قائمة البلدان التي تشبه العراق بشيء ما:
في سوقٍ شعبية، سمعتُ مهرجاً بأسمال مهترئة يصرخُ: "يخلقُ من البلدِ أربعين"، محاولاً أن يصرف النظر عما في عبارته الخرافية من صمود ومرارة. المهرجون الذين صادفتهم كثر، لكن الأخير بدا كما لو أنه محارب وطني مأجور بعض الشيء.
نبّهني ذلك أن لكلّ بلدٍ أربعين شبيهاً، فألححت على نفسي، بمساعدة الحدس وخرائط جوجل والمكتبة الذهنية التالفة، أن أختبر البلدان التي لم يتوفر لها المناخ المناسب لتغدو عراقاً ثانياً، وضعت قائمتي على أمل أن تساعدني أيها القارئ العجول بوضع قائمتك الخاصة، ففي النهاية لا نحوز من بلداننا إلا الإحصائيات:
في سوقٍ شعبية، سمعتُ مهرجاً بأسمال مهترئة يصرخُ: "يخلقُ من البلدِ أربعين". المهرجون الذين صادفتهم كثر، لكن الأخير بدا كما لو أنه محارب وطني مأجور بعض الشيء... مجاز
اليمن في الزهو و القهر
لبنان في الوحدة الأليمة واشتعال المرفأ
إيران في النواح وبغض أمريكا
مصر في الثرثرة وضعف الحيلة
تونس في عدم لطافة المهرجانات الأدبية
أميركا في اختراع الحرية وتعظيم همنغواي
السودان في الصراع على من يقبض الريح أولاً
فلسطين في اليتم
الجزائر في عدد الجماجم
قبرص في التوقيت
تركيا في أننا كنا ذات يوم مقصاً بين قدميها
السويد في أننا سويديون عند الضرورة
ألمانيا لأننا نتشابه في اختلاف شاربي زعيمينا
بريطانيا في أننا ذوو بطولات مبالغ بها
إيطاليا في أن الإيطاليين لا يشبهون أنفسهم أحياناً
روسيا في عدم استطاعتنا بأن نغدو شيوعيين أسوأ منهم
إسبانيا لأننا نأسف لفوز برشلونة من أجل النادي الملكي فحسب
الأرجنتين في أنها اسم من أسماء إيران
المغرب في أننا مغربيون حين تشرق الشمس
فرنسا في الزعامة الوهمية لقصيدة النثر
ليبيا في أن الليبيين ليسوا أحسن حظاً منا
الصين في أن كل شيء في العراق يبدو صينياً
الأردن بتبرير خسارة الحلم الآسيوي في كرة القدم
الهند بالفشل الذريع في التعامل مع البقر
كوريا الشمالية في أننا حلمنا أن نمسي أفظع منها
البرازيل في أننا لم نتقابل في كأس العالم
اليابان في أن أمريكا دمرتْ حاضرنا من أجل مستقبلنا
سويسرا في عدم حاجة بلدينا للسجون
النمسا في أننا استخدمنا المدفع النمساوي في القصائد أكثر منهم
جزر القمر في عدم حاجة أي أحد منا للوصول إلى القمر
السعودية في تأجير بيت الله
أوكرانيا في أننا قد يحكمنا ممثل كوميدي في المستقبل القريب
أفغانستان في اجتماع اسمينا بجملة واحدة
الفاتيكان في عدم امتلاكنا قنبلة ذرية
الدنمارك في عدم الحصول على المركز الأخير ضمن إحصائيات أسعد شعوب العالم
إيرلندا في أننا لم نفهم شيئاً من يوليسيس
تشيلي في رعاية نبتة لم نغرسها
البارغواي في أننا لا نطل على محيط
كندا في أن عدد سكان كل بلد منا تجاوز الأربعين مليون نسمة
سوريا
في الفرات
والموقع الاستراتيجي
وأغلاط أخرى.
لدينا حيوات عديدة لكننا في الفترة الأخيرة لا نستهلك منها إلا ما ينسبُ للموتى... مجاز
*****
"الأشياء في غير أماكنها الدقيقة". استيقظتُ الآن وأنا أصيغ تلك العبارة مع حاجة طفيفة لشرحها؛ أن يتمشى المرء على حافة سكة قطار، أن يدندن في الحمام ويدخّن في أماكن لا يسمح التدخين بها، أن يضاجع في الممر ويأكل في غرفة المخزن، يكتب على الدرج ويصفي الذباب بملعقة، يضع الأحذية تحت الكنبة والكتاب فوق الثلاجة، كوب الشاي على المجلى والجوارب على الطاولة.
أن أتحدّث مع المرضى عن التاريخ الصغير لشمعة، مع الجنود عن قصائد الصوفية التي لا حصر لها، مع القتلة عن النصف الأيمن من الدماغ، مع الموسيقيين عن آلات جزّ الخشب، مع النساء عن نوادر الموتى، مع الأطفال عن المتع الغنية بالعقلانية، مع كبار السن عن الكتب التي لم ننصح أحداً بقراءتها.
"الأشياء في غير أماكنها الدقيقة ": توحي الفكرة بأن تكون لي يد واحدة لأستهلك المصافحة والتصفيق والتلويح بإبقاء اليد منكفئة، أما حمل الأشياء، فما لم نقدر على حمله بيد واحدة لا يلزمنا، كما يمكننا الاستغناء عما يشقّ علينا لمسه ثم استيعابه.
أن يكون لي بلد ثان كرفيقة وبلد رصين كزوجة، العالم واسع من أجل فرضية شاملة وممسوسة: نتزوج مرة واحدة ونغرم باستمرار... مجاز
أن يكون لي فمان أحدهما للحديث وآخر، مثل كوة ضبابية، لاسترداد الكلمات التي قد تنضج غداً.
أن يكون لي قلب مثل ميلاد المسيح، لا يمكن التقليل من أهميته حتى عندما يتبين لنا أن المسيح لم يولد بعد.
أن تكون لي عين واحدة، ها هي ستبدو جديرة بالتأكّد مما سترى.
أذنان اثنتان و قضيب واحد، ذلك تقدير إلهي سديد بإثارة انتباهنا للكلمات التي نتلقفها حين نغدو عاريين، الكلمات عارية تماماً حين نساهم بعدم أخذها على محمل الجد.
أن يكون لي بلد ثان كرفيقة وبلد رصين كزوجة، العالم واسع من أجل فرضية شاملة وممسوسة: نتزوج مرة واحدة ونغرم باستمرار.
"الأشياء في غير أماكنها الدقيقة". ما تزال العبارة طازجة حتى حين بالغتُ بالتلاعب بها، أن أضحك في مواضع الموت وأحزن حين يطلب من الجميع دقيقة صمت، الجثة مسجاة وعينا الميت مفتوحتان كقشرتي بصلة.
بدا الأمر مناسباً لتخيل أن أحبك بالصيغة التي أشعر بها، أن عيني الميت تتوسلاني بأن أغمضهما، لكني أبقيهما مفتوحتين لأدعه باتصال تام مع موته: لا يستحق الميت أن يتذكر، حين لا يسعه أن يرى.
"الأشياء في غير أماكنها الدقيقة": صفحت عن العبارة وأخذت على عاتقي أن أجعلها عادية مثل العبارات التي نوجز بها حيواتنا. لدينا حيوات عديدة لكننا في الفترة الأخيرة لا نستهلك منها إلا ما ينسبُ للموتى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...