خلافاً لكل التوقعات والاستطلاعات، حل تكتل اليسار المجتمع تحت راية "الجبهة الشعبية الجديدة" في المركز الأول في الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات التشريعية في فرنسا، متفوقاً على الأغلبية الماكرونية السابقة وحزب التجمع الوطني الذي كان الأوفر حظاً في استطلاعات الرأي.
بحصولها على 182 نائباً، فإن الجبهة الشعبية الجديدة، التي تتألف بشكل خاص من حزب "فرنسا الأبية"، و"الحزب الشيوعي" والحزب الاشتراكي" و"علماء البيئة"، هي التي فازت بأكبر عدد من المسؤولين المنتخبين دون الحصول على الأغلبية المطلقة 289 نائباً لكنها تؤكد نفسها كقوة سياسية رئيسية في فرنسا، يليها الائتلاف الرئاسي 168 نائباً والتجمع الوطني المتحالف مع جمهوريي إريك سيوتي 143 نائباً.
وبالتالي، فإن الاختراق غير المسبوق لحزب التجمع الوطني وحلفائه في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة أوقفته آليات تكتل اليسار في نهاية هذا الاقتراع الذي دعا إليه إيمانويل ماكرون بعد حل الجمعية الوطنية في 9 يونيو/حزيران. إذ سارت "الجبهة الشعبية الجديدة" على الطريق الصحيح لتحتل المركز الأول بفضل منطقها الوحدوي، الذي بني في اليوم التالي للحل، ليقف حاجزاً ضد اليمين المتطرف.
من الرابح الأكبر؟
ويبدو أن هذا التقدم اليساري لم يكن متوقعاً بحسب مدير معهد الأمن والاستشراق الأوروبي والمحلل السياسي الفرنسي، إيمانويل ديبوي الذي أكد لرصيف22 أنه: "من المعلوم أن هذه الانتخابات التشريعية المبكرة كانت تتنافس فيها ثلاث قوى سياسية لكن لم يكن متوقعاً أبداً هذا الترتيب لأن حزب التجمع الوطني حصل في الجولة الأولى على صوت أكثر من عشرة ملايين ناخب فيما لم يتعدى عدد المصوتين لصالح الجبهة الشعبية 8.9 ملايين صوت والحزب الرئاسي حشد صوت 6.4 ملايين ناخب فقط".
ويستطرد: "لكن في المجمل، يمكن القول أن لدينا ثلاثة فائزين. اليساريون الذين حققوا تقدماً واضحاً من حيث عدد النواب الذين سيمثلون التكتل الجديد داخل الجمعية العامة ب 182 مقعداً. والفائز الثاني هو التحالف الرئاسي الذي قاوم بشكل أكبر مما كان منتظراً الزحف اليساري واليميني المتطرف رغم أن حزب ماكرون "معاً" فقد عدداً مهما من المقاعد. أما حزب مارين لوبان فقد رفع سقف توقعاته ووصل إلى حد ترشيح جوردان بارديلا كرئيس للوزراء. كما أنه انتقل من 89 نائب برلماني إلى حوالي 135 نائب . ومن المفارقة أنه أصبح الحزب السياسي الأول في الجمعية العامة من حيث عدد النواب لأنه لا يتشكل من تكتل أو جبهة".
"لدينا ثلاثة فائزين. اليساريون الذين حققوا تقدماً واضحاً من حيث عدد النواب الذين سيمثلون التكتل الجديد، والفائز الثاني هو التحالف الرئاسي الذي قاوم بشكل أكبر مما كان منتظراً الزحف اليساري واليميني المتطرف. أما حزب مارين لوبان فقد رفع سقف توقعاته ووصل إلى حد ترشيح بارديلا كرئيس للوزراء". ، إيمانويل ديبوي، مدير معهد الأمن والاستشراق الأوروبي
وبالتفصيل، يختلف ميزان القوى داخل اليسار بشكل كبير عما كان عليه في ظل الائتلاف اليساري السابق، أي: "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد". إذ وبحسب النتائج شبه النهائية، حصل حزب "فرنسا الأبية" على 75 مقعداً (مستقر مقارنة بعام 2022)، والحزب الاشتراكي على 65 مقعداً (+34 مقعداً)، وعلماء البيئة على 33 مقعداً (+10 مقاعد)، والحزب الشيوعي على 9 مقاعد (- 13 المقعد).
أما الائتلاف الرئاسي أي تحالف الوسط (النهضة والمودم والآفاق) فقد تراجع لكنه أثبت وجوده. لأنه نجح في الحد من الأضرار بل وتفوق على حزب التجمع الوطني بـ163 نائباً، مقابل 250 في المجلس المنتهية ولايته، و350 أثناء وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة عام 2017.
فيما حزب التجمع الوطني لم يسبق له أن حظي بهذا العدد من النواب في تاريخه بأكمله. إذ حصل على 143 مقعداً. ما يمثل حوالي ضعف العدد خلال الدورة التشريعية السابقة (88 منتخباً)، وهذا يجعله الحزب الرائد في المجلس.
فشل رهان ماكرون
لهذا يرى إيمانويل ديبوي أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: "لم تنجح خطته بحل البرلمان بل عقدت المشهد السياسي أكثر".
ويوضح: "واقعياً، فقد المعسكر الرئاسي السلطة لأن حزبه فقد المزيد من المقاعد البرلمانية وأصبح أقلية. ولهذا السبب قدم رئيس وزرائه استقالته مع مواصلة مهامه إلى غاية التوصل إلى نهاية المفاوضات التي من المؤكد ستطول وتدخل نفقاً طويلاً. وسيكون لزاماً على ماكرون الآن التعامل مع قوى سياسية أخرى في إطار تحالفات جديدة، وقد يعين رئيس وزراء بعيد عن قواعده الأيديولوجية".
ويضيف: "كما أن قرار الحل زاد من حدة عدم الاستقرار في الحياة السياسية الفرنسية. لم نحصل على فائز وخاسر بل ثلاث قوى سياسية ونظام بدون منافذ وأغلبية مطلقة".
معادلة معقدة
وهكذا أصبحت فرنسا أمام وضع ثلاثي لا مثيل له في تاريخها الحديث، الذي سيشهد في الأيام المقبلة مفاوضات كبيرة بين الأطراف. وبدلاً من توضيح الوضع السياسي في البلاد، خلقت هذه الانتخابات وضعاً غير مسبوق بنتيجة لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق. خصوصاً أنه بعد دقائق قليلة من إعلان النتائج الأولية، تحدث جان لوك ميلينشون متزعم "فرنسا الأبية" ليشير إلى أن: "الجبهة الشعبية الجديدة جاهزة للحكم. وشدد في تحذير لرئيس الجمهورية، وكذلك لحلفائه الاشتراكيين والشيوعيين والمدافعين عن البيئة، على أنه: "لن تكون أي حيلة أو ترتيب أو مزيج مقبول". رافضاً: "الدخول في مفاوضات" مع الائتلاف الرئاسي.
ووفقاً للمادة 8 من الدستور الفرنسي، فإن إيمانويل ماكرون هو وحده الذي يملك قرار تعيين رئيس الوزراء. ومساء الأحد، أعلن الوفد المرافق له أنه ينتظر "هيكلة" المجلس الجديد لاتخاذ القرارات اللازمة.
أصبحت فرنسا أمام وضع ثلاثي لا مثيل له في تاريخها الحديث، الذي سيشهد في الأيام المقبلة مفاوضات كبيرة بين الأطراف. وبدلاً من توضيح الوضع السياسي في البلاد، خلقت هذه الانتخابات وضعاً غير مسبوق بنتيجة لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق.
وفي الأعوام 1986 و1993 و1997 كانت النتيجة واضحة وقام الرئيس بتعيين زعيم المعارضة رئيساً للوزراء، مما أدى إلى التعايش. هذه المرة، لم يظهر أي اسم بوضوح.
لذلك كل شيء لا يزال ممكناً. خصوصاً أن اليسار منقسمون حول مرشحهم لهذا المنصب.
وبحسب ستيفان زومستيج، مدير قسم السياسة والرأي في معهد إبسوس في حديثه لرصيف22: "أي رئيس وزراء جديد، إذا لم يكن لديه أغلبية من النواب الذين يدعمونه، سوف يتعرض بسرعة كبيرة لخطر اقتراح الرقابة، وخاصة عندما يتم التصويت على الميزانية في الخريف. إذا تمت الموافقة على الاقتراح، فستضطر الحكومة إلى الاستقالة بينما لا يمكن حل المجلس قبل 9 يونيو/حزيران 2025.
الرسائل المشفرة للناخبين الفرنسيين
ويعتقد مدير معهد الأمن والاستشراق الأوروبي، أن الفرنسيين أرادوا الانتصار للقيم التقليدية للجمهورية الفرنسية. وذلك: "عبر منع وصول اليمين المتطرف للسلطة ومعارضة أفكاره. والأغلبية لم تصوت لصالح اليسار اقتناعاً ببرنامجه الانتخابي بل لمنع مرشحي اليمين المتطرف من الحصول على مقعد في الجمعية العامة ومعاقبة سياسة ماكرون وتجميد صلاحيات الرئيس وفرض تحالفات أو تعايش عليه أو حتى دفعه إلى الاستقالة".
أما ستيفان زومستيج، فيقول إن "الدرس الرئيسي المستفاد من هذه الانتخابات هو أن الحاجز الجمهوري تجاوز كل التوقعات. فلم تكن الجبهة الجمهورية بهذه الفعالية على الإطلاق في السنوات العشرين الماضية".
وعند السؤال عن الوعود بالاعتراف بدولة فلسطين، فإن الخبراء يجيبون، بأن ذلك بالفعل سابق لأوانه، ولا يمكن التنبؤ به، فإن تشكيلة الحكومة لم تحدد بعد، كما لم يتم تحديد رئيس للوزراء بعد، ما يبقي هذه الوعود قيد الكلمات إلى أن يتوضح المشهد السياسي الفرنسي الداخلي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.