"لستُ مدخّنة ولا أشرب الكحول، وطبيبي نصحني بالجنس والسفر لصحّة قلبي، وللحقيقة لم أتوقع هذه النتيجة"، هذا ما تقوله نوال الهاشم، وهي المرأة النشيطة والرياضية، بأسلوب فكاهي، متحدّثة عن كيف تمكنت من التغلّب على عوارض القلب الفُجائية التي أصابتها، دون تناول حبّة دواء ولا جراحة، وإنّما بطريقة سحرية لا تخطر على بال أحد.
هل سمعتم/نّ من قبل بـ "أمراض القلب النفسية" وسُبل علاجها؟
السعادة والعيش مدة أطول
نسمع يومياً خبر وفاة شخص نتيجة أزمة قلبية معيّنة، إلّا أنّه وفق الدراسات العلمية الأخيرة، تبيّن أن السبب الرئيسي في تباطؤ عمل القلب أو توقفه بالكامل، يرتبط مباشرة بالصحة النفسية ومستوى سعادة الإنسان وراحته، أيّ بقدر ما تكونون سعداء، تعيشون مدة أطول دون أيّ مشاكل صحيّة، أمّا إذا كنتم من سكان الشرق الأوسط، فاحذروا التوتر والإرهاق، وحاولوا الاستمتاع بالحياة، حسب نصائح الخبراء.
"لستُ مدخّنة ولا أشرب الكحول، وطبيبي نصحني بالجنس والسفر لصحّة قلبي، وللحقيقة لم أتوقع هذه النتيجة"
عاشت نوال نحو 8 سنوات في هولندا، حيث تابعت دراساتها العليا، قبل أن تعود إلى لبنان عام 2018، لتعمل في إحدى شركات الهندسة الشهيرة في بيروت. طوال مدة غيابها تحوّلت السيّدة الأربعينيّة إلى امرأة متحرّرة، لا يستهويها رجل، ولا تحبّ جلسات "القهوة والدخان"، وتُفضّل الابتعاد عن المأكولات الدسمة حفاظاً على رشاقتها.
وعليه، من البديهي ألّا تعاني نوال من أيّة مشكلة في قلبها ما دامت متيقظّة إلى هذا الحد وتقوم بفحوصاتها الدورية، إلّا أن ما حصل معها لم يكن في الحسبان بتاتاً.
في إحدى الليالي استيقظت نوال على صوت دقات قلبها السريعة دون سابق إنذار، وأصبحت تعاني من مشاكل في النوم، مروراً بالتفكير الزائد، وأخيراً انقطاع الشهيّة.
شعرت أنها بحالة صحيّة غير جيّدة، فقصدت الجامعة الأميركية في بيروت، حيث أجرت فحوصاتها وتخطيط قلب مفصّلاً لتعرف ما بها. وعندما صدرت النتائج، قال لها الطبيب والسيجارة في يده ضاحكاً: "أنتِ بتدخّني؟"، فأجابته "لا"، ثم سألها: "ولا بتسهري؟ أو بتضهري؟ أو مصاحبة؟"، فضحكت قائلةً: "إنتوا بتعملوا وجعة راس، بلاكن أحسن".
حدّق الطبيب بها لدقيقتين، ثمّ أمسك التحاليل ومزقها وقال لها حرفياً، وفق روايتها: "روحي اضهري واسهري وسافري وصاحبي عمسؤوليتي. مشكلتك مش بالجسد، أنت مريضة تفكير وأسيرة مشاكل ما بتخلص ولا رح تخلص. انسي وضع البلد. ما تفكري بأهلك بالبيت. ما تعتلي هم بكرا. استفيدي من اليوم وريّحي ذهنك، لأن قلبك بلّش يعطي إنذار ويطفح الكيل معو... اسمعي شو بدو قلبك".
خرجت نوال متعجبة من غرفة التشخيص، فكيف لطبيب أن يقول هذه الكلمات؟ وبعد فترة عادت النوبة لتتكرّر معها. فقرّرت أخذ استراحة قصيرة والسفر إلى إسبانيا، حيث تعرّفت هناك على أرمل خمسينيّ وبدأت علاقتهما.
تقول نوال لرصيف22: "لم أفكّر ولو للحظة واحدة بأن جسدي بحاجة إلى إقامة علاقة جنسيّة مع رجل. حتّى إني كنت أضحك على صديقاتي عند حديثهنّ حول هذه الأمور. فالحياة فيها ما يكفي من الهموم والأعمال التي كانت برأيي أهمّ من الانشغال بأمور العشق والجنس. ولكنني منذ تلك العطلة التي لن أنساها طوال حياتي، لم أعان من نوباتي المعتادة، لا بل أصبحت بحالة أفضل وأستعد لزفافي في شهر سبتمبر/أيلول المقبل".
وتضيف: "والله طلع معه حقّ الدكتور، نفعني الجنون هالمرّة".
فوائد كثيرة
في حديثها مع رصيف22، توضح الاختصاصية في علم الصحة الجنسية والإنجابية، الدكتورة كارولين عثمان، أن "الدراسات الطبيّة الأخيرة أكّدت ارتباط صحة القلب النفسية بالإحساس بالأمان والسعادة الناجمين عن العلاقة الجنسيّة، حيث يتمّ فرز هرمون الأكسيتوسين المعروف باسم هرمون الحبّ، المسؤول عن معالجة مشاكل الاكتئاب والقلق وقلّة الثقة بالنفس أيضاً، وبالتالي يمدّ الإنسان عموماً بقدرة تحمّل وهدوء كبيرة تجعله يشعر بالراحة حتّى في أوقات الأزمات والمشاكل، حتّى إن مادة الدوبامين التي يفرزها الجسم عند الجماع قادرة على تعديل جهد القلب ودقاّته وضخّ الدم بصورة طبيعيّة إلى القلب، ما يُحسّن من عمله".
وتتابع بالقول: "إن العلاقة الحميمة من شأنها خفض نسبة الكولسترول في الجسم، إذ تساعد على حرق الدهون، وتحسّن من مناعة الحبيبَين، ناهيك عن الفوائد الاجتماعية والعاطفية لها، بحيث تساعد على التقارب من بعضهما والحفاظ على علاقتهما".
أمّا بالنسبة للسيّدات، تكشف الدكتورة عثمان أن "ممارسة الجنس 3 مرات على الأقل أسبوعياً تساعدهن بالحفاظ على شبابهن ونضارة وجوههنّ، إذْ تظهر السيّدة أقل بعشر سنوات على الأقل من عمرها الحقيقيّ، نتيجة تدفق الدم الزائد في الأوعية الدموية بعد الجماع".
"إن العلاقة الحميمة من شأنها خفض نسبة الكولسترول في الجسم، إذ تساعد على حرق الدهون، وتحسّن من مناعة الحبيبَين، ناهيك عن الفوائد الاجتماعية والعاطفية لها، بحيث تساعد على التقارب من بعضهما والحفاظ على علاقتهما"
وفقاً لدراسة أعدّها مركز جونز هوبكنز الأميركي السنة الماضية، يتبيّن أن الأشخاص الذين يعانون من التوتر، القلق والتفكير المستمرّ، أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والخرف المبكر أو فقدان الذاكرة الجزئي، وذلك بسبب إرهاق عقلهم وخلاياهم الذهنية بصورة مستمرّة، ما يؤدّي إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول وتراكم الكالسيوم في الشرايين، وبالتالي ارتفاع ضغط الدم والإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية.
بالمقابل، يرى الباحث الأميركي كريس بالمير، في أحدث دراسة له على موقع الجمعية الأميركية للعلم النفسيّ، أنّ "السوشيال ميديا اليوم تلعب دوراً كبيراً في إرهاق الأشخاص وإصابتهم بالاكتئاب، خصوصاً خلال فترة المراهقة، وهذا ما يُفسّر إصابة المراهقين والمراهقات بعوارض قلبية مفاجئة أو متقطّعة".
بالنسبة للاختصاصية في علم النفس، باتريسيا ضو، فإن "بلدان الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، شهدت ارتفاعاً غير مسبوق بالإصابات المرتبطة بالمشاكل القلبية. في لبنان وحده، ارتفعت الأرقام لتتخطّى المئة في المئة، فيما في سوريا تضاعفت الأرقام 170% وفي مصر تقريباً 85% وفي الأردن نحو 50%".
وتضيف ضو لرصيف22: "وإن كانت تدل هذه الأرقام على شيء، فحتماً تشرح واقع هذه البلدان المنكوبة اقتصادياً وتراجع قدرة المواطنين/ات الشرائية فيها، ما يُكبّدهم المزيد من الهموم والقلق، خصوصاً في داخل العائلات المكوّنة من 4 أشخاص أو أكثر".
للانفتاح الجندري والرغبة في تحطيم الصور النمطية دور أساسي هنا، وهذا يتجلّى في بعض المجتمعات التي تسمح بعمل المرأة وتؤمن بقدراتها على الإنتاج، ما يجعلها قادرة على مساعدة ذويّها، وبالتالي يؤمّن مصدر دخل إضافياً داخل العائلة، ما يُقلّل التوتر والتفكير المستمرّ بالأوضاع التي تُشكّل ضغطاً نفسياً بالنسبة لكبار السنّ أو لمرضى الأمراض المزمنة أيضاً، بحسب قول باتريسيا.
للأسف، هذا المنطق ليس سائداً في كلّ مجتمعاتنا العربية، في حين لا يزال بعضها يحدّ من عمل النساء في المنازل، واقتصار دورهن على الإنجاب دون أن يكون لهنَّ أيّ دور اجتماعي أو اقتصادي، وتفرض مسؤوليات إضافية على الرجل تفوق طاقته، خصوصاً في فترات الأزمات والحروب التي نعيشها.
كلّ شخص منا يبحث عن الحبّ والطمأنينة في حياته، فسواء أردنا ذلك أم لا، لم تعد أمراضنا وليدة التلوّث البيئي أو انتشار الأوبئة أو تسمّم الطعام، ولا حتّى خلل في الهرمونات، المسألة صارت نفسيّة أكثر مما هي جسديّة، وبقدر ما قلبنا ينبض بالهموم والمشاكل اليومية، بقدر ما يُستهلك قبل أوانه ويتوقف دون سابق إنذار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين