شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أنا سوري آه يا نيالي"... أو الانتحار داخل صندوق الاقتراع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 17 يوليو 202402:10 م

ليس أحبّ إلى قلبي المُدنَف من المواسم الانتخابية، ولا أغلى على فؤادي المعنّى من حشود الأعراس الوطنية، ولا أطيب إلى نفسي الهيمانة من تشابك أيدي الرفاق المناضلين في حلقات الدبكة. لذلك صرت أعدّ الليالي ليلةً بعد ليلة، والساعات ساعةً إثر ساعة، لهفةً لموعد الاستحقاق الدستوري في الانتخابات، متقلّباً على جمر الغضا شوقاً لأجواء الفرح والعزة والحماس التي تجتاح الحشود الغفيرة حول الصناديق. 

القشعريرة... وصور المرشحين

اعتدت خلال فترة الترشيحات والدعاية الانتخابية أن أستولي على جهاز التحكم في البيت، فهو اختراع رهيب أحياناً، كي أتنقل كما يطيب لي بين الشاشات الوطنية وشبه الوطنية متابعاً ما تجود به قريحة المحللين السياسيين من رؤية ثاقبة للاستحقاق الانتخابي كممارسة نضالية وموقف مزلزل للامبريالية ومشاريعها، وصفعة للرجعية التي لا تريد لنا الخير الديمقراطي، ومسمار إضافي في نعش الإرهاب. وقد صار ينتفخ صدري كما بسّام كوسا حين أصابته "ضربة فخر" في "بقعة ضوء" كلما سمعت خطاباً أو نشيداً أو مارشاً عسكرياً أو أغنية وطنية.

صرت حين أمشي في الطرقات والشوارع أنظر إلى صور المرشحين المنتشرة على الجدران واللافتات وألواح الإعلان. أرى المرشح الأزرق باسماً متفائلاً شعاره النضال للوصول إلى المستقبل الوضّاء فأقرر التصويت له، لبيك يا مرشحنا. ألتفت يميناً فأرى المرشح الأصفر رافعاً جبينه الأشم حتى اخترق سقف الصورة مصمماً على النصر المبين، فأغير رأيي وأقول: بل صوتي لهذا، قادمون يا ممثلنا. ألتفت يساراً فتقع عيناي على المرشح البنفسجي الذي سيعمل على استعادة الأراضي المحتلة، فتصيبني القشعريرة الوطنية وأقسم أن أعطيه صوتي، آتون لنصرتك يا سندنا.

اعتدت خلال الدعاية الانتخابية أن أستولي على جهاز التحكم في البيت، كي أتنقل بين الشاشات متابعاً ما تجود به قريحة المحللين السياسيين من رؤية ثاقبة للاستحقاق الانتخابي، كممارسة نضالية وموقف مزلزل للامبريالية ومشاريعها، وصفعة للرجعية التي لا تريد لنا الخير الديمقراطي، ومسمار إضافي في نعش الإرهاب 

أمشي فيلامس رأسي لافتة المرشح الأخضر الذي سيقضي على الفساد والفاسدين معاً غير هيّاب ولا قانط، فأخاطبه: والله لن تثنيني رياح التآمر عن منحك ثقتي، سِر ونحن وراءك يا مخلصنا. أجيل نظري فيقع على المرشح السكلما الذي يجزم أنه من جماعة الأفعال لا الأقوال، فأضمه إلى قائمتي: وهل لنا إلّاك أيها المقدام؟ أما المرشحة الصاعدة ذات الشعر الأشقر و"عيون المها بين الرصافة والجسر" ورقم الجوال الذهبي فلا مندوحة من اختيارها أولاً، إذ لا قيمة للانتخابات بدون فوزها فوزاً ساحقاً، ولا يحلو المجلس إن لم تتصدر فيه الصف الأول كي نفقأ عين السلفية والتخلف. 

الرد على المتآمرين 

ولأن المشاركة الحماسية في تلك الأعراس هي النضال الأكبر، والواجب المقدس، والرد الصاعق على الأعداء المتآمرين ممن يريدون حرف مسيرتنا المظفرة، كما جاء ويجيء في القواميس الخطابية للمناضلين الأشاوس، فقد بتُّ "مقروحَ الجفنِ مُسَهّدَه" في الليلة التي سبقت اليوم التاريخي المجيد، أستعجل الصباح شوقاً والتياعاً، وتذكرت كيف كنا نسهر حتى نسمع زمور باص الرحلة المدرسية فنهبُّ هبة طالبٍ واحد قبل أن يحشرنا موجه الصف في المقاعد حاجزاً لنفسه ولبقية الأساتذة والآنسات بجانب السائق. 

صار صدري ينتفخ كما بسّام كوسا حين أصابته "ضربة فخر" في "بقعة ضوء" كلما سمعت خطاباً أو نشيداً أو مارشاً عسكرياً أو أغنية وطنية.

ولولا أن شرطي الحراسة سيقول مستنكراً "شو شايفنا بمنامك؟" لزرعت نفسي على باب المركز قبل أن ينبلج فجر اليوم الديمقراطي الموعود، لكني ضبطت حماسي بعض الوقت، ثم انطلقت صباحاً متلبساً ضربة الفخر البسّامية تحدوني رغبة عارمة في عرقلة المشاريع التآمرية وتثبيت النصر المؤزر لجماهير أمتنا. ولم أكد أصل إلى المركز الانتخابي إلا ووقع في قلبي حب المرشحين جميعاً بعد أن رأيت صورهم اللامعة في الطريق وعلى مدخل المركز، إذ كيف أفاضل بينهم؟ وكلهم بهيّ الطلعة جليّ الهيبة، عالي الهمة للعمل والإنجاز، جميل الشعارات يغدق الوعود ويمتلئ حماساً. لذا فقد نويت أن أرضي ضميري الانتخابي وأستجيب لنزعتي الوطنية المضطرمة، وأشبع غريزتي الديمقراطية بهم جميعاً، والتزاماً طوعياً بشعار (الفسيفساء الوطنية) ذائع الصيت. 

في الغرفة السرّية

شققت صفوف الحشود التي أتت من كل فجٍ عميق، زرافاتٍ ووحداناً، وملأتِ الساحة بما لذّ وطرب من أفانين الخطابة والدبكة والغناء، بمشاركة كريمة من مسؤولينا الأكرم. دخلت المركز دون أن يغيب عن هيئتي بسّام كوسا وأعطيت الرفيق المناضل رئيس لجنة الصندوق هويتي ولم يفاجئني أن الصندوق من البلاستيك الشفاف، فنحن لا نخفي شيئاً في المعارك الديمقراطية. 

خرجت وأنا أدندن "أنا سوري آه يا نيالي" رافعاً الورقتين  وسط استغراب الحاضرين، اقتربت رويداً رويداً من الصندوق، رفعت يديّ فوقه، وبحركة سريعة مزقتُ الورقتين نتفاً، ونثرتها في الهواء فوق الصندوق ورؤوس الحضور، وقبل أن يستفيق الجمع من دهشتهم سارعت بالفرار إلى ساحة الحرية المجاورة

دخلت الغرفة السرية، أمسكت بالقلم الأزرق، وبدأت بكتابة أسماء المرشحين حتى امتلأت ورقة التصويت في المتن والهامش، فقد أحببتهم كلهم كما أسلفت، وأريدهم كلهم في المجلس كي يكتمل الفريق الكفاحي، وتتم هزيمة المشروع الإمبريالي البغيض، أخرجت رأسي من خلف الستارة - ألم أقل لكم أنها الغرفة السرية؟ - وطلبت ورقة أخرى، أسعفني بها رفيق مناضل آخر فأكملت أسماء من تبقى من المرشحين حتى فاضت الورقتان بهم، ثم خرج بسّام... أقصد خرجت أنا نافخاً صدري أدندن "أنا سوري آه يا نيالي" رافعاً الورقتين في يدي الاثنتين إلى أعلى وسط استغراب الحاضرين وقد فغر بعضهم فاه، اقتربت رويداً رويداً من الصندوق، رفعت يديّ فوقه، وبحركة سريعة مزقتُ الورقتين نتفاً، ونثرتها في الهواء فوق الصندوق ورؤوس الحضور، وقبل أن يستفيق الجمع من دهشتهم سارعت بالفرار إلى ساحة الحرية المجاورة، ثم شارع الكرامة الذي يتفرع عنها، وصولاً إلى أوتوستراد المجد، وما زلت أركض حتى الآن ذهاباً وإياباً في شوارع الوطن ذات الاتجاهين باحثاً عن مركز استشفاء خاص بالروح الوطنية، يعيدني إلى جادة الصواب الديمقراطي.

وهنا أيتها السيدات أيها السادة، لم أستفق من نومي كما قد تظنون، ولم يخرجني من حلم اليقظة صياح أم العيال "طلاع شفلي خزان المي"، ولم يقطع سردتي طلب الصبي المفاجئ "بدي بوط للمدرسة"، ولم يكسر شرودي صراخ المطرب الوطني الذي زعق فجأة من بيت الجيران، كل ما في الأمر أني أردت تجربة المشاركة في حفلة التكاذب المهولة بكذبتي الخاصة، فصدقوني ... قبل أن يعفطوني، يا رعاكم إله الاستفتاء الشامل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image