شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الذكاء الاصطناعي بمواجهة الذكاء الطبيعي... صراع أم شراكة؟

الذكاء الاصطناعي بمواجهة الذكاء الطبيعي... صراع أم شراكة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحقيقة

السبت 1 يونيو 202401:49 م

أثارت الطفرة الأخيرة في تطورات الذكاء الاصطناعي، مخاوف لدى من يعملون في مهن صناعة المحتوى من كتابة وترجمة وبحث؛ فهناك توقعات بأن تقوم تقنية الـChatbot بهذه الوظائف مستبدلةً البشر، ولن يكون الأمر أكثر من أن يطلب المرء من الـChatbot، أن يقوم بترجمة نص أو كتابة مقال في موضوع معيّن.

البعض يغرق في التشاؤم ويقول: ليبحث العاملون في هذه المجالات عن مسار وظيفي آخر. والبعض يرى أن الذكاء الاصطناعي ليس إلا مجرد أداة لا تنجز هذه الأعمال مثل البشر، وأنها لم تصل إلى نتائج مُرْضِية في هكذا مهن إبداعية بعد، وأنَّ الإنسان سيظل يقوم بهذه المهام وأن التقنية مجرد أداة يستخدمها لتُسهِّل عمله. في هذا التقرير نناقش هذه المخاوف والتساؤلات المثارة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على مهن صناعة المحتوى من خلال آراء خبراء في تقنيات المعلومات، وكذلك من خلال تجارب بعض صنّاع المحتوى.

الآلة ليست مُعلِّماً للبشر

يقول شريف كامل شاهين، أستاذ علم المعلومات في جامعة القاهرة، لرصيف22: الذكاء الاصطناعي أساسه تعليم الآلة وتغذيتها بالبيانات وتدريبها على إدارتها ومعالجتها بطرائق وأساليب تضاهي قدرات العقل البشري وإمكاناته من حيث استقاء البيانات وتحليلها ومقارنتها وإعادة صياغتها وهكذا. ويضيف: لنتذكر المقولة الشائعة "من السهل أن تتعلم ولكن يصعب أن تكون مُعلِّماً"؛ وعليه لا يُتوقّع أن تُصبح الآلة مُعلِّماً للبشر، ومع ذلك فإنَّ المتتبع لتطورات الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI وقفزاته، يعلم أنَّ برمجيات الكشف عن الانتحالات والسرقات ونسب التشابه بين النصوص المعروفة بـplagiarism checkers طوَّرت من نفسها واستطاعت أن تكشف النصوص المُجَهَّزة أو المعدّة من قبل الآلات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

البعض يغرق في التشاؤم ويقول: ليبحث العاملون في هذه المجالات عن مسار وظيفي آخر. والبعض يرى أن الذكاء الاصطناعي ليس إلا مجرد أداة لا تنجز هذه الأعمال مثل البشر، وأنها لم تصل إلى نتائج مُرْضِية في هكذا مهن إبداعية بعد

ويؤكد أستاذ علم المعلومات أيضاً على أنه من المهم أن تنتشر ثقافة مثل هذه البرمجيات في المدارس والجامعات من أجل أن تكون سلاحاً عصرياً لمواجهة هذا التوجه، وهو ما يعني انتشار الثقافة الرقمية على مستوى أطراف العملية التعليمية والبحثية كافة فضلاً عن توافر بنية أساسية تكنولوجية على رأسها خدمات الإنترنت لدعم هذه التطبيقات ونتذكر دوماً وأبداً أنَّ العقل البشري هو من أوجد هذه التقنية ويستطيع أن يُروّضها للوضع الأمثل والمقبول.

