عندما يتمّ تجاهل الشخص، تنطلق سلسلة من الأحاسيس والأفكار التي تحمل في طياتها الكثير من التعقيدات والتساؤلات.
موضوع التجاهل هو أحد تلك المواضيع السرّية التي تطرح أسئلةً حول كيفية تأثيرها على الشخص وسلوكياته. لقد شاهدنا ذلك في أفلام وقصص واقعية، حيث يمكن للشخص المتجاهل أن يبدأ بالتصرّف بشكل مفاجئ، محاولاً استعادة اهتمام الآخرين.
لكن هذا الموضوع يتجاوز السينما والقصص الخيالية لكونه يستند إلى تجارب حقيقية في حياتنا اليومية. يمكن أن يكون التجاهل سبباً للتفكير العميق في الذات وتحليل العلاقات الإنسانية.
فلماذا يشعر الإنسان بالحاجة إلى استعادة اهتمام الآخرين به عندما يتم تجاهله؟ وما هي الدوافع التي تجعل الشخص يصبح أكثر عناداً عندما يشعر بالاهتمام المفقود؟
إحباط وغضب
"إن التجاهل يمكن أن يجعل الشخص الآخر يشعر بالإهمال ويزيد من استيائه، ما يدفعه إلى التصرّف بشكل عنيد للحصول على انتباه الشخص الذي يتجاهله. فهو غالباً ما يؤذي أطراف العلاقة، لأن الشخص يكره الشعور بأنه متروك أو متجاهَل. كما أنّه غالباً ما يجعل المرء يشعر بأنه ليس محور اهتمام الشخص الآخر، ممّا يؤدي إلى ازدياد استفزازه فقط ليقول له أنا موجود، ويحاول أن يكسر هذا الروتين أو الوضع"؛ هذا ما تقوله الأخصائية النفسية والاجتماعية، غنوة يونس، في حديثها إلى رصيف22.
لماذا يشعر الإنسان بالحاجة إلى استعادة اهتمام الآخرين به عندما يتم تجاهله؟ وما هي الدوافع التي تجعل الشخص يصبح أكثر عناداً عندما يشعر بالاهتمام المفقود؟
وتكشف يونس أن الشخص الذي يتمّ تجاهله قد يشعر بالإحباط والغضب: "لا يعلم لماذا الطرف الآخر يفعل هكذا؟ لماذا يبتعد عنه؟ لماذا يتجاهله؟"، منبّهةً إلى أن هذه النسبة من الغضب والاستياء ترتفع مع ارتفاع مستوى الاهتمام الذي كان سائداً في العلاقة من قبل.
من ناحية أخرى، تشرح غنوة يونس أنّه غالباً ما قد يفكّر في أسباب التجاهل وكيفية استعادة اهتمام الشخص الآخر ومحاولة التقرب منه لأنّه يرغب في أن يفهم السبب.
ما هي العوامل المحفّزة بعد التجاهل؟
توضح غنوة يونس أنه يمكن أن يحاول الشخص ملاحقة الآخر لاستعادة العلاقة أو للتأكّد من أهميّته، لأنّه يخاف من أن يصبح بلا قيمة عند الآخر، كما أنّه يريد التأكّد من قيمته لدى الطرف الآخر.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب الاحتياجات العاطفية دوراً كبيراً في ذلك، بمعنى آخر، يحب الشخص أن يشعر بأنّه محبوب ولديه مشاعر صعبة في التخلّي أو الترك أو حتى أنه اختبر من قبل مواقف مشابهةً، فهنا قد تلعب الثقة بالنفس والقيمة الذاتية دوراً مهماً في ذلك، لذا نراه يركض وراء الطرف الآخر فقط من أجل أن يطمئن نفسه ويعرف أنّه ما زال محبوباً.
هذا تماماً ما فعله جاك (اسم مستعار)، مع حبيبته السابقة. فبعد أن تركته وتجاهلته بقيَ مصرّاً على ملاحقتها لتصحيح الوضع، قائلاً: "أنا كنت عم ألحق حبيبتي السابقة بس تحسّ بقيمة نفسي، وإنو أنا ما كنت إتقبّل إنو هيي يلي تركتني وتجاهلتني. الإيغو Ego كان أقوى من أي شي، بوقتها كان بدي بس إثبت لنفسي إنو أنا محبوب وما في حدا يتركني".
في السايق نفسه، تعلمت رهف (اسم مستعار) من تجربتها الكثير، وفق ما تشرح لرصيف22: "وقّفت إلحقه لما فهمت إنو خلص ما بقى بدو هالعلاقة. اتّصلت كتير ونطرتو قدام الشغل وبندم إنو عملت هيك".
بالنسبة لرهف، فإن تصرّفاتها كانت "طايشة" و"ولادية"، مؤكّدةً أنّها لن تعيد ما فعلته أبداً لأنّها وفي المقام الأول أذت نفسها على الصعيد النفسي كثيراً، ومن ثم جعلت الطرف الآخر متوتراً طوال الوقت، حتى أنّها لاحظت أنّه بات يكره وجودها.
في هذا الصدد، تشرح يونس بأن الثقة بالنفس المنخفضة أو الخوف من فقدان العلاقة من العوامل التي يمكن أن تزيد من العناد والإصرار بعد التجاهل، بحيث أن الشخص الذي يعاني من فقدان الثقة بالنفس قد يتجاوز التجاهل لإثبات أهميته وأنه محبوب من قبل الآخر.
التجاهل يشعل مشاعر الاحتياج والرغبة؟
وفقاً لغنوة يونس، فإن التجاهل قد يشعل مشاعر الاحتياج والرغبة لدى الشخص الآخر، حيث يبحث عن تأكيد وانتباه من الشخص الذي يتجاهله.
في الواقع، يُعدّ التجاهل محفّزاً يؤجّج هذه الرّغبات والاحتياجات العاطفية: "إجمالاً لا أحد يحبّ أن يشعر بأنّه متروك أو لا يُعدّ مصدر اهتمام لأحد، كما أن الشعور بالحب يُعدّ محفّزاً عظيماً للصحة النفسية، وبالطبع تختلف الاحتياجات من شخص إلى آخر، وحتى الثقة بالنفس والقيمة الذاتية تلعب دوراً مهماً في هكذا حالات".
من ناحية أخرى، من الضروري أن يفهم الشخص سبب تجاهله حتى يتمكّن من تحديد المشكلة والتخفيف من وطأتها.
بحسب علم النفس، فإن مشاعر الخوف، القلق وعدم التواصل بشكل صحيح، كلها قد تؤدي إلى التجاهل. كذلك ووفقاً لدراسة أُجريت في العام 2017، ونُشرت في المكتبة الوطنية للطب National Library of Medicine، وجد الباحثون أن الأفراد الذين لديهم تاريخ من الصدمات قد ينخرطون في سلوكيات التجنب، مثل تجاهل شريكهم، لحماية أنفسهم من المزيد من الصدمات.
سبب آخر يدفع الشخص إلى تجاهل الحبيب/ ة، هو الخوف من العلاقة الحميمة.
ففي دراسة أُجريت في العام 2007، بعنوان "العلاقة الحميمة والخوف من العلاقة الحميمة"، وجد الباحثون أن الأفراد الذين لديهم خوف كبير من العلاقة الحميمة كانوا أكثر عرضةً للانخراط في سلوكيات متباعدة، مثل تجاهل شريكهم.
هل العناد رد فعل طبيعي؟
في ما يتعلّق بموضوع العناد والإصرار على ملاحقة الطرف الآخر، تؤكّد غنوة يونس أن هذا التصرّف بمثابة آلية دفاع عن النفس، لكي يعيد المرء اعتباره: "هو رد فعل طبيعي عندما يشعر الشخص بالإهمال أو عدم الاعتبار، فهذا التجاهل يشعره بالتهديد وتالياً قد يلجأ إلى أساليب تمكّنه من الدفاع عن نفسه"، كما نبهت إلى ضرورة الانتباه من العناد، فهو ليس مفيداً وقد يزيد من التوتر في العلاقة، خصوصاً إذا كانت لدى الطرف الآخر أسباب معينة من هذا التجاهل.
بالإضافة إلى ذلك، توضح يونس أنّه يجب الانتباه إلى أن هناك شخصيات عدة، لها ردود أفعال مختلفة وكيفية الدفاع عن النفس وحماية الذات عندها متمايزة... وكلّها أمور تختلف من فرد إلى آخر.
"ليست سوى ألعاب نفسية وأساليب ملتوية لا تخدم العلاقة، بل قد تدمّرها، فبدلاً من أن تكون مصدر راحة لدى الأطراف، على العكس تماماً تصبح مصدر قلق وتوتر وعدم أمان"
من هنا تتابع غنوة يونس حديثها، قائلةً إنّه من أجل تقليل العناد، يمكن استخدام الاتصال المفتوح والصدق والتعبير عن المشاعر بشكل صريح، وأوضحت التالي: "الاستماع والتفاهم المتبادل يمكن أن يساهما في حل المشكلة، أمّا التجاهل والعناد فهما من الأساليب التي أسمّيها ألعاباً نفسيةً وغالباً ما تضرّ بالعلاقة ولا تفيدها، فإذا كان الشخص يرغب في إقامة علاقة صحية عليه الابتعاد عن التصرّفات الغامضة التي تثير الشكوك وتُشعر الأطراف بالأسى والإحباط وعدم الأمان تحديداً: "الصراحة، الثقة والوضوح والتصرّف بمسؤولية ووعي كلّها علامات تدلّ على نضوج الشخص في العلاقة والعكس صحيح".
في الختام، تؤكّد غنوة يونس، أنه يتعيّن على الفرد أن يتوقّف عن ملاحقة الحبيب/ ة إذا لم يظهر أي تحسن في العلاقة أو إذا استمر التوتر والعناد: "كما ذكرت سابقاً فهي ليست سوى ألعاب نفسية وأساليب ملتوية لا تخدم العلاقة، بل قد تدمّرها، فبدلاً من أن تكون مصدر راحة لدى الأطراف، على العكس تماماً تصبح مصدر قلق وتوتر وعدم أمان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوميناوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ يومينمبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 3 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ 4 أيامهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ 4 أيامجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...