شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لأن السخرية لم تعد تكفي.. عندما تفقد النكتة بريقها

لأن السخرية لم تعد تكفي.. عندما تفقد النكتة بريقها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأربعاء 27 مارس 202408:50 ص

هل السخرية دائماً فعالة في وقت لم يعد يصلح فيه سوى الغضب؟ لا أملك إجابة، فقط سؤال مؤرق.

في كتابه "الضحك والنسيان"، يقارن ميلان كونديرا بين نوعين من وجهات النظر، الأولى وجهة النظر الملائكية التي تقترح عالماً منظماً منسجماً، كل شيء فيه له معنى واضح، ولا يحدث على سبيل الصدفة. فمعانٍ كالخير والعدل والحق والحب والجمال، هي معان ثابتة لا يمكنها أن تتغير، ويملك أصحاب تلك النظرة تصورات مثالية لتلك المعاني لا تتأثر بالزمن. 

أما وجهة النظر الثانية، الشيطانية، بحسب كونديرا، هي وجهة نظر الشخص اليائس من إيجاد معنى في أي شيء، وهي رغم يأسها المطلق، تؤدي دوراً اجتماعياً هاماً، فهي التي تكشف الفساد في وجهة النظر الملائكية التي لا وجود لها إلا في الأذهان، وهي ليست فقط نظرية خيالية عن الحياة بتعقيداتها، لكنها أيضاً مرهقة ومستحيلة، وتحمل قدراً كبيراً من الادعاء الذي يجعل صاحبها يظن أنه قد امتلك الحقيقة المطلقة بغض النظر عن أي تطور أو تغيير في الزمان أو المكان.

ديكتاتورية الأفكار المثالية 

الأفكار المثالية دائماً ما تخلق سلطة تشبه سلطة الأنا عليا لدى فرويد، تجبرنا على الحفاظ على أدوارنا الاجتماعية المثالية بشكل يتطلب أن نقمع أنفسنا على نحو مستمر من أجل تأدية هذا الدور، وهو ما يجعلنا مستعدين للضحك على أقل خطأ أو تناقض يظهر في هذا الدور، كاعتراض غير واع على تعسف المسرحية التي تؤدى، كما تسمح لنا بتقليل التوتر الذي تخلفه تصرفاتنا العقلانية التي يتوقعها الآخرون منا طيلة الوقت، والتي قد تخفي تحتها رغبات في الانفلات والتحرر من الشكل الاجتماعي، أو حتى أوهام وأفكار مجنونة وفوضى لا تسمح بها صورتنا التي شكلناها أمام الآخرين.  

في كتابه "الضحك والنسيان"، يقارن كونديرا بين نوعين من وجهات النظر، الأولى "الملائكية" التي تقترح عالماً منظماً منسجماً، والثانية "الشيطانية"، وهي وجهة نظر الشخص اليائس من إيجاد معنى في أي شيء، هي ليست فقط نظرية خيالية عن الحياة بتعقيداتها، لكنها أيضاً مرهقة ومستحيلة، وتحمل قدراً كبيراً من الادعاء

النكتة أو السخرية هي فترة راحة مؤقتة من العالم الواضح للمثل، التي تتطلب مجاراتها خداع أنفسنا، إذ تأتي النكتة من الفرق بين المثال والواقع، وقد بلغت السخرية ذروتها في القرن العشرين عندما فشلت الحداثة في تحقيق وعودها للإنسان المعاصر، فكما كان عصر التفوق العلمي، كان أيضاً عصر الحروب العالمية والاستبداد الشمولي والديكتاتوريات والرأسمالية المتوحشة، لذا كانت السخرية، وما زالت، أداة قوية لتحدي استغلال السلطة من أي نوع، وفضح الوعي الزائف الذي تنتجه السلطات في عقولنا من أجل التحكم بنا، لكن يجدر بنا أن ندرك أنها ليست تعبيراً عن الحقيقة، بل الطريق لفهم الحقيقة، كما قال الفيلسوف سورين كيركيغارد.

المشكلة أن السخرية من حداثة القرن العشرين – بحسب فلاسفة آخرين- أدت بدورها إلى وعي زائف جديد، بسخريتها المستمرة من أي قيمة أو معنى؛ لأنها وقفت عند الشك والارتياب، وقد أحالت العقل إلى موقف عدمي. 

السخرية كأداة عابرة للأيدولوجيات 

في كتابها "حافة السخرية"، تقول ليندا هتشيون إن السخرية استطاعت تحدي القوى المهيمنة والأفكار التقليدية والظلم الاجتماعي والسياسي، إلا أنها ليست بالضرورة أداة تحررية، فكما استخدمتها التيارات الثورية، فقد استخدمتها أيضا التيارات المحافظة، بكفاءة لتعزيز وضعها وتصوراتها التقليدية، فالسخرية في النهاية سلاح عابر للأيدولوجيات، يمكن للجميع استخدام أدواته للدفاع عن نفسه وعن قضيته، سواء كانت قضية عادلة أو ظالمة، وكما تعي السلطة خطورة الضحك، لكنها أيضا تعرف أدواته وتستطيع استخدامها، وفي مواجهة الضحك المتمرد كأداة مقاومة يمكن استعماله لقمع الجماهير وتحجيم تمردهم والحط من شأن الأفكار الثورية. 

بلغت السخرية ذروتها في القرن العشرين عندما فشلت الحداثة في تحقيق وعودها للإنسان المعاصر، فكما كان عصر التفوق العلمي، كان أيضاً عصر الحروب العالمية والاستبداد الشمولي والديكتاتوريات والرأسمالية المتوحشة. 

النكت والتعليقات الساخرة عن الأقليات أو عن النساء قد تعمل على ترسيخ الأفكار النمطية وتحويل التحيزات ضدهما لأفكار مقبولة اجتماعياً، كالنكات التي تسخر من قيادة النساء على سبيل المثال، أو التي تسوغ الخيانة والتعدد للرجال، أو حتى السخرية من قضايا جدية كالتغير المناخي أو الفقر أو العنصرية والتقليل من قيمتها.

الغريب أن عصرنا يشهد رجالاً صعدوا لأعلى المناصب في العالم كدونالد ترامب رئيس أمريكا السابق والمرشح الأقوى لتولي منصب الرئيس في الانتخابات الأمريكية القادمة، وبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا ورئيس الأرجنتين الحالي، خافيير مايلي، قدموا أنفسهم في الأساس كشخصيات ساخرة، قادرة على تفريغ أي فكرة من معناها وشل حركة خصومهم عن طريق النكتة.

باستثناء رئيسنا الحالي، عبد الفتاح السيسي، الذي صار يستخدم النكتة والسخرية للإساءة إلى شعبه أو لمعارضيه، والتي تتميز بثقل دم لا يضحك إلا من حوله، فإن الطغاة والشعبويين في العادة، يمتازون بخفة الدم والقدرة على التقاط المفارقة الساخرة، وهم نجوم هذا العصر الذي يمكن تسميته بعصر الترفيه، فالأخبار ووسائل الإعلام تحبهم، لأن الترفيه أهم من المعلومة أو تحليلها، لذا فمادة الأخبار التي يقدمونها ليست فقط مسلية، لكنها تستبدل الحقيقة المعقدة للعالم، برواية بسيطة سهل فهمها، بل يمكن القول إنهم يستخدمون نفس أداة الساخر الثوري الذي يختزل العالم كله في مفارقة، لكنهم على عكسه لا يهدفون إلى كشف الحقيقة وإنما طمسها. 

بديل عن الغضب 

ينجح هؤلاء في الأساس لأنهم في عفويتهم التي قد تدفع دولاً وشعوباً ومؤسسات إلى الهاوية، يكونون أكثر ديناميكية وحيوية من رجال السياسة التقليديين اللذين يؤدون أدوارهم متبعين سكريبت محفوظ ومتوقع، فيعكسون جمود وكذبة السياسة نفسها، مفارقة تستحق التأمل، رغم أن الشعبوية تكشف كذبة السياسة، فهي لا تصنع إلا كذبة جديدة، لكن دلالتها التي تهمنا هي ميلنا إلى التسفيه من العمق، نحن مثلهم نفضل الترفيه على الحقيقة. 

رغم أهميتها في أن تكون في مرحلة ما بديلاً عن الغضب، وطريقة للتكيف عوضاً عن التغيير، أحياناً تنقلب المسألة كي تصبح النكتة هي الهدف لا الوسيلة، ومع الوقت ومن كثرة التنكيت ومع التفريغ المتواصل للغضب، قد تفقد حتى النكات قدرتها على الإضحاك

أحياناً قد تكون "الميمز" والنكات مجرد "تنفيسة" ضد السلطة التي نسخر منها، ورغم أهميتها قد تكون في مرحلة ما بديلاً عن الغضب، طريقة للتكيف عوضاً عن التغيير، أحياناً تنقلب المسألة كي تصبح النكتة هي الهدف لا الوسيلة، ويصير الموضوع هامشياً مجرد طريق ينفتح من أجل نكتة جيدة، مع الوقت ومن كثرة التنكيت ومع التفريغ المتواصل للغضب، قد تفقد حتى النكات قدرتها على الإضحاك، ونفقد نحن – مع الاعتياد- طاقتنا على التهكم والتنكيت، وقد صار الملك يعرف أنه عار، يشير إلينا أننا نحن العراة.

لن أتوقف عن السخرية فهي كل ما أملك، ولا أدعو أحداً للتوقف عنها لكني أدعو نفسي أولاً بقلب محمل بالشكوك للتأمل في السؤال: متى تصبح السخرية غير فعالة ودورها الوحيد هو تبرئة ذمتنا من مسؤوليتنا تجاه تغيير ما يحدث؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image