شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
زواج مع وقف التنفيذ... الطلاق العاطفي

زواج مع وقف التنفيذ... الطلاق العاطفي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 29 يوليو 202411:18 ص

لم أفهم في البداية عبارة صديقة أختي حين استفسرتُ عن حالتها الاجتماعية، لما أجابتني ممازحة: "متزوجة مع وقف التنفيذ". ضحكَت بعدها بسخرية، وتابعت كلامها: "مطلقين بالسرّ. أعيش معه مثل الغرباء وكأننا التقينا في بلد غريب واضطررتنا الظروف أن نتشارك السكن والمصروف. تجمعنا اليوم، فقط، بعض العبارات القليلة والمرتبطة بمصالحنا وبالحفاظ على شكل علاقتنا أمام أهلنا والمجتمع، لكن لا شيء آخر، لا شيء من البديهيات التي عليها أن تجمع الأزواج".

مطلقان في السر وزوجان أمام المجتمع

كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها وصفاً لعلاقة كهذه، ولأن الأمر كان منذ وقت طويل، شعرت بالصدمة، أنا التي لطالما اعتقدت أنّ العائلة إحدى المقدسات التي لا يجب المساس بها والتلاعب بشكلها للحصول على رضا المجتمع وقبوله، وأنا التي عشت في أسرة تحمل سمة الألفة، ومع أم وأب يجعلان موعد الغداء طقساً عائلياً جميلاً، لا يتمّ التنازل عنه، لا لشيء إلا لأنهما يعرفان جيداً معنى أن نجتمع، وأننا بهذا نتشارك حياتنا كلها وليس فقط الطعام.

لا أنكر أني استنكرت حالتهما، لمتها بعبارات قاسية واتهمتها بالضعف، وأخبرتها أن الخيار الذي قرّرا المضي به يؤذي الطرفين بكل تأكيد، ويجعل حياتهما مبنية على قشّة، أي نسمة هواء ستهدد استقرارها. ربما فعلت هذا، لأنها دون قصد كانت تمسّ بكلامها أحلامي الوردية وتوقعاتي عن شكل الزواج الذي لم أكن أراه لوقتها إلا بعين مجتمعي، أو بالأحرى وبشكل أدق، بعين عائلتي ومن زاوية أمي وأبي.

لم أكن أسمع حتى صوته في البيت. لا أتشارك معه طعاماً ولا شراباً ولا حتى سريراً. كنا غرباء تماماً، في كل يوم أجد نفسي وحيدة في سريري أشعر بالعار وكأنني ناقصة، لا أملك حتى كرامتي التي تجعلني أتقبّل العيش كأي قطعة أثاث في المنزل

 بعد فترة ليست قليلة، تفاجأت بطلاق حدث في عائلتي، وكان سبب الطلاق شبيهاً بحال صديقة أختي، لكن الفرق أن ابنة خالي "المطلّقة " قرّرت الانفصال وضرب بالأعراف والتقاليد عرض الحائط. لا أنسى أبداً ما قالته لي: "كنت لسنوات أعيش سرّاً حياة المطلّقة، أنا وزوجي لا نتشارك سوى سقف المنزل. لم أكن أسمع حتى صوته في البيت لا أتشارك معه طعاماً ولا شراباً ولا حتى سريراً. كنا غرباء تماماً، في كل يوم أجد نفسي وحيدة في سريري أشعر بالعار وكأنني ناقصة، لا أملك حتى كرامتي التي تجعلني أتقبّل العيش كأي قطعة أثاث في المنزل".

الخطوة الأولى نحو الطلاق الصامت ثم العلني

تعرّف الدراسات الطلاق الصامت على أنه تصدّع في العلاقة الزوجية، تباعد نفسي بداية وعاطفي ثم جسدي. اختلال في توازن العلاقة الزوجية تؤثر سلباً على تواصل الشريكين، تستمر ربما لسنوات، تودي بالنهاية إلى الطلاق العلني.

وحالات الطلاق التي نسمع عنها اليوم رغم كثرتها، تبقى قليلة إذا ما قارناها بحالات الطلاق الفعلية داخل البيت. الكثير من الأسباب تحدث دون الاعتراف بهذا الطلاق، وربما يأتي في مقدمتها اعتماد الزوجة المادي في كثير من الأحيان على زوجها، وهذا ما يجعل فكرة الطلاق بالنسبة لها تعني العودة للنقطة صفر، العودة لجناح العائلة الذي لن يكون في أفضل الأحيان أوسع من جناح الزواج، فكثير من الفتيات في مجتمعنا، يجبرن على الزواج بشكل مباشر من خلال الفرض، أو بشكل غير مباشر من خلال منعهن من متابعة دراستهن أو بدئها أصلاً أو منعهن من العمل، فيجدن الزواج فرصة ذهبية لعيش حياتهن، لكن للأسف تبدأ معاناة من نوع آخر، يمكن أن تتلخص بجملة وحيدة: "يا إلهي من هذا الشخص الذي أعيش معه".

إضافة لهذا، فمازال الكثير من الأزواج يعتقدون أن استمرار الزواج بأي شكل وعلى حساب الاستقرار والسعادة هو أفضل للأولاد، ولكنهم في الحقيقة يتجاهلون الأعباء النفسية القاسية التي سيتحملها الأطفال بسبب استمرار هذا الزواج، وينسون الأهم وأنهم يضحّون باللب من أجل القشرة.

وفي السياق ذاته فالنظرة الدونية للمرأة المطلقة تجعلها تحسب ألف حساب قبل اتخاذها لمثل هذا القرار، فربما لو أننا اليوم نعيش في مجتمع قادر على تقبل الطلاق فعلياً كنوع من الانفصال بالتراضي، وتقبّل "المطلقة" على أنها إنسانة لها حاجاتها ورغباتها، لكانت المطلقات أكثر من الفتيات العازبات في مجتمعنا، لأننا، وكما سبق وذكرنا، نعتمد كمجتمعات شرقية في قرارات الزواج على معايير هشّة جداً، لا تصمد أمام أي اختبار.

ربما لو أننا اليوم نعيش في مجتمع قادر على تقبّل الطلاق فعلياً كنوع من الانفصال بالتراضي، وتقبّل "المطلقة" على أنها إنسانة لها حاجاتها ورغباتها، لكانت المطلّقات أكثر من الفتيات العازبات في مجتمعنا

الطلاق الصامت باب مفتوح أمام الخيانات الزوجية

الزواج الذي لا تعطي فيه العلاقة جذباً دائماً وتكون الإغراءات الخارجية فيه أكبر من جوهرها، يؤدي حتما إلى نتائج كارثية، فيكون "الطلاق العاطفي" الأقسى والأقدر على كسر الذات الإنسانية حين يشعر الشخص بالرفض من الآخر، والوحدة التي ترافقها قلة ثقة بالنفس، ولا يخفى على أحد ممن عانى من هذا الطلاق أنه السبب الرئيس وربما الأول لحالات الخيانة الزوجية التي تبدأ كردة فعل لإعادة اعتبار الشخص أمام نفسه وتنتهي بطلاق حقيقي، فالشعور بالوحدة والإحساس بالنقص الذي يشعر به الشخص المهمّش تماماً من قبل الشريك، إضافة لسعي كل من الشريكين لهدم الآخر، يجعله يبحث عن الفرصة التي يستطيع بها أنا يقول: أنا هنا وأستطيع أن ألفت انتباه أي أحد.

اليوم نجد أن الكثير من العائلات تعيش حالات طلاق عاطفي سببه عدم الاكتراث بمشاعر الشريك، أنانية الشريك وشعور دائم بأن الرجل مهمته الوحيدة تأمين مستلزمات العيش والحياة دون الاكتراث بمشاعر حقيقية نملكها بصفتنا بشراً أولاً وبصفتنا نساء ثانياً.

بالإضافة إلى التسهيلات التي تقدمها مواقع التواصل لتجعل الأزواج غرباء مشتتين وان كانوا تحت سقف واحد، فهم فعلياً في عوالم مختلفة، متسمّرين أمام شاشات الموبايل، منفتحين على ألف احتمال للتسلية والانشغال.

وإن كانت هذه الأسباب غير كافية لتبرير هذه الحالة الاجتماعية الجديدة، فالزواج الذي لا يقوم على أسس متينة تحفظه وتضمن استمراره يبقى معرضاً للانهيار عند أول فرصة، ولذلك فإن رفع معايير الزواج والبحث عن شريك حقيقي وليس عن مموّل أو عن عارضة أزياء، ربما يكون بداية الطريق للتخفيف من حالات الطلاق الصامت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard