شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن تفاهة نقد

عن تفاهة نقد "تريندات" التفاهة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأربعاء 12 يونيو 202403:24 م

لا تطيق الدولة حديثنا في السياسة، فإذا هربنا منها إلى التريندات التي لا تمس الدولة مباشرةً، بحثاً عن مساحة من "فتافيت الكلام"، انبرت تلك البوستات التطهرية، التي تنعى من وجهة نظرها انجرارنا إلى التفاهة. في الحالتين تطلب منا السلطات، ومن عيّنوا أنفسهم شرطةً للكلام على فيسبوك، الطلب ذاته: لا تتكلم، ومعناها الأصلي لا تستمع إلى سواي، وجميعنا يتذكر كيف وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلاً بعصبية في أحد خطاباته: "ما تسمعوش كلام حد غيري"، فأنا لست فقط مخولاً بتحديد نقاط الكلام المسموحة لك، بل بالأحرى وحدي من يُسمح لي بالكلام.

حتى في غزّة، يهتم الناس بكرة القدم والفن.

يطلب منا الطغاة "التوحد" وراء فكرة، وأن نكون جميعاً على قلب واحد وهوية واحدة بلسان واحد، وألا يحوي القلب سوى قضية واحدة كبرى، يحددها هو، يكون الغرض منها تأييده، وكل ما عدا الاهتمام بتلك القضية، يكون محل شك واتهام ووصم، فما يريدونه هو أمة أشبه بالجنود، لها نفس الطبيعة والاهتمام، بل من المستحسن ألا تكون لها أي اهتمامات أخرى تشغلها سوى ما حدده قائد الأمة من صفات محددة طيّعة ليسهل قيادتها كغنم.

هل الحديث عن شيء آخر، يهدد الفلسطينيين أو يهدد اللائمين لأنهم فقدوا شيئاً من الانتباه الذي يفترضون أنه شيء مقدس ومستحق، ويجب ألا يُمسّ؟

وكذلك يفعل بعض المثقفين، حيث يؤدّون دور شرطة الكلام، ويتهمون كل من يتحدث خارج قضية الساعة، بالتفاهة. كل كلام خارج ما حدده شرطي الكلام، هو سعي وراء تافه بلا قيمة، وللأمانة لم أكن أرى تلك العادة كثيراً مع المثقفين، بل مع أنصافهم، اللذين يجدون في ذلك الجلد الأخلاقي وفعل الابتزاز التافه بالضرورة، ملئاً لشعورهم بالخواء وعدم التحقق. عملة الفاشلين الرابحة في حالة انزواء الجماهير عنهم هي فساد الجو العام، لكن دافع كتابتي للمقال هو أن يتورط من ليسوا بفاشلين أو يعانون من حالة انزواء الجماهير في ذلك الفعل الاستعلائي، وهم يلومون من يتابع أو يحلل أو يهتم بما يحدث خارج القضية الفلسطينية، للكلام عن أشياء مثل "صفعة عمرو دياب" أو "البليند دات" مع "إنفلونسير" كهادية غالب.

كذلك يفعل بعض المثقفين، حيث يؤدّون دور شرطة الكلام، ويتهمون كل من يتحدث خارج قضية الساعة، بالتفاهة

أفهم الشعور بالألم بسبب الإبادة الجماعية التي تحدث للفلسطينيين. لكن من يملك أن يشير إلى عدم تألم الناس، أو احتقارهم لأنهم تجرؤوا على أن يتحدثوا عن شيء آخر، برغم أن الناس أنفسهم ما أن يجدوا شخصاً يقدّم قيمةً بشكل ممتع لا يتوانون عن متابعتها، بالآلاف؟ ما السر في عدم اعتبار ذلك غير كافٍ، ومحاولة تأميم اهتمامات الناس على منصة اجتماعية؟ كم يكفي هؤلاء من الانتباه إلى جديتهم؟ هل الحديث عن شيء آخر، يهدد الفلسطينيين أو يهدد اللائمين لأنهم فقدوا شيئاً من الانتباه الذي يفترضون أنه شيء مقدس ومستحق، ويجب ألا يُمسّ؟

ثم من قال إن التريندات "تافهة"، فكل شيء وكل ظاهرة يخضعان للكلام والنقاش والتحليل، حتى صفعة عمرو دياب لواحد من معجبيه.

ثم من قال إن التريندات "تافهة"، فكل شيء وكل ظاهرة يخضعان للكلام والنقاش والتحليل، حتى صفعة عمرو دياب لواحد من معجبيه. فتحت ما حدث نوقشت فكرة حرمة الجسد وحماية المساحة الشخصية، وأيضاً في الاتجاه الآخر حول فجاجة النجوم أنفسهم والسؤال عما إذا كان فنان مصري يستطيع أن يفعل ذلك مع مواطن يتمتع بالثراء أو مواطن خليجي؟ وفي ظل غياب أي مساحة للنقاش، وفي ظل إغلاق مساحات المجال العام، تبدو فرصةً ذهبيةً، في ظل حالة كبت جماعي. البعض يتجنب النقاشات الحادة حفاظاً على سلامته الشخصية، حتى لا ينتهي به الأمر في السجن.

كما أن من حق الناس دائماً، مهما كانت الظروف، التخلي عن ثقل الجدية الملزم، كطريقة لتخفيف صعوبة الحياة نفسها.

والآفة ليست آفة الطغاة وبعض المثقفين فحسب. كل من يملك مشروعاً ما، سواء كان علمانياً أو إسلامياً، يفكر في كيفية الاستيلاء على روح "الأمة المزعومة"، بوصفه قائدها الوحيد الذي عليه أن يصبغها بصبغته، ودون تلك الصبغة لا تحصل منه إلا على الاحتقار. ويبدو أنه حتى المساحة الصغيرة على فيسبوك، مطلوب منها أن تكون قضية استيلاء على تلك الروح، وهو استيلاء يخفي استعلاءه ورغبته في الاستحواذ على الانتباه، كشأن كل طالبي التريند.

والآفة ليست آفة الطغاة وبعض المثقفين فحسب. كل من يملك مشروعاً ما، سواء كان علمانياً أو إسلامياً، يفكر في كيفية الاستيلاء على روح "الأمة المزعومة"، بوصفه قائدها الوحيد الذي عليه أن يصبغها بصبغته، ودون تلك الصبغة لا تحصل منه إلا على الاحتقار

فيسبوك ومنصة X تعكسان تنوع المجتمع، حيث لا يتمتع أحد بميزة إنسانية خاصة لمجرد التواجد على هذه المنصات. الناس يتحدثون في مواضيع مختلفة، وهذا طبيعي لأن العقل البشري لا يستطيع التركيز على حدث واحد طوال الوقت. حتى في غزّة، يهتم الناس بكرة القدم والفن. نظراً إلى ضعف النظام التعليمي في تعزيز القيم الإنسانية، يستخدم الأفراد مواضيع عابرةً للتعبير عن قضايا اجتماعية مثل احترام المساحات الشخصية وتجنب العنف في الدفاع عن المكانة الاجتماعية. علينا أن نكون متسامحين، وأن نتجنّب التعالي الأخلاقي في التعامل مع الآخرين.

التفاهة الحقيقية هي وجود مجتمع كامل يشعر بالذنب العميق إلى درجة تهليله لأي شخص يبتزّه ويعامله كمدرّس يعاقب مجموعةً من الأطفال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image