يعود تاريخ اليهود في إيران إلى 2700 سنة، إذ جاء في أسفار "إشعياء" و"دانيال" و"عزرا" و"نحميا"، مواد كثيرة عن حياة اليهود في بلاد فارس، وفي سِفر عزرا تحديداً، يتم تكريم ملوك الفرس لأنهم سمحوا لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل. تم إعادة بناء الهيكل، بناءً على أوامر الملوك الأخمينيين كوروش وداريوش وخَشايار، حيث حدث هذا الأمر المهم في تاريخ اليهود في القرن السادس قبل الميلاد، عندما كانت هناك مجموعات يهودية قوية ومؤثرة للغاية في إيران.
لقد عاش اليهود في أرض إيران الحالية منذ 2700 سنة مضت، وكانت هجرتهم الأولى إلى إيران منذ هيمنة ملك إسرائيل شلمنصر الخامس على مملكة إسرائيل الشمالية (722 قبل الميلاد)، وأثناء طرد اليهود (الأسباط العشرة المفقودة) إلى خراسان، شمال شرق إيران، في عام 586 قبل الميلاد، ومنها انتصر البابليون على اليهود وأسروهم في بابل.
يهود إيران... البداية
بعد وفاة النبي سليمان، انقسمت مملكة إسرائيل إلى قسمين: مملكة إسرائيل الشمالية ومملكة يهوذا. وبحسب الكتاب المقدس، لم تظل مملكة إسرائيل الشمالية مؤمنة بيهوه (الله بالعبرية)، ولذلك سمحت بعبادة البعل في بلادها، كما أن ملوك إسرائيل بنوا هيكلاً آخر في أرضهم بدلاً من هيكل سليمان الذي بناه سليمان، لكيلا يحتاجوا إلى مملكة يهوذا.
في عام 722 قبل الميلاد، تعرضت مملكة إسرائيل الشمالية إلى هجوم من قبل الآشوريين وتم الاستيلاء على عاصمتها السامرة (شمرون)، ووفقاً للكتاب المقدس أيضاً، طَرد الآشوريون اليهودَ إلى أرض الميديا (شمال غرب إيران)، وبحسب سِفر طوبيا المقبول لدى الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية، كان هناك أشخاص من سبط نفتالي (من الأسباط العشرة الضائعة)، يعيشون في ري (طهران حالياً) وإكباتان (الاسم القديم لمدينة همدان، غرب إيران).
جاء في أسفار "إشعياء" و"دانيال" و"عزرا" و"نحميا"، مواد كثيرة عن حياة اليهود في بلاد فارس، وفي سِفر عزرا تحديداً، يتم تكريم ملوك الفرس لأنهم سمحوا لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل
في القرن السادس قبل الميلاد، طُرد اليهود ثلاث مرات من أرض إسرائيل، وأسروا في بابل على يد الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني، وقد ذكرت هذه الأحداث في سفر إرميا. في الطرد الأول هذا والذي حدث عام 579 قبل الميلاد، دُمّر جزء من هيكل سليمان وطُرد بعض النخب، ولكن بعد مرور 11 عاماً على هذا الحدث، ثار اليهود ونهبوا المدينة، وعلى إثر هذه الثورة طُردوا مرة أخرى، كما يشير إرميا إلى طردة ثالثة، بعد خمس سنوات من ثورة اليهود.
بعدما هزم الإخمينيون البابليين بقيادة كوروش، سُمح لليهود بالعودة إلى أرضهم عام 537 قبل الميلاد، كما سمح لهم كوروش بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، على عكس الحكام الآشوريين والبابليين السابقين. وقد ذُكر في سفر عزرا نحميا، أعمالُ كوروش هذه وكيفية عودة اليهود إلى أورشليم وإكمال الهيكل الثاني.
أمَرَ كوروش ببناء الهيكل الثاني في موقع الهيكل الأول، لكنه مات قبل اكتماله، فتوقف البناء لفترة، حتى جلس داريوش على مسند حكم الإمبراطورية الإخمينية، حينها أمر بإنهاء بناء المعبد، وقد تم هذا الأمر باسستشارات من الرسولَين اليهوديَّين حجاي وزكريا. انتهى بناء الهيكل عام 515 قبل الميلاد، أي بعد 20 عاماً من عودة اليهود من المنفى. وقد يكون هذا الأمر هو السبب الرئيسي لسرّ محبة اليهود للملوك الإخمينيين، وعلى وجه الخصوص كوروش.
عبر تاريخ إيران
بعد معاملة الملوك الإخمينيين الحسنة معهم، أقبل اليهود على بلاد فارس وانتشروا في أرجائها، وعاشوا هناك قروناً وشهدوا جميع التقلبات والحوادث التاريخية كسائر الشعوب الإيرانية. من المناطق التي سكنها اليهود في إيران أكثر من غيرها، يمكن الإشارة إلى كلّ من مدينة طهران، وشیراز (جنوب إيران)، وأصفهان (وسط البلاد)، ورَشْت (شمال)، وهمَدان (غرب)، وکِرمانشاه (غرب)، ویَزْد (وسط)، وکِرْمان (وسط)، ورَفْسَنْجان (وسط)، وسیرجان (وسط)، وبُروجِرد (غرب).
استمرّ الحال على هذا النحو حتى انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ووصول الإسلاميين إلى الحكم. عند ذلك قطعت إيران جميع علاقاتها مع إسرائيل، بادئةً باتخاذ سياسات معادية لإسرائيل والصهيونية، فبدأت مخاوف اليهود الإيرانيون تتزايد وعدد كبير منهم قرروا الهجرة من البلد، لا سيما أن كثيراً منهم كانت لهم علاقات مع إسرائيل قبل الثورة الإسلامية أو كانوا يمتلكون جنسيات إسرائيلية.
يهود إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية
عند قيام دولة إسرائيل (1948)، كان يعيش في إيران ما بين 140 ألف إلى 150 ألف يهودي، وقد هاجر أكثر من 85% من هؤلاء الأشخاص إلى إسرائيل أو أمريكا، ومن بين اليهود الذين بقوا في إيران، تخلى العديد منهم عن هويتهم اليهودية وانجذب الكثيرون إلى "حزب توده" الشيوعي والأفكار الشيوعية، وخلال الثورة الإسلامية في إيران، لعب العديد من اليهود الإيرانيين دوراً فعالاً في الإطاحة بنظام محمد رضا شاه البهلوي، كما أن هؤلاء اليهود، انضموا إلى الثورة ضد رأي كبارهم من الحاخامات والقادة.
وشارك الكثير من اليهود بالمظاهرات، وأبرز هذه المشاركات عندما انضم 7000 يهودي في مظاهرات يوم عاشوراء ضد الشاه، كما أن هناك تقارير تفيد بأن عدد اليهود المشاركين في هذه المظاهرة وصل إلى نحو 12 ألفاً، وشارك في هذه المظاهرة جميع زعماء الجالية اليهودية تقريباً، كالحاخام يديديا شعفط، والحاخام أريئيل داوودي، والمنتج السينمائي الإيراني هارون يشايايي.
عاش اليهود في إيران بعد الثورة الإسلامية تقلبات كثيرة، من الأحكام الصعبة حتى التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وبعض الأحيان السياسي،
لقد أنشأ الارتباط اليهودي بالثورة جسراً بين الإسلاميين والمجتمع اليهودي، ولعبت منظمة "مجتمع المثقفين اليهود" التي تأسست في طهران في 8 أيلول/سبتمبر 1978، دوراً رئيسياً في التعاون مع الثوار، وكان للحاخامَين يوسف همداني كوهين ويديديا شوفط، اليدَ الأقوى في إدارة هذه التعاونات، وفي كانون الأول/ديسمبر 1978، التقت مجموعة من اليهود بمحمود طالقاني، عضو مجلس خبراء الدستور وإمام صلاة الجمعة في طهران ومن أهم رجال الدين منوري الفكر في إيران، وأعلنوا أمامه دعمهم للثورة.
في كانون الثاني/يناير 1979، بدأ إصدار المجلة اليهودية "تموز"، المجلة التي لم يكتب الكتاب اليهود مقالات فيها وحسب، بل شارك العديد من المثقفين الثوريين أيضاً بالكتابة فيها، وأبرز هؤلاء كانا السياسيَّين الخاضعَين حالياً للإقامة الجبرية في إيران، مير حسين موسوي وزوجته زهراء رَهنَوَرد.
أثناء تلك الفترة، كانت الأيديولوجية الحاكمة على الجالية اليهودية الإيرانية هي الماركسية والشيوعية، وحاولت صحف ومجلات مثل "تموز" ربطَ وجهات النظر الدينية التقليدية بالقضايا الثورية، حيث كان الهدف الرئيسي للمتنورين والمثقفين اليهود هو إقناع اليهود الإيرانيين بدعم الثورة الإسلامية.
ومع ذلك، بعد الثورة الإسلامية، تزايدت الهجرة اليهودية من إيران وانخفض عدد السكان اليهود من 100.000 إلى 40.000، لا سيما أن بعد انتصار الثورة، تم اعتقال رجل الأعمال وزعيم الجالية اليهودية في إيران حبيب الله إلقانيان، وأُعدم في 9 أيار/مايو 1979 بتهمة الفساد وارتباطه بإسرائيل والصهيونية و"أعداء الله".
أثار إعدام إلقانيان رد فعل الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض وجميع المنظمات اليهودية الأمريكية والدولية مثل المؤتمر الصهيوني العالمي، ورابطة مكافحة التشهير، ومن هذا المنطلق أدان السيناتور الأمريكي اليهودي جاكوب يافيتس، هذا الحكمَ، وطالب الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على إيران.
بعد معاملة الملوك الإخمينيين الحسنة معهم، أقبل اليهود على بلاد فارس وانتشروا في أرجائها، وعاشوا هناك قروناً وشهدوا جميع التقلبات والحوادث التاريخية كسائر الشعوب الإيرانية
بعد ثلاثة أيام من تنفيذ هذا الحكم، ذهبت مجموعة من اليهود بقيادة الحاخام يديديا شعفط إلى مدينة قُم، والتقوا بمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، وخلال هذا اللقاء أعلن الخميني أنه يعزل اليهود عن الصهاينة، ولا يقبل الاعتقاد العام بأن كل اليهود صهاينة، في اليوم المقبل كتبت صحيفة "اطلاعات" الإيرانية في عنوانها الرئيسي وبالبنط العريض: "نحن نعتبر الجالية اليهودية مناهضةً للصهيونية".
بعد ذلك بفترة، وتحديداً في كانون أول/ديسمبر 1980، تم اعتقال وإعدام الصحافي اليهودي الإيراني سيمون فرزامي، الذي كان يعمل في صحيفة "جورنال دي طهران" الناطقة بالفرنسية، وبحسب المدعي العام في القضية، فإن اعتقاله جاء بسبب وثائق تم الحصول عليها من مبنى السفارة الأمريكية، والتي أظهرت أن فرزامي كان يتلقى مرتبات شهرية من السفارة الأمريكية، ولذلك اتُهم وقتها بالتجسس لصالح الولايات المتحدة.
عاش اليهود في إيران بعد الثورة الإسلامية تقلبات كثيرة، من الأحكام الصعبة حتى التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وبعض الأحيان السياسي، حيث يمكن ذكر السياسي الإيراني ذي الأصول اليهودية حبيب الله عسكر أولادي، الذي كان أحد مرشحي الدورة الثانية والرابعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية، كما أنه كان وزيراً للتجارة في حكومة مهدوي كَني المؤقتة وحكومة مير حسين موسوي الأولى.
هناك اختلاف في الرأي حول عدد السكان اليهود الحاليين في إيران، إذ قُدر عدد السكان بحوالى 20.000 إلى 30.000 شخص في سنة 2000، وفي 2010 ارتفع هذا العدد إلى 35.000 شخص، ويبلغ عددهم حالياً حوالى 40 ألف نسمة، يعيش 25 ألف منهم في طهران. استمرت معظم المنظمات اليهودية التي تأسست قبل الثورة الإيرانية في العمل بعد الثورة، باستثناء تلك التي روّجت للحركة الصهيونية بشكل مباشر.
على الرغم من أن جميع اليهود الإيرانيين لديهم آراء قوية مناهضة لإسرائيل علناً، إلا أن بعض هذه الآراء قد تكون غير حقيقية ومرتبطة برغبة اليهود الإيرانيين في الابتعاد عن المشاكل، وهذا الأمر يجعلهم يميلون إلى نشر آرائهم المناهضة لإسرائيل أكثر من اللازم، لكي تبدو الأقلية اليهودية أقلية مقبولة في المجتمع الإيراني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...