شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"هوارية"... الإبداع الأدبي تحت مقصلة حرّاس "الفضيلة" في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أثارت قصة قارئة كف من مدينة وهران الجزائرية زوبعة لكن ليس في فنجان حيث تسببت رواية "هوارية" للكاتبة والمترجمة إنعام بيوض ضجة كبيرة، وصلت إلى المطالبة بسحبها من الأسواق وتجريد صاحبتها من جائزة آسيا جبار المرموقة، كما أغلقت دار النشر "ميم" التي أصدرت الرواية أبوابها في "وجه الريح والنار".

"نعلن في هذا اليوم انسحابنا من النشر. تاركين الجمل بما حمل كما فعلنا دوماً. نعلن أن ميم أغلقت أبوابها منذ اللحظة في وجه الريح، وفي جه النار، لم نكن إلا دعاة سلم ومحبة ولم نسع لغير نشر ذلك"، هكذا أعلنت دار النشر انسحابها ووقف نشاطها دون مزيد من التفاصيل. لكن السبب واضح هو الحملة الشرسة التي تعرضت لها الدار بسبب "هوارية"، الرواية التي اعتبرها كثيرون "مبتذلة" بسبب ما ضمّته من عبارات وكلمات من اللهجة الجزائرية، اعتُبرت "نابية وخادشة للحياء".

مقاطع أثارت الجدل من رواية "هوارية"

مقاطع أثارت الجدل من رواية "هوارية".

من هي إنعام بيوض؟ 

إنعام بيوض هحاي كاتبة وشاعرة وفنانة تشكيلية جزائرية، عملت في مجال الترجمة، وتشغل حالياً منصب مدير المعهد العالي للترجمة بالجزائر. ولدت في دمشق لأب جزائري وأم سورية. وبدأت مسارها الجامعي في جامعة دمشق لتغادرها بعد سنتين إلى الجزائر، حيث حصلت على ليسانس في الترجمة الفورية، ثم ماجستير في الترجمة الأدبية، ثم دكتوراه في تعليم الترجمة.

أنجزت إنعام العديد من الترجمات في الشعر والرواية والفن وعلم الآثار وغيرها، وصدر لها ديوان "رسائل لم ترسل" عام 2003، كما حازت جائزة مالك حدّاد للرواية عن روايتها "السمك لا يبالي"، وقد نشرت العديد من الدراسات مثل "الترجمة الأدبية مشاكل وحلول". 

تحكي الرواية، بلهجة عامية، قصة "قارئة كف" تعيش في مدينة وهران (غرب الجزائر) خلال فترة العشرية السوداء، وتتناول الرواية الظروف القاسية التي تواجهها "هوارية" والتي دفعتها للعمل في الجنس… رواية إنعام بيوض الفائزة بجائزة آسيا جبار المرموقة "في وجه الريح والنار"، لماذا؟

لدى فوزها بجائزة آسيا جبار لأحسن رواية باللغة العربية، صرّحت بيوض في لقاء تلفزيوني: "أشعر بفخرٍ كبير أن يقترن اسمي باسم قامة عالمية في الأدب مثل آسيا جبار".

عن "هوارية"

بلهجة عاميّة تعكس واقع المجتمع والحياة اليومية، اختارت إنعام أن تسلط الضوء على الظروف المعيشية القاسية التي مرت بها "هوارية" التي أكدت الكاتبة في لقاء تلفزيوني أن الشخصية الرئيسية للرواية موجودة فعلاً وأنها التقت بها لكنها تحمل اسماً آخر. 

اسم "هوارية" شائع جداً في مناطق الغرب الجزائري، ويطلق على الأنثى و"هواري" على الذكر، وتحكي الرواية قصة "قارئة كف" تعيش في مدينة وهران (غرب الجزائر) خلال فترة العشرية السوداء، وتتناول الرواية الظروف القاسية التي تواجهها "هوارية" والتي دفعتها للعمل في الجنس. 

وقالت الكاتبة، في تصريحات حديثة، إنها أرادت من خلال "هوارية" أن تنقل صورة الناس البسطاء الذين لا يملكون هوية… "أردت أن أعطيهم وجوداً وصوتاً".

بين محافظين وحداثيين… سجال أيدولوجي محتدم 

لم ينتبه لرواية "هوارية" أحد عند صدورها في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الضجة بدأت قبل أيام عدة، بعد فوز الرواية بجائزة آسيا جبار المرموقة للرواية في نسختها السابعة. انتقادات لاذعة تتعرض لها الكاتبة وصلت إلى حد اتهامها بنشر السفور والفسق، كما تم التهجم على أعضاء لجنة تحكيم الجائزة، ما جعل عضو لجنة التحكيم والناقدة آمنة بلعلى تخرج عن صمتها وتكتب عبر حسابها في فيسبوك: "ليس دفاعاً عن هوارية… إنعام بيوض كتبَت نصّاً مختلفاً تناوَل مرحلة حرجة من تاريخ الجزائر من خلال رسم يوميات فئة اجتماعية تعيش الفقر والتهميش"، مضيفةً أنّ اللجنة رأت أنّ "الرواية مُحكمة في بنائها السردي ورسم شخصياتها والمكان المتعلّق بأحد أحياء وهران الغارق في الآفات الاجتماعية والعوز المادّي الذي تمّ استغلاله من أجل إثارة الأزمة التي عرفتها الجزائر في العُشرية السوداء".

مقاطع أثارت الجدل من رواية "هوارية"

مقاطع أثارت الجدل من رواية "هوارية".

ورأت بلعلى في الهجوم على الرواية "متنفّساً أيديولوجياً لأعداء الفنّ الذين يريدون أن يكتب الروائي أدباً منافقاً، ويبدو أنّ الهدف منه هو التشويش على كلّ نشاط ثقافي فاعل وتقنين الإبداع".

المعركة حول هوارية احتدمت على  مواقع التواصل الاجتماعي حيث علق كثيرون أن الرواية  "فضيحة أدبية لا يجب السكوت عليها"، من بينهم المترجم قواسمية عمار الذي تساءل: ما رأي أهل الاختصاص في استعمال هذه اللغة بهذا الشكل السافر؟ ما الدواعي؟ وهل بهذا نال نجيب محفوظ  جائزة نوبل للأدب؟

وكتب الناشط صلاح الدين غريب على فيسبوك: "لعلّ انتقاد رواية هوّارية للكاتبة إنعام بيوض هو دعاية مجّانية وتكريس للرّداءة… هذه الرّواية التي تحمل مفردات وإيحاءات جنسيّة يندى لها الجبين… إنّ الكتابة في الثّالوث المحرّم (الدّين السّياسة والجنس) هي منهج قديم يسير عليه طالبو الشهرة".

الهجوم على الرواية "متنفّس أيديولوجي لأعداء الفنّ الذين يريدون أن يكتب الروائي أدباً منافقاً، ويبدو أنّ الهدف منه هو التشويش على كلّ نشاط ثقافي فاعل وتقنين الإبداع"... لماذا أغضبت "هوارية" جزائريين وجددت السجال حول الأدب الإيروتيكي؟

من جهة أخرى، قارن ناشط آخر عبر فيسبوك، يُدعى العربي بوسكيني، حادثة رواية هوارية بما حدث مع نجيب محفوظ  في حادثة محاولة اغتياله. قال: "سأل القاضي الرجل الذي طعن نجيب محفوظ: لماذا طعنته؟ قال الإرهابي: بسبب روايته 'أولاد حارتنا'، فسأله القاضي: هل قرأت الرواية؟ فقال المجرم: لا. اليوم في الجزائر، تتعرض الروائية إنعام بيوض لهجوم شرس من نفس التيار السياسي بسبب روايتها هوارية رغم أن أغلبيتهم الساحقة لم تقرأها ولم يسبق لهم أن سمعوا باسم هذه الروائية في حياتهم… التاريخ يعيد نفسه".

 موجة تعاطف ومساندة

مقابل الهجوم الشديد، حظيت إنعام بموجة مساندة وتعاطف كبيرة من الوسط الثقافي في البلاد حيث أكد إعلاميون وأكاديميون وأدباء ومفكرون أن روايتها عرّت المسكوت عنه في المجتمع وأن بعض الآراء اتسمت بالتطرف والإقصاء مع عودة محاكم التفتيش ومصادرة الرأي الأخر.

