شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
رهاب حضور الولادة... كيف تتأثر العلاقة الحميمة بين الشريكين؟

رهاب حضور الولادة... كيف تتأثر العلاقة الحميمة بين الشريكين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 31 مايو 202402:13 م

ألحّت ليلى على زوجها، لأسابيع طويلة، كي يدخل معها غرفة العمليات ويشهدان معاً ولادة ابنتهما الأولى. ولكنها لم تتصور أن الأمر قد ينقلب عليها.

تقول ليلى محمود (32 سنةً)، من محافظة الجيزة، لرصيف22: "إن مشهد حضور الزوج مع زوجته عملية الولادة داخل غرفة العمليات كان يأسرني منذ سنوات. كنت أتابعه بشغف في المسلسلات والأعمال الفنية الأمريكية. وكذلك كشفت لي صديقاتي أن أزواجهنّ وافقوا على دخول غرفة العمليات معهنّ، وذلك خلال السنوات الأخيرة، فرغبت في أن أعيش هذه اللحظات، وفاتحت زوجي بالموضوع بعدما عرفت أنني حامل".

وجهه كان أبيض من القلق

تشرح ليلى التي تعمل في أحد البنوك الخاصة، كيف أن زوجها لم يكن متحمساً للفكرة، وأخبرها بأنه يفضّل أن يكون خارج غرفة العمليات في أثناء انتظار خبر وصول ابنته: "قال لي إنه يخاف، ويشعر بالقلق، ولكنني ألححت عليه فما كان منه إلا أن خضع وقرر أن يشاركني هذه اللحظات رغماً عنه ودون اقتناع".

"وجهه كان أبيض من القلق والتوتر. كان يغلق عينيه بين الحين والآخر. وبرغم أنه لم يكن يطيل النظر في الدماء وقت الولادة، إلا أنني رأيته وقد أوشك على الإغماء عندما رأى ابنتنا مغطاةً بالدماء فور خروجها من رحمي. وقتها طلبت منه الممرضة أن يخرج"

تتذكر ليلى حضور زوجها ولادة ابنتهما، وتواجده معها في غرفة العمليات، وتقول: "منذ اللحظة الأولى، عرفت أنني ارتكبت خطأً. لم يكن مستمتعاً كما ظننت. وجهه كان أبيض من القلق والتوتر. كان يغلق عينيه بين الحين والآخر. وبرغم أنه لم يكن يطيل النظر في الدماء وقت الولادة، إلا أنني رأيته وقد أوشك على الإغماء عندما رأى ابنتنا مغطاةً بالدماء فور خروجها من رحمي. وقتها طلبت منه الممرضة أن يخرج".

تكشف ليلى أن زوجها قد تغير كثيراً بعد ولادة ابنتهما: "لا يقضي الوقت معنا بشكل منتظم، ولا يتحدث معي كثيراً. وبرغم مرور فترة طويلة على الولادة، إلا أنه لم يعد يعاملني كما في السابق، وأظن أن نظرته إليّ تغيرت بالكامل. تناقشت معه في الأمر وأخبرني بأنه يحتاج إلى بعض الوقت لينسى التوتر الذي عاشه... أظن أنه يبالغ كثيراً".

هل الرجل مؤهل لحضور مشهد الولادة؟

في حديثه إلى رصيف22، يقول دكتور النساء والتوليد، محمد رأفت، عن دخول الزوج مع زوجته غرفة الولادة: "هذا المشهد أصبح يتكرر مع عدد من الأزواج من أوساط متعددة، والحقيقة أنني لا أفضّل ذلك، أو بمعنى أصح لا أنصح به مع كل الأزواج. فليس كل رجل مؤهلاً لحضور مشهد مماثل. دخول غرفة العمليات ليس بالأمر الهيّن على أي شخص. ولو كان شخصاً قلقاً ولا يحتمل التوتر والضغط أو الدماء وغير ذلك، فلن يستطيع التحمل، وهذا رأيناه. ذات مرة، لم يتحمل الرجل المشهد وتقيّأ وخرج مسرعاً، ولا أنصح الزوجة بالضغط على زوجها للتواجد معها في تلك اللحظة، فالتأييد والمساندة لا يكونان بهذه الطريقة فحسب".

ويضيف رأفت: "في إحدى المرات، منعتُ زوجاً من الدخول بعدما أخبرني بأنه لا يريد التواجد، فحدث خلاف بينه وبين زوجته. هذا التقليد الأعمى لما يحدث في الغرب ليس له معنى ولا ضرورة ولا يصلح لكل الحالات".

"ليس كل رجل مؤهلاً لحضور مشهد مماثل. دخول غرفة العمليات ليس بالأمر الهيّن على أي شخص. ولو كان شخصاً قلقاً ولا يحتمل التوتر والضغط أو الدماء وغير ذلك، فلن يستطيع التحمل، وهذا رأيناه. ذات مرة، لم يتحمل الرجل المشهد وتقيّأ وخرج مسرعاً، ولا أنصح الزوجة بالضغط على زوجها للتواجد معها في تلك اللحظة"

بدوره، يشير أخصائي الولادة، ميشيل أودينت، إلى أن حضور الزوج عملية الولادة قد يؤدي إلى تفكك الزواج وإصابة الرجل بمرض عقلي، شارحاً كيف أن مخاض الأم يمكن أن يكون أكثر طولاً وإيلاماً مع تواجد الزوج: "بيئة الولادة المثالية لا تتضمن الرجال بشكل عام. وبما أنني شاركت لأكثر من 50 عاماً في عمليات الولادة في المنازل والمستشفيات في فرنسا وإنكلترا وإفريقيا، فإن أفضل بيئة أعرفها لولادة سهلة هي عندما لا يكون هناك أحد حول المرأة. حينها تكون الولادة أكثر سهولةً، خاصةً أن الرجل يتعرض عادةً للقلق والتوتر ورغماً عنه ينتقل هذا الإحساس إلى الأم التي تفقد أعصابها ما يؤثر على عملية الولادة".

من جهتها، تقول المعالجة النفسية الدكتورة منى قابل، لرصيف22، "إن بعض الزوجات يرفضن وجود الزوج، وقد أظهرت دراسة فرنسية أن عملية الولادة تكون أسهل على المرأة عندما لا يتواجد الزوج، ووجود الرجل يزيد من نسب الولادة القيصرية، حيث يزيد من توتر الزوجة ويبطئ إنتاج هرمون أكسيتوسين، وهو هرمون يساعد على المخاض، كما أنه إذا كانت علاقة الزوجين سيئةً، فحضور الرجل مع المرأة في أثناء الولادة يزيد من آلامها وتوترها".

وتضيف: "قد تظن المرأة أن وجود الزوج معها مكسب شخصي حتى يعرف مدى معاناتها، وهذا استغلال غير مبرر، لأن حضور الزوج يكون له في أغلب الحالات أثر نفسي سيئ، إلا في حالات قليلة عندما يكون الزوج طبيباً أو مهيّأ نفسياً لذلك، والتهيئة النفسية للزوج يجب أن تكون على مراحل عدة، إذ يجب أن يعرف كيف يساعدها وكيف يخلصها من التوتر ويساعدها على تمارين التنفس مثلاً وغير ذلك".

نفور مفاجئ

ما مر به شاكر سعيد (41 عاماً)، من محافظة القاهرة، لم يكن بالأمر السهل. فبعدما ظن أنه قادر على الدخول مع زوجته غرفة العمليات وتصوير ولادة ابنه الثاني عبر الفيديو، تعرّض لضغط نفسي لم يكن يتوقعه.

يقول شاكر، الذي يعمل محاسباً في إحدى الشركات، لرصيف22: "كنت متأكداً أن الموضوع سهل، ولن يسبب لي مشكلةً نفسيةً، وأنا بطبيعتي لا أخاف، ولست شخصاً سريع التأثر أو يخاف من المواجهة، ولذلك عندما فاتحتني زوجتي في الموضوع وافقت بسرعة وأكدت لها أنني سأكون سعيداً بهذه الخطوة".

يصف شاكر ما حدث له في غرفة العمليات: "في البداية كنت أشعر بالود والترقب، ثم شعرت فجأةً بأنني في مكان غير مناسب ولا ينبغي أن أكون في الداخل، ومع الاستمرار في التواجد بدأت أرى جسد زوجتي بشكل مختلف، أو بمعنى أصح لم أعد أراها جذابةً. لا أعرف لماذا أصبحت أفكر بهذه الطريقة، ولكن الدماء كانت في كل مكان".

ويضيف: "المشهد كان مقززاً، وليس من السهل احتماله، وأظن أن الأطباء فحسب قادرون على ذلك. لا أجد سهولةً الآن في الاقتراب منها دون أن أستعيد تفاصيل هذا المشهد باستمرار، وأتذكر ما رأيته هناك. لم أحب ذلك أبداً".

تعليقاً على النفور الجنسي الذي قد تتركه التجربة لدى بعض الرجال، تقول باحثة الدكتوراه سهى صبحي السيد، لرصيف22: "إن مشاهدة الزوجة في وضعية الولادة قد يؤثر على الرؤية الجنسية للزوج، حيث يمكن أن يتغير الشعور بالانجذاب الجنسي بسبب الربط بين هذه التجربة والمشاهد الطبية الصعبة. كما أن التوتر والضغط النفسي اللذين يصاحبان عملية الولادة يمكن أن يؤثرا سلباً على العلاقة الزوجية، خاصةً إذا لم يكن هناك تواصل فعّال بين الزوجين، إلى جانب الشعور بالعجز الذي قد يشعر به الأزواج لعدم قدرتهم على تقديم المساعدة بشكل كبير".

وفي السياق نفسه، تقول المعالجة النفسية الدكتورة منى قابل: "قد يكون الرجل غير جاهز للمشاركة، وقد يؤدي وجوده إلى حدوث نفور، فيبدأ بالشعور بالاشمئزاز من الزوجة وحدثت حالات مشابهة وصل فيها الثنائي إلى الانفصال وهناك زوج أغمي عليه في أثناء قطع الطبيب للحبل السرّي. أما في حال مرّت الأمور بسلام فتكون تجربة لا تُنسى للزوجين ويصبح الرجل أكثر تقديراً لمتاعب المرأة ولا تنسى له الزوجة تقديره وإحساسه بها".

التعامل مع النفور

تنصح باحثة الدكتوراه سهى صبحي، بعدد من الخطوات قبل الخوض في هذه التجربة وتؤكد على أهمية التحضير المسبق حيث أنه من المهم أن يتحدث الزوجان معاً حول التوقعات والمخاوف قبل الولادة، ويمكن أن يساعد حضور دورات تحضيرية على فهم ما سيحدث، ويجب أن يكون هناك تواصل مفتوح بين الزوجين في أثناء العملية.

"إن مشاهدة الزوجة في وضعية الولادة قد يؤثر على الرؤية الجنسية للزوج، حيث يمكن أن يتغير الشعور بالانجذاب الجنسي بسبب الربط بين هذه التجربة والمشاهد الطبية الصعبة. كما أن التوتر والضغط النفسي اللذين يصاحبان عملية الولادة يمكن أن يؤثرا سلباً على العلاقة الزوجية"

وفي حال حدوث نفور من الزوجة، تقول سهى: "هنا التواصل الصريح مهم فيجب أن يتحدث الثنائي بصراحة عن مشاعرهما وتجربتهما في غرفة الولادة. التواصل الصريح يمكن أن يساعد في تجاوز المشاعر السلبية وتقليل التوتر، ومن الممكن أيضاً الاستعانة بمستشار/ ة أو معالج/ ة نفسي/ ة، فإذا استمر النفور أو أصبح مشكلةً كبيرةً في العلاقة، قد يكون من المفيد استشارة متخصص في العلاقات الزوجية أو الصحة النفسية للولادة، كما يجب على كل طرف أن يحاول فهم مشاعر الطرف الآخر والتعاطف معه. يمكن أن يساعد هذا في بناء دعم عاطفي قوي بينهما".

وتنصح صبحي كذلك بضرورة إعادة بناء الرومانسية من خلال قضاء الزوجين وقتاً ممتعاً معاً، وتبادل الدعم العاطفي والتعبير عن الحب والاهتمام.

لذلك من المهم أن يدرك الأزواج أن تجربة الولادة هي تجربة عاطفية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على العلاقة. ومع ذلك، يمكن التعامل مع أي توتر أو نفور بشكل فعّال من خلال التواصل والدعم المتبادل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image