شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل تؤثر التوقعات الرومانسية على العلاقة بين الشريكين؟

هل تؤثر التوقعات الرومانسية على العلاقة بين الشريكين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الخميس 27 يونيو 202409:40 ص

لم تدرك داليا سيد، أنه كان عليها مصارحة زوجها بكل ما تريده وتتمناه من علاقتهما، وألا تحتفظ برغباتها سرّاً، إلا بعد أن تعرّضت لصدمات متتالية من تصرفاته جعلتها تندم على ما فعلته.

"حلمت بأن نطبخ ونشاهد الأفلام معاً"

تقول داليا (32 سنةً)، والتي تعمل في قناة تلفزيونية: "ارتبطنا لمدة 3 سنوات قبل الزواج، وبرغم ذلك لم أتوقع ما تعرضت له. ظننت دائماً أن الزواج فيه من الحميمية والمشاركة ما يفوق أي علاقة. حلمت بأن نطبخ ونشاهد الأفلام معاً. توقعت لأنه زميل في المهنة نفسها، أن يكون مهتماً بالكتابة والقراءة، ولكني اكتشفت أنه ليست لديه الاهتمامات نفسها التي لدي ولا يرى الارتباط بالحميمية نفسها التي أراه بها".

تضيف داليا التي تعيش في محافظة الجيزة لرصيف22: "إن زوجي يعتقد أن الحميمية تقتصر فقط على ممارسة العلاقة الجنسية بشكل مباشر. لا يظن أن هناك شيئاً يمكن أن يكون رومانسياً سوى ذلك، كما أنه يواجه مشكلةً في النوم بجواري. قبل الزواج أخبرني بذلك ولكني تصورت أنه يتكلم عن الأشخاص الآخرين وليس عني. لم أتخيل أنه سيواجه المشكلة نفسها معي".

أكثر ما يؤلم داليا أنها متزوجة منذ عام ونصف، وإلى الآن لا تستطيع أن تجلس برومانسية مع زوجها لمشاهدة فيلم أو تذهب معه إلى المسرح أو حتى يقبّلها دون أن ينتظر منها استكمال المشهد الجنسي بصورته الكاملة: "عادةً نمارس العلاقة ثم يذهب كل منّا في طريقه. في أثناء الخطوبة كان الأمر مختلفاً. كنا نتحدث بشكل أفضل ونتواصل. أظن أن خطئي الكبير أنني توقعت وبنيت الكثير من الأحلام داخل عقلي دون أن أصارحه بما أحتاجه من العلاقة قبل الزواج، والآن كل منّا في طريق مختلف. هو لا ينظر إلى المشاركة الزوجية بشكل جدّي بينما أنا أراها كل شيء في العلاقة، ولا يمكن للحياة أن تستمر من دونها".

التوقعات الخفيّة

تقول الطبيبة النفسية الأمريكية لوري جوردن، في مقال لها على موقع سيكولوجي توداي، إن التوقعات الخفية من أكثر أسباب انهيار العلاقات وتؤدي إلى الانفصال: "كل طرف يدخل العلاقة وهو يتوقع أن يجد الحميمية والحب والمشاركة والجنس الرائع وكل شيء في أحسن صورة، ومع المواقف المتكررة تحدث الخيبات".

توضح جوردن أن الحصول على مثل هذا الشريك أمر رائع، ولكن الوهم في العلاقة سام ويؤدي إلى حدوث ارتباك وخيبة أمل وتعاسة ووقتها يبدأ كل شريك بلوم الطرف الآخر، ويفقد كل منهما الثقة بالآخر مع مرور الوقت، ويعزل نفسه بشكل تدريجي لأنه يظن أنه غير مرحب بعواطفه، ولذلك لا يوجد أفضل من بوح كل شريك بما يريده وينتظره حتى لا تكون هناك أي فرصة لحدوث سوء فهم بينهما.

"ظننت دائماً أن الزواج فيه من الحميمية والمشاركة ما يفوق أي علاقة. حلمت بأن نطبخ ونشاهد الأفلام معاً. توقعت لأنه زميل في المهنة نفسها، أن يكون مهتماً بالكتابة والقراءة، ولكني اكتشفت أنه ليست لديه الاهتمامات نفسها التي لدي ولا يرى الارتباط بالحميمية نفسها التي أراه بها"

في حديثها إلى رصيف22، تقول المعالجة النفسية والجنسية أميرة الديب: "التوقعات قد تكون إيجابيةً وخياليةً تتسبب في حدوث خيبات أمل مستمرة، وقد تكون كذلك توقعات سلبيةً سوداويةً تؤدي إلى معايشة علاقة تنتهي بشكل سيئ وبائس وهذا تشوّه فكري فالحياة ليست عبارةً عن الاختيارين فقط".

وتضيف: "من الجيد أن تكون لدى الإنسان توقعات من العلاقة، وهذا حق مشروع، ولكن ما يخطئ فيه الشريكان أن يتم رسم هذه التوقعات والحلم بها سرّاً دون أن يعلم الطرف الآخر أي شيء عنها، وهناك بعض الحالات"، مشيرةً إلى أن التوقع الحميمي المتعلق بالدعم والمشاركة يأتي بصورة كبيرة من الدراما والأفلام: "إن الحميمية والمشاركة في الأمور اليومية مهمتان جداً بالنسبة لأي شريكين، ولذلك إخفاء هذه التوقعات وعدم الكشف عنها قبل الارتباط بشكل رسمي يؤديان إلى خيبة أمل كبيرة بالنسبة للطرفين".

وتؤكد الديب: "الوعي النفسي والنضج مهمان جداً في الكشف عن التوقعات وترتيبها بشكل واضح وإعلام الطرف الآخر. من الخطأ أن يقول كل طرف جملاً مثل "هعلمه، هغيره، ومع الوقت سيعتاد على ما أريده". إن لم يحدث توافق في الاحتياجات والتوقعات من البداية يجب ألا يحدث ارتباط".

بدورها، تؤكد سهى المصري، وهي باحثة دكتوراه في الصحة النفسية، لرصيف22، أن التوقعات العالية لها أثر نفسي سلبي: "هذه التوقعات تؤدي مع الوقت إلى حدوث ضغط كبير على الشريك، ما يؤدي إلى التوتر والقلق، كما أن التوقعات غير المحققة تضرّ بالثقة بين الشريكين، وقد تجعل الشريك يشعر بعدم التقدير لما يقوم به بالفعل عندما يتم التركيز على ما لم يتم تحقيقه بدلاً من الاعتراف بما قد تحقق".

توقعات جنسية خيالية

"ما كنا نراه في الأفلام من تنهدات وتعرّق ورعشة في الجسد في أثناء العلاقة، كان وهماً وتمثيلاً فحسب، الحقيقة مخالفة لهذا الخيال"؛ هذا ما تقوله نهى عاصم (اسم مستعار) لرصيف22.

وتضيف نهى (27 سنةً)، من محافظة الإسكندرية: "كنت أضع أحلاماً خياليةً للمرة الأولى التي سيلمسني فيها زوجي. كنت أرسم كل شيء بطريقة معينة؛ كيف ستكون القبلة الأولى بيننا وكيف سأشعر، وماذا سأفعل لو شعرت بالدوار؟ وعن المتعة التي سأشعر بها عندما أنظر إلى لمعة عينيه وهو يقترب مني، وعن رعشتي وأنا بين يديه، كنت أرى ذلك كل يوم في خيالي وأنتظره".

"كل طرف يدخل العلاقة وهو يتوقع أن يجد الحميمية والحب والمشاركة والجنس الرائع وكل شيء في أحسن صورة، ومع المواقف المتكررة تحدث الخيبات"

ما حدث مع نهى حطّم كل تصوراتها الجميلة ونقلها إلى عالم لم تكن تريد الدخول إليه: "لم أشعر بأي من تلك الأحاسيس الرائعة، القبلة لم تكن كما تصوّرها لنا السينما ولم يكن الأمر رومانسياً ومليئاً بالتنهدات والمتعة. كان الموضوع مثل القيام بأي شيء تقليدي، وبرغم حالة الحب التي كانت بيننا قبل الزواج إلا أنني لم أحب اقترابه مني، ولم أصل إلى الإحساس الذي كنت أريده. العلاقة كانت عاديةً جداً وأقل مما كنت أطمح إليه بكثير".

لم تظن نهى، التي تعمل محاسبةً في إحدى الشركات الخاصة، أنها ستجد نفسها في هذا الموقف الذي جعل أحلامها عن العلاقة الجسدية تتحطم، وتقول إنه لم يكن من السهل أن تجلس مع زوجها لتتحدث معه عن ذلك، ولكن من خلال التحاور مع صديقات أخريات تأكد لها أن الأمر يكون دائماً بهذه الصورة، وأن ما تنقله لنا الأفلام والدراما جزء من الخيال والوهم، وأن العلاقة الجسدية مجرد روتين يقوم به الزوجان.

مرّت على زواج نهى 9 أشهر، وهي تنتظر وصول طفلها الأول: "ربما أجد الجرأة لأجلس معه وأتحدث عما أنتظره منه، وأجد يوماً المتعة التي أتوقعها".

تعليقاً على هذه النقطة، تقول أميرة الديب: "الثقافة الجنسية مبنية على الأفلام والمسلسلات لأنها تشكل الاحتياجات بشكل لا علاقة له بالواقع، فيدخل الرجل أو المرأة الزواج بتوقعات خيالية، ما يسبب خيبة أمل".

وتضيف: "إن إدمان الإباحيات يشوّه التوقع عند أي إنسان. هذه الأفلام تتم صناعتها بطريقة خادعة من خلال إضافة أصوات محددة لتجذب المشاهد، وهذا يجعل المخ يفرز هرمون الدوبامين ويسبب الإدمان، وتالياً يشعر الرجل أو المرأة بأنه/ ا لن يرضى بغير ما شاهده، فيحصل المخ على الكثير من المعطيات غير الواقعية التي تجعل الشخص لا يستمتع بغير ذلك ولا يريده".

في دراسة نُشرت في مجلة "أبحاث الجنس"، أجرى الدكتور شاري بلومينستوك، الباحث في معهد كينزي، بحثاً حول تأثير التوقعات الجنسية على رغبة المشاركين في الدخول في علاقات جنسية مختلفة. تكونت الدراسة من عيّنتين؛ الأولى من الحرم الجامعي والثانية عيّنة مجتمعية عبر الإنترنت، وكلتاهما استهدفتا الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 سنةً، وبسؤالهم حول ما ينتظرونه من ممارسة الجنس الحرّ كانت النتيجة أن ما يزيد على نصف الرجال والنساء من العيّنتين توقعوا أنهم سيحققون نشوةً جنسيةً عاليةً.

علاقة دائمة

"تظن زوجتي بعد الارتباط أن الجهد الذي كانت تبذله للاقتراب مني قبل الزواج ليست مضطرةً إلى القيام به الآن وأصبحت بالنسبة لها شيئاً مضموناً، وتتوقع باستمرار أن العلاقة مستمرة ولن تنتهي"، هذا ما يقوله أحمد حامد لرصيف22.

ويضيف أحمد (33 سنةً): "لم تعد تهتمّ بي بأي شكل. أصبحت بالنسبة لها هدفاً تم إحرازه ولم يعد جذاباً، والغريب أنني عندما أتحدث إليها تصارحني بذلك وتقول إننا لم نعد مخطوبَين".

من هنا، تحذّر الدكتورة أميرة الديب، المعالجة النفسية الجنسية، من أن يقع الشريكان في هذا الفخ وتنصح بأن يقوم كل منهما بالعمل على استمرارية العلاقة وتجديدها حتى لا يملّ أحد الطرفين وتنتهي العلاقة غلى الفشل.

"كنت أضع أحلاماً خياليةً للمرة الأولى التي سيلمسني فيها زوجي. كنت أرسم كل شيء بطريقة معينة؛ كيف ستكون القبلة الأولى بيننا وكيف سأشعر، وماذا سأفعل لو شعرت بالدوار؟ وعن المتعة التي سأشعر بها عندما أنظر إلى لمعة عينيه وهو يقترب مني، وعن رعشتي وأنا بين يديه"

وفي السياق نفسه، تنصح سهى المصري بأنه يجب على الشريكين التحدث بوضوح عن توقعاتهما ورغباتهما منذ البداية: "هذا يساعد في تحديد توقعات واقعية ومقبولة من الطرفين، ويجب أن تكون هناك مرونة وتفهّم في التعامل مع التوقعات، وكذلك ينبغي أن يقدّر كل طرف الإنجازات الصغيرة التي يقوم بها الطرف الآخر".

باختصار، إن رفع سقف التوقعات في العلاقة قد يؤدي إلى فشلها إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح. التواصل الفعّال، التفاهم، المرونة ووضع توقعات واقعية، كلها أمور يمكن أن تساعد على تجنّب الضغوط والمشكلات الناتجة عن التوقعات العالية، ومن المهم الاعتراف بالجهود والتقدير المتبادل لتعزيز الرضا والثقة بين الشريكين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard