رافقت حملة المرشحين للانتخابات التشريعية التونسية، التي ستُنظّم في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، موجةً من التندر والسخرية من الشعارات المرفوعة والممارسات غير المألوفة في السباق نحو مقاعد البرلمان المقبل.
ردود الأفعال المتهكمة ليست الأولى من نوعها، فجلّ الاستحقاقات الانتخابية السابقة سواء أكانت رئاسيةً تشريعيةً أو بلديةً، لم تسلم من الانتقادات الساخرة واللاذعة لبرامج وشعارات المرشحين "الطريفة" و"غير القابلة للتنفيذ"، لكن المستجد في الانتخابات الحالية هو وضع حملة السخرية في خانة التآمر على الانتخابات التشريعية بغاية تنفير المواطن التونسي من المشاركة فيها وتالياً إفشالها.
سلاح الضحك... أمام السوريالية
تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي في تونس خلال الفترة الحالية، بحملات "استهزاء"، و"تنمّر" أحياناً، تتمحور حول برامج وخطاب المرشحين للانتخابات التشريعية التي بُثّت يومياً على القناة الوطنية الرسمية في حصص التعبير المباشر ووثائق الدعاية الانتخابية التي توزّع على المواطنين، أو اللافتات التي تعلَّق في الشوارع.
كثيرة هي الشعارات محلّ السخرية التي عدّها التونسيون مبتذلةً فتفننوا في التندر عليها على موقع فيسبوك خاصةً، نذكر من بينها شعار "إن شاء الله زينة بجاه مكة والمدينة"، و"انتخبوني تربحوني"، و"صفّي نيتك تسهال ثنيتك (أي طريقك)"، و"معاً نصنع الربيع وندحر الصقيع".
كما واجهت بعض البرامج الانتخابية غير الواقعية التي يعِد بها المرشحون المواطن التونسي موجة تهكّم ممزوجةً بالاستياء، فقد وعد البعض بالعمل على "تحرير فلسطين"، و"إنزال الأمطار"، و"مكافحة انتشار الأسلحة النووية"، و"توحيد السودان"، و"استعمال العصا لفرض هيبة الدولة"، كما ذهب أحد المرشحين خلال المدة المخصصة له لتقديم برنامجه، إلى الدفاع عن رئيس الجمهورية بالقول: "الرئيس لا يملك عصا سحريةً لإصلاح الوضع في وقت وجيز بعد سنوات من الفساد".
"إن شاء الله زينة بجاه مكة والمدينة"، و"انتخبوني تربحوني"، و"صفّي نيتك تسهال ثنيتك"، و"معاً نصنع الربيع وندحر الصقيع". شعارات انتخابية في تونس تحولت إلى مادة للتهكم والسخرية
خلافا للشعارات "الغريبة" والبرامج غير القابلة للتطبيق التي لا تسمح صلاحيات البرلمان المقبل بتنفيذها، سجّل التونسيون استغرابهم واستهزاءهم من بعض الحملات الانتخابية الميدانية، لعل أبرزها فيديو متداولاً لمرشح جاب شوارع الدائرة الانتخابية التي يترشح عنها ممتطياً حصاناً بلباس فروسية على إيقاع الطبل والمزمار وتم تلقيبه بـ"فاتح البرلمان".
فيما عمد مرشح آخر إلى التجول في دائرته الانتخابية في سيارة فارهة مرافَقاً بحراسة مشدّدة، وهو يحيِّي المواطنين من سقف سيارته المكشوفة في موكب شبّهه التونسيون بمواكب الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
مرشحة أخرى أطلت على التونسيين، مسترسلةً في فيديوهات قصيرة بلباس غريب وغير متناسق رافعةً العلم التونسي، وتعمد من فوق أريكة أو سرير إلى إلقاء كلمات مبعثرة وغير متناغمة تدعو فيها المتابعين إلى انتخابها.
"حملات فلكلورية"
يرى المحلل السياسي بولبابة سالم، أن حملات السخرية التي أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تأتِ من فراغ وليست بالمؤامرة كما وصفها البعض، وأن المتسبب فيها هم بعض المرشحين للانتخابات الذين يقومون بحملات انتخابية فيها طرافة وفلكلور.
وعزا الباحث ذلك إلى النظام الانتخابي الجديد القائم على ترشّح الأفراد والذي أتاح لبعض "النكرات والفاقدين للسيرة السياسية ممن لديهم نزعة شعبوية وقبلية وعروشية خاصةً في الجهات الداخلية، الترشح".
كما لفت بولبابة، في حديثه لرصيف22، إلى أن "الحملات الفلكلورية"، كما يصفها، سببها غياب الأحزاب بفعل القانون الانتخابي الذي يفترض أن تقوم باجتماعات عامة وتقدّم مرشحيها وهو ما فتح المجال أمام هذه الظواهر المثيرة للسخرية والتي تمس حتى بصورة البرلمان القادم، مشيراً إلى أن البعض من المرشحين "غير قادرين حتى على تكوين جملة سياسية سليمة ولا يمكن لهم الارتقاء بالخطاب وهو مستواهم الحقيقي"، وفق تقديره، "وليست طريقةً للفت الانتباه إليهم أو لصناعة الإثارة". كما أقرّ بترشح شخصيات محترمة وكفاءات في هذه الانتخابات وليس فقط الشريحة التي أثارت السخرية من برامجها وشعاراتها.
برامج غريبة، ووعود طريفة، وخرجات من بيوت النوم أو على متن سيارات شبيهة بأيام بن علي. في تونس تحوّل مرشحو الانتخابات التونسية إلى "مهزلة" في وسائل التواصل الاجتماعي
حول تداعيات حملات التندر على إقبال التونسي على المشاركة في الانتخابات من عدمه، يرى المحلل السياسي أن مقاطعة الأحزاب الكبرى للانتخابات ستتسبب في عزوف كبير للمواطن عن الإدلاء برأيه في الانتخابات التشريعية، لأن الأحزاب هي التي تؤطر أنصارها ومناضليها للمشاركة، وفي هذا الاستحقاق الانتخابي جميع الأحزاب الكبرى على غرار حزب النهضة والحزب الدستوري الحر والأحزاب الاجتماعية اليسارية بصفة عامة، أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات وهذا سيؤثر على نسبة المشاركة.
وأضاف أن غياب الأحزاب الكبرى مع المشهد الفلكلوري لبعض المرشحين سيجعلان المواطنين، حتى مساندي الرئيس قيس سعيّد منهم، يترددون في الإقدام على المشاركة في الانتخابات.
ويأتي هذا التحول في الاقتراع من القوائم الجماعية التي تقدمها الأحزاب، إلى نظام الترشح الفردي، وذلك بعد تعديل القانون الانتخابي لسنة 2014، بمقتضى مرسوم أصدره الرئيس سعيّد، في 15 أيلول/ سبتمبر 2022.
"مؤامرة ساخرة؟"
في ردها على حملات التهكم التي طالت بعض المرشحين للاستحقاق الانتخابي المقبل، سارعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى نشر بلاغ توضيحي موجّه إلى عموم الناخبين ووسائل الإعلام، أكدت فيه أن "مقاطع الفيديو والصور التي يتم تداولها في صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لا تتعلق في أغلبها بمرشحين لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب، في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022"، مشددةً على أنها تندرج "في إطار حملة ممنهجة قصدها تشويه العملية الانتخابية وترذيلها بهدف التأثير على المشاركة في هذه الانتخابات".
بدوره أكد نائب رئيس هيئة الانتخابات ماهر الجديدي، في تصريح إعلامي، أن أطرافاً تنتمي إلى الأحزاب المقاطعة للانتخابات ورافضةً للمسار الانتخابي برمته، تسعى إلى الإساءة إلى العملية الانتخابية عبر "ترذيلها". من جهتها، كانت الهيئة قد نشرت وثيقةً تبرز توزع المرشحين للانتخابات حسب القطاع المهني تفيد بأن 25.8 في المئة من المرشحين أطر وأعوان في وزارة التربية، و21.7 في المئة أطر وموظفون وأعوان في القطاع العام، و14 في المئة يمارسون مهناً حرةً، و13.4 في المئة أطر وموطفون وأعوان في القطاع الخاص و9.5 في المئة عمال مياومون أو لا يعملون، و6.4 في المئة متقاعدون، و2.8 أطر وموظفون وأعوان في وزارة التعليم العالي، و2.6 في المئة رؤساء بلديات، و2.5 في المئة طلبة وتلاميذ، والبقية صحافيون ورجال أعمال وعضوان في مجلس النواب المنحلّ.
في الوقت الذي ترى فيه فئة معيّنة من الشعب التونسي أن ما يحدث يندرج في خانة المؤامرة على الانتخابات التشريعية، يرى البعض الآخر أن القانون الانتخابي الجديد ساهم في بروز بعض المرشحين غير الأكفّاء ساهموا بأنفسهم في تسفيه العملية الانتخابية وتحويلها إلى "مهزلة".
في الوقت الذي ترى فيه فئة معيّنة من الشعب التونسي أن ما يحدث يندرج في خانة المؤامرة على الانتخابات التشريعية، يرى البعض الآخر أن القانون الانتخابي الجديد ساهم في بروز بعض المرشحين غير الأكفّاء
يرى ملاحظون أن قانون الانتخابات المعّدل الذي اشترط تفرغ النواب للعمل النيابي، نفّر شريحةً مهمةً من الكفاءات التونسية من الترشح في الانتخابات التشريعية، لأن شرط التفرغ سيعطل مصالحهم ويؤثر سلباً على مستقبلهم المهني على غرار الأطباء والمحامين والدكاترة وغيرهم، كما عدّ شرط التفرغ محفزاً لبعض الفئات التي تبحث عن مورد رزق وعمل مضمون توفر منه دخلاً أفضل من أجورهم الشهرية التي يتقاضونها حتى وإن غاب شرط الكفاءة والتكوين لديهم.
كما عزّز المستوى الخطابي "الهزيل" لبعض المرشحين وارتجالهم في الحديث عن برامجهم "الغريبة"، التي تتجاوز صلاحيات السلطة التشريعية المخاوف من تركيبة البرلمان المقبل ومدى قدرة أعضائه على المساهمة في اقتراح ومناقشة مشاريع قوانين تخدم الصالح العام في هذه الفترة الحساسة التي تمر بها البلاد.
نواب قبل الانتخابات!
كشفت هيئة الانتخابات، خلال ندوة صحافية عن ترشح وحيد في عشر دوائر انتخابية، أي أن هؤلاء المرشحين أصبحوا نواباً بصفة آلية في حال ثبت ترشحهم بعد انقضاء المدة المخصصة للطعون، بغضّ النظر عن عدد الأصوات التي سيحصلون عليها، وهي سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في تونس، كما سجلت 7 دوائر أخرى عدم ترشح أي أحد، وأفاد رئيس الهيئة بأن الترشيحات التي ألغيت تتعلق في الغالب بشرط التزكية ونقص الوثائق.
وقد أثارت هذه النقطة حفيظة العديد من المهتمين بالشأن الانتخابي في تونس، الذين رأوا أن الشرعية الانتخابية تستوجب سقفاً محدداً من الأصوات على النائب أن يحظى بها لينال عضويته في المجلس وتكون لديه حظوة انتخابية من الناخبين وتكون المنافسة بين المتسابقين نحو البرلمان عادلةً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...