كان ركن الدين خورشاه، آخر آلهة ألموت، والإمام النزاري الثامن الذي أطاح به المغول من السلطة، ثم قتلوه وهو في طريقه إلى منغوليا للقاء الإمبراطور المغولي. بقتله انتهى تاريخ الحكم النزاري في أرض ألموت في إيران. النزاريون هم أتباع فرع من الطائفة الشيعية الإسماعيلية، عدّوا نزاراً ابن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (427-488 هـ)، إماماً لهم، وذلك على إثر الخلاف بين المستعلي بالله ونزار على خلافة أبيهما الخليفة، ولهذا السبب أصبحوا يُعرفون بالنزاريين.
أول زعيم لهذه الطائفة كان حسن الصباح، الذي كان داعيةً للمذهب الإسماعيلي في إيران. فبعد تأييده حقّ نزار في الخلافة، قطع الصباح صلته بالخلافة الفاطمية في مصر، ورجع إلى إيران وسكن أرض ألموت الجبلية، شمال غرب إيران، حيث شكّل حكومةً مستقلةً، وسرعان ما وسّع سلطته من خلال الاستيلاء على القلاع المنتشرة من شمال إيران إلى جنوبها.
محاربي ألموت حافظوا على قوتهم المتناثرة، حتى جاءهم هولاكو خان المغولي ودمّرهم، خلال الغزو المغولي لإيران. كان حسن صباح "إله" ألموت الأول، وكان ركن الدين خورشاه آخر آلهة القلعة
معظم نشاطات النزاريين تمت خلال فترة حكم السلاجقة في إيران. ففي وقت وصول النزاريين إلى السلطة في ألموت، كانت إيران تحت حكم السلاجقة السنّة، الذين اضطهدوا الشيعة، خاصةً الإسماعيليين، ما أدى إلى دعم متزايد من الشيعة المضطهدين للحكومة الإسماعيلية. وبجانب هذا الدعم، أدى استيلاء حسن صباح العسكري على ألموت تدريجياً، إلى تشكيل حكومة إسماعيلية مستقلة ومعارضة.
بالرغم من النضال العنيد الذي خاضه النزاريّون ضد السلاجقة المتحالفين مع الخلفاء العباسيين، إلا أن محاربي ألموت حافظوا على قوتهم المتناثرة، حتى جاءهم هولاكو خان المغولي ودمّرهم، خلال الغزو المغولي لإيران. كان حسن صباح "إله" ألموت الأول، وكان ركن الدين خورشاه آخر آلهة القلعة.
من حسن الصباح إلى خورشاه... ومن السلاجقة إلى المغول
أسس حسن الصباح، الحكومة النزارية عام 1090، في قلعة ألموت الواقعة في شمال إيران، وكانت تزعم هذه الحكومة أنها حكومة ثورية تهدف إلى إنقاذ إيران من حكم السلاجقة الأتراك. استولى حسن صباح على قلعة ألموت التي تم بناؤها على قمة جبَل البرز (شمال إيران) قبل دخول حسن الصباح وأتباعه إليها، فقرر الصباح تحويلها إلى مقرّ لثورته التي كانت تعمل على تأسيس دولة مبنية على أُسس اجتماعية جديدة، وذلك لإيجاد مجتمع إسلامي شيعي عادل، يعتمد مثلاً اللغة الفارسية بدلاً من العربية، كما تزعم بعض المصادر التاريخية، لا سيما القومية منها.
حسن الصباح، الذي نشأ في أسرة شيعية اثني عشرية، ترك في شبابه مذهب أسرته، واعتنق المذهب الإسماعيلي. بعد ذلك انضم إلى الفاطميين في أثناء رحلة له إلى مصر، ومن ثم عاد إلى إيران في العشرين من عمره، ليكون إمام الفاطميين فيها، وليعزز مبادئ المذهب الإسماعيلي وأفكاره التحررية.
في عام 1090، اختار حسن الصباح منطقةَ ألموت مركزاً لنشاطه السياسي ليقود منها الإسماعيليين في إيران. وفي ذلك الوقت، كان المستنصر بالله الفاطمي (1029-1094)، هو الخليفة، وثامن خلفاء الفاطميين. تزايدت الصراعات على الخلافة بعد وفاته في عام 1094، في القاهرة، حيث دعم حسن الصباح نزاراً، الابن الأكبر للخليفة، لكن الأخير قُتل على يد أخيه الأصغر.
كان ركن الدين خورشاه، آخر آلهة ألموت، والإمام النزاري الثامن الذي أطاح به المغول من السلطة، ثم قتلوه وهو في طريقه إلى منغوليا للقاء الإمبراطور المغولي.
وكانت القلعة التي حوّلها حسن الصباح لتصبح حصنه الثوري، ملكاً للأتراك السلاجقة، إذ جاء حسن الصباح في بادئ الأمر إلى نهر الديلم في زيّ معلّم للأطفال، منتحلاً شخصية "دِهخُدا"، الذي كان معتمَداً لتعليم أطفال الحراس والشيوخ في القلعة. وبعد أن استقر هناك، أرسل رفاقه إلى دعوة أهل ألموت إلى المذهب الإسماعيلي، وفي فترة قصيرة لم تتجاوز العام، تمكّن من بسط سيطرته على الأهالي والقلعة.
في السنوات التالية، قام الصباح بتوسيع بناء القلعة وتجهيزاتها، وأنشأ فيها مكتبةً كبيرةً، وعَلّم أتباعه الذين كانوا يطلقون عليه اسم "سيّدنا"، تعاليمه الروحية والعسكرية، وسرعان ما انتشر اسم حسن الصباح، وحصن ألموت، والنزاريين، من الديلمان حتى القدس.
حسن صباح، الذي لم تكن لديه القوة العسكرية للزحف إلى مختلف مدن إيران لمواجهة الأتراك السلاجقة، لم يجد طريقةً سوى اغتيال كبار السلاجقة من ناحية، وفتح الحصون الأخرى في جميع أنحاء البلاد من ناحية أخرى، حيث وزّع أتباعه في مختلف أنحاء البلاد، لاغتيال الحكّام السلاجقة وعملائهم.
بعد وفاته، واصل كيا بُزُرك أميد، ومحمد بن بُزُرك أميد، مسيرته، وبوفاة الأخير عام 1162، أصبح ابنه الحسن الثاني زعيماً لألموت. وفي هذه الأثناء اشتهر النزاريون بقوتهم وشجاعتهم، حتى وصلت شهرتهم إلى عواصم أوروبا. الحسن الثاني، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة بين النزاريين، عدّه كثيرون الإمام الذي وعد حسن الصباح بظهوره.
ومع اعتلاء حسن الثالث، المعروف بجلال الدين حسن نو مسلمان، في عام 607 للهجرة، شهد النزاريون مرةً أخرى تغييراً جذرياً مهماً، إذ تخلى زعيم ألموت الجديد عن المذهب الشيعي الإسماعيلي، واعتنق المذهب السنّي، ودعا أتباعه للعودة إلى الشريعة، وكانت لجلال الدين حسن علاقة وثيقة بالخليفة العباسي ناصر لدين الله (575-622 هـ)، وكان يتمتع بدعمه.
تشكلت هذه العلاقة عندما كتب رسائل إلى الخليفة والسلاطين أعلن فيها أنه مسلم ويتبع المذهب السنّي. ولإظهار حسن نيته، أرسل والدته مع بعض أهل ألموت إلى الحج، وهو عمل لم يسبق له مثيل في تاريخ النزاريين. كما دعا جلال الدين حسن، بعض شيوخ السنّة في قزوين للحضور إلى مكتبة ألموت وحرق الكتب التي تحتوي على موضوعات إلحادية. بعد حسن الثالث، استمر ابنه علاء الدين محمد، الملقّب بمحمد الثالث، على خطاه، ودعا أتباعه إلى اتّباع المذهب السنّي.
كان علاء الدين محمد، طفلاً حين أصبح زعيماً لألموت، وكان مريضاً منذ صغره وسرعان ما أصيب بالسوداوسة (الماليخوليا)، وكان ابنه الأكبر ركن الدين خورشاه خليفته حسب تقاليد الأئمة النزاريين، لكنه اختلف مع والده كثيراً، إلى درجة أن والده حاول عزله من خلافته، لكن أتباعه لم يقبلوا بذلك. بعد ذلك، قُتل علاء الدين محمد، عام 653 للهجرة، على يد أحد خدمه المدعو حسن مازَندراني، ويرى بعض المؤرخين أن عملية القتل هذه كانت بأمر من خورشاه نفسه، كي يتمكن من تولّي حكم ألموت وخلافة والده المريض. وبهذه الطريقة وصل ركن الدين خورشاه إلى حكم ألموت وقيادة النزاريين.
الإمام النزاري الذي صاهر المغول
تزامن حكم ركن الدين خورشاه، الذي دام عاماً واحداً فقط، مع ذروة الفتوحات المغولية في إيران، حيث كان جيش رابع خانات الإمبراطورية المغولية مونكو خان، قد استولى على سوريا وإيران، وحينها قرر مونكو خان إكمالَ غزو غرب آسيا، وأعطى الأولوية لتدمير الحكومة النزارية في إيران وعهد بهذه المهمة إلى أخيه هولاكو خان.
تزامن حكم ركن الدين خورشاه، الذي دام عاماً واحداً فقط، مع ذروة الفتوحات المغولية في إيران، حيث كان جيش رابع خانات الإمبراطورية المنغولية مونكو خان، قد استولى على سوريا وإيران
دخل هولاكو إيران، في محرم 654 للهجرة، ووقتها استولى المغول على مدينة تون (فردوس حالياً)، التي كانت بيد النزاريين ودمّروها، ومع وصول هولاكو إلى خراسان، دخل ركن الدين خورشاه في مفاوضات معه للتوصل إلى حلّ وسط، لكن هولاكو أراد تسليم ركن الدين وجميع القلاع النزارية، فأرسل خورشاه عدداً من الوفود برئاسة وزيره شمس الدين جيلكي، ثم أخويه شاهنشاه وإيرانشاه وغيرهما من الشيوخ النزاريين إلى هولاكو، لكن لم يرضَ المغول إلا باستسلامه وتدمير جميع القلاع الإسماعيلية، وعلى إثر هذه المفاوضات الفاشلة، نشبت معركة بين المغول والإسماعيليين، حيث هرع كلّ من المسلمين السنّة والشيعة الاثني عشرية وحتى المسيحيين الأرمن لمساعدتهم.
في منتصف شهر شعبان من عام 654 للهجرة، بدأ هولاكوخان بهجوم واسع النطاق على القلاع النزارية من معسكره في بَسطام، وفي الوقت نفسه جمع كل جنود المغول في إيران لمهاجمة منطقة ألموت. كان هولاكو مصمماً على احتلال قلعة ميمون دج، حيث عاش خورشاه، ولم يتضح بعد أين كانت تقع قلعة ميمون في ألموت، ولكن من المرجح أنها القلعة الرئيسية في ألموت، والتي تُعرف باسم "قلعة ألموت".
بعد ذلك، وفي 18 شوال 654 للهجرة، عسكر هولاكو في المرتفعات أمام ميمون دج، وبعد فشل المرحلة الأخيرة من المفاوضات، حارب ركن الدين، وهُزم، فاستسلم عندما رأى أنه لم يستطع محاربة جنود المغول، وجاء هذا الاستسلام بناءً على نصيحة مستشاريه لوقف إراقة الدماء.
ونتيجةً لهذا الاستسلام، ومن أجل كسب صداقة المغول وحماية القلاع الإسماعيلية، تزوّج خورشاه من فتاة مغولية. رحّب المغول بهذا الزواج لأنهم اعتقدوا أنه سيسهّل عليهم الاستيلاء على القلاع الإسماعيلية الأخرى، خاصةً أن خورشاه طلب إرساله إلى بلاط مونكو خان. وافق هولاكو على هذا الطلب، وأرسل خورشاه، في ربيع الأول عام 655 للهجرة، إلى منغوليا، وفي الطريق، عندما وصلوا إلى سفح قلعة جِرْدكوه (بالفارسية: گِرد کْوه)، القريبة من مدينة دامغان، والتي كانت من أهم قلاع النزاريين في إيران، طلب منه المغول أن يأمر باستسلام القلعة، ففعل، ولكن لم تستسلم هذه القلعة، ربما بسبب رسالة خورشاه السرّية لقادة القلعة بعدم الاستسلام، وعندها قام الحراس المغول بقتله ورفاقه.
كانت جُردكوه، آخر قاعدة نزارية في إيران، واستمرت في مقاومة المغول المحاصِرين ثلاثة عشر عاماً بعد سقوط ألموت، واستسلم حراس جردكوه أخيراً، في 29 ربيع الآخر من عام 669 للهجرة، أي بعد نحو خمسة عشر عاماً من الهجوم الأول للمغول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...