شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من

من "ما شأننا نحن؟" إلى "لماذا يقتلونهم؟"... كيفَ تغيّرت السردية الفلسطينية في الذهن الأمريكي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الخميس 6 يونيو 202412:46 م
Read in English:

How the Palestinian narrative has changed in the American mind

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تغيرات جذرية وراديكالية بخصوص القضية الفلسطينية. الدعم للشعب الفلسطيني تحول من قضية تُناقش في الدوائر اليسارية فقط إلى موضوع يهم عامة الشعب. هناك أمريكيون بيض مسيحيون لا يعرفون ولا يأبهون بما حدث في العام 1948، أو العام 1967 باتوا على اقتناع بأن هنالك شيئاً عفناً في إسرائيل.

والنقاش لا يتقصر على نتانياهو، وإنما أيضاً يشمل الجيش الذي سُوقَ للشعب الأمريكي على أنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم (بمعنى أكثر أخلاقية من جيشهم الأمريكي نفسه). هذه الآراء ليست محصورة بالطلاب والشباب؛ وإنما يمكن رؤيتها في جميع صفوف الشعب، بما في ذلك الطبقة العاملة (ذوو الياقات الزرقاء).

هنالك عدة مراحل مهمة مرت فيها السردية الفلسطينية في الولايات المتحدة، والتي مكنت لهذه التغيرات من الحدوث في 2023، وبالتأكيد، فالقتل العشوائي والإبادة الجماعية كانت عاملاً مسرعاً لحدوث هذا الإدراك، ولكنها لم تكن كافية وحدها. ومن منظوري هنالك عدة مراحل تاريخية يجب الوقوف عندها:

بداية الشقوق في السردية الإسرائيلية

حرب 2008 على غزة (معركة الفرقان - الرصاص المصبوب) كانت نقطة فارقة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة. وكانت المرة الأولى التي يسمع فيها الأمريكيون عن فلسطين بأسلوب دراماتيكي.

لا يعرف الكثيرون أن أخبار الانتفاضة الثانية كانت تصل للأمريكيين من خلال قنوات تلفزيونية بأسلوب ممل جداً، كأنها مناوشات ما بين الشرطة ومحتجين في شوارع مدينة ما في العالم -إذا وصلتهم هذه الأخبار أصلاً-، في حين أن أخبار العمليات الفلسطينية كانت تحظى بتغطية واسعة. في معظم الوقت، فالأمريكيون كانوا ينظرون لهذه الأخبار ويتذمرون، "هؤلاء يتقاتلون من آلاف السنين ما شأني أنا؟". 

تشهد الولايات المتحدة تغيرات جذرية وراديكالية بخصوص القضية الفلسطينية. بتحوّلها من قضية تُناقش في الدوائر اليسارية فقط إلى موضوع يهم عامة الشعب 

بدأ الفيسبوك بالانتشار فيروسياً في أمريكا في العام 2007، وخلقت السوشال ميديا طريقة جديدة لصغار السن في وقتها -أي من هم الآن في أواسط العقد الثالث-، لرؤية العالم بأسلوب حقيقي. وكان تأثيرها على الأمريكيين واضحاً في معركة 2012 (عملية عمود السحاب)، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي الحرب ليس بكلمة متلفزة بل بفيديو على منصة تويتر يظهر فيه استهداف سيارة أحمد الجعبري على أطراف حي الرمال.

أعتقد أن المخططين الإسرائيليين لاحظوا التأثير المتزايد للسوشال ميديا في وقتها، ولكنهم، وبسبب عنجهية القوة، استخفوا بعقلية الإنسان الأمريكي.

الصحوة حرب 2014

خلقت تلك الحرب وعياً جماعياً بالقضية الفلسطينية لدى بعض الفئات العمرية في الولايات المتحدة. الصور كانت صادمة وغير مبررة. بغض النظر عن الرأي الأمريكي ضد أو مع، لكن هذه الحرب قدمت للشعب الأمريكي نقاطاً نقاشية واضحة عن تاريخ القضية الفلسطينية.

ففي حرب 2014 كان هنالك انتشار واسع لخرائط فلسطين توضح المشروع الاستعماري والاستيطاني على مر السنوات. هذه المعلومات أصبحت راسخة في رؤوس العامة.

مفاهيم الفصل العنصري (الأبارتايد) أيضاً كانت قد تطورت، خاصة بعد كسر حاجز الخوف في 2006، من خلال كتاب الرئيس السابق جيمي كارتر "فلسطين: السلام وليس الابارتايد". في ذلك العام أصبح الشعب الأمريكي مهيئاً أكثر من أي وقت سابق لقبول السردية الفلسطينية. وأصبحت المعلومات الأساسية موجودة في المخيلة العامة. وبالطبع لا يمكن الجزم لأن القدرة الحوارية للمؤيدين للقضية الفلسطينية كانت قد تطورت لتمكن هذه الاختراقات المعلوماتية. لكنني أعتقد أن السوشال ميديا خلقت منصة تمكّن من الانتقاء الطبيعي للمعلومات الأكثر فعالية.

انهيار وسائل الإعلام التقليدية

النخب السياسية الأمريكية كانت ولا تزال تقرأ النيويورك تايمز والواشنطن بوست، ولكن هاتين الصحيفتين باتتا في حالة انهيار تجاري. فلا أحد يدفع اشتراكات شهرية ليقرأ جرائد في عصر الإنترنت.

وها هي الصحف والمحطات الإخبارية التي حظيت باهتمام واستثمار كبيرين من هيئات الدعاية الإسرائيلية. باتت تنهار واحدة تلو الأخرى. هذا الانهيار أدى أيضاً إلى قيام العديد من الصحافيين بترك وظائفهم وتأسيس مشاريع إعلامية مستقلة، لتقديم التحليل السياسي الجاد للأحداث العالمية. 

النخب السياسية الأمريكية كانت ولا تزال تقرأ النيويورك تايمز والواشنطن بوست، ولكن هاتين الصحيفتين باتتا في حالة انهيار تجاري. فلا أحد يدفع اشتراكات شهرية ليقرأ جرائد في عصر الإنترنت. 

وانتشرت هذه المحطات والمنشورات المستقلة في اليسار وفي اليمين. لكن من الملاحظ أن التغطية التي تحظى بها فلسطين كانت وما زالت مميزة. وقد أعلنت مجموعة من هذه القنوات أن تغطيتها الموضوعية للحرب أدت الى زيادة عالية في المشاهدات، أو حتى في الدعم المالي. كل هذا وCNN في انخفاض مستمر من حيث عدد المشاهدين.

أما في السوشال ميديا، فهنالك محاولات من شركة "ميتا" التي تملك "فيسبوك" و"انستغرام" لتغيير الخورازميات لتقلل قدرة الفلسطينيين من استخدام هذه المنصات.

في المقابل فإن موقع "تيك توك" المملوك للشركة الصينية "بايت دانس" لا يحاول التلاعب في الخورازميات، ولهذا السبب فالدعم لفلسطين فيه يصل إلى 50 ضعفاً مقارنة بالدعم لإسرائيل. وقد كان هذا أحد الأسباب الأساسية لتمرير قانون في الكونغرس لمنع "تيك توك" في أمريكا في نيسان/ أبريل 2024.

العمل المنظم في الجامعات

خلال العقد الماضي كانت هنالك حركة خفية تحدث في معظم الجامعات الأمريكية العريقة كهارفارد وستانفورد. الطلاب العرب واليساريون نظموا أنفسهم في مجموعات طلابية، واستطاعوا بناء هيكلية ترادفية تمكنهم من الاستمرار بعد تخرج القيادات.

هذه المجموعات تفاعلت إيجابياً مع الاضطهاد الذي تواجهه الأقليات الأخرى، ومن خلالها أسست تحالفات قوية مع الأمريكيين الأفارقة، والأمريكيين من أصول إسبانية\ مكسيكية، والسكان الأصليين، ومجموعات الأقليات الجنسانية.

وهذه التحالفات هي السبب في قدرة الأمريكيين الأفارقه، مثلاً، على ربط تجربتهم بالتجربة الفلسطينية بغض النظر عن الفروقات الجوهرية.

وهنا، من المهم الإشادة بالطلاب اليهود الذين يعدون من أكثر الطلاب صلابة في دفاعهم عن القضية الفلسطينية. إن تجربة اليهود التاريخية هيأتهم للتعرف على السادية السلطوية والإبادة الجماعية. فهم أيضاً يعرفون أن وجودهم مهم لدحض مزاعم معادة السامية المستخدمة لإسكات الداعمين لفلسطين.

وقد حاولت إسرائيل أن تحافظ على هيمنتها في هذا السياق، ومع ذلك فشلت. في العام 2014 تم تمويل موقع لابتزاز الطلاب الفلسطينيين اسمه "مهمة الكناري". فإذا كنت طالباً يدافع عن فلسطين في جامعة أمريكية، سوف ينشرون اسمك، وصورتك، ومعلومات مغلوطة عن مواقفك.

الفكرة هنا أن شركات عدة قد تبحث عن اسمك في غوغل قبل توظيفك. وهذه التكتيكات دمرت حياة طلاب فلسطينيين وعرب واعدين، مما اضطر بعضهم إلى تغيير أسمائهم. 

خلال العقد الماضي كانت هنالك تنظيمات خفية في الجامعات الأمريكية العريقة كهارفارد وستانفورد، بما فيهم الطلاب العرب، هذه المجموعات تفاعلت إيجابياً مع الاضطهاد الذي تواجهه الأقليات الأخرى، وهي السبب في قدرة الأمريكيين الأفارقه، مثلاً، على ربط تجربتهم بالتجربة الفلسطينية بغض النظر عن الفروقات الجوهرية

في بداية حملة الإبادة الحالية (طوفان الأقصى – السيوف الحديدية) كان هنالك عمل منظم من قبل منظمات إسرائيلية ذات تمويل ضبابي لترهيب الطلاب في الجامعات. مثلاً، في الأسبوع الأول من الحرب كان في بوسطن شاحنة تحمل شاشه كبيرة عليها صور طلاب في هارفرد مع الوصف "معادون للسامية". وكان من الواضح وجود خطة موضوعة مسبقاً لإسكات طلاب هارفارد في حال حدوث حرب جديدة. لذا فالحراك الطلابي في الجامعات الذي حصل على رغم أنف هذه الحملات كان تاريخياً وشجاعاً لهذا السبب.

في رأيي، فإن الشعب الأمريكي كان هدفاً مباشراً لحملة تضليل مُوجَّهة (البعض قد يصفها بحملة مسح أدمغة) لضمان الدعم الأعمى لإسرائيل. فالشعب الأمريكي ليس غبياً أو أحمق، فهو متعلم وينتج ويستهلك موادَّ ثقافية بنسبة عالية. ولعل من أكثر الطرق الفعالة في النقاش مع الأمريكيين إعطاؤهم المعلومات التي يُبنى عليها الجدال بأسلوب مباشر بدون آراء منحازة. فهم يريدون أن يصلوا الى الجواب بأنفسهم. قد يكون هذا الأمر مرتبطاً مع الأنانية والتكبر الأمريكيين المنبثقين من الازدهار الاقتصادي. بأي حال، لا يمكن تجاهل أهمية الرأي العام الأمريكي. ما دام النظام الأمريكي نظام ديمقراطي، فسيظل النضال لفتح مساحة فيه للسردية الفلسطينية مهماً جداً. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض تحويلنا إلى كائنات خائفة يسهل حكمها. لذلك كنّا وسنبقى موقعاً يرفع الصوت ضد كل قمع لحرية التعبير ويحتضن كل الأفكار "الممنوعة" و"المحرّمة". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image