شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"آسفة بس ما عندي أحد أحچيله"... لماذا تلجأ عراقيات إلى مجموعات فيسبوك رغم مخاطرها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الاثنين 8 يوليو 202405:48 م

مش ع الهامش

في ظلّ غياب ثقافة الحوار المفتوح حول المواضيع التي تُلامس صحة المرأة الجنسية والإنجابية في المجتمع العراقي، تُصبح مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً مجموعات فيسبوك النسائية الخاصة، بوابةً لمناقشة هذه القضايا الحساسة.

مؤخراً، انتشرت في العراق تحديداً مجموعات خاصة عدة منها تضم مئات الآلاف من المتابعات، فما السرّ وراء ذلك الانتشار؟ وما الذي يدفع النساء لطرح أكثر مشكلاتهنّ وأسئلتهنّ خصوصيةً، خصوصاً تلك المتعلقة بأجسادهنّ وعلاقاتهنّ الجنسية فيها؟

"آسفة بس ما عندي أحد أحچيله. أستحي"؛ بهذه العبارة، تُستهلّ منشورات عدة، ما يظهر كيف أن هؤلاء النسوة لا يجدن مكاناً آمناً إلا بين غرباء في مجموعة على فيسبوك، حيث يتشاركن همومهنّ ومشكلاتهنّ.

تدير ملاك (35 عاماً)، من بغداد، إحدى تلك المجموعات، وتضمّ أكثر من 450 ألف متابعة. منشورات مجموعة ملاك مختلفة ومتنوعة لكن غالبيتها تتحدث عن مشكلات في العلاقة الزوجية، أو قصص خيانة الأزواج.

"كان الهدف من إنشاء الغروب، توفير مساحة للنساء لتبادل المعلومات حول قضايا تخص المرأة، مثل توصيات بعيادات الأطباء، أو الاستفسار عن دور الحضانة، أو اقتراح مراكز تجميل ذات سمعة جيدة، وحتى مشاركة وصفات الطعام"، تقول ملاك لرصيف22، وتوضح كيف تشكلت المجموعة الخاصة بها، وكيف أنها لم تتوقع أن تصل إلى قرابة نصف مليون عضو في غضون سنة واحدة.

"كنا نرفض في البداية المنشورات التي تتعلق بالحياة الجنسية الخاصة والمشكلات الزوجية، لأن هذا لم يكن الهدف الأساسي من المجموعة. لكن مع مرور الوقت، لاحظنا أن مثل هذه المنشورات تلقى تفاعلاً كبيراً، لذا قررنا الإبقاء عليها للسماح للنساء بمشاركة تجاربهنّ ومشكلاتهنّ بحرية"، تشرح ملاك، لرصيف22.

في هذه المجموعة الفيسبوكية وغيرها، تُطرح الأسئلة التي قد تخطر على البال وقد لا تخطر، والتي بغالبيتها تتعلق بالجنس والعلاقة الزوجية، كأن يُسأل عن مفعول الفياغرا على الرجل، وآخر الوسائل المجربة وغير التقليدية لمنع الحمل، وصولاً إلى السؤال عن الأدوية والمنشطات الجنسية أو منشطات التبويض، وقد تنشر إحداهنّ تحليلات طبيةً، وتطلب من المتابعين قراءتها، لعدم ثقتها بكلام الطبيب المختص.


مش ع الهامش


تشكل مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً مع ميزات مثل "إخفاء الهوية" التي يوفرها موقع فيسبوك للنشر ضمن المجموعات، ملاذاً آمناً نسبياً لطرح الأسئلة حول الجنس والعلاقات الزوجية. تتيح هذه الخاصية للنساء نشر استفساراتهنّ ومشكلاتهنّ في المجموعات كـ"عضو مجهول الهوية"، ما يشجعهنّ على الحديث بصراحة عن مخاوفهنّ وتجاربهنّ دون الخوف من أحكام المحيطين بهنّ أو مراقبة أزواجهنّ أو عائلاتهنّ، فيوفّر مساحةً للتعبير بحرية أكبر بعيداً عن القيود الاجتماعية؛ توضح ملاك.

"بسبب خلل تقني، توقفت خاصية 'إخفاء هوية الناشر' على فيسبوك لأيام عدة، فتلقّينا آلاف الرسائل عبر بريد الصفحة من نساء يسألن عن سبب إيقاف هذه الميزة، معتقدات أننا نحن من قمنا بتعطيلها، ولاحظنا أن التفاعل انخفض كثيراً في تلك الفترة ولم يعد أحد يطرح أسئلةً جنسيةً"، تضيف ملاك، وترى أن تلك الخاصية هي السبب الرئيس وراء نشر النساء مشكلاتهنّ الخاصة في الغروب، وتتيح لهنّ التعبير عن مشكلاتهنّ ومشاعرهنّ بحرية من دون خوف من الأحكام أو الرقابة.

على الرغم من جدية بعض الأسئلة المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية التي تُطرح على هذه الصفحات، وعمقها، إلا أنها غالباً ما تفتقر إلى الأجوبة العلمية أو أو الطبية أو المنطقية. هذه المجموعات تفتقر إلى متابعات من الطبيبات أو المختصات اللواتي يمكنهنّ تقديم مشورة دقيقة وموثوقة، على الرغم من العدد الكبير من التعليقات التي تحصل عليها منشوراتها.

على سبيل المثال، نشرت إحدى النساء سؤالاً تطلب فيه قراءة تحليل السائل المنوي الخاص بزوجها، فانهالت التعليقات من كل حدب وصوب تقدّم تفسيرات متضاربةً وغير متخصصة.

من أبرز الأسباب التي تدفع النساء للّجوء إلى فيسبوك لطرح أسئلة حول الصحة الجنسية والإنجابية، وفق ما تقول الدكتورة ضي جاسم، أخصائية النسائية والتوليد في بغداد، غياب التوعية الجنسية، بالإضافة إلى" فقدان الثقة بين المرضى والأطباء في العراق".

تؤكد الدكتورة جاسم، أن استخدام هذه المجموعات للحصول على مشورة طبية أمر غير صحيح، وقد يشكل خطراً على حياة المرضى في أحيان كثيرة، واصفةً إياه بالتصرف "العبثي".

"حتى إن تشابهت الأعراض المذكورة عند الناشرة، فإن الأسباب تختلف من شخص إلى آخر، وتكون مرتبطةً بعوامل متنوعة مثل العمر، الجينات، والتاريخ الطبي الشخصي. لذا، الاعتماد على الإجابات عبر فيسبوك من قبل أشخاص غير مختصين إطلاقاً له تأثيرات خطيرة"، تضيف الدكتورة ضي.

منشور على مجموعات فايسبوك لتحليل طبي

فقدان الثقة بالنظام الصحي في العراق

"بعض الطبيبات قد يتعاملن مع مريضاتهنّ بطريقة تستهتر بهنّ، مثل استقبال أكثر من مريضة في الغرفة الواحدة، ما يؤدي إلى انتهاك خصوصيتهنّ، خصوصاً إذا كانت المريضة ترغب في مناقشة مشكلة جنسية تواجهها مع شريكها. بالإضافة إلى ذلك، إذا ذكرت المريضة مثلاً أنها تعاني من تقلصات مهبلية في أثناء الجماع، فقد تتجاهلها الطبيبة، أو تتهمها بأنها تتظاهر بالمرض أو 'تتدلع'، وقد تصل حتى إلى طردها من العيادة"، تقول جاسم.

تشكل مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً مع ميزات مثل "إخفاء الهوية" التي يوفرها موقع فيسبوك للنشر ضمن المجموعات، ملاذاً آمناً نسبياً لطرح الأسئلة حول الجنس والعلاقات الزوجية. تتيح هذه الخاصية للنساء نشر استفساراتهنّ ومشكلاتهنّ في المجموعات كـ"عضو مجهول الهوية"، ما يشجعهنّ على الحديث بصراحة عن مخاوفهنّ وتجاربهنّ دون الخوف من أحكام المحيطين بهنّ أو مراقبة أزواجهنّ أو عائلاتهنّ، فيوفّر مساحةً للتعبير بحرية أكبر بعيداً عن القيود الاجتماعية؛ توضح ملاك.

هذه الممارسات تعكس سلوكاً غير مهني وغير ملائم من بعض الأطباء، ما يزيد التعقيدات لدى المريضات ويحول دون طرحهنّ مشكلاتهنّ الصحية بشكل صريح للحصول على الرعاية الطبية اللائقة.

في العراق، يواجه نظام الصحة أزمةً حادةً تتمثل في نقص الأدوية، وتضاؤل عدد الكوادر الطبية المسؤولة عن الرعاية الصحية.

وكان مؤشر "نومبيو"، الذي يُعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم وجودة الرعاية الصحية فيها، قد صنّف العراق مؤخراً في المرتبة الثالثة كأسوأ دولة في مجال الرعاية الصحية الأوّلية في العالم.

الدكتورة ضي، تناولت أيضاً موضوع الجشع الذي يمارسه بعض الأطباء، واستغلالهم غياب الرقابة الصارمة في العراق على مهنة الطب والقطاع الصحي بشكل عام، قائلةً إن هذا الوضع يتيح للأطباء وصف الكثير من الأدوية غير الضرورية، سواء للتعامل مع مندوب صيدلاني معيّن أو لأسباب أخرى تتعلق بالربح المالي. بالإضافة إلى ذلك، تقول الدكتورة ضي: "إن بعض العمليات الجراحية مثل الناظور وغيرها قد يجريها الأطباء دون ضرورة طبية، بل من أجل الكسب المالي فحسب.

هذه الممارسات تؤدي إلى استغلال المرضى بأساليب قد تكون بشعةً، ما يجعل الأشخاص يبحثون عن إجابات عن أسئلتهم عبر الفيسبوك؛ بسبب أزمة الثقة بين المريض والطبيب".

ألم خلف الأبواب المغلقة

كتبت امرأة في كانون الأول/ ديسمبر عام 2023، على غروب فيسبوكي نسائي، في محاولة منها لفهم ما إذا كانت تتعرض لعنف من زوجها الذي تزوجته قبل أشهر معدودة، دون دراية أصلاً منها بأن ما تتعرض له هو اغتصاب.


مش ع الهامش

شاركت تلك المرأة تجربتها المؤلمة كعروس جديدة تتعرض للاغتصاب الزوجي. على الرغم من أنها لا تستخدم هذا المصطلح، إلا أنها وصفت كيف تتعرض للعنف الجنسي من قبل زوجها منذ شهرين؛ إن لم تتفاعل معه كما يتوقع، يتهمها بالخيانة ويبدأ باغتصابها بعنف. تصف لحظة خنقه إياها، قائلةً: "شفت عزرائيل ووصلت للموت بآخر لحظة". وتختم منشورها بالسؤال: كيف عليّ أن أتعامل معه؟

وبحسب إحصائية رسمية قامت بها وزارة الداخلية العراقية، في 13 حزيران/ يونيو عام 2024، "بلغت إحصائية دعاوى العنف الأسري المسجلة من كانون الثاني/ يناير، إلى أيار/ مايو 2024، 13،857 دعوى"، نسبة 73% منها تتعلق بعنف بدني وجنسي ضد النساء.

تقول ملاك إن غياب قانون مناهض للعنف الأسري في العراق، بالإضافة إلى الأعراف العشائرية والعادات والتقاليد التي تلقي اللوم على المرأة دوماً حتى في حال تعرّضها للعنف، تجعل النساء يخشين الإبلاغ عن العنف الذي يتعرّضن له بشكل رسمي، خصوصاً إذا كان العنف جنسياً، لذا، يلجأن أحياناً إلى السؤال عبر الغروبات، عسى أن يحصلن على المساعدة".

مخاوف من انتهاك الخصوصية

قد تُشكل هذه المجموعات فضاءً آمناً نسبياً للنساء لطرح أسئلتهنّ ومخاوفهنّ دون خوفٍ من الحكم أو التمييز، ما يُتيح لهنّ تبادل الخبرات والمشورات حول مختلف جوانب الصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات العاطفية. وتُتيح هذه المجموعات للنساء فرصةً لمشاركة تجاربهنّ الشخصية مع نساء أخريات واجهن تجارب مشابهةً، ما يُساعدهنّ على الشعور بالوحدة، خصوصاً مع توافر إمكانية إخفاء حساب الشخص الناشر، فيكون هناك شعور بالحفاظ على الخصوصية. ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على هذه المجموعات كمصدر رئيس للمعلومات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، حيث أن النقاشات والمشورات المتبادلة قد تكون غير مستندة إلى حقائق علمية أو طبية موثوقة. كما وتواجه النساء العديد من المخاطر عند اللجوء إلى تلك المجموعات ونشر مواضيع خاصة، إذ يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً لخصوصيتهنّ وأمانهنّ، وفقاً للناشطة في مجال حقوق الإنسان، سارة جاسم.

"يدخل بعض الرجال إلى هذه المجموعات بأسماء وهمية لمراقبة النساء، خاصةً من أفراد عائلاتهن. يمكن أن تترتب على ذلك عواقب قد تكون وخيمةً على النساء، كمعاقبتهنّ وتعنيفهنّ إذا تم كشف أنهنّ ناقشن مواضيع حساسةً"، تقول جاسم لرصيف22، مضيفةً أن هناك مخاطر تتعلق بالتلاعب بالمعلومات ومحاولات الوصول إلى صاحبات الحسابات اللواتي ينشرن مشكلاتهنّ، إذ يمكن للمخترقين أو المراقبين نشر المعلومات الشخصية الخاصة بالنساء على الإنترنت، ما يعرّضهنّ للتشهير أو الابتزاز.

تؤكد جاسم، على أهمية توعية النساء بالأمن الرقمي لحمايتهنّ من المخاطر المحتملة عند استخدام منصات التواصل الاجتماعي، من خلال فهم كيفية تأمين حساباتهنّ وحماية معلوماتهنّ الشخصية باستخدام كلمات مرور قوية، واختيار مجموعات موثوقة ومعروفة بإدارتها الجيدة وحفاظها على خصوصية الأعضاء، بالإضافة إلى الامتناع عن نشر معلومات حساسة، وضرورة التبليغ عن الانتهاكات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image