شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل تتم إعادة الفلسطينيين إلى مربع شعب يبحث عن مساعدات؟

هل تتم إعادة الفلسطينيين إلى مربع شعب يبحث عن مساعدات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 12 يونيو 202401:45 م

تستمر الحرب على قطاع غزّة وأهله، ويستمر قتل الفلسطينيين اليومي. يترافق هذا مع جولات مكوكية لممثلي الإدارة الأمريكية. لا أحد في الساحة الآن إلا بلينكن وجاك سوليفان، ولا مبادرات سياسية يمكن التعاطي معها، أو التفاوض حولها إلا مبادرة بايدن. حتى إن قرار مجلس الأمن مساء أمس الأول الإثنين، والخاص بوقف إطلاق النار في غزّة، هو قرار أمريكي محض مستند إلى المبادرة الأمريكية الإسرائيلية التي أعلنها بايدن. أما حلفاء القضية الفلسطينية ومناصروها، أو حتى المنخرطون سياسياً في هذه الحرب، فينزوون بعيداً لعلاج مشكلاتهم الداخلية.

ففي إيران، وبعد مقتل الرئيس بتحطّم طائرته، اختفت التصريحات الإيرانية المهددة لإسرائيل، ما يوحي بانسحاب تدريجي من هذه الحرب والانشغال بالوضع الداخلي. فثمة انتخابات على الأبواب، وهذه الانتخابات تبرر للقيادة الإيرانية وضع حلفائها في غزّة على الدرجة الثانية من سلم الأولويات. هل شعرت القيادة الإيرانية بأنها ذهبت بعيداً في الانخراط في هذه الحرب، وعليها التراجع قليلاً من أجل مصالحها؟ أو هل تم إغراؤها بمكتسبات تتعلق بملفها النووي؟ لا أحد يمكنه الجزم بهذا أو ذاك، لكن ما هو واضح لكل مراقب، أن التهديد اختفى والوعيد تراجع، وأن مفاوضات الملف النووي تسير على قدمٍ وساق، وأن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السيد غروسي، صار ضيفاً يومياً لا يفارق طهران.

حتى إن قرار مجلس الأمن، والخاص بوقف إطلاق النار في غزّة، هو قرار أمريكي محض مستند إلى المبادرة الأمريكية الإسرائيلية التي أعلنها بايدن. أما حلفاء القضية الفلسطينية ومناصروها، أو حتى المنخرطون سياسياً في هذه الحرب، فينزوون بعيداً لعلاج مشكلاتهم الداخلية

أوروبا مشغولة أيضاً بانتخابات البرلمان الأوروبي، والنتائج تعطي اليمين المتطرف أفضليةً واضحةً، ما سيعيد النقاش والاهتمام إلى ملف الحرب الأوكرانية الروسية، والتي تراجع الاهتمام الإعلامي بها، خلال الأشهر الماضية، لصالح الحرب في غزّة. الآن ستنزوي غزّة وحربها لصالح تلك الحرب وتأثيراتها السياسية والاقتصادية على أوروبا، ولصالح قضايا داخلية أكثر أهميةً لمجموع هذه الدول. لا أحد يمكنه الجزم أيضاً في ما إذا كانت الاعترافات الموعودة بالدولة الفلسطينية ستحصل أم أن اليمين القادم سيوقف كل هذا الزخم السياسي لصالح قضيتنا.

لا أحد يمكنه الجزم أيضاً في ما إذا كانت الاعترافات الموعودة بالدولة الفلسطينية ستحصل أم أن اليمين القادم سيوقف كل هذا الزخم السياسي لصالح قضيتنا.

الوسيطان كذلك، وأعني مصر وقطر، انسحبا مؤخراً من مهمة صياغة المبادرات، ويقتصر دورهما في الأيام الأخيرة على تبنّي مبادرة بايدن والضغط على الطرفين المعنيين لتنفيذها. أما في ما يخص التطبيع السعودي الإسرائيلي، واشتراط السعودية وقف الحرب وبدء مسار سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية، فيبدو أنه تراجع لصالح عقد اتفاقية ثنائية بين السعودية والولايات المتحدة، في انتظار أن تنضج الظروف لتحقيق المشروع الإستراتيجي الأكبر.

السلطة الفلسطينية غائبة أيضاً أو مغيّبة، فلا أحد يريد التعاطي مع الحكومة الفلسطينية التي جاءت أساساً بناءً على طلب أمريكي وأوروبي، ولا أحد يقدّم لها دعماً سياسياً أو مالياً يمكّنها من الاستمرار أو القيام بدورها في الضفة الغربية. أما في ما يخص غزّة، فقد كان جاك سوليفان واضحاً حين صرّح بأنه لا يرغب لا في رؤية حماس ولا في رؤية السلطة في غزّة بعد انتهاء الحرب.

لا أحد في الساحة السياسية الآن إلا الإدارة الأمريكية ومخططاتها. ولأن هذه الإدارة مشغولة أيضاً باستحقاقاتها الانتخابية القادمة، التي أصبحت على الأبواب، فهي تبدو على عجلة من أمرها لإيجاد حل لاستعادة المخطوفين الإسرائيليين لدى حماس، وإيقاف مؤقت لهذه الحرب، وذلك قبل حلول يوم الانتخابات القادمة. وحين تكون جهة ما أو دولة، أو حتى فرد، على عجلة من أمره، فإنه يضع أوراقه كاملةً على الطاولة دون مراوغة ودون مجاملات.

وهذا ما تفعله الإدارة الأمريكية مؤخراً، وما تصرّح به على ألسنة ممثليها. إذ كيف يمكننا فهم رغبة هذه الإدارة، التي عبّرت عنها مراراً طوال فترة الحرب، والمتمثلة في السعي إلى إقامة دولة فلسطينية، في مقابل التصريحات الأخيرة المتماشية مع سياسة إسرائيل بعدم عودة السلطة إلى غزّة؟ وإذا كانت هذه السلطة توصف على لسان خصومها من الفلسطينيين بأنها أداة للاحتلال ولحماية مصالحه، ومع ذلك فهي مرفوضة أمريكياً وإسرائيلياً في ترتيبات ما بعد الحرب، فمن هي الجهة الفلسطينية التي ستكون مقبولةً؟ وما هو برنامجها؟ وهل يمكننا تخيّل أن هذين الحليفين سيقبلان بوجود جهة فلسطينية لها توجهات وطنية وتسعى إلى التحرر من الاحتلال وإقامة دولتها على حدود 1967، بما يضمن حقوق الفلسطينيين الكاملة؟

إذا كانت هذه السلطة توصف على لسان خصومها من الفلسطينيين بأنها أداة للاحتلال ولحماية مصالحه، ومع ذلك فهي مرفوضة أمريكياً وإسرائيلياً في ترتيبات ما بعد الحرب، فمن هي الجهة الفلسطينية التي ستكون مقبولةً؟ وما هو برنامجها؟

من هذه المعطيات يمكننا استنتاج أن الإدارة الأمريكية وصلت أخيراً إلى مبتغاها، والمتمثل في عزل الفلسطينيين والعمل الدؤوب على تجريدهم من تمثيلهم السياسي. وهي تتفرد حالياً في هندسة الحل، واختصار القضية بأنها مشكلة مساعدات للمدنيين في غزّة، وترتيبات إدارية لهم. وإذا اعترفنا بأن هذا هو نهج الإدارة الأمريكية التاريخي تجاهنا وتجاه قضيتنا، فكيف لنا فهم أن يتحول هذا النهج إلى سياسة عامة لغالبية الأطراف المنخرطة، أو المعنية، في هذا الصراع؟

من هذه المعطيات يمكننا استنتاج أن الإدارة الأمريكية وصلت أخيراً إلى مبتغاها، والمتمثل في عزل الفلسطينيين والعمل الدؤوب على تجريدهم من تمثيلهم السياسي.

لقد شهدت الأشهر الأولى للحرب اصطفافاً شعبياً، عربياً وعالمياً، إلى جانب مطالب الفلسطينيين السياسية، والمتمثلة أساساً في التخلص من الاحتلال، لكن ومنذ شهرين يبدو أن كل يوم إضافي يتسبب في تآكل هذا الرصيد لصالح اللغة الإنسانية تجاه الضحايا في غزّة. والخوف كل الخوف هو مما حذّرنا منه مع بداية الحرب، أي أن تنجح السياسة الأمريكية في خفض توقعات الفلسطينيين وجرّهم في النهاية إلى القبول بأي حل مقابل وقف نزيف الدم.

لا يعني هذا بالطبع عدم العمل، أولاً وعاشراً، على وقف الحرب وإغاثة الغزّيين، فهذه هو الأولوية العاجلة منذ اليوم الأول للحرب، بل يعني أنه وبالموازاة مع ذلك لا يجب أن نفقد اللغة السياسية، وأن نتماهى مع ما يتم تخطيطه لنا. فليس من الحكمة مثلاً أن نرمي بملفنا في حضن دول تبحث عن مبرر للتطبيع، وهي تتخذ من معاناتنا سبباً لذلك. وليس من الحكمة أن نتنازل عن إنجازنا الوحيد طوال عقود من النضال، أي منظمة التحرير، حتى وإن كانت هذه المنظمة مترهلةً ولا تقوم بما خُلقت لأجله. فالأفضل هو علاج أمراضها لا السعي أو التماهي مع من يسعون إلى قتلها الرحيم لمآربهم الذاتية أو لمصالح دولهم.

علينا كفلسطينيين الآن أن نتوحد تحت مظلة هذه المنظمة، قبل إصلاحها أو بعده، لا يهم، ببرنامجها الحالي أو ببرنامج متفق عليه، أيضاً لا يهم. المهم هو أن تكون هي البيت أو العنوان الذي يجمعنا في مواجهة مخططات تحويلنا إلى شعب يبحث عن رغيف الخبز وقضية إنسانية لا سياسية، لأناس ليس لهم من يمثلهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard