شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أن تفقد حبيباً ليس آخر المطاف... حكايات مع أصحاب

أن تفقد حبيباً ليس آخر المطاف... حكايات مع أصحاب "متلازمة القلب المنكسر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 6 ديسمبر 202004:46 م

بمجرد أن جاء له خبر فقدان زوجته، عشرة العمر، ورفيقة الدرب، في حادث سير، ومع شروق ثاني يوم لوفاتها، جاءت ابنته لغرفته لتحاول إيقاظ الأب، لتكتشف وفاته هو الآخر. اسودت الدنيا في عينيها فجأة، وأصبحت لا تشم إلا رائحة الموت، تخرج من جدران الغرفة، لتسيطر عليها، وتكتم أنفاسها، وتسقط مغشياً عليها.

فقدت سعاد محمد (31 عاماً)، تسكن في محافظة أسوان، والدها (63 عاماً) ووالدتها (53 عاماً) في ذات الأسبوع، ولم تكن تتخيل أنها هي من تستقبل فاجعة موت الأب، وكان تشخيص حالة الأب من قبل الأطباء، وفقاً لسعاد، نتيجة "متلازمة القلب المنكسر".

"مات أبي بلا شكوى"

قالت سعاد لرصيف22: "الكلام كان غريباً عليّ. كيف يتوفى والدي بهذه المتلازمة على الرغم من عدم شكواه نهائياً من قلبه، وأدركت فيما بعد أن ما كان يشعر به قبل وفاته وعقب سماع وفاة والدتي لم يكن من فراغ، فكان يشعر بخفقان في القلب، صعوبة في التنفس وآلام حادة في الصدر، انتهى الأمر معه، حسب حديث الأطباء، بخلل في تدفق الدم للقلب".

وفقاً لموقع news-medical يُسمّى هذا المرض بمتلازمة القلب المنكسر أو اعتلال عضلة القلب المعروف بـ "تاكوتسوبو"، وهو مرض ناتج عن الإجهاد ويتميز باضطراب وظيفي حاد وخطير في عضلة القلب، وعادة ما ينجم عن حالة ضغوط نفسية وعاطفية شديدة. إذا تم اكتشافه في مرحلة مبكرة وتم علاجه بشكل صحيح، يكون التشخيص مناسباً بشكل عام لمعظم المرضى، ومع ذلك يمكن أن تؤدي المرحلة الحادة من المرض إلى تطورات معقدة، وحتى مهددة للحياة.

"ماتت أمي، وبعد مرور يوم توفي والدي، لم أكن أدرك أن حبهما وصل لهذا الحد، ولم أكن أعرف أن هناك متلازمة تُسمى القلب المنكسر"

وأضافت سعاد: "والدتي ووالدي كانا مرتبطين للغاية، فعشرة السنين بينهما جعلت لكل منهما ارتباطاً وثيقاً بالآخرـ فلدينا في عائلتنا الصغيرة طقوس مثل عدم تناول الطعام إلا في حضور والدي عندما يدخل المنزل من عمله، مشاعر الاحترام المتبادلة من والدي لوالدتي والعكس، على سبيل المثال، كان لا يبدأ بتناول الطعام إلا إذا بدأت هي، حتى عندما تزوجت وانتقلت لمنزلي احتفظت بهذه العادات، وكان والدي مثلاً أعلى لي، واتبعت طرق والدتي في الحفاظ على ترابط الأسرة، خاصة الحفاظ على وجبة الغداء المقدسة لنا جميعاً، كأب وأم وأخ أصغر منى بعامين".

تابعت سعاد لرصيف22: "أذكر عندما تعرض والدي لحادثة ما خلال سيره في الطريق، وكانت حينها بسيطة، كان لأمي شعور بها، وهي من جعلتنا نتصل بوالدي في هذا التوقيت، واكتشفنا الحادثة التي تعرض لها. لم أكن أدرك أن حبهما وصل لهذا الحد، وأن هناك متلازمة تُسمى القلب المنكسر".

"لم أكن أدرك أن حبهما وصل لهذا الحد، وأن هناك متلازمة تُسمى القلب المنكسر".

لم تختلف كثيراً حكاية الحاجة إلهام (60 عاماً) وابنها محمد (34 عاماً)، فقد توفي الابن عقب دخول والدته للمستشفى بعد إصابتها بفيروس كورونا، وتم تصنيف الحالة للحرجة، ولكن في مشهد مؤلم، بعد تحسن حالتها وفور علمها بوفاة ابنها بيوم واحد توفت هي الأخرى، ولم يكن كورونا السبب حينها في الوفاة لشفائها منه، ولكن كان التشخيص متلازمة القلب المنكسر.

قال أشرف (35 عاماً)، وهو الأخ الوحيد لمحمد، إن الأم دخلت للمستشفى فور علمها بإيجابية المسحة بالفيروس المستجد: "وبالفعل كانت حالتها حرجة، ثم تحول الأمر وأصبحت حالتها مستقرة، ولكن ما إن علم أخوه الأصغر بحالتها حتى توفى على الفور لحزنه الشديد عليها وللترابط الشديد بينهما، مقارنة بي منذ صغره، ولكن مع تحسن حالتها عقب وفاته بأيام ثم تماثلها للشفاء وعلمها بوفاته، وبسبب حزنها الشديد وصدمتها، توفت هي الأخرى، وكانت صدمة بالنسبة لي بالتأكيد".

أوضحت دراسة حديثة تم نشرها عبر موقع "فوكس نيوز" أن متلازمة القلب المنكسر زادت خلال جائحة فيروس كورونا، حيث تشير نتائج الباحثين إلى أن الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بوباء COVID-19 هي الأسباب الكامنة وراء الزيادة.

"أصيبت والدتي بكورونا، وبعد نقلها للمستشفى توفي أخي الصغير، ثم تعافت أمي، وعرفت بوفاة ابنها، بعدها بيوم ماتت، ولكن كان تشخيص حالتها، الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر"

أجريت الدراسة من قبل باحثين في مستشفيين تابعين لكليفلاند كلينيك بولاية أوهايو، وفحصت 1914 مريضاً من خمس فترات مختلفة، مدتها شهرين، تم إدخال 250 منهم إلى المستشفى في آذار/مارس و نيسان/ أبريل، من الذين أصيبوا بمتلازمة الشريان التاجي الحادة، قارنوا هؤلاء المرضى بآخرين أظهروا مشاكل مماثلة عبر أربعة جداول زمنية خلال العامين الماضيين.

ووجدت الدراسة أن معدل الإصابة باعتلال عضلة القلب أو متلازمة القلب المنكسر، زاد بنسبة 7.8% خلال ذروة الوباء الأولية، مقارنة بحالات ما قبل الجائحة التي تراوحت بين 1.5% و1.8%.

واكتشف علماء يابانيون لأول مرة متلازمة القلب المنكسر في عام 1990، في حين أن أسباب الحالة ليست مفهومة تماماً بعد. يعتقد أطباء أن رد فعل الشخص تجاه الأحداث المجهدة غير المتوقعة يمكن أن يتسبب في إطلاق هرمونات التوتر التي تقلل مؤقتاً من قدرة القلب على الضخّ.

"لم تمت صديقة عمري"

تحكي منى (50 عاماً) لرصيف22: "وفاة صديقة العمر بالنسبة لي كانت فترة فارقة في حياتي، خاصة وأنها توفت فجأة نتيجة سكتة قلبية. الخبر جعلني أمكث صامتة لبعض الوقت إلى أن أصابني نوع من الخوف والبرد الشديد وشعور قوي بالوحدة المفاجئة، ومن ثم أعراض متلازمة القلب المنكسر، حيث فيما بعد تم تشخيصي بهذا من قبل الأطباء".

وتضيف منى: "لم نكن أنا وصديقتي كأي أصدقاء، بل نحن عشرة عمر منذ أن كنا في المدرسة سوياً، والنادي وكافة الأنشطة نقيمها مع بعضنا البعض، حتى أننا حرصنا على عدم انقطاع الصلة عقب تكوين كل منا حياته من أسرة وأولاد".

وبصوت حزين تكمل: "حتى جاء موعد القدر بالنسبة لها، وأصر الموت على الفراق بيننا، ولكن على الرغم من ذلك، هي لازالت حية بين أولادها وفي قلوبنا جميعاً".

وعلق الدكتور محمد مهدي، أستاذ الطب النفسي، أن الصدمة تدفع الجسم لإفراز هرمون الأدرينالين وهرمونات التوتر، كما أن الوحدة المفاجئة لها دور كبير في التعرض لمتلازمة القلب المنكسر، فيتعرض المريض لخفقان في القلب وعدم القدرة على التنفس، ومن ثم عليه بالتوجه لأقرب طبيب لمعالجة الأمر قبل فوات الأوان.

"الموت المفاجئ لأحد الزوجين يزيد من احتمالية الموت المفاجئ للشريك الآخر".

وتابع مهدي لرصيف22 أن هناك دراسة تؤكد أن الرجال الذين يفقدون زوجاتهم، يزيد احتمال وفاتهم بمتلازمة القلب المنكسر بمعدل يبلغ 18%، بينما يبلغ احتمال وفاة الزوجات بهذه المتلازمة بعد وفاة أزواجهن 16%، فالموت المفاجئ لأحد الزوجين يزيد من احتمالية الموت المفاجئ للشريك الآخر، خاصة كبار السن منهم.

ويضيف مهدي أن المريض عندما يأتي ليشتكي من عدم معرفته ممارسة حياته بصورة طبيعية عقب وفاة شخص عزيز عليه، على الفور يتم البدء العلاج من خلال إتباع أساليب تعمل على تخفيف القلق والتوتر بالنسبة له، مع الاستمرار في المتابعة من قبل طبيب القلب أيضاً، حتى يتماثل للشفاء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard