الدعم النفسي في الأوقات الصعبة لا يُنسى. تذكرت هذه الجملة حين كنت أجلس أمام التلفاز أشاهد لقاءً تلفزيونياً مع الفنانة كندة علوش، كانت تتحدث فيه عن إصابتها بمرض سرطان الثدي. قالت إنها في الوقت الذي كانت تتعرض فيه للتنمر بسبب زيادة وزنها، كانت تلقى كل الدعم والقبول من قبل زوجها الفنان عمرو يوسف، وإن هذا ساعدها كثيراً على التعافي من السرطان.
"تعافيت من السرطان بحُبّ زوجي"
في الحقيقة، ما أقرّت به كندة، ليس جديداً، فكثيرات من مريضات السرطان يؤكدن أن دعم أزواجهنّ لهنّ خلال فترة العلاج كان له تأثير إيجابي للغاية في محاربة المرض.
هذا ما تؤكده مها نور، مؤسسة جمعية "سحر الحياة" لدعم مرضى السرطان: "مريضة السرطان تكون بحاجة ماسة إلى دعم الزوج بالأخص، لأن الزوج بطبيعة الحال يكون أقرب شخص إلى المرأة، فهو الشخص الوحيد الذي تنكشف أمامه في جميع حالاتها، وحين تجد ذلك الشخص يتحول فجأةً إلى شخص ينفر منها بسبب إصابتها بالسرطان تكون صدمتها مضاعفةً".
وتضيف مها لرصيف22: "حين أُصبت بسرطان الثدي، وفقدت جزءاً من جسدي، لقيت كل الحب والدعم من زوجي، فمنذ اللحظة الأولى التي علمنا فيها بإصابتي بالمرض أبلغني بأنه مستعد لبيع جميع أملاكه حتى يتمكن من علاجي، وبعد تغيّر شكلي بسبب جلسات ‘الكيماوي’، كان يحتضنني ويخبرني بأنني أجمل امرأة على وجه الأرض وذلك حتى عندما كنت أخبره بأنني أفقد الثقة بنفسي وبشكلي، وحين كنت أقول إنني سوف أقوم بإجراء تجميل لمنطقة الثدي كان يرفض ذلك قائلاً إنني لا أعاني من مشكلة حتى أقوم بتجميلها".
"مريضة السرطان تكون بحاجة ماسة إلى دعم الزوج بالأخص، لأن الزوج بطبيعة الحال يكون أقرب شخص إلى المرأة، فهو الشخص الوحيد الذي تنكشف أمامه في جميع حالاتها، وحين تجد ذلك الشخص يتحول فجأةً إلى شخص ينفر منها بسبب إصابتها بالسرطان تكون صدمتها مضاعفةً"
وتتابع: "للأسف، هناك حالات لسيدات بمجرد إصابتهنّ بالسرطان يقوم أزواجهنّ بالنفور منهنّ، وتطليقهنّ، وهو شيء مؤذٍ نفسياً للغاية بالنسبة للمريضة ويؤثر على حالتها النفسية والمرضية".
تقول منى عبد العزيز (45 عاماً)، وهي متعافية من سرطان الرحم: "اكتشفت أنني مصابة بسرطان الرحم بعد أن أنجبت ابني الثاني بخمسة أعوام، وكانت حالتي متأخرةً بعض الشيء فاضطر الأطباء إلى استئصال رحمي، ثم بدأت رحلتي مع العلاج بالكيماوي وتبعاته من شحوب الوجه وتساقط الشعر. وقتها، وجدت زوجي يحبّني أكثر ويودّ أن يقترب مني أكثر فأكثر، ما جعلني أشعر بأن لا شيء تغيّر في شكلي وظل يحدثني عن عشقه لجمالي الداخلي".
وتوضح منى، أن كل ذلك كان له تأثير إيجابي للغاية في رحلة علاجها: "في بداية المرض، كنت أبكي ليلاً ونهاراً على سقوط شعري ورموشي وتحوّل بشرتي إلى لون قاتم، وازداد شعوري بالغيرة أكثر من أي امرأة يتعامل معها زوجي، وكنت أخشى أن ينجذب إليها أو يتركني أو حتى يتزوج بأخرى، ولكنه أثبت العكس تماماً حيث بات يراعي مشاعري أكثر ويخبرني دوماً بأنني ما زلت جميلةً في عينيه".
وتضيف: "حقاً وجدت منه كل الحب والدعم، وبدأت حالتي النفسية تتبدل إلى الأفضل، ما ساعدني على الشفاء بصورة أسرع، وتغلبت على السرطان وأنا متعافية منذ سبعة أعوام".