الكاتب أحسن تليلاني قال، عبر بث مباشر على حسابه في فيسبوك، إن النقاش حول رواية هوارية نقاش مفيد وظاهرة صحيّة من شأنه أن يعيد للأدب حضوره في الحياة اليومية للمجتمع، معتبراً أن ما أثار الناس في هذه الرواية هو قضية الجنس وما تحمله من تعابير جنسية. "أعتقد أن هذا الموضوع قديم فالأدب حافل منذ القدم بمثل هذه التعابير، الأدب يتعاطى مع الحياة وهذه الأخيرة فيها القبح والجمال والآفات. والكاتب مثل الطبيب يفتح الجراح ويداويها لا يمكن أن نتهم الأديب الذي يعالج أمراض المجتمع أنه مريض، لا يمكن لوم الكاتبة أنها صوّرت الواقع بكل ما فيه، الأديب ليس إماماً بل فناناً يصور الواقع كما يراه بزاويته"، وسأل ختاماً: هل نطالب الكاتب أن يكون منافقاً ولا يواجه الآفات التي نعيشها، لا عليه أن يعريها؟.

أكاديمية جزائرية لرصيف22: "النقد الذي رافق رواية هوارية كان هستيرياً وانفعالياً جعلنا نعود بتفكيرنا إلى المستوى الثقافي والفكري السائد في مجتمعنا (...) نحن مصابون بتشوه فكري وتسرّع وحقد كبير لا يمكن أن نتحدث عن أي نهضة ثقافية أو حضارية تتبنى الاختلاف وتقوم الاعوجاج وتتطلع إلى التقدم"

ودافع الصحافي محمد حاجي بدوره عن بيوض قائلاً في منشور له إن "التهجُّم على الكاتبة وروايتها، هُوارية، والدعوة إلى سحب جائزة آسيا جبّار منها تحت ذرائع 'أخلاقية' يكشفان عن مدى استشراء الجهل المتدثّر بغطاء التديُّن والأخلاق، حتّى لدى بعض المحسوبين على الكتابة".

ورأت الأستاذة الجامعية حنان الجزائري المتخصصة في النقد المعاصر بجامعة الجزائر 2 أن "النقد الذي رافق رواية هوارية كان هستيرياً وانفعالياً جعلنا نعود بتفكيرنا إلى المستوى الثقافي والفكري السائد في مجتمعنا والأسباب الحقيقية وراء هذه الموجة العدوانية والتي قد تكون مفتعلة يقصد بها الإطاحة بالروائية أو لأسباب أخرى والملاحظ أن أغلب الذين طعنوا في الرواية وحملوا عصى الناقد الذي ظهر هذه المرة في ثوب الواعض الديني أو الحارس الأخلاقي الخائف على المجتمع... لم يقرأوا الرواية كلها بل اكتفوا بتداول صفحات منها وتلك الصفحات دون غيرها هي التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي فهي ليست معياراً للحكم على عمل أدبي بحجم رواية".

مقاطع أثارت الجدل من رواية "هوارية"

مقاطع أثارت الجدل من رواية "هوارية".

تضيف حنان لرصيف22: "نحن مصابون بتشوه فكري وتسرّع وحقد كبير لا يمكن أن نتحدث عن أي نهضة ثقافية أو حضارية تتبنى الاختلاف وتقوم الاعوجاج وتتطلع إلى التقدم... ونحن لم نتعلم بعد كيف نحترم أنفسنا وغيرنا ونعيش في جو سليم حتى لا نقول مثالي".

ووقعت مجموعة من المثقفين والفنانين والكتّاب بيان مساندة لإنعام بيوض وآسيا علي موسى صاحبة دار نشر ميم، ولأعضاء لجنة تحكيم جائزة آسيا جبار، مؤكدين دعمهم الكامل ووقوفهم ضد الهجوم، داعين إلى ضرورة عدم المساس بحرية الإبداع والنشر للأعمال الأدبية. كما طالبوا مديرة منشورات ميم، بالتراجع عن قرار غلق الدار، إثر الضغوطات التي مورسَت ضدّها.

على الجانب الآخر، راسل نائب من حزب إسلامي الوزير الأول (رئيس الحكومة الجزائرية) يشكو له الرواية "التي أساءت لساكنة وهران"، منادياً بضرورة التدخل ومحاسبة المشاركين في هذا العمل "المشين".

ختاماً، يمكن القول إن رواية "هوارية" لإنعام بيوض هي مثال حيّ على مجتمع تتصارع فيه الأفكار والقيم  كما تعكس مدى الضغوط الكبيرة والتحديات التي تواجهها حرية التعبير والإبداع الأدبي في الجزائر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard