"يتوقف الزمن، وتدق القلوب بسرعة شديدة، والمشجعون في أنحاء البلاد في انتظار الثواني الأخيرة لوصول منتخبهم إلى أكبر بطولة رياضية عالمية، كأس العالم لكرة القدم".
تبدو العبارة السابقة طبيعيةً تماماً في أي بلد في العالم، إلا في سوريا، إذ يمكن أن يتبين أي متابع لأحوال الرياضة السورية في مختلف المناطق، وبغض النظر عن الجهة المسيطرة على أرض الواقع، أن هذه العبارة ليست سوى سخرية من المنتخب السوري والقائمين عليه، سواء الاتحاد الرياضي العام (أكبر سلطة رياضية في سوريا حيث توازي وزارة الرياضة)، أو اتحاد كرة القدم.
وربما يُعدّ المنتخب السوري لكرة القدم من أكثر المنتخبات التي نالت السخرية والسباب والشتائم من متابعيه، بحكم أنه وبالرغم من المواهب الكثيرة التي قدّمها على مدار سنوات طويلة، فشل في إحراز أي لقب (باستثناء بطولة غرب آسيا 2012)، أو التأهل إلى كأس العالم لكرة القدم.
"سيريان ليخ"
لسنوات طوال كانت هذه السخرية أحاديث متكررةً مع كل بطولة أو تصفيات ما، يخوضها المنتخب. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ازدادت واتخذت أشكالاً مختلفةً، وتغذّي هذه السخرية المشكلات والفشل المتكرر للمنظومة الكروية التابعة للنظام السوري، وليست آخرها الحالة المتردية للملاعب وغياب الخدمات الضرورية عنها، بما فيها سيارات الإسعاف، أو استكمال مباراة في دوري الدرجة الثانية بالرغم من وفاة أحد الكوادر الفنية، إذ أصيب مدرّب الحراس في نادي "معضمية الشام"، محمد خالد شحادة، بنوبة قلبية بعد احتساب ركلة جزاء للنادي المنافس واستُكملت المباراة بشكل طبيعي، وقد يحصل أيضاً أن يتعرّض لاعب للضرب من قبل لاعبي الفريق المنافس، ثم يقوم الحكم بطرد اللاعب المضروب من أرض الملعب.
تغذّي السخرية، المشكلات والفشل المتكرر للمنظومة الكروية التابعة للنظام السوري، كالحالة المتردية للملاعب وغياب الخدمات
هذه الحوادث وغيرها، دعت المئات إلى تسمية الدوري السوري الممتاز لكرة القدم بـ"السيريان ليخ"، كنوع من السخرية من الدوري ككل، فيما يُعدّ من أشهر الفيديوهات الساخرة، ما يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي لإحدى لوحات مسلسل "مرايا"، والتي تصوّر مدرباً سورياً يشرح خطته للاعبيه بالقول: "وليد... التحش (ارمي نفسك) بمنطقة الجزاء، بركي الله بيعمي على قلب الحكم وبيعطينا ضربة جزاء!".
وسبق أن سخر الإعلامي الرياضي السوري وائل البزرة، في منشور على حسابه في فيسبوك، من الملاعب السورية قائلاً: "الخبر: تأجيل المباريات المؤجلة في الدوري السوري، لعدم صلاحية الملعب الذي تم تأهيله بمليار ليرة! لا عليك، ابتسم فأنت في سوريا، التي انتصرت (على من؟ لا أحد يعرف)، ولا تزال تعيش نشوة الانتصار، حتى أن الشعب ينتصر يومياً على نفسه ليعيش من قلة الموت! كرة القدم في سوريا، تترجم حال بلد بأكمله".
الشارع الرياضي فقد الأمل
عملياً، فإن جميع فرق ومنتخبات كرة القدم حول العالم، تتعرض للسخرية عند الخسارة أو الأداء السيئ أو حتى لدى تحقيق الانتصار، لكن في المقابل فإن السخرية النابعة من المنافسة تختلف عن تلك الناتجة عن الفشل المستمر والمتكرر والمرتبط بشكل مباشر بالفساد الإداري والمالي، وإضاعة الفرصة على المواهب المحلية القادرة على تحقيق الإنجازات بمجرد أن تتوفر لها الظروف الصحية المناسبة، والمثال على ذلك تجربة فريق "الكرامة الحمصي" في بطولة دوري أبطال آسيا (أقوى بطولة كروية على مستوى القارّة)، ووصوله إلى المباراة النهائية في عام 2006، أو إلى أدوار متقدمة في النسخ التالية.
غياب المشروع الرياضي يولّد فقدان الأمل بالضرورة، ويمكن ببساطة ربط هذا الأمر بمقولة مؤسس علم الاجتماع، ابن خلدون: "المقدمات المنطقية تؤدي إلى نتائج منطقية".
ويرى الإعلامي الرياضي السوري فرات دروبي، في حديث إلى رصيف22، أن "الشارع الرياضي السوري في الداخل فقد أي أمل بمشروع رياضي نهضوي قادر على رفع مستوى المسابقات المحلية"، ويضيف: "أصبح من المعتاد توجيه النقد الساخر حينما تحصل أي حادثة داخل رياضة النظام، وهذا نوع من تفريغ للطاقة السلبية لدى المتابعين الذين لا حول لهم ولا قوة لتغيير الواقع الرياضي سوى السخرية منه".
من جهته، يرى الستاند أب كوميديان، عمار دبا، أن "السخرية في حد ذاتها مهمة في جميع المجالات والواقع الرياضي بائس بطبيعة الحال سواء لدى النظام السوري، أو حتى في القليل من الرياضة الموجودة لدى الطرف الآخر، ويبدو أن هناك تعمّداً في عدم الاهتمام بها".
السخرية في حد ذاتها مهمة في جميع المجالات والواقع الرياضي بائس بطبيعة الحال سواء لدى النظام السوري، أو حتى في القليل من الرياضة الموجودة لدى الطرف الآخر، ويبدو أن هناك تعمّداً في عدم الاهتمام بها
إلا أن هذه السخرية لا يبدو أنها تثير اهتمام القائمين على الرياضة في المؤسسات التابعة للنظام السوري، ولا حتى انزعاجه منها لا سلباً ولا إيجاباً، بل يصل إلى مرحلة "التعامل الساذج" وفق الدروبي، الذي يرى أن تعامل هذه المؤسسات "لا يرقى إلى تعامل مؤسسة، المفروض أنها مسؤولة عن الرياضة".
ويضيف: "وصلت المؤسسات إلى مرحلة إغلاق التعليقات على صفحة فيسبوك الخاصة باتحاد كرة القدم، لمنع أي متابع من إبداء رأيه في القرارات أو السخرية منها، وحصل ذلك قبل فترة ليست ببعيدة حينما كان الاتحاد على أعتاب تعيين مدرب للمنتخب، خصوصاً ما حدث مع المدرب البرازيلي باكيتا الذي كان على أعتاب توقيع عقده قبل أن ينسحب لتلقّيه عرضاً أكبر من أندية أخرى، ويصبح اتحاد الكرة محط انتقادات وسخرية كبيرة من المتابعين في الوسط الرياضي".
غياب الاهتمام
تشير ردات فعل المؤسسات الرسمية الرياضية التابعة للنظام السوري إلى نقطتين: إما عدم الاهتمام بردات الفعل من المتابعين ووسائل الإعلام، أو إلى عجز كامل، والعجز هذا يُشير إليه كل مسؤول رياضي يتولى منصباً جديداً، حتى لو لم تكن الإشارة مباشرةً.
وصلت المؤسسات إلى مرحلة إغلاق التعليقات على صفحة فيسبوك الخاصة باتحاد كرة القدم، لمنع أي متابع من إبداء رأيه في القرارات
يرى دبا، أن النظام السوري ومؤسساته "لا تهمهما السخرية بحد ذاتها بل التهديد المباشر، وسعى قبل سنوات طويلة إلى دعم ما يراه سخريةً، بالرغم من محاربته النقد القادر على تحريك الناس"، ويضيف: "بالرغم من ذلك، فالنقد والسخرية من الضروريات حتى لو لم يؤديا إلى تأثير مباشر، لأن الناس ستفقد حينها فكرة المحاولة في حد ذاتها، وتالياً سيتحولون إلى أشخاص عدميين، لذا فإن المحاولة والفشل أفضل من عدم المحاولة، ومن هذا المنطلق يجب أن تستمر السخرية".
في المحصلة، غياب مشروع حقيقي يستمر لسنوات ضمن خطط موضوعية متطورة مالية وفنية، يعني استمرار الفشل الرياضي، إلى جانب الفشل السياسي والاقتصادي والمجتمعي في بلاد تمزقت تماماً في الـ10 سنوات الأخيرة. وما يثير حسرة المتابعين السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والإنسانية، هي النماذج الناجحة في بلاد لا تبعد كثيراً عن بلادهم، والتي لم تكتفِ فقط بإحراز البطولات، بل باستضافة أبرزها كذلك، وعلى مستوى عالمي، لذا تبقى السخرية سلاحاً مستمراً في انتظار صدفة ما، أو تغيير حقيقي على أرض الواقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.