رؤوس منحنية وأعصاب مشدودة وأصابع منملة من كثرة النقر على شاشات الهواتف الذكية؛ هذا هو حال معظم الناس في إيران في هذه الأيام، على وجه الخصوص الشباب منهم، وذلك بعدما انتشرت أخبار كثيرة ودعاية واسعة حول تعدين عملة الهامستر (HAM)، عبر الروبوتات المدعومة من تطبيق التلغرام المحظور في إيران.
الهامستر ليس الحديث الساخن في البيوت الإيرانيية وحسب، بل هو بمثابة الأمل الوحيد للكثير منهم، إذ يوجد هناك أشخاص صبّوا كل تركيزهم وخصصوا كل وقتهم لتعدين هذه العملة التي ستكون بمتناول يد الجميع، فكل ما يحتاجه المرء لتعدينها هو هاتف ذكي رخيص وبسيط، يمكن تثبيت تطبيق تلغرام عليه، وهكذا يمكنك الحصول على عملة الهامستر، التي ستُعَرَّف في ما يلي.
عملة هامستر
قام تطبيق تلغرام في الآونة الأخيرة، بتوسيع أنشطته، وذلك بهدف تحويل استعمال هذا التطبيق من مجرد تطبيق مراسلة إلى نظام تعامل شامل، حيث دفع القائمون عليه للتوجه نحو تقنية بلاكشين (blockchain)، وقاموا ببناء شبكة تون (TON)، وهذه الشبكة أعطت "تلغرام" القدرة على استضافة العملات الرقمية، وبسبب هذا الأمر أصبح من السهل الحصول على هذه العملات، إذ استطاعت تلغرام إقناع المزيد من المستخدمين في إيران والعالم باستخراج عملتهم من خلال تقديم لعبة ناتكوين (NOTCOIN)، التي أتت قبل هامستر كومبات (Hamster Combat). بحسب موقع "آفتاب نيوز"، حجم التداول المالي لناتكوين في إيران، وصل إلى 2،500 مليار تومان (نحو 42 مليون دولار)، وهو ما يعادل قيمة التداول اليومي للبورصة الإيرانية.
هامستر كومبات هي لعبة تعتمد تطبيق تلغرام منصةً للتعدين، حيث تتيح لمستخدميها، "إمكانية" ربح عملات افتراضية بمجرد النقر على شاشة الهاتف؛ العملات الرقمية التي لديها القدرة على أن تصبح في النهاية أموالاً حقيقيةً
وبعدما انتشرت لعبة "نات كوين" بشكل واسع بين الإيرانيين/ات، أُطلقت لعبة هامستر كومبات (Hamster Combat) في 25 آذار/مارس 2024، لتكون ضمن عالم ألعاب العملات المشفرة الصاخب. اجتذب المشروع الكثير من الاهتمام من قبل المهتمين بالعملات الرقمية، إذ وصل بعد 11 يوماً من إطلاقه الأولي، إلى مليون مستخدم، وظل يتزايد هذا العدد كل يوم، حتى وصل في يومنا هذا إلى أكثر من 100 مليون مستخدم، وذلك حسب مصممي لعبة هامستر كومبات.
هامستر كومبات هي لعبة تعتمد تطبيق تلغرام منصةً للتعدين، حيث تتيح لمستخدميها، "إمكانية" ربح عملات افتراضية بمجرد النقر على شاشة الهاتف؛ العملات الرقمية التي لديها القدرة على أن تصبح في النهاية أموالاً حقيقيةً، وبالطبع لن يُعرف سعر هامستر كومبات إلا بعد إدراج هذا المشروع في البورصات الرقمية.
وعلى الرغم من أن هامستر كومبات ليست سوى لعبة حالياً، إلا أن هناك "احتمالاً" لإنزالها جواً (AirDrop)، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يجمعون العملات الافتراضية داخل اللعبة من المحتمل أن يكونوا مؤهلين للحصول على إسقاط جوي خلال حدث إنشاء الرمز المميز (TGE)؛ بمعنى آخر، إذا تم إدراج المشروع في البورصات، فسيتم تحديد سعر عملة الهامستر بأي سعر يراه صانعوها مناسباً، وفي تلك الحالة سيكون من الممكن بيع العملات هذه وتحويلها إلى أموال حقيقية.
ولكن هناك أمراً واحداً مهماً للغاية يجب الانتباه إليه، وهو أن مستقبل لعبة هامستر كومبات ليس واضحاً حقاً، وليس هناك ما يضمن أنها ستتحول إلى أموال حقيقية؛ لذلك لا تُعدّ هذه المادة بمثابة تأييد أو رفض لهذه اللعبة، فهنا نتحدث فقط عن لعبة الهامستر وما أثارته من ضجة وردود فعل واسعة في المجتمع الإيراني.
انتشار سريع في إيران وردود فعل
هناك أسباب كثيرة للعدوى السريعة والواسعة لهذا الفأر في إيران، حيث المشكلات الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن الإيراني تُعدّ أهمها، وحول هذا كتبت صحيفة "اطلاعات": "وفقاً للعديد من الخبراء، فإن الألعاب مثل ناتكوين أو الهامستر، تحظى بشعبية أكبر في البلدان المتأخرة والنامية مثل إيران؛ الدول التي لا يستطيع مواطنوها كسب الدخل الكافي ليعيشوا حياةً طبيعيةً بممارسة عمل عادي أو نشاط اقتصادي حقيقي".
كما يوجد سبب رئيسي آخر، يبرر توجه شريحة واسعة من الإيرانيين/ات في الأيام الأخيرة نحو لعبة هامستر كومبات وترويجها، وحول هذا يقول عالم الاجتماع والأستاذ الجامعي الدكتور محمد رحيمي: "جزء مهم من انتشار هذه اللعبة، يتعلق بالإعلام والفضاء الافتراضي، حيث أن وسائل التواصل الاجتماعي تثير السلوك الهستيري لدى الناس، فعندما تكون أجواء هذه الوسائط مليئةً بالأخبار حول الهامستر، وسجلات جمع العملات الرقمية، والدعوات إلى الانضمام للعبة، وما إلى ذلك، تنشأ هذه العقلية لدى بعض الأشخاص الذين يقولون ’لماذا لم أركب أنا أيضاً الموجة؟’، وهذه الفكرة تجعلهم يتنافسون بشراسة، ليتفوقوا على بعضهم البعض".
وعن رغبة الناس في الحصول على المال السهل والسريع، يضيف: "هناك دائماً فئات في المجتمع تريد أن تصبح ثريةً بسهولة وبسرعة، وهذا الأمر ساهم في مشاركة الكثير من الناس في هذه الألعاب، وبطبيعة الحال، يمكن أن يكون أحد الأسباب الأخرى هو الشعور بالعجز الاجتماعي والتوزيع غير العادل للفرص الاجتماعية؛ فعندما يشعر الناس بأنه لا داعي للتقشف والمشقّة والتعليم وكسب المهارات والقدرات الخاصة لتحقيق الثروة، يبدؤون بالبحث عن طرق سهلة ومختصرة للوصول إلى أهدافهم".
هناك أسباب كثيرة للعدوى السريعة والواسعة لهذا الفأر في إيران، حيث المشكلات الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن الإيراني تُعدّ أهمها
لم يمر وقت كثير حتى علّق رجال الدين ومراجع التقليد الإيرانيين، فالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، اكتفى بالإشارة إلى أن يتوافق حكمها مع قوانين الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع هذا الموضوع، كما حثّ المرجع الديني ناصر مكارم شيرازي، على عدم تعدين واستخدام هذه العملات وذلك نظراً إلى عدم معرفة مصدرها، وعلى هذا النحو حرّم سائر مراجع التقليد ورجال الدين نوعاً ما إنتاج هذه العملات أو الترزق منها.
الهامستر والتداعيات النفسية
بعد الانتشار الهيستيري للعبة الهامستر في إيران، تكلم العديد من الأخصائيين النفسيين حول أضرارها، ومن هذا المنطلق أشار الأخصائي في علم النفس الصحي سجاد رستمي، إلى التداعيات النفسية المحتملة التي قد تطال لاعبي هذه اللعبة، كالتالي: "دعونا نقول إن اللعبة لها نتيجة جيدة، وسيربح المشاركون من خلالها أموالاً مرجوةً، فمع ذلك أيضاً سيواجه الشخص مشكلات نفسيةً عديدةً، أولها أن دماغ هؤلاء قد يصبح مدمناً على عملية متقدمة من التعود النفسي المتعلق بالقضايا المالية، وأي عطل أو مشكلة تواجهها هذه اللعبة، يمكن أن تسبب إحباطاً على المستويين الشخصي والعام في المجتمع، وستتغير مدى هذه الأزمة النفسية حسب التاريخ النفسي للشخص".
ووفقاً لهذا الأخصائي، فإن المشكلات لم تنتهِ هنا، فإذا توافرت الظروف وأصبح جمع العملات حقيقياً في المرحلة الأولى، فستكون هناك منصة اجتماعية جاهزة لتحرك أوسع نحو المزيد من الدخل، وهذا سيغير معادلات الناس الذهنية حول الكدح والعمل، ويضيف: "بغض النظر عن سياق أسباب توجه الناس إلى هذه اللعبة، وهي بالتأكيد القضايا الاقتصادية، فإن الغرق دون وعي في زوبعة تلك الألعاب، يمكن أن تكون له دوافع اجتماعية وثقافية فعالة للأشخاص على المدى الطويل".
إذا افترضنا أن مثل هذه الألعاب والأعمال ستتوفق وستنتشر بشكل أكبر في العالم، فهنا ستحلّ الكارثة على جنس البشر، حيث سيولد رويداً رويداً أُناس دون أي علم أو مهارة أو حتى موهبة، وسيحترفون كيفية النقر السريع على شاشات الهواتف، ومن الممكن أن تخلق مهناً جديدةً، على سبيل المثال "ناقر شاشات محترف بدوام جزئي أو كامل"، وستُدفع له مبالغ هائلة مقابل عمله هذا، وذلك من دون أن يتعلم شيئاً لا في المدارس ولا في الحياة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...