عجزت السيدة العراقية نور رشاد (38 عاماً) عن استكمال المعاملة الخاصة بحصولها على راتب يعينها على تحمل التكاليف العلاجية الخاصة بساقها التي كادت تُبتر جرّاء سقوط صاروخ على منزلها عام 2007، في حي الخمسة كيلو، وسط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار.
ولا تزال السيدة العراقية مضطرة لزيارة المستشفيات الخاصة في إقليم كردستان لإجراء فحوص دائمة لتأمين الأربطة البلاتينية في كاحلها، حالها حال نساء كثيرات تعرضن لبتر أطراف من أجسادهن بسبب تبعات الحروب والاقتتال الداخلي.
تلك الحروب التي لم تستهدف النساء وحدهن، بل تسببت في تقطيع أجساد أطفال، ورجال وشيوخ من المدنيين، لكن النساء كان لهن النصيب الأكبر من الألم ومن الإهمال والتجاهل أيضاً، في مجتمع مقصر أصلاً مع نسائه، ما ضاعف الهمّ والأذى النفسي والجسدي عليهن.
وتنفرد النساء في العراق، بنوعية الألم، خصوصاً مع تحطّم حيوات الكثيرات منهن في العمل أو الزواج وتكوين الأسرة جرّاء الإصابات أو التشوه الجسدي، كالحرق أو البتر، ناهيك بالذكورية الحاكمة في البلاد، وامتناع بعض أرباب الأسر من المطالبة بحقوق الضحايا من النساء بسبب هيمنة مفهوم "العيب" أو الخجل من الاعتراف بوجود معاقة أو جريحة في المنزل، وهو ما يصل إلى مرتبة "العار" في كثيرٍ من مدن البلاد.
لكن أسر أخرى تواجه منذ سنوات تحديات في الحصول على حقوق أو مرتبات شهرية للنساء الجريحات المعذبات القابعات في المنازل، لكن من دون جدوى، لأسباب عديدة، لكن أبرزها الضعف الوظيفي والتخبط في إدارة هذا الملف، بالإضافة إلى البيروقراطية الحكومية والعامل الطائفي والاستغلال السياسي والتأثير الانتخابي على هذا الملف حيث يستغل سياسيون ملف إعانة ومساعدة ذوي الإعاقة لغايات انتخابية، دون تحقيق أي فائدة حقيقية للمستحقين/ات.
وتواجه النساء المتضررات من الحرب تداعيات جسدية ونفسية جعلت غالبيتهن حبيسات المنازل، وحبيسات الاشتراطات الإدارية وروتين المؤسسات الحكومية من جهة ثانية، وتبدو مسألة حقوق المتأثرات بالحروب والنزاعات المسلحة، صعبة في بلاد الرافدين.
تقول نور: "عام 2007، كان تنظيم القاعدة يقصف بصواريخه وقذائفه عشوائياً وانتقاماً، مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، بهدف إصابة المنشآت الخدمية ومنها المستشفيات ودوائر الجنسية والعقارات وغيرها، بالإضافة للجوامع ومدن الألعاب والنوادي الثقافية ومراكز الشرطة".
وتستدرك: "كانت معظم هذه الصواريخ تسقط على منازل المدنيين، مخلِّفةً خسائر بشرية كثيرة. بالمقابل، كانت القوات العراقية تقصف المواقع المحتملة لوجود عناصر إرهابية، لكن بعض هذه الصواريخ كانت تسقط أيضاً على منازل المدنيين".
تواجه النساء المتضررات من الحرب تداعيات جسدية ونفسية جعلت غالبيتهن حبيسات المنازل، وحبيسات الاشتراطات الإدارية وروتين المؤسسات الحكومية، وتبدو مسألة حقوق المتأثرات بالحروب والنزاعات المسلحة، صعبة في بلاد الرافدين. لماذا؟
تضيف: "في نهار 25 شباط/ فبراير من ذلك العام، كنت في مطبخ المنزل، أعد وجبة الغداء لزوجي وطفلي، وفي لحظة غير متوقعة، سقط صاروخ على دارنا، أدى لإصابة في كاحلي، فضلاً عن انتشار شظايا في معظم أنحاء جسدي".
60 ألف دولار لا تكفي
ترفع السيدة يدها وتقول: "ما تزال شظية باقية في إصبع يدي اليسرى. أعيش معاناة يومية غير عادية، فأنا لا أستطيع المشي مسافة طبيعية، كما أنني لا أستطيع الوقوف لأكثر من 5 دقائق، ما يضطرني إلى التقصير في أداء مهامي الحياتية والزوجية… يمكنني القول إن ما أؤديه في منزلي هو 30 % مما تقوم به أي امرأة وربة منزل. ومنذ ذلك التاريخ وأنا لم أنقطع عن زيارة المستشفيات، وأجريت 5 عمليات جراحية، لكن من دون جدوى. لقد تحوّلت حياتي إلى جحيم".
تكمل نور، أن 17 عاماً من عمرها تبخّرت، جراء الربط البلاتيني في كاحلي، كما أنهكتنا المصاريف الكثيرة، وغلاء المراجعات الطبية والأدوية، وأنها لم تعد تملك شيئاً لتبيعه لتعالج نفسها.
"أنا من دون مرتب، وزوجي يعمل سائق لسيارة أجرة، وأن كل ما يحصل عليه شهرياً لا يتجاوز 400 دولار، وهو مبلغ يمكن استخدامه لتوفير الحاجات الأساسية من الأكل والشرب. وخلال الفترات الماضية، كنّت استلف مرة ونجمع المال مرة، وهكذا، من أجل استكمال إجراءات العلاج الخاصة بي، وأنا مضطرة لزيارة الطبيب كل أربعة أشهر تقريباً، وطيلة الأعوام الماضية لم أحصل على أية مساعدة من الدولة أو جهة طبية أو إغاثية، معنية برعاية ضحايا الإرهاب"، تقول نور.
وتروي أن "آخر عملية جراحية أجريتها قبل نحو عامين، كلّفت ما يزيد عن 8 آلاف دولار". وتوضح أنها طالبت هي وزوجها عشرات المرات عبر مؤسسات الدولة بالحصول على راتب الرعاية الاجتماعية الذي لا يتجاوز 190 دولاراً في أفضل الأحوال، أو علاجات على نفقة الدولة، أو تسفيرها إلى خارج العراق، لا سيما أن حل أزمتها الصحية متوفر في ألمانيا وتركيا، بتكلفة تصل إلى 60 ألف دولارا".
جدليّة نسبة العجز
من جهته، يقول زوجها حسن إنه لم يتخلّف طوال تلك السنوات عن دعمها ومساندتها إلا أن محدودية دخله تمنعه من استكمال علاج زوجته المنهكة جداً من التدخل الجراحي الدائم، لافتاً إلى أنها "فقدت إحساس الشغف بالحياة وتراجعت حالتها النفسية"بعدما "حُرمت حتى من ارتداء حذاء كما بقية البشر".
تقدر نسبة العجز في ساق نور بـ65%، لهذا لا يحق لها الحصول على راتب الرعاية الاجتماعية، لأن القانون ينص على أن تكون نسبة العجز أكثر من 75%.
المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي، يبيّن أن "الوزارة تمنح راتب المعين المتفرغ، وهو 250 ألف دينار عراقي (180 دولاراً أمريكياً) للمعاق بعد عرض المصاب على لجنة طبية تابعة لوزارة الصحة، وأن هذا الحق يمنح له إذا كانت بلغت نسبة العجز لديه 75%".
يضيف العقابي أن "المصاب له الحق في المطالبة براتب أيضاً، أي أن العاجز بنسبة 75% له الحق بالحصول على راتبين، الأول له والثاني للمعين المتفرغ"، موضحاً أن "وزارة العمل تولي اهتماماً كبيراً لشريحة النساء المعوقات، سواء بسبب الحرب أو الإعاقة الولادية، من خلال استقبال الطلبات عبر النافذة الإلكترونية، وتقديم التسهيلات وضمنها قروض صغيرة تعادل 20 مليون دينار عراقي (16 ألف دولار أمريكي)".
داعش بتر ساق براء
وفي مدينة أخرى في الأنبار فقدت براء حسن (24 عاماً) ساقها اليمنى، وقتل ابن عمها إثر تعرض منزل العائلة لهجوم صاروخي أثناء العمليات العسكرية بين القوات النظامية ومجاميع إرهابية سيطرت على أجزاء واسعة من مدينة الصقلاوية شمال الأنبار في العام 2014.
المستشفى الوحيد القريب من المنزل كان بإدارة أطباء يعلمون لصالح تنظيم "داعش"، ولم يسمحوا بإسعاف براء إلا بعد مضي يومين، ما فاقم الإصابة. تقول براء: "لو أنهم اسعفوني منذ البداية لما وصلنا لمرحلة البتر".
تشير براء إلى ساقها، وهي تقول: "بتروها بطريقة غير صحيحة، بل تجاوزوا الحد المسموح للبتر، بشكلٍ كامل تقريباً أعلى منطقة الركبة. لذلك فأنا محرومة من الحصول على طرف صناعي بسبب هذا التشوه الناتج عن البتر غير الصحيح".
نوبات اكتئاب طويلة تصاب بها براء إذ يقول أخوها فلاح: "نعجز عن تغيير مزاجها أو تحسينه. بُترت ساقها وقت كان عمرها 14 عاماً، وأثَّر ذلك على حالتها النفسية كثيراً". ويضيف: "وفّرنا لها كل ما تحتاجه، لكننا واجهنا مشكلة توفير طرف اصطناعي لها، لأن البتر لم يكن بطريقة صحيحة، وأجرينا 6 عمليات تجميلية لساقها، تمهيداً لوضع ساق اصطناعية هيدروليكية".
أكملت براء دراستها في تخصصين هامين، "الهندسة الطبية"، ثم المعهد التقني بمحافظة الأنبار. يوضح فلاح: "في البيت، نجتهد جميعاً من أجل تحقيق طموحاتها، لكن وضعها النفسي لا يهدأ، لأن خسارتها كبيرة".
ويضيف: "نحاول منذ عام 2017 الحصول على تعويض خاص بضحايا الإرهاب، لكن للأسف بيروقراطية المؤسسات الحكومية تحول دون استكمال المعاملة، بسبب الإحالات الكثيرة للمعاملة، فقد أحيلت المعاملة من مكتب الرعاية الاجتماعية في الرمادي إلى العاصمة بغداد، لكن الموظفين في بغداد أعادوها إلى الرمادي، ثم طالبونا بكتاب رسمي من المحاكم في الأنبار بأن نضمّن خطاباً يشرح عدم تورطنا في أي جريمة أو ارتكاب مشكلة خلال السنوات الماضية. وبالرغم من ذلك، فإن المحاكم العراقية لم تزودنا بهذا الخطاب لعدم وجود دعوى قضائية ضدنا من الأساس، ناهيك بنقل المعاملة أكثر من مرة ما بين مدينتي الفلوجة والرمادي، حتى تأثرنا جميعاً وشعرنا بانعدام الجدوى من الحصول على أي مرتب يعين براء على تحمل مشقة الحياة في المستقبل، مع العلم أن نسبة العجز لديها يقدر بـ70%، وفق دوائر الصحة العراقية التي اطلعت على الحالة".
الناس لا يرحمون
وفي حي الدور، بمحافظة صلاح الدين، تزدحم مؤسسات الدولة بطلبات ذوي الاحتياجات خاصة مِن الذين فقدوا أجزاء من أجسادهم نتيجة الأعمال القتالية. خسرت علا سليم عينها اليمنى عام 2008، جرّاء شظية طائشة. تقول: "اشتعلت مواجهة بين الجيش الأمريكي وجماعة مسلحة وصادف وقتها أني كنت في حديقة المنزل وسقطت عشرات الشظايا من حولي وإحداها اقتحمت عيني اليمنى".
"قانون ذوي الإعاقة في العراق، غير منصف وهناك إجحاف واضح تجاه المعاقين عموماً، وتحديداً الصم والبكم في هذا القانون لأنه لم يمنحهم أي حق، ولم يذكرهم. وهناك الكثير من البنود غير منفذة، مثل نسبة التعيينات في دوائر الدولة على القطاع العام بنسبة 5%، وفي القطاع الخاص بنسبة 3%"
وتضيف: "الأطباء اتخذوا قراراً بقلع عيني أثناء فقداني الوعي لثلاثة أيام، لأصحو وأجد نفسي بعين واحدة، وتحت ثقل نظرة مجتمعية غير مريحة".
كانت علا في السابعة من عمرها عندما فقدت عينها - عمرها 21 عاماً حالياً - وتروي كيف أثّر هذا على علاقتها بأقرانها من الأطفال: "بعد الحادث بفترة أخذ عدد من الأطفال يلقبونني بالجنية والعوراء".
حرمت الإصابة علا من فرصة تكوين حياة زوجية وتكوين أسرة، تقول: "أشعر أن حياتي عبارة عن تنفس فقط، أنا لا أشعر بأي شيء جميل، كل ما في الأمر أنني أعيش مثل أي شجرة". وتضيف: "ومع كل ما جرى لي، لم أستطع أن أحصل على أية حقوق مالية أو راتب أو وظيفة، لأن القانون العراقي لا يعتبرني من ذوي الإعاقة، بالتالي فإن الدولة لم ترحمني والناس أيضاً لا يرحمون".
وحول ذلك، يقول المتحدث باسم وزارة العمل العراقية نجم العقابي، إن "عمل الوزارة مرتبط بالتنسيق بين دوائر وزارات الصحة والعدل والداخلية، بالتالي فإن الإجراءات طبيعية ويمكن لأي متضرر أو متضررة من الحرب أن يتقدم للحصول على راتب المعين المتفرغ أو الرعاية الاجتماعية عبر النافذة الإلكترونية عبر الإنترنت الخاصة بوزارة العمل، بعد إتمام المتطلبات الورقية والإجراءات الخاصة بالمعاملة".
بنود قانون رعاية ذوي الإعاقة رقم (38) لسنة 2013 تشدد بشكل واضح على تقديم خدمات التأهيل الطبي والنفسي والخدمات العلاجية بمستوياتها المختلفة، وتقديم الرعاية الصحية الأولية للمرأة المعاقة أو من تحتاج رعاية خاصة خلال فترة الحمل والولادة وما بعدها.
ويمنح القانون الحق في الحصول على التأمين الصحي مجاناً لذوي الإعاقة، وتأمين تكاليف العلاج داخل العراق وخارجه بما فيها إجراء العمليات الجراحية وأية متطلبات أخرى، فضلاً عن توفير فرص متكافئة في مجال العمل والتوظيف وفق مؤهلاتهم، بالإضافة إلى تهيئة وسائل النقل العام لتحقيق تنقل ذوي الإعاقة، وتخفيض أسعار تذاكر السفر الجوي الخاصة بالمستفيدين بمقدار (50%)".
لكن هذا القانون ارتبط في تحديد نسبة العجز بقانون سابق وهو قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981، الذي جرى تحديثه عام 1998، وفسر تقديرات العجز، وهو ما ينتقده ناشطون في حقوق الإنسان، تخصصوا برعاية ذوي الإعاقة، معتبرين أنه يستند لأرقام لا تتناسب مع العجز الحقيقي.
وتقول الناشطة العراقية ونائبة منتدى المرأة لذوات الإعاقة، شهد الأنصاري، إن "قانون ذوي الإعاقة في العراق، غير منصف، وهناك إجحاف واضح تجاه المعاقين عموماً، وتحديداً الصم والبكم في هذا القانون الذي لم يمنحهم أي حق، ولم يذكرهم. وهناك الكثير من البنود غير منفذة، مثل نسبة التعيينات في دوائر الدولة على القطاع العام بنسبة 5%، وفي القطاع الخاص بنسبة 3%، لكن القطاع الخاص لم يلتزم بهذا القانون، في حين أن القطاع العام، المتمثل بالوزارات الحكومية، التي لم تلتزم جميعها بالقانون، وهناك وزارات لم تلتزم مطلقاً".
وتضيف الأنصاري أن "فقرات عدة في القانون، لم تنفذ، مثل البنى التحتية التي كان من المفترض أن تراعي ذوي الإعاقة، لكن الدولة مستمرة ببناء الأبنية والمستشفيات من دون مراعاة ذوي الإعاقة، ونفس الحال مع النقل العام، فإننا لا نستطيع ركوب وسائل النقل، ناهيك بعدم تسهيل سفر المعاق إلى خارج العراق لأغراض العلاج، وأن اللجان الطبية التي تحدد السفر من عدمه، تتعامل غالباً بمزاجية عالية".
وتشير إلى أن "وزارة الصحة مسؤولة عن هذه الإخفاقات. مثل هذه المشاكل تمثل لنا إعاقة إضافية، تضاف إلى الإعاقة الولادية أو المكتسبة". وتكمل أن "الكرسي المتحرك يتم شراؤه من خارج دوائر وزارة الصحة، لأن الوزارة تقوم بتوزيعه حسب جدول زمني بعيد، ويستغرق الحصول عليه، أحياناً أكثر من عامين. ولا بد من الإشارة إلى أن أغلبية ذوي الإعاقة بلا سكن، وهم يسكنون بيوتاً بالإيجار وفي منازل سيئة، والدولة لم توفر المجمعات السكنية لهم، رغم أن القانون أشار إلى ضمان الحياة الكريمة لهذه الفئة من المواطنين".
وتلفت إلى أن "هناك صعوبة في حصول ذوي الإعاقة المكتسبة جرّاء الحروب أو الحوادث، على حقوقهم بشكلٍ كبير، رغم أنهم بحاجة ربما أكثر من غيرهم على هذه الحقوق، لأنهم لم يكونوا معاقين قبل الحوادث التي عاشوها، بالتالي فإن المعايشة مع المعوق من الصعب جداً التأقلم معها، ورغم هذا الأذى الكبير، لم تقدم الدولة لهم أي دعم معنوي أو نفسي أو مراكز تأهيل".
وتمضي بالقول إن "راتب الرعاية الاجتماعية والمعين المتفرغ، تحدده اللجان الطبية التي لا تتعاون في أغلب الأحيان مع ذوي الإعاقة، ويحدث أن يتم غبن هؤلاء، ناهيك بتدخل المحسوبيات في هذا الملف، قد لمسنا تفرقة في هذا الخصوص، حيث يتم تقليل نسبة العجز أحياناً بتدخل اللجان الطبية، وأحياناً يتم رفعها للمعاق بطرق مرتبطة بالعلاقات والصداقات، فتخيلوا حجم المعاناة التي يعانيها ذوو الإعاقة، كما أن اختيار نسبة 75% لمنع المعاق حقه، مجحفة".
"هاون" من أيسر الموصل
وفي شمال العراق، تحديداً في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، دارت معارك شديدة عام 2016 أثناء تحرير الموصل من قبضة الجماعات الإرهابية وهو ما نتج عنه نزوحاً كبيراً لسكان المدينة.
كانت فريال أحمد في السابعة عشرة من عمرها آنذاك، وخلال رحلة النزوح من الجانب الأيسر من المدينة إلى الجانب الأيمن، تلقّت رصاصة في كتفها لا تزال تحملها حتى الآن. رفض الأطباء إخراج الرصاصة لاحتمالات وقوع نزيف قاتل، وبقيت موجات الألم تنتابها على فترات متقاربة، من دون حلول طبية قادرة على إنهائها.
وفي رحلة النزوح هذه كانت ورد حميد، المولودة عام 1996، تهم للهرب من أهوال الحرب بينما كانت قذيفة "هاون" تنتظرها، وسقطت على بعد أمتار منها، وسببت لها تهشّماً في عظام الساقين واليدين، جعلها تعتمد على الكرسي المتحرك.
تعاني ورد حالياً من تباعد العظام بسبب التهشّم، وبالرغم من محاولات إنقاذها لم تعد قادرة على السير. تقول: "أجريت 10 عمليات جراحية، لكن من دون جدوى، لأن العظام لا تلتئم مطلقاً".
كانت ورد متزوجة، ولديها ولد وبنت، لكنها رفعت دعوى خلع ضد زوجها لأنه انضمّ إلى تنظيم "داعش" إبان احتلاله الموصل، وهي تعيش حالياً في منزل أهلها، وتشعر أن الحرب لم تنته.
تشير ورد إلى أن محاولاتها الكثيرة للحصول على راتب حماية اجتماعية أو رعاية أو هوية وطنية خاصة وحقوق أخرى خاصة بالمعاقين باءت بالفشل، لا سيما أن زوجها كان منتمياً للتنظيم قبل أن يقتل، وهو يحول الآن رغم موته دون حصولها على أي شيء، وأبلغوها في إحدى المؤسسات الحكومية أن زوجها كان داعشياً، وليس من حقها المطالبة بشيء.
قانون رعاية ذوي الإعاقة يفسر الإعاقة بأنها "أي تقييد أو انعدام قدرة الشخص بسبب عجز أو خلل بصورة مباشرة على أداء التفاعلات مع محيطه في حدود المدى الذي يعد فيه الإنسان طبيعياً، وأن المعاق هو من فقد القدرة كلياً أو جزئياً على المشاركة في حياة المجتمع أسوة بالآخرين نتيجة إصابته بعاهة بدنية أو ذهنية أو حسية أدى إلى قصور في أدائه الوظيفي، مع توفير التأهيل ضمن عملية منسقة لتوظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية لمساعدة ذوي الإعاقة في تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية لتمكينهم من التوافق مع متطلبات بيئتهم الطبيعية".
