تحولت أغنية "يا أم الفستان النيلي" للبناني طوني حنا، التي رافقتني بالعديد من المناسبات السعيدة، إلى ذكرى تعيسة، بعد إرسالها لي من قبل أحد مدراء المواقع الصحفية، عند نشري لصورتي بفستان نيلي ظهر به كتفي الأيسر. بدايةً، اعتبرتها ملاطفة لابأس بها، قبل أن أعلم أن الغاية لا تمت للطافة والذوق بصلة.
"بدي اسألك كَونوا صار الليل، شو رأيك بتبادل السوائل؟"، فاجأني سؤاله بعد ساعة من إهدائي الأغنية، في حيرة وصل زمنها إلى 5 ثواني، راودتني خلالها ثلاث أفكار، فإن هزّأته، سيقول لي إنه لا يقصد شيئاً سيئاً، وإن التزمتُ الصمت سيعتقده قبولاً بتحرّشه فيتمادى.
أما الثالثة فكانت عندما حسمتُ أمري ورددت عليه بأسلوبٍ مشابه. أخبرته أن تبادل السوائل شيء مقرف، فمن المستحيل أن أعطي كأس مشروبي أياً كان نوعه لأي شخص ليشرب منه، أو أن أشرب من كأسه. وسرعان ما جاءني رده: "هيك فهمتي الموضوع؟"، وجوابي أن لا معنى آخر بالنسبة لي، فاعتذر مني وتمنّى لي ليلة سعيدة، ثم لم يحادثني بعدها أبداً.
جاء إهداء الأغنية، بعد أيام قليلة على حديث مطول حول الصحافة وفرص العمل فيها، تخلّله عروض بعض فرص العمل المناسبة، ودخوله شخصياً كوساطة لأضمن قبولي بها، إلا أن سؤال "تبادل السوائل"، عرّى الحقيقة، بأن المقابل الحقيقي هو أنا، وكان الفستان النيلي محرضاً قوياً، ساعدني بوقت قصير على كشف أبعاد الحديث المتواصل معي. شكراً يا فستاني.
تعرّفت على التحرّش ما قبل التكنولوجي، خلال عملي بالصحافة، بعد فرصة ظننتها ملائمة لكنني لم أُكملها، بعد عدة محاولات تحرّش جسدي ولفظي، رفعت منسوب مخاوفي، وكانت دافعاً لاتخاذ قرار الابتعاد ونفي الأحلام كحلول مثالية
تحرّش مُطعّم يتناسب مع التطور التكنولوجي
لم تهدأ ذاكرتي ليلتها، وعادت بالزمن عشر سنوات، لأيام تعرّفت بها على التحرّش ما قبل التكنولوجي، خلال عملي بالصحافة، بعد فرصة ظننتها ملائمة لكنني لم أُكملها، بعد عدة محاولات تحرّش جسدي ولفظي، رفعت منسوب مخاوفي، وكانت دافعاً لاتخاذ قرار الابتعاد ونفي الأحلام كحلول مثالية، فلا سند يحميني ولم أكن متمرّسة بالحياة لأتقن فن المواجهة بنفسي.
وكحال الجميع، غزت وسائل التواصل حياتي بعدها، وبرعت باستخدامها، وشاءت الأقدار أن أعود للعمل بالصحافة بعد 8 سنوات من تخرّجي عن طريق الأون لاين، بعقلية مختلفة وشخصية أنضج، يرافقهم تصرفات عفوية لم أُخفها حتى من وراء الشاشة.
"لا أرى الناس بشكل مباشر"... وجدتها ميزة جيدة بعملي، فلن أقابل أولئك من جديد، إلا أن الصدمة هي التعرّف على أشباه كل منهم الأربعين، بحرفية عالية تجاوزت كل القواعد، وقمت بتبديل بعض العبارات الشهيرة ووضعت مفردات تناسب ما حصل معي، فاعتذرت من المدينة الإيطالية "روما"، ووضعت جسدي مكانها، فقد تنوّعت الطرق وكان هو الاتجاه المطلوب من قبل أصحاب الشأن.
في جُمعة ما، راسلني مدير موقع صحفي وأخبرني أن أجر واحدة من موادي أصبحت بيد زميل لي كان حريصاً على التعبير عن جمالي بالصور ومقابلتي بشكل شخصي، بعد كل مرة أنشر فيها صورة لي عبر ستوري فيسبوك.
وكل ما فعله هو حجزه لأجري المادي تحت حجج متنوعة، علّني أرضخ لشرط السفر لمدينته، وقضاء ليلة في منزله الذي هجرته زوجته الهاربة من روائح نساءٍ زرنه قبلي، وبعد اليأس من دعواته، وصل المبلغ ولم يتم قبول أي مقترح جديد مُرسل من قبلي.
لم يكن ذلك الزميل "المتحرر"، وفق ما يرى نفسه ويصفها، أقل جرأة من القادم بعده، واحد من مشاهير سوريا وشبابها، والذي لا أعرفه بشكل شخصي وتم حديثي معه بشكل افتراضي. وبعد اعتذاره عن إجراء اللقاء الصحفي، استمرّ بتحفيزي كصديقة حسب ما أخبرني، فملامحي في صوري توحي بأني "أهل لتلك الصداقة"، وانهالت أسماء المواقع الصحفية على مسامعي، والتي سيوصلني إليها بحال قدومي أيضاً إلى مكان استقراره.
"بكرا بس تقبضي بالدولار رح تعرفي وين دلّيتك"، عبارته المكرّرة على مسامعي مدة شهرين والتي تشي بالرخص والابتزاز استمرّت حتى هوَت به رغباته الجامحة ناطقةً: "حاج تحطي صورك، بتعرفي أنك بنت مغرية، حاج نضيع وقت عالماسنجر، تعالي عالشام". وخسرت تلك الفرص جميعاً.
الدراجة الهوائية... روابط ألكترونية حملها الخيال
سابقاً، نشرت صورة لي وأنا أقف إلى جانب دراجة هوائية، كونني لا أجيد قيادتها، والتي بدورها عادت عليّ برابطين لمواقع إعلامية معروفة، والسبب هو خيال رئيس تحرير واحد منها، الذي لم ينم ليلتها، متخيلاً لو أني جالسة كيف ستكون إطلالتي. حسب تصريحه الذي سكبه بصندوق الرسائل في اليوم التالي من نشرها.
"بكرا بس تقبضي بالدولار رح تعرفي وين دلّيتك"، عبارته المكرّرة على مسامعي مدة شهرين والتي تشي بالرخص والابتزاز، استمرّت حتى هوَت به رغباته الجامحة ناطقة: "حاج نضيع وقت عالماسنجر، تعالي عالشام"
تواسيني صديقتي ساندي (42 عاماً) كإحدى الصحافيات، اللواتي تعرضن لمواقف مشابهة، حين بدأت رحلتها مع "التحرّش الثقافي" قبل تفعيل ميزة ستوري في فيسبوك، عندما كانت تبدّل صورها الشخصية باستمرار، فأرسل لها إعلامي عربي شهير طلب صداقة، وبدأ بفتح أحاديث معها، بدايتها نقاشات محترمة يتخلّلها اعتراف بالإعجاب بين الحين والآخر، وصولاً لعرض العمل المغري معه، وطلب مقابلتها بمكتبه بالعاصمة، وسرعان ما لبّت النداء مصطحبة والدها معها، وكانت النتيجة بعد اللقاء حظرها، فلم يرق له وجود أبيها بتلك الجلسة...
كتاب عن التحرّش وبنسخة إلكترونية
اعتبرت أن تلك الحادثة ملائمة لكتاب ربما أصدره يوماً، لن ألجأ فيه للورق، وسأصنع نسخه إلكترونية منه، فيها القدر الكافي من الوثائق التي يشهد عليها تطبيق ماسنجر بجهازي المحمول، وسأحاول أن أقسمه إلى فصول، ذلك أنه حتى لو تشابهت النتيجة النهائية، إلا أن الطرق وأساليب بدء الحديث مختلفة، فكل صورة وضعتها على خاصية ستوري فيسبوك، أرشدتني إلى طريق جديد نحو الهدف ذاته.
كل أبطال كتابي تقريباً من أصحاب الشأن، ومعرفتهم "مكسب"، كما يقال، معرفة دفعتني مرات عدة لاتخاذ قرار بعدم وضع أي صورة شخصية لي، ونسيان أن اسمه "حساب شخصي"، وأنا المتحكمة الأولى والأخيرة فيما أنشره عليه، ولي حرية الاختيار بزواره. وهذا ما أود كتابته بخاتمة كتابي غير السعيد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه