شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الولادة على الشاشة... مشاهد رعب لا تدفع ثمنها سوى المشاهدات

الولادة على الشاشة... مشاهد رعب لا تدفع ثمنها سوى المشاهدات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 3 نوفمبر 202203:00 م

تحيط بالولادة العديد من الأساطير، فالكثيرون يعتبرونها حدثاً يعبق بالسعادة والطاقة الإيجابية لجلب حياة جديدة للعالم، ولكن على قدر ما نتمنى أن تكون تلك الأفكار صحيحة، فإن عمليات الولادة ليست كلها بهذه السهولة والسلاسة.

على غرار الكثير من الأعباء التي تتحمّلها النساء، تم إضفاء الطابع الرومانسي على الولادة على مرّ القرون، وتمّ تناسي اللحظات المرعبة التي تمرّ بها بعض الأمهات الجدد، بدءاً من ألم الطلق الشديد، النزف وشقِّ العجان، وصولاً إلى ساعات المخاض الطويلة.

أما على الشاشة، فقد ظهرت الولادات بأشكال متنوعة، بعضها "ملطّف"، بحيث نشاهد امرأة تأخذ بضعة أنفاس سريعة ثم نسمع صوت الجنين وهو يخرج إلى الحياة، والبعض الآخر يميل إلى طرح أكثر واقعية، يظهر كل تفاصيل الولادات العسرة.

فكيف تؤثر مشاهد الولادات على السيدات في الحقيقة؟

صدمات نفسية وإيقاظ للكروب

خلال أحداث الحلقة الأولى من المسلسل الأميركي House of the Dragon، تم تصوير مشهد ولادة قاسٍ للغاية للملكة التي تمّ فتح بطنها قسراً دون استشارتها، وذلك لإنقاذ طفلها ولي العهد.

هذه الولادة القيصرية أرعبت ملايين المشاهدات اللواتي ندّدن بعرض هذا المشهد دون تحذير مسبق، مثلما يحدث في العادة مع المشاهد العنيفة للغاية، في سياق ما يوحي بأن صنّاع العمل اعتبروا أن الولادة القيصرية بدون إذن المريضة، هو أمر يجب أن تتقبله النساء بشجاعة.

هذا المشهد فتح الحوار على مواقع التواصل الاجتماعي حول تأثير مشاهد الولادة على السيدات، سواء كنّا نتحدث عن ولادات سهلة أو متعثّرة.

ظهرت الولادات على الشاشة بأشكال متنوعة، بعضها "ملطّف"، بحيث نشاهد امرأة تأخذ بضعة أنفاس سريعة ثم نسمع صوت الجنين وهو يخرج إلى الحياة، والبعض الآخر يميل إلى طرح أكثر واقعية، يظهر كل تفاصيل الولادات العسرة

ولكن يبدو أن الدراسات العلمية سبقت هذا الحوار، حيث وجدت دراسة أجرتها جامعة سينسيناتي في العام 2015 أن الأفلام والتلفزيون يؤثران بشكل كبير على تصورات النساء للحمل والولادة بطرق لا شعورية.

فقد اعتبرت حوالي 44% من النساء اللواتي شاهدن برامج الولادة الواقعية مثل Baby story أو Maternity Ward أن مثل هذه العروض تشكل مصدراً تعليمياً حول الولادة، غير أن دانييل بيسيت، كبيرة الباحثين في الدراسة، أعربت عن قلقها من هذه النتائج، على اعتبار أن تلفزيون الواقع غالباً ما يتم كتابته أو تحريره للدراما.

بمعنى آخر، إن التصوير التلفزيوني والسينمائي للولادة الذي يضفي الطابع الدرامي على الحدث هو أمر خطير، لأنه ينقل رسالة واحدة إلى المشاهدين/ات: الخوف، إذ إنه تبعاً لنفس الدراسة، كلما شاهدنا شيئاً ما، كلما قمنا بتطبيعه.

واللافت أن وسائل الإعلام تغمرنا بالصور التي تخبرنا عن أن الولادة "مخيفة"، وعندما يسيطر الخوف على عملية الولادة، فإن ذلك قد يغيّر العملية الفيزيولوجية برمتها، بحيث يجعل النتائج السلبية التي نخشى حدوثها أكثر احتمالاً بكثير.

الشق النفسي

قد يكون من الصعب بالنسبة لبعض الناس تصديق أن مشاهد الولادة في التلفزيون أو في الأفلام يمكن أن تؤثر بشكل عميق على ما تؤمن به النساء حول الولادة، ولعلّ السبب وراء ذلك هو التماهي التلقائي الذي يحدث خلال المشاهدة: جزء من جسم وعقل المتلقي/ة يتعامل مع ما يراه على أنه حقيقي.

عند مشاهد الولادة عبر الشاشة، قد تشعر المتفرجة أنها تشارك بدورها في هذه العملية، سواء كانت ولادة سهلة أو صعبة، في الحالة الأولى تتوقع أنها ستحظى بولادة بسيطة مثلها، وفي الحالة الثانية تشعر بالمعاناة مثلها، بل في بعض الأحيان تذكّرها بتجارب سيئة خاضتها بنفسها.

واللافت أن توقعات الولادة غير الواقعية يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة، مثل اكتئاب ما بعد الولادة، أو كرب ما بعد الولادة، وهو مصدر قلق جديد ومتزايد بالنسبة للأطباء.

سواء كانت الولادة على الشاشة سهلة أو صعبة، فإن لها الكثير من التأثيرات النفسية السلبية على المشاهدات.

في هذا الصدد، قالت الروائية نورا ناجي لرصيف22: "أكره مشاهد الولادة الطبيعية على الأخصّ، وأعتقد أن الأمر يبدو أخفّ لناحية الألم في الولادة القيصرية، مع خروج الطفل والأم نصف مخدّرة واللقاء الأول بينهما، لكن في الولادة الطبيعية أشعر وكأن المرأة تنقسم إلى قسمين، وأنني بدوري أنقسم إلى قسمين".

يبدو أن الألم من مشاهد الولادة لا يرتبط فقط بكرب ما بعد الولادة، فالكاتبة كاميليا حسين أكدت أن ولادتها الأولى كانت مؤلمة ولكن ليس بصورة مسبّبة للكرب، بينما ولادتها الثانية كانت سهلة للغاية، لكن هذا لا يعني أنها لا تشعر بالأذى الشخصي عند رؤية مثل هذه المشاهد: "لقطات الولادة مزعجة لي حتى لو كانت مُقَدَّمة بطريقة بسيطة وسلسة، أو حتى لو كانت كوميدية، لكن يزيد الأمر مع المشاهد المؤلمة للغاية والتي تكون شديدة الدرامية، على غرار ما حدث في حلقة ولادة الممثلة منى زكي في مسلسل (لعبة نيوتن) أو في مسلسل (منزل التنين)، في هذه الحالات أفقد القدرة على التنفس، وتزيد دقات قلبي بشكل يؤذيني جسدياً".

في بعض الأحيان تستدعي مشاهد الولادة ذكريات سيئة للمشاهِدة، الأمر الذي يشكّل مصدر أذى نفسي حتى لو كانت غير واعية بهذه الاستعادة.

في هذا السياق، قالت آيات جودت لرصيف22: "الأمر يتوقف حول المحيط الخاص بالسيدة في المشهد، لو كان هناك دعم من الآخرين لها حتى لو كانت الولادة متعسّرة لا أشعر بالضيق، ولكن حتى في الولادات البسيطة مع غياب دعم لا أشعر خلالها بالراحة، ولذلك لا أشاهد مطلقاً مشاهد ولادة الحيوانات، لأن أغلبها تلد بمفردها، الأمر الذي يرعبني".

"لقطات الولادة مزعجة لي حتى لو كانت مُقَدَّمة بطريقة بسيطة وسلسة، لكن يزيد الأمر مع المشاهد المؤلمة للغاية والتي تكون شديدة الدرامية، على غرار ما حدث في حلقة ولادة الممثلة منى زكي في مسلسل (لعبة نيوتن) أو في مسلسل (منزل التنين)، في هذه الحالات أفقد القدرة على التنفس، وتزيد دقات قلبي"

مرّت مها الديب بتجربة الولادة ثلاث مرات، الأولى والثانية بشكل طبيعي، والثالثة قيصرية.

وعن تأثير الأفلام والمسلسلات التي تحتوي على مشاهد ولادة، قالت لرصيف22: "عندما أشاهد لقطات ولادة أبكي، فخلال حملي الثالث تذكرت مشاهدة فيلم (الحفيد) وولادة الممثلة ميرفت أمين، وأخذت في البكاء، يزيد الأمر مع الولادات الصعبة، مثل منى زكي في مسلسل (لعبة نيوتن) ومسلسل (لاكاسا دو بابل)".

والمفارقة أن تأثير هذه المشاهد المؤلمة لا يقع فقط على السيدات اللواتي خضن تجربة الحمل والولادة من قبل، على غرار رشا توفيق التي لم تخض هذه التجربة شخصياً ولكنها أشارت لرصيف22 إلى أنها لا ترغب في مشاهدة لقطات طويلة لعملية الولادة: "أتماهى بشدة مع ما يُعرض على الشاشة، واعتبر هذه المشاهد مشابهة لتلك الخاصة بالتعذيب أو الضرب المبرّح، أستشعر ألم الشخصية كما لو أنه يحدث لي".

عن رأي الطبيبة النفسية دينا الشيخ في تأثير مشاهد الولادة على السيدات، قالت لرصيف 22: "الكثير من الأبحاث أظهرت أن هناك ما يدعى كرب ما بعد الولادة، وبالتالي هذه المشاهد تعتبر محفزات للسيدات اللواتي مررن بتجارب ولادة صعبة، كما أن هناك الكثير من الخوف الطبيعي لدى السيدات والفتيات اللواتي لم يخضن هذه التجربة من الأساس بسبب القصص المتواترة حول صعوبات الولادة، الأمر الذي يجعل البعض أحياناً يرفض الولادة الطبيعية ويفضل بدائل أخرى هرباً من هذه اللحظة"، هذا وأضافت أن الكثيرات كذلك مصابات بفوبيا الدم: "مشاهد الولادة فيها الكثير من الدماء، مع نزول الجنين المغطى كذلك بالدم، وبالتالي ليس الجميع مستعد لمشاهد الولادة".

في الختام، إن ما تطالب به بعض النساء ليس حذف مشاهد الولادة، فهي على غرار مشاهد الموت، التعذيب أو الانتحار، قد تكون ضرورة درامية، ولكن كما يحدث في المشاهد الأخرى، يجب وضع تحذير على الشاشة قبل عرضها، وهو أمر أصبح متعارفاً عليه في السنوات الأخيرة، أما عدم الاهتمام بذلك من قبل بعض صنّاع الأفلام هو مجرد حلقة جديدة في سلسلة تهميش مشاعر واحتياجات النساء النفسية قبل الجسدية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image