شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
هل يمتلك القلب نظام ذكاء خاصاً به أم أنه مضخة دم فقط؟

هل يمتلك القلب نظام ذكاء خاصاً به أم أنه مضخة دم فقط؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 25 أغسطس 201607:27 م

لا يخلو أدب من آداب العالم من أبيات شعر أو قصص تروي حكايات القلب الذي أحب أو كره، أو القلب الذي "أحس" بقدوم الحبيب أو "انقبض" قبيل واقعة شؤم نزلت بصاحبه. علماً أن تعبيرات كهذه تسللت إلى لغتنا اليومية منذ زمن بعيد فرحنا نستعملها من دون أن نفكّر في ما قد تعنيه حقيقةً.

في مطلع العصر الحديث في أوروبا، كانت النظرة الميكانيكية للجسد البشري، باعتباره آلة تؤدي مجموعة من الوظائف الحيوية، تسيطر على العلم، ومن ثم على مدارس الفكر والفلسفة الغربية. وراح يُنظر إلى القلب على أنه مجرد مضخة للدم واختزلت مهمته في تدوير السائل الأحمر داخل الجسد، وباتت كل مقولات الأدب تعتبر خيالات شعراء وأحلام أدباء. لكن العقود الأخيرة من القرن العشرين جاءت بجديد علمي فتح أبواب التساؤل مرة أخرى حول أدوار أخرى ربما يقوم بها القلب.

قلب شاب يغيّر امرأة

كانت البداية عندما أشارت تقارير إلى تجارب لافتة مرّ بها بعض المرضى الذين زُرع قلب جديد لهم. كلير سيلفيا هي أول حالة ناجحة. ففي عام 1988 زرع في جسدها قلب ورئتان نُقلتا إليها من شاب توفى حديثاً.

وبعد أيام من تعافيها، التقاها صحافيون وسألها أحدهم عمّا تتمناه بعد أن منحتها الجراحة حياة جديدة. فكانت إجابة كلير مفاجئة حتى لها، كما حكت في ما بعد. قالت إنها تتمنى أن تشرب زجاجة من الجعة (البيرة)، برغم أنها لم تكن تشربها مطلقاً قبل الجراحة.

ثم توالت التغيرات التي طرأت على كلير وطالت عاداتها الغذائية. لا بل تغيّرت طريقتها في الكتابة وصار "خط يدها" مختلفاً. وحتى حياتها الجنسية وميلها إلى الرجال تأثرا، وهذا ما دفعها إلى التساؤل عمّا إذا كان قلبها الجديد قد منحها "شخصية" جديدة.

في كتابها "قلبٌ تغير" A Change of a Heart الذي طبع لأول مرة عام 1997 ولا يزال يباع حتى اليوم، روت كلير كيف استطاعت أن تحدس اسم الشخص الذي منحها قلبه كاملاً برغم أن القانون يمنع الكشف عن شخصيته حتى للأطباء الذين قاموا بزراعة الأعضاء. وقد تأكدت من حدسها، برغم رفض المستشفى القاطع إطلاعها على معلومات تخص الموضوع، وذلك عندما استطاعت الوصول، بعد رحلة من البحث، إلى أهل الشاب "تيم لاميريندا" الذي منحها قلبه بعد وفاته في حادث سير. واكتشفت أيضاً أن الجعة كانت مشروبه المفضل وأن معظم الأطعمة التي اشتهتها بعد الجراحة كانت تلك الأثيرة لديه.

هل ما جرى مع كلير صدفة؟

من السهل أن يتم نسب ما جرى مع كلير إلى الصدفة أو عزوه إلى تأثيرات ما بعد الجراحة كما تعتقد بالفعل مجموعة من الجراحين والأطباء، من بينهم جراح القلب المصري "سير" مجدي يعقوب، كما صرّح للقناة الرابعة في التلفزيون البريطاني في وثائقي أنتجته القناة عام 2008.

لكن في المقابل، اعتقدت مجموعة من العلماء في مستشفى جامعة فيينا أن تكرار تلك الظواهر يجعل من الصعب التسليم بعشوائيتها. عام 1992، قدّمت المجموعة ورقة بحثية بعنوان "هل تغيير القلب يغيّر الشخصية؟" نشرها المركز القومي الأمريكي لمعلومات البيوتكنولوجي NCBI. وبالرغم من أن الورقة لم تخلص إلى نتيجة مؤكدة ولم ترجح أياً من الاحتمالات، فلم تستبعد وجود نوع من الذاكرة الخاصة في القلب تكون ربما مسؤولة عن نقل بعض المعلومات من صاحب القلب السابق إلى سيده الجديد.

وهذا تماماً ما يتحدث عنه ج. أندرو آرمور J. Andrew Armour، أخصائي الأعصاب الكندي الذي شارك في أبحاث في معهد Heart Math الأمريكي، حاولت التحقق من وجود خلايا عصبية داخل القلب أو مرتبطة به. ويقول د. آرمور إنه اكتشف أن القلب يمتلك نظاماً عصبياً خاصاً به يكوّن ما سماه "عقل القلب" وكتب وصفاً كاملاً لهذا النظام في بحث نشره المعهد.

ومن أهم التجارب التي أجراها المعهد، تجربة عرض صور إيجابية وسلبية بشكل عشوائي على عينة من المتطوعين، ثم تسجيل ردة فعل كل من القلب والمخ على حدة. وبحسب د. رولين ماكراتي Rollin McCraty الباحث في المعهد، وواحد من مؤسسيه، فإن كلاً من العضوين تصرف بشكل مستقل تجاه الصور. وكان رد فعل القلب يسبق دائماً المخ، ما يؤكد وجود "ذكاء" خاص بالقلب من المحتمل أن يكون، بعكس تصوراتنا، هو من يقود المخ إلى التعرف إلى العالم من حولنا.

ويحكي د. بول بيرسال Paul Pearsall الذي كان أستاذاً في جامعة هنولولو (توفي عام 2007)، في كتابه الشهير "شيفرة القلب" The Heart's Code كيف عاين بنفسه عدداً من مرضاه، الذين تغيرت جوانب من شخصياتهم بشكل مفاجئ، بعد "تركيب" قلوب جديدة لهم، وكيف أن الصفات الجديدة التي اكتسبوها تعود في غالبيتها إلى أولئك الذين منحوا قلوبهم.

وهناك واحدة من أغرب الحالات التي استعرضها، وهي تلك التي تعود إلى رجل تخطى الخمسين من العمر، وكان قبل زراعة قلب جديد له ضعيفاً في الصياغات اللغوية، ويرتكب الكثير من الأخطاء الإملائية حين يكتب، ولم يكتب نصاً أدبياً واحداً في حياته، لكنه بدأ فجأة بعد الجراحة بكتابة الشعر بتدفق ومهارة لغوية رفيعة. وكان مانح القلب الذي زُرع في جسده مهتماً بالأدب ويقرأ الكثير من الأشعار.

لم يثبت بعد بشكل قاطع أن القلب هو القائد الحقيقي للجسم البشري، إلا أنه بعد العديد من التجارب والظواهر والأوراق العلمية، التي ترجح وجود نظام ذكي داخل القلب أو ملحق به، يبدو من الصعب أيضاً القطع بأن "حديث القلوب" ليس إلا مجازاً في اللغة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image