تشير ورد إلى أن محاولاتها الكثيرة للحصول على راتب حماية اجتماعية أو رعاية أو هوية وطنية خاصة وحقوق أخرى خاصة بالمعاقين باءت بالفشل، لأن زوجها كان داعشياً قبل أن يُقتل. علماً أنها أُصيبت بإعاقتها الحركية خلال نزوحها إلى الجانب الأيمن وأنها كانت قد رفعت دعوى خلع ضد زوجها الداعشي
الحزبية مقابل المعاقين
رئيس جمعية الشهباء لمعوقي الفلوجة بمحافظة الأنبار، حسين مطرود، يبيّن أن "هناك نسبة كبيرة من المعوقين والمعوقات لم يحصلوا على أية حقوق أو مرتبات أو تسهيلات، رغم أن الراتب الممنوح من الدولة لا يزيد عن 170 ألف دينار (نحو 110 دولارات)"، مشيراً إلى أن "القانون غير مفعّل بالكامل، بل فُعّلت منه فقرات مثل حق ذوي الإعاقة باستيراد السيارات من الخارج". ومع العلم أن المبلغ قليل بالمقارنة باحتياجات المعوقين في العراق إلا أن الأمل يعقد عليه، كونه يبقى مستمراً، ويشبه نظام التقاعد.
علماً أن العراق أحد الأطراف الموقعة على الاتفاقية الدولية لرعاية المعوقين التي أقرتها الأمم المتحدة، والمتضمنة بنودها توفير حياة كريمة لذوي الإعاقة وسكن مناسب، مع ضرائب مخفضة ومراجعات مجانية للمستشفيات.
وتؤكد الاتفاقية ضرورة منح المعوقين الهوية الوطنية، إلا أن العراق غير ملتزم بهذه الاتفاقية، وفقاً لمطرود. ويضيف أن "الحكومة ومؤسساتها تتحمل إهمال الآثار المتراكمة من النزاعات المسلحة والحروب، ويتجلى هذا الإهمال في وضع دائرة ذوي الإعاقة ضمن وزارة العمل، ما جعلها تعاني من التحاصص والتنافس الحزبي على حساب حقوق المعاقين".
وتقول المشاورة القانونية في تجمع المعوقين في العراق، زينب عبد المجيد، إن "قانون رعاية ذوي الإعاقة حقق الكثير من الامتيازات في مضامينه، مثل الرواتب والإيعاز للوزارات بتسهيل تعيينهم ودمجهم في المجتمع، لكنه ما يزال عاجزاً عن تنفيذ هذه المضامين والبنود، وتحقيق مطالب ذوي الإعاقة مثل زيادة الرواتب من 170 ألف دينار عراقي (110 دولارات) إلى 250 ألف دينار عراقي (190 دولاراً)، بالإضافة إلى عدم التزام العراق باتفاقية الأمم المتحدة، الخاصة بتسهيل تعليم ذوي الإعاقة، وعدم تأخير معاملاتهم في استحصال حقوقهم".
وتكمل عبد المجيد أن "القانون تحدث عن تأمين السكن، وتوزيع قطعة الأراضي على ذوي الإعاقة، لكن للأسف لم يحدث ذلك، رغم الحاجة الكبيرة لهذه الشريحة لضمان مستقبلها، ونأمل أن تنتبه الحكومة العراقية لهذه الشريحة المنسية والمهملة، وأن يتم استحداث فقرات جديدة تسهل إجراءات حصول المعاقين على حقوقهم".
غياب الأرقام
ولا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المعاقين من النساء والرجال والأطفال في العراق، لكن الأمم المتحدة، كانت قد صنّفت العراق ضمن الدول التي يوجد فيها "أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم". وتذكر المنظمة الأممية أن "بلداً يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، يقدر وجود أكثر من أربعة ملايين شخص لديهم إعاقة واحدة أو أكثر، بما في ذلك تلك الناتجة عن نزاع مسلح سابق أو حديث. ومن بينهم اللاجئون والنازحون الذين هم من أكثر الفئات ضعفاً".
***
* "نور رشاد، حسن، علا سليم، فريال أحمد، ورد حميد"، هي أسماء مستعارة بناءً على طلب أصحابها لاعتبارات اجتماعية.
* أُنجِز هذا التقرير بإشراف شبكة "يلا عراق".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 5 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه