شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن البلاد التي لا تحظى بنهار

عن البلاد التي لا تحظى بنهار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الثلاثاء 4 يونيو 202412:21 م

هل تعلم الكثير عن تلك البلاد التي لا تحظى بنهار؟ هل تعتقد أن الشمس من الممكن أن تكون بداية يومك في بلاد لم تعرف سطوع شمسها سوى في أغانيها؟ هنالك ضوء ما في آخر النفق لا نعلم مصدره، من الممكن أن يكون هو الضوء الذي يأتيك في نهاية ما تعيشه في هذه البلاد، ضوء يأخذك إلى مكان، سقف ما تحلم فيه أعلى، لكن من الممكن أن يكون كل ما تمرّ به هو شكل مما تريد أن تختار طريقاً للهرب منه.

الشمس الغائبة

أفتقد منذ وقت ليس بالقصير الشمس. اعتدت في حياتي أن أعيش يومي مثل كل الناس: يبدأ بضوء الشمس وينتهي بغيابه. كنت أبحث عن الصباح وكأن يومي كله سيتحدّد شكله إن أشرقت فيه أو لا. كان النهار في السنوات السابقة مليئاً بكل ما نطمح أن نسعى نحوه، أحلامنا كانت تمر بطرق وعرة، قذائف وقصف، نسبة تعرّضك للموت تفوق نسبتها اليوم، كنا حينها نتعايش مع الموت كشريك يقطن معنا في نفس البلاد.

كان النهار في السنوات السابقة مليئاً بكل ما نطمح أن نسعى نحوه، أحلامنا كانت تمر بطرق وعرة، قذائف وقصف، نسبة تعرّضك للموت تفوق نسبتها اليوم، كنا حينها نتعايش مع الموت كشريك يقطن معنا في نفس البلاد

لا نهار بإمكانك أن تبدأه بالشكل الذي تريد، ولا حتى ساعات يومك الأخيرة بإمكانك أن تسيّرها بما تريد. لا يوم روتيني ولا أوقات مخططات ثابتة، من الممكن أن يكون يومك في عقلك يمضي نحو لحظة تملك من السعادة كل معانيها، لتقدم لك هذه البلاد شكلاً تهوى هي أن تختتم به يوماً وهو من الممكن أن يكون أقسى ما تمرّ به.

في الأيام السابقة أرسلت رسالة إلى شقيقتي في أستراليا الساعة السابعة صباحاً بعد أن بدأت محاولاتي للنوم في الساعة الثالثة صباحاً: "أصبح أحد أحلامي أن أضع رأسي على المخدة وأستطيع النوم مباشرة". عشنا نحن السوريين تناقضاً لا مثيل له. أملك الجنسية السورية وأقطن في أسوأ بقاع العالم معيشة، وتملك أختي الجنسية الأسترالية وتقطن في أفضل بقاع العالم معيشة. أتشارك معها النسب والدم وسنيناً طويلة من التجارب والجغرافيا وطريقاً طويلة من الأحلام، اختلف شكلها باختلاف قرارتنا، اختلفت فيما بعد لنتشارك المشاكل النفسية والأرق والخوف الدائم، لعنة أن تكون سورياً يحتم عليك أن تغرق في النوستالجيا والاضطرابات النفسية ذاتها.

من الأشياء القليلة التي ما زلت أهواها في هذه البلاد أحاديث سائقي التاكسي، مساحة نتشارك فيها مشاعرنا تجاه المكان الذي نقطنه. يسألني السائق: "بتدخّن؟"، أردّ عليه بالنفي، ليقول لي: "بسوريا وما بتدخّن؟ كيف زبطت معك؟"، أقول له: "بشرب"، ليتأكد من جوابي بأنني أعيش معه نفس الخيبة. قليلة هي المنافذ التي نلجأ إليها لنهرب من واقعنا ويكون لنا فيها متنفس ولو صغير مما نعيشه. لا أدري ما أبحث عنه اليوم. كانت الفترات السابقة هي للبحث عن الأمان، ولكن الخوف هو من انتصر في النهاية. نخاف اليوم من أي شيء، لم نعتد على الأمور الإيجابية مهما كانت درجتها. يسيطر الخوف بانتظار الصدمة النفسية التي سننتهي بها هذه الحالة السعيدة، نبحث عن الحب، نجده بعد عناء طويل، لنبدأ بالتفكير كيف سنخرج من تبعاته ونتيجته السيئة قبل أن نصل إليها، وكأن قدرنا الدائم السقوط نحو الهاوية. نملك من الهشاشة النفسية ما يمكن أن يؤسّس مصحة بحجم جغرافية بلد بأكمله.

الموت كشريك يقطن معنا

هنالك شاب توفي إثر سقوط شجرة عليه نتيجة رياح اشتدت في دمشق مدة نصف ساعة.

في البداية، عندما قرأت عنوان الخبر، كتمت ضحكة تستغرب ما قرأته. لقد انتهت كل طرق الموت لدينا حتى نكتشف في كل يوم شكلاً آخر جديداً، نرفضه في البداية ثم يتعايش مرة أخرى معنا. ما هو شكل الحظ السيء الذي يملكه أحد الأفراد لتنتهي حياته بهذا الشكل؟ هل بإمكانك أن تؤدي دورك اليوم في الحياة بدون أن يكون بإمكانك أن تتحكم بنهاية يومك؟ ما هو الشكل العشوائي الذي أفرزته لك هذه الحياة لتعيش به؟ هنالك الكثير من الأشياء التي تتحكم بشكل يومك، تخيّل أن أصغر ما يمكن هو من يخطط لشكل تفاصيل حياتك وأنت آخر من يملك هذا الحق.

هنالك الكثير من الأشياء التي تتحكم بشكل يومك، تخيّل أن أصغر ما يمكن هو من يخطط لشكل تفاصيل حياتك وأنت آخر من يملك هذا الحق

يصادف في هذه الفترة ذكرى النكبة الفلسطينية، يترافق اليوم مع تلك الذكرى، موقف آخر لم أستطع أن أقول عنه سوى نكبة أخرى. يتم ترحيل السوريين من لبنان، نتشارك مقاطع الفيديو ونرى كمية الذنب الذي اقترفناه في هذه الأرض لتكون كل هذه النتائج على عاتقنا. الهروب من الجحيم إلى الجحيم. أعيش حالة من التناقض بين تواجدي في بيروت في ذات الفترة، أقصد المعارض ومهرجانات السينما، وأبناء بلادي يتم تجميعهم بالآلاف ونقلهم إلى بلاد كان كل هدفهم النجاة منها ولا شيء آخر. أحاول أن أبقى هادئاً لأني أتشارك معهم نفس الهدف: أحاول أن أنجو دائماً. أشاهد الأصدقاء اللبنانيين، ممن يبدون التعاطف معنا. لعنات هذا العالم واحدة، مشاكله مشتركة، تختلف الجودة في التعامل معها وتختلف المأساوية في درجاتها وفي الخوض خلالها. تم ترحيلنا من الكثير من البقع الجغرافية ضمن هذه الكرة الأرضية. عشنا فترة من الزمن تتقاذفنا الدول بحسب الفائدة التي تحصل عليها من خلالنا. نحاول النجاة بشكل يمكننا من خلاله أن نعيش تحت سقف صلب وليس تحت سقف قماش.

لا أعلم ما هو شكل التعافي الذي نحتاجه وعدد السنين المتوقع للخروج من هذا الشيء كله، لقد دفعنا الكثير من الأثمان حتى يومنا هذا، ولكني أشعر بأننا مستعدون اليوم لندفع ثمناً أخيراً يستر لنا ما تبقى من كرامة، ويعيدنا بشكل ما إلى الأمان الذي افتقدناه وكأنه تاه تماماً.

لقد تاهت قلوبنا، لم نعد ندري الوجهة أو الرحلة الأخيرة. لقد أنهكتنا المحطات، ونالت منا الخيبات. تعايش معنا الخوف وأصبح طريق النجاة حالكاً، على أمل أن يكون الثمن الأخير هو الضوء نحو نهاية سعيدة، بحثنا عنها في الدراما طويلاً على أمل إيجادها في واقعنا في القريب العاجل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image