شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أكثر متعةً أم أكثر ألماً؟... عن الحياة الجنسية بعد الولادة

أكثر متعةً أم أكثر ألماً؟... عن الحياة الجنسية بعد الولادة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 27 فبراير 202404:38 م

تُعدّ الولادة من أهم العوامل المؤثرة على الوظيفة الجنسية للمرأة، سواء من ناحية التغيرات في الأعضاء التناسلية أو التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الحالة النفسية والاستجابة الجنسية، وتُضاف إليها الأعباء الجسدية التي تتعلق بالعناية بالمولود الجديد كلها، ومصاعب هذه المهمة التي تتضمن رعايةً كاملةً على مدى أربعٍ وعشرين ساعةً، وحساسيتها، خاصةً في الأشهر الأولى.

في الواقع، إن الوظيفة الجنسية للمرأة هي ظاهرة معقدة تتشابك فيها العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية والشخصية.

فما مدى تأثير ذلك كله على الحياة الجنسية للشريكين؟ هل تتدهور أم أنها قد تزدهر في مواضع معيّنة؟

عوامل نفسية أم أيدٍ غير مؤهّلة؟

"بعد ولادتين طبيعيتين، لم يتغير الكثير في العلاقة الزوجية"؛ هذا ما تقوله بارعة (32 عاماً) لرصيف22 ، وتضيف: "إن الولادة تطلبت أخذ خزعات للمساعدة في إخراج الجنين في المرتين، لكني كنت أُجري عملية ترميم بعدها مباشرةً".

من جهةٍ أخرى، تقول جاهدة، وهي مُهندسة مدنية (38 عاماً): "بعد ثلاث ولادات طبيعية، لثلاث فتيات، قررت الاكتفاء بهنّ وإجراء عملية ربط لمنع الحمل، لكنّ زوجي أصرّ على إجراء عملية لتضييق المهبل لأنّه ما عاد يحس بعد الولادة الأولى"، وتُرجع السبب إلى أنه لم يُنجب طفلاً ذكراً فـ"صار يتفشش فيني"، وفي ظل الضغوط النفسية اليومية من زوجها وأهله فقدت جاهدة استمتاعها بالجنس بعد ثلاث ولادات.

"بعض الولادات الطبيعية قد تتم على أيدي أشخاص غير مؤهلين طبياً، فتحدث اختلاطات أهمها التمزّق في المهبل الذي قد لا يلتئم بطريقة صحيحة فيحدث ارتخاء فيه، ما يؤدي إلى شكوى الشريك، وتُضاف إليها الولادات الطبيعية المتكررة التي تزيد الحالة سوءاً"

تعلّق الدكتورة وفاء سلطان، الطبيبة والباحثة النفسية في حديثها إلى رصيف22: "هناك تغيرات في الجهاز العصبي والغدد الصماء تحدث لدى المرأة بعد الولادة، وهدفها تفعيل الرغبة في القيام بمهام الأمومة لدى الأم وتستمر 6 أشهر".

وعن تذمّر الرجل من انخفاض متعته الجنسية بعد الولادة المهبلية، تقول سلطان لرصيف22: "لا أستبعد الأسباب الثقافية والاجتماعية وتأثر الرجل الشرقي بها، لكنني أعتقد أنّ بعض الولادات الطبيعية قد تتم على أيدي أشخاص غير مؤهلين طبياً، فتحدث اختلاطات أهمها التمزّق في المهبل الذي قد لا يلتئم بطريقة صحيحة فيحدث ارتخاء فيه، ما يؤدي إلى شكوى الشريك، وتُضاف إليها الولادات الطبيعية المتكررة التي تزيد الحالة سوءاً".

وتضيف: "هذا إذا وضعنا طبيعة العلاقة الحياتية بين الزوجين على حدة مفترضين أنها جيدة، أما إذا كانت العلاقة متأزمةً فتضاف إليها طبيعة المجتمع الذكوري بعاداته وتقاليده، فالأمر قد يكون مجرد شكوى من الرجل لا أساس علمياً لها".

يفترض أغلب الناس أنّ المشكلات الجنسية بعد الولادة تنجم عن الرضوض التي يسببها خروج الطفل عبر عنق الرحم ثم المهبل، لكنّه ليس العامل الوحيد، حيث تنخفض مستويات هرمون الإستروجين مباشرةً بعد الولادة، وتبقى منخفضةً في أثناء الرضاعة، ما يؤدي إلى جفاف المهبل وعسر الجماع، ويُضاف إليها التوافق والانسجام بين الشريكين داخل غرفة النوم وخارجها، واللذان قد يكونان عاملين حاسمين.

عجزتُ عن السماح لزوجي بالاقتراب

تتحدث لانا (42 عاماً)، وهي موظفة حكومية لرصيف22، عن معاناتها في العلاقة الجنسية مع زوجها بعد الولادة الطبيعية: "أنجبتُ 3 أولاد، واحد منهم عبر ولادة طبيعية وهو الولد الأول، وكان عمري حينها 28 عاماً، وأذكر أني بعد الولادة الطبيعية عانيت من حالة نفسية بسبب الألم الذي رافقني خلالها".

وتابعت لانا بالقول: "عجزت بعدها عن السماح لزوجي بالاقتراب مني لمدة تجاوزت الأربعة أشهر، لكن من المؤكد أني لم أعد أشعر بالاستمتاع كما كنت أشعر به قبل الولادة، ولا أدري ما هو السبب؛ هل هو الخوف؟ أم تغيير ما قد حدث في جسدي وأعاقني عن الاستمتاع، بينما كان زوجي يتذمر كثيراً من برودي معه خلال العلاقة بعد تلك الولادة؟".

وفي سياقٍ متصل، تقول دراسة أجراها باحثون في مستشفى سان جورج في لندن، إنّ نسبةً كبيرةً من النساء أُصبن بالأمراض في فترة ما بعد الولادة؛ بعد 3 أشهر من الولادة، 58% منهنّ عانين من عسر الجماع، و39% من جفاف المهبل، و44% منهنّ عانين من فقدان الرغبة الجنسية. وقد انخفضت هذه الأرقام إلى 26 و22 و35% على التوالي بعد نحو 8 إلى 9 أشهر بعد الولادة، ونتيجةً لذلك كان هناك انخفاض في وتيرة الجماع ومتعته.

وأظهرت دراسة أخرى أنّ العجز الجنسي كان أقل لدى النساء الولودات مقارنةً مع الخروسات (الولادة الأولى). وأشار الباحثون إلى أنّ انخفاض النشاط الجنسي لدى الخروسات بعد الولادة قد يكون بسبب قلة الخبرة في التعامل مع الولادة والرضيع ما يضيّع الوقت والجهد، وأكدوا على وجود عوامل أخرى مهمة تؤثر في الوظيفة الجنسية للمرأة بعد الولادة مثل الوضع السكني والاقتصادي وخزعات الفرج ومستوى تعليم الزوجين.

الجنس أمتع بعد الولادة

يزداد حجم الرحم خلال الحمل ويزيح الأعضاء المجاورة قليلاً ليؤمّن الحيز المناسب لنمو الجنين، وبعد خروج الجنين تتخذ الأعضاء المُزاحة تموضعاً جديداً مُختلفاً، وعليه يمكن للولادة أن تنقل الأعضاء الداخلية إلى أماكن أخرى -يبدو أنها مناسبة أكثر- ما يجعلها أكثر حساسيةً للتحفيز، فالكثير من النساء يشعرن براحة أكبر مع أجسادهن وهزات جماع أكثر تواتراً بعد الحمل والولادة.

وعن تغيرات المتعة الجنسية بعد ولادتين طبيعيين، تقول بارعة: "الفرق الوحيد هو الإحساس بالألم عند الجماع خلال أول شهرين بعد الولادة، ومن ثم يعود كل شيء طبيعياً، ومثلما فهمت من زوجي فهو يستمتع أكثر بعد الولادة، ربما بسبب عملية الترميم التي أجريتها".

"عجزت عن السماح لزوجي بالاقتراب مني لمدة تجاوزت الأربعة أشهر، لكن من المؤكد أني لم أعد أشعر بالاستمتاع كما كنت أشعر به قبل الولادة، ولا أدري ما هو السبب؛ هل هو الخوف؟ أم تغيير ما قد حدث في جسدي وأعاقني عن الاستمتاع؟"

فيما تُعبّر نور (34 عاماً)، وهي طبيبة أمراض داخلية، عن استمتاعها بممارسة الجنس بعد ولادةٍ طبيعية واحدة: "انتظرنا طويلاً حتى ننجب طفلاً، لا أدري لماذا تحسّنت علاقتنا الجنسية بعد الولادة، ربما بسبب زوال التوتر الذي عانيناه في محاولات الحصول على طفل، ولكنني أشعر حقاً بأنّ النشوة باتت أعمق من ذي قبل".

وفي هذا السياق، يقول الاستشاري في العلاقات الجنسية براني أناند: "في حال كان الزوجان متناغمين ومرتبطين عاطفياً في أثناء الحمل، فقد يشعران بزيادة في العاطفة تجاه بعضهما بعد الولادة مباشرةً، مما يؤدي إلى زيادة في رغباتهما الجنسية".

إلى ذلك، وُصِفَ الجنس بأنه ممتع جداً من قبل 40% من النساء بعد 3 أشهر من الولادة، مقارنةً بـ 49% بعد 18 شهراً من الولادة. ووجد الباحثون ارتباطاً قوياً بين الرضا العاطفي ودرجة تجربة المرأة للمتعة الجسدية في علاقتها الجنسية. وأبلغَت النساء اللواتي كن سعيدات بمساهمة شريكهنّ في المهام المنزلية عن رضا عاطفي عالٍ بعد الولادة.

القيصرية أو المهبلية؛ أيهما أقل تأثيراً على الحياة الجنسية بعد الولادة؟

ارتفعت معدلات العمليات القيصرية على مدى السنوات العشرين الماضية بسبب عوامل كثيرة، لعلّ أهمها الاعتقاد الشائع بأنّ الولادة القيصرية تحافظ على الرفاهية الجنسية بعد الولادة مقارنةً بنظيرتها المهبلية، لكنّ دراسةً نُشرت في المجلة الدولية لأمراض النساء والولادة، وجدت أنّ اللواتي خضعن لعملية قيصرية كان لديهنّ خطر مضاعف بالشعور بالألم في أثناء أو بعد ممارسة الجنس المهبلي (عسر الجماع)، بعد 18 شهراً من الولادة مقارنةً باللواتي أجرين ولادةً مهبليةً طبيعيةً.

وعليه يُعلّق الدكتور أحمد، أخصائي النسائية والتوليد في مدينة حلب (فضّل عدم الإفصاح عن اسمه الحقيقي لاعتبارات اجتماعية ومهنية)، لرصيف22: "توجد نساء ورجال يعتقدن/ ون بأنّ الطفل لن يمرّ من فتحة المهبل الضيقة نسبياً إلا ويخربها ويخرّب معها الحياة الجنسية للزوجين. في الحقيقة هذه نظرة مُبالغ فيها حيث تمتلك هذه الأنسجة من المرونة ما يجعلها تعود إلى وضعها الطبيعي".

"انتظرنا طويلاً حتى ننجب طفلاً، لا أدري لماذا تحسّنت علاقتنا الجنسية بعد الولادة، ربما بسبب زوال التوتر الذي عانيناه في محاولات الحصول على طفل، ولكنني أشعر حقاً بأنّ النشوة باتت أعمق من ذي قبل"

ويتابع: "بعد الولادة الطبيعية يُمكن للمرأة أن تعود إلى حياتها الطبيعية بعد ساعات، أما بعد القيصرية فستُعاني من ألم في مكان الجرح، قد يستمر لفترات طويلة بسبب أذية الأعصاب خلال خياطة الجرح، لذا نلجأ إلى حقن مواد مخدرة لتسكين الألم، وهذه الأمور كلها تُسيء إلى الحياة الجنسية، حتى أن تقلصات الرعشة الجنسية قد تُصبح مؤلمةً (جرّاء القيصرية) لفترة طويلة بدلاً من أن تكون ممتعةً ومُريحةً، ولكن للأسف ما تراه المريضة هي المعاناة خلال الولادة الطبيعية ولا تكون في الحُسبان المشكلات الجنسية طويلة الأمد بعد الولادة القيصرية".

الجدير بالذكر أن الجمعية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء تنصح بالامتناع عن ممارسة الجنس المهبلي (أو إدخال الأصابع أو الألعاب)، لمدة ستة أسابيع بعد الولادة، بهدف إعطاء أنسجة المهبل الفترة الكافية للشفاء وتقليل فرص حدوث مضاعفات. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image