تصريح لرصيف22 يُستخدم فيه الذكاء الاصطناعي
أو
الذكاء الاصطناعي يصرّح لرصيف22

في تصريحه لرصيف22، والذي اعتمد فيه على الذكاء الاصطناعي، يقول هشام مكي، مساعد مدير خدمات نظم معلومات المكتبات والبحث في جامعة ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية: في عام 2022، نُشر كتاب أطفال كان عنوانه "أليس وسپاركل"، ويحكي قصة طفلة تكتشف الذكاء الاصطناعي عبر صديق مسبار (روبوت) ذكي اسمه سپاركل. هذه القصة باعت نسخاً على منصة أمازون، ثم أثارت جدلاً ثقافياً وتكنولوجياً بسبب اكتشاف الناس أنَّ القصة كتبتها ورسمتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي وليس المؤلف المذكور على الغلاف، وهنا اقتصر دور المؤلف على سؤال تلك التطبيقات أنَّ تقدّم له قصةً للأطفال.

وأضاف مكي مستعيناً بالذكاء الاصطناعي: نعرف أن الذكاء الاصطناعي هو مجال علمي يهدف إلى تطوير آلات وبرامج تستطيع أن تقوم بمهام تتطلب ذكاءً بشرياً. وأضاف: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحسين كفاءة وجودة العديد من القطاعات والصناعات، مثل الصحة والتعليم والترفيه والأمن والنقل وغيرها، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفِّر الوقت والموارد والجهد للبشر، وكذلك يمكنه حل مشكلات معقدة وصعبة في وقت قصير. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي ليس بلا عيوب، فهناك مخاوف من أنَّ الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان الوظائف والخصوصية والسيطرة للبشر. كما هناك مخاطر من أن يتجاوز الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، وأن يصبح خارج نطاق الرقابة والأخلاق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قد يفتقر إلى الإبداع والعاطفة والتعاطف التي تُميِّز البشر. لا يجب أن نخاف من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل ينبغي أن نستخدمها لصالحنا. ويواصل مكي: لعلّك تتعجب أنَّ الكلام السابق مكتوب في أجزاء منه بالذكاء الاصطناعي، ويتساءل: فهل تستطيع استخراج الجمل التي كتبتها التطبيقات والجمل التي كتبتها أنا؟

آلة غربية غير محايدة لا تُخرِج محتوى صحيحاً

من جانبه، يقول زين عبد الهادي، أستاذ علم المعلومات في جامعة حلوان، لرصيف22: "هناك أمور عدة تحكم الشات بوت والشات جي بي تي وغيرهما من أدوات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى، وذلك بناءً على تجربتنا العلمية والمعملية مع مثل هذه الأدوات في ما يتعلق بالمحتوى العربي، أولها أنَّه غير محايد ويخضع لإملاءات السياسات الغربية، وسيصدمك دائماً بأنَّ ذلك ما أُملي عليه وأنه لن يستطيع تغيير النتائج وأنه مجرد آلة أو برنامج أو تطبيقات تخضع لأفكار سيدها الذي أنشأها، وهذا بالطبع يخرجه من صناعة محتوى سليم ومتوازٍ وصحيح. وينتقد عبد الهادي الآلية التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي، مبيّناً أنه يعتمد على سلسلة من الأوامر من السهل كسرها وعلى ذلك سيبدو المحتوى غريباً وشاذاً وناقصاً المنطق الإنساني الذي تعوّدنا عليه.

ويضيف أستاذ المعلومات: تصلح هذه البرمجيات فقط في كتابة مقدمة سيحصل عليها من أي مقال، ويمكن أن يُقدِّم معلومات وحقائق مهمةً ستحتاج في النهاية إلى التدخل البشري. ويؤكد على أنَّ كل هذه البرمجيات تصلح لكتابة مقال أو دراسة لطالب لم يتعدَّ المرحلة الابتدائية أو تقديم معلومات أولية محدودة ولذلك يجب استخدامها بحذر شديد ونسبي ولأغراض محدَّدة فلا توجَّه بمعلوماتها إلى طلاب وتلاميذ مراحل تعليمية متدنية أو بدائية، كما لا يمكن استخدامها في صُحف أو مراحل تعليمية متقدمة. أما في ما يخص المحتوى باللغة العربية، فما زالت فيه مشكلات كثيرة متعلقة بصياغة الجملة في اللغة العربية، وسيُلاحَظ ذلك بسهولة كلما تقدمنا في التعامل مع هذه البرمجيات، كما أنَّ بنية الكلمة العربية تشكل تحدياً في التعامل الآلي مع المحتوى العربي وفقاً لزين عبد الهادي.

ويضرب لنا أستاذ علم المعلومات هنا مثالاً متعلقاً بالمتشابه حرفاً والمختلف مضموناً ومعنىً، فيقول: "وهذا أمر ضخم في العربية يمكن أن يعمل على تشويه المحتوى الخارج من تلك البرمجيات". ويؤكد أنه يجب أن يكون معلوماً أنَّ تقنيات الذكاء الاصطناعي هي برمجيات صُنعت لمساعدة الإنسان وليس لتحلّ محله، كما أنها ما زالت في البدايات مهما كانت النتائج التي تخرج منها، وعلى أي حال كل ما أشرت إليه هي نتائج اختبارات معملية خضعت لتمحيص وتحليل معملي.

تخوّفات مثل التخوّفات القديمة من الإنترنت

يقول محمود شريف زكريا، أستاذ تقنيات المعلومات في جامعتَي عين شمس والمدينة المنورة، إنَّ ما يُثار الآن من كلام حول الذكاء الاصطناعي يشبه ما أثير حول شبكة الإنترنت عندما دخلت حياتنا فجأةً، فقد انطلقت شبكة الإنترنت في الستينيات، ثم تطورت بعد ذلك شبكة الويب تحديداً سنة 1989، ثم بدأنا نتعامل مع تطبيقات الويب 1 والويب 2.

ويواصل: في البداية عند تعاملنا مع تطبيقات الويب 1، كنا نعيش حالةً من المناقشات تشبه ما يثار حالياً حول الذكاء الاصطناعي من مزايا وعيوب، فكان هناك كلام حول ما للإنترنت وما عليه، وكأنَّ الناس الآن يحاولون استلهام المخاوف نفسها والتحديات ذاتها التي كانت موجودةً عند الأجيال السابقة عند ظهور شبكة الإنترنت. وهنا يؤكد خبير تقنيات المعلومات على أهمية الوعي في استخدام الذكاء الاصطناعي كما هو الحال مع الحاجة إلى الوعي عند استخدام الإنترنت. ويوضح زكريا: الاستخدام الواعي للذكاء الاصطناعي سيكون له أثر عظيم على كل المجالات، خصوصاً على البحث العلمي.

لا حاجة إلى تعلّم لغات أجنبية مع الذكاء الاصطناعي

وعن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال اللغات، فإن الذكاء الاصطناعي سيجعل الناس غير محتاجين إلى تعلم اللغات؛ فمن خلال تطبيق ذكاء اصطناعي على الجوال يمكن لشخص ما في سوق أو في اجتماع فيه أناس يتحدثون لغات مختلفةً أن يتغلَّب على مشكلة الحاجز اللغوي ويتواصل مع هؤلاء الناس وذلك بأن يترجم له تطبيق اصطناعي ما يقولون إلى لغته الأم.

وفي ما يتعلق بالاجتماعات التي تُعقد عن بعد، فإنَّ الذكاء الاصطناعي يساعد من دخل متأخراً إلى الاجتماع بأنَّ يلخص له ما حدث من مداخلات وحوارات في الفترة التي لم يكن حاضراً فيها، وكذلك يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم ترجمة فورية للغات مختلفة في أثناء هذه الاجتماعات، حيث يُثَبِّت شخصاً عنده لغة واحدة كالعربية مثلاً، وعندما يتكلم في الاجتماع شخص ألماني وآخر فرنسي وآخر روسي كلٌ يتكلم بلغته الأم، يتلقى هذا الشخص ما قيل مُدبلجاً إلى العربية. وهذه ميزة كبيرة تُسَهِّل الاتصال العلمي والتواصل بين البشر بشكل عام، ولكن ربما تخلق تكاسلاً عن تعلم اللغات الأجنبية، وفقاً لمحمود زكريا.

جماليات الأدب لا تنقاد للذكاء الاصطناعي

من جانبه، يقول الأكاديمي والمترجم المصري إبراهيم فوزي، لرصيف22: يشهد الذكاء الاصطناعي والترجمة تغيرات متسارعةