمنية"، لافتاً إلى أن الشرطة الإثيوبية لا تستطيع حماية عناصرها من المتمردين المسلحين حتى تحمي اللاجئين

وتعزو كشكوش افتقار هؤلاء اللاجئين للاهتمام اللازم بقضيتهم إلى وجودهم داخل دولة تفتقد حرية الصحافة والإعلام ولا تدعم حقوق الإنسان بالشكل الكافي، ونتيجة لذلك لم تتمكن فرق الإعلام والمدافعين عن حقوق الإنسان من إيجاد الفرصة لنقل معاناتهم والدفاع عنهم بالشكل المطلوب. كما تلفت كشكوش إلى أن هناك معلومات عن تصديق الحكومة الإثيوبية بأرض في منطقة آمنة لإنشاء معسكر جديد يؤوي المعتصمين يتم تجهيزه مع شركاء دوليين مهتمين بالمجال الإنساني، لافتةً إلى أن هذه الظروف لا تعفي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من مسؤولياتها عن توفير الأمن والحماية لهؤلاء اللاجئين.

وتشدد المحامية على أن السودانيين اللاجئين في شتى دول الجوار لا يتم معاملتهم حسب مواثيق اللاجئين الدولية رغم توقيع هذه الدول عليها. مشيرة إلى أن الحكومة السودانية ممثلة في السفارة السودانية في أديس أبابا ليس في استطاعتها تقديم الكثير، على اعتبار أن هؤلاء السودانيين لاجئون داخل الأراضي الإثيوبية وهم في عهدة الحكومة الإثيوبية ومفوضية اللاجئين.

من جانبه صرح مصدر من السفارة السودانية طلب عدم ذكر اسمه، أن السفارة السودانية قد قامت بدور تنسيقي بين الحكومة السودانية والمنظمات ذات الصلة في إثيوبيا، حيث اجتمع السفير مع وزير الخارجية الإثيوبي ومديرة دائرة العائدين واللاجئين الإثيوبية مع تواصل مندوب السودان في الأمم المتحدة مع المندوب السامي لشؤون اللاجئين في جنيف لوضع حلول عاجلة لهذه الأزمة، موضحاً أن السلطات في السودان أبدت استعداداتها لاستقبال أي لاجئ يختار العودة التطوعية للبلاد مع اكتمال التدابير اللازمة لذلك، وسهولة وصول الدعم الإنساني عبر ميناء بورتسودان، موضحاً أنهم قد طلبوا من المنظمات المسؤولة تسجيل اللاجئين الراغبين في العودة ولكنهم لم يحصلوا على أي قائمة بهذا الخصوص، وأن المعلومات التي وصلتهم تفيد بأن اللاجئين يفضلون إعادة توطينهم في دولة ثالثة أوروبية، مشيراً إلى أن دورهم يقتصر على التنسيق فيما يخص العودة الطوعية فقط.

الجدير بالذكر أن إثيوبيا تعتبر ثاني أكبر مستضيف للاجئين في أفريقيا حيث يوجد فيها أكثر من 847 ألف لاجئ من 19 دولة، أكثريتهم من دول جنوب السودان والصومال وإريتريا والسودان. وتواجه إثيوبيا تحديات عديدة للقيام بواجبها تجاه هؤلاء اللاجئين، أبرزها الصعوبات التمويلية، إذ تبلغ قيمة تمويل الخطة التشغيلية لاستجابة اللاجئين للمفوضية لعام 2017، 307.5 مليون دولار أمريكي، علماً بأن هذه الخطة ممولة حالياً بنسبة 20%.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image