وتختم: "أنصح أي إنسان، سواء كان زوجاً أو زوجةً، أن يراعي مشاعر الشريك، لأن ذلك يساعد على التعافي".
بدورها، تقول لاما عزت (28 عاماً)، لرصيف22: "تزوجت بعد قصة حب استمرت سبعة أعوام، وبعد زواجي بعام واحد علمت أنني مصابة بسرطان الثدي، وبمجرد أن عرفت نتيجة الفحوصات ركضت نحو زوجي في انتظار أن يعانقني ويطمئنني، ولكن كانت صدمتي حين رأيت على ملامحه علامات نفور، وحين بدأت بجلسات العلاج وفقدت شعري ورموشي، راح يبتعد عني وينام في غرفة بمفرده، ويتأخر خارج المنزل. وبعد فترة فاجأني بأنه يريد الزواج بامرأة أخرى، وحين وجدت القسوة تكسو ملامحه وحديثه طلبت منه الطلاق".
وتضيف: "للأسف حالتي الصحية ساءت بسبب سوء حالتي النفسية، ولكن ألم المرض كان أهون كثيراً من ألم صدمتي بالرجل الذي ظننت أنه سوف يواسيني ويساندني وقت مرضي. وبعد أن بدأت بالتعافي، حاول الرجوع إليّ مرةً أخرى، ولكنني رفضت بشدة لأنني بكل بساطة لم أجده في وقت الشدة، وموقفه حينها جعل حالتي الصحية تسوء".
التوتر يغذّي أورام الثدي
هناك العديد من الدراسات النفسية التي تؤكد أن التوتر يساعد على انتشار الخلايا السرطانية، خاصةً سرطان الثدي، حيث كشفت دراسة أجراها فريق من جامعة "بازل" ومستشفاها الجامعي في سويسرا، أن التوتر يغذّي انتشار أورام الثدي سواء عند النساء أو الرجال، إذ قام الباحثون بحقن فئران بهرمون التوتر ووجدوا أنها تدعم الإصابة بسرطان الثدي.
من جانبه، يقول الدكتور هشام ماجد، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، لرصيف22، إن الحالة النفسية لها تأثير مهم على الأعراض الجسدية لجميع الأمراض: "هناك إحصائيات علمية تقرّ بأن الأعراض الجسدية لأي مرض تزداد أو تقل بنسبة تتراوح بين 20% و25%، بحسب الحالة النفسية، فإذا ساءت الحالة النفسية ازدادت الأعراض الجسدية للمرض بتلك النسبة والعكس صحيح".
ويضيف ماجد: "الدعم النفسي لمريض السرطان يقلل من حالة القلق والاكتئاب المصاحبتين للمرض، فعندما ينفر الزوج من زوجته مريضة السرطان، تبدأ حالة القلق والاكتئاب عندها تتفاقم بصورة كبيرة، وهو ما يساعد على ارتفاع هرمون الكورتيزون الذي بدوره يعمل على تقليل مناعة الإنسان ما يجعل الجسم في حالة أضعف وانتشار المرض في حالة أقوى".
"للأسف، هناك حالات لسيدات بمجرد إصابتهنّ بالسرطان يقوم أزواجهنّ بالنفور منهنّ، وتطليقهنّ، وهو شيء مؤذٍ نفسياً للغاية بالنسبة للمريضة ويؤثر على حالتها النفسية والمرضية"
ويتابع: "في أثناء جائحة كورونا، قامت الأمانة العامة للصحة النفسية بإرسال أطباء لمرضى الحالات الحرجة، ولوحظ أن هذا الإجراء ساهم في شفائهم بنسب أعلى من المرضى الذين لم يتلقوا دعماً نفسياً".
بدوره، يقول الدكتور سعيد البرجي، استشاري جراحة الأورام، لرصيف22، إن انتشار الخلايا السرطانية يعتمد في الأساس على مقاومة الجسم لتلك الخلايا أو على مناعته، وهناك علاقة وطيدة بين المناعة والحالة النفسية للمريض: "الدراسات الأكاديمية تقرّ بأن نسبة حدوث السرطان تنتج بسبب تعرّض الإنسان لحادثة ما، سواء كانت ذلك الحادث بسبب تعرّض الجسم لمسبب خارجي للمرض أو لحادثة نفسية، وهو ما يساهم في حدوث تغيير في الجينات بصورة مفاجئة، ومنها تنتشر خلايا سرطانية في الجسم غير قابلة لأوامر الجسم، وتبدأ بمقاومته".
وعليه، فإن الدعم النفسي في الأوقات الصعبة لا يُنسى، ووجود شريك داعم في حياة مريضة من مريضات السرطان قادر على مساعدتها في مقاومة المرض، والشفاء بصورة أكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 5 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 15 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع