شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
هل تؤثر الحروب على مسارات هجرة الطيور؟

هل تؤثر الحروب على مسارات هجرة الطيور؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 9 يونيو 202405:30 م
ينشغل أحمد حسن، وهو خبير بيئي يهتم بمراقبة هجرة الطيور، بتغير سلوك هذه الكائنات ومسارات هجرتها في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع اشتعال الحروب والتوترات، خاصة في منطقة البحر الأحمر التي تعتبر من أهم مسارات هجرة الطيور عالمياً.

"الطيور المهاجرة هي بمثابة كنز وقيمة بيئية كبيرة، نسعى للحفاظ عليها من خلال ضمان مسارات آمنة تعبر من خلالها ضمن أسراب، لكن مع اندلاع الحروب في العديد من الدول في الفترة الأخيرة وتغير البيئة المحيطة بمسارات الطيور، فقد يؤثر ذلك على نجاح الهجرة"، يقول الخبير في حديثه لرصيف22، موضحاً أن الطيور تهاجر خلال فصلَي الربيع والخريف بشكل أساسي، وهي الفترة التي ترصد خلالها حركتها بهدف معرفة تغير سلوكها ومساراتها.

تدور الطيور الحوامة ذات الأحجام الكبرى مثل حوام العسل وحوام السهول والصقور والبواشق والعقبان عبر حافة ضيقة يُطلق عليها "عنق الزجاجة أو النطة"، تقطع من خلالها مسافة كبيرة لتخرج من قارتَي أوروبا وآسيا إلى إفريقيا عبر مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر وخليج السويس، ويعد هذا المسار الأهم عالمياً أثناء هجرة الطيور، بحسب ما يوضح حسن.

تجبر النزاعات الطيور الحوامة على تغيير مسارها بعيداً عن البيئة المضطربة.

وتشهد المنطقة نزاعات مسلحة غير مسبوقة، كالحرب الإسرائيلية على غزة، إلى جانب توتر الوضع في البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين على السفن، والتطورات في لبنان وسوريا، وكذلك النزاع في السودان. ويتوقع المراقب أن هذا سيجبر الطيور الحوامة على تغيير مسارها بعيداً عن البيئة المضطربة إلى أن تصل إلى خليج السويس أي المسار الآمن، كما يتخوف أن تزداد العملية تعقيداً في حال توسع بؤر الحرب.

وكي نستدل على أثر الحروب على الطيور، فإن دراسة نُشرت في دورية "science direct" حول "الأضرار التي لحقت بالطيور في أعقاب حرب الخليج 1991"، أشارت إلى التلوث النفطي غير المسبوق حينها أثر على الطيور على طول ساحل الخليج، وأدى إلى نفوق أعداد كبيرة منها، إذ إن هذا الساحل يعتبر منطقة تغذية وإعادة تزويد ذات أهمية عالمية لمجموعات الطيور المهاجرة.

الهرب وقت الخطر

ومن أحد مواقع مراقبة الطيور بمدينة رأس غارب التابعة لمحافظة البحر الأحمر بمصر، التي يمكث فيها عمر رفيع لضمان مسار آمن أثناء الهجرة، يؤكد بأن أي اضطراب في البيئة ومحيط المسارات سيجعل عملية الهجرة غير مستقرة، وسيؤثر على سلوك الطيور الحوامة، فبدلاً من مكوث الطائر في موقع ما بخريطة مساره أسبوعاً، قد لا يمكث يوماً واحداً وقت الاضطرابات، وقد يتعرض لخطر كبير إثر الحروب، يصل إلى حد الموت.

"الطير أو الفرخ يعلم جيداً مسار هجرته والمحطات ضمنه، ويختار المواقع الآمنة التي تُعدّ بمثابة استراحة له ويتوافر فيها الماء والغذاء، وإن لم يجدها فحتماً سيغادر وسيحاول الهرب في حال شعوره بالخطر"، بحسب مراقب الطيور.

ويتابع رفيع لرصيف22: "في هذا الموسم من هجرة الربيع، رصدنا طائرين لأول مرة يمران من مسار رأس غارب في البحر الأحمر، وهذا يشير إلى تغير ما حدث بالفعل في هجرة الأسراب".

أثناء مراقبة مسارات هجرة الطيور فوق مصر

تغيرات في النظام البيئي

في هذ السياق، يقول الدكتور عاطف محمد كامل، عضو اللجنة العلمية والإدارية لاتفاقية سايتس (اتفاقية التجارة الدولية بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض)، والأمين العام المساعد للحياة البرية في الاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية في جامعة الدول العربية، إن الطيور لها مسارات تبدأ من القطب الشمالي وتنتهي في الجنوب الأفريقي، ويوضح أن الطيور تتبع التيار الكهرومغناطيسي الذي يكون مرشدها لمعرفة مسارها من خلال قائد يتقدم السرب.

ويضيف لرصيف22: "الحروب المتتالية لها آثار سلبية على الطيور المهاجرة، جراء استخدام الأسلحة النارية التي تتسبب في وفاة تلك الطيور، كما أن استنشاق الطيور لدخان المواد الكيميائية السامة المتصاعدة من مقذوفات أسلحة الحرب يتسبب في مقتلها".

ويشير أيضاً إلى أن الحرب لها تأثير سلبي على الأعشاش، فمثلاً في الخرطوم حيث تتمركز الطيور المهاجرة، لن تتمكن من بناء أعشاشها بسبب التلوث، مما يحدّ من قدرتها على إنتاج البيض من ناحية، وحماية مساكنها المؤقتة من ناحية أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص أعدادها بشكل كبير، ويُحدث تغيراً في النظام البيئي على المدى البعيد.

ويقول كامل بأن عدداً غير قليل من الطيور تموت اليوم قبل العودة لموطنها، نتيجة تجنبها الاقتراب من الأصوات المدوية الناجمة عن الحروب، وعندما تستشعر الخطر من بعيد تغير مسار رحلتها، لكن خطورة ذلك في ابتعادها عن مسارها الآمن، بالتالي تفقد مصادر أساسية كالرياح والغذاء والماء، مما يقلل من فرص وصولها بأمان.

أثناء مراقبة مسارات هجرة الطيور فوق مصر

ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة في شباط/فبراير الفائت إلى أن "نحو 44% من الأنواع البرية المهاجرة حول العالم ومن ضمنها الطيور تشهد انخفاضاً في أعدادها نتيجة عوامل مختلفة".

تهديد بالانقراض

أكبر خطر يهدد الطيور هو تدمير بيئتها الطبيعية، مع قطع الأشجار وحرقها وجفاف المستنقعات، وكل هذا من الممكن أن ينجم عن الحروب، بحسب ما يوضح الدكتور عادل محمد سليمان، مساعد مدير المشروع الإقليمي لصون الطيور الحوامة في مصر، وخبير الإدارة البيئية والتنوع البيولوجي، لرصيف22.

ويهدف المشروع إلى دمج صون الطيور المهاجرة بالقطاعات التنموية على طول ساحل البحر الأحمر والأخدود الأفريقي الأعظم، مثل الصيد والكهرباء والطاقة والزراعة وإدارة المخلفات، مع تشجيع أنشطة القطاعات التي يمكن أن تستفيد من هذه الطيور من خلال السياحة البيئية.

وترجع أهمية المشروع التابع لوزارة البيئة المصرية وفق سليمان، إلى تطبيق مفهوم مبتكر وفعال يسمى "الدمج المزدوج"، والذي يسعى إلى دمج صون الطيور الحوامة المهاجرة بالسياسات والإستراتيجيات الوطنية الحالية، وأيضاً تلك الخاصة بالجهات المانحة، بما يهدف في النهاية إلى ضمان هجرة آمنة للطيور.

ويضيف بأن الطيور لا تستطيع التكيف مع بيئات أخرى، ولا يبقى لها مأوى ما يهددها بالانقراض، وعليه تلعب جهود الحفظ دوراً حاسماً في حماية الأنواع النادرة على طول مسارات الهجرة المهددة بالحروب.

تؤثر الحروب على عملية هجرة الطيور بصورة واضحة مما يجعلها تتجنب المرور في المناطق الخطيرة التي تعد تهديداً لها، إذ أن الطيور المهاجرة تستشعر قوة القذائف والأسلحة التي تغير مسار الكتلة الهوائية في الجو، فتضطرب حركتها ومسارها

ليست الحروب فقط هي التي تهدد الهجرة، إذ يؤكد سليمان بأن الإنسان أيضاً يهدد أعداداً كبيرة من الطيور عن طريق الصيد الجائر والمخالف، كما أن بعض الطيور تموت جراء التسمم بالمبيدات الحشرية أو الاصطدام بأسلاك كهرباء الضغط العالي، وكثيراً ما تتضرر نتيجة التلوث البترولي، إذ يلتصق زيت البترول بأجسامها أثناء سباحتها، فلا تستطيع الطيران أو السباحة وتموت جوعاً.

وحقق مشروع صون الطيور الحوامة نتائج إيجابية، من أبرزها العمل على تطوير برامج الرصد الخاص بالطيور المهاجرة، خاصة في المواقع المعرضة للخطر، واتخاذ تدابير ميدانية للحفاظ على مواقع التوقف المهمة للطيور أثناء هجرتها، والأراضي الرطبة ذات الأهمية الكبيرة لها، وفق حديث الخبير.

ويضيف حول ضرورة زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على الطيور المهاجرة، خاصة ضمن القطاعات التنموية وبين متخذي القرار والمجتمعات المحلية، إلى جانب سن قوانين بيئية فعالة وتنفيذها بصرامة لمكافحة التهديدات الرئيسية لأنواع الطيور المختلفة، على أن يكون ذلك في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية صون الأنواع المهاجرة.

أثناء مراقبة مسارات هجرة الطيور فوق مصر

خلل الإستراتيجية البيئية

تؤثر الحروب على عملية هجرة الطيور بصورة واضحة مما يجعلها تتجنب المرور في المناطق الخطيرة التي تعد تهديداً لها، إذ أن الطيور المهاجرة تستشعر قوة القذائف والأسلحة التي تغير مسار الكتلة الهوائية في الجو، فتضطرب حركتها ومسارها الأمر الذي يهدد سلالاتها وأنواعها. هكذا يحذر الدكتور دوميط كامل، رئيس "حزب البيئة العالمي" في لبنان، من تداعيات الحروب على هجرة الطيور في حديثه لرصيف22.

ويتابع: "هجرة الطيور هي عملية دقيقة للغاية، فهي تنتقل عبر أوقات محددة في كل عام وكل شهر، وتمر بمسارات ومواقع معينة، فهناك طيور تنتقل من أوروبا إلى أفريقيا عبر دول غرب المتوسط بداية من منتصف تشرين الأول/أكتوبر، وتنتقل لتمضي فترة الشتاء في إفريقيا باحثة عن طقس وبيئة ملائمة".

عدد غير قليل من الطيور تموت اليوم قبل العودة لموطنها، نتيجة تجنبها الاقتراب من الأصوات المدوية الناجمة عن الحروب، وعندما تستشعر الخطر من بعيد تغير مسار رحلتها، لكن خطورة ذلك في ابتعادها عن مسارها الآمن، بالتالي تفقد مصادر أساسية كالرياح والغذاء والماء

ويوضح أن الطيور تتأثر بمعيارين، وهما الحركة المغناطيسية للكوكب والتلوث، وفي حال اندلاع الحروب واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، فإن هذا يشكل تهديداً كبيراً على الطيور وخاصةً الحوامة منها بسبب تغير استراتيجيتها البيئية، وبحسب كامل فإن الحوامات تستشعر الذرات الموجودة في الجو وتتفادى المرور بهذا الموقع من خلال قطع المسافات على ارتفاعات أكبر دون وجود بيئة مستقرة، فضلاً عن تلوث نظام الماء والهواء ما يعرضها لخطر كبير.

خسرنا عشرات الأنواع من سلالات الطيور المهاجرة خلال الأعوام المئة الأخيرة، وأصبحت لدينا أعداد هائلة من الطيور تندرج تحت الأنواع النادرة التي تحتاج إلى خطة حماية عالمية، مثل طائر الحسون وطائر الدردور الأصفر، بالرغم من تجاوز أعدادها المليارات في دول شرق المتوسط في نهاية القرن الماضي، ما يُعتبَر خللاً بيئياً بالغ الخطورة، يستدعي التدخل العاجل لتفاديه قدر الإمكان.

من مراقبة مسارات هجرة الطيور فوق مصر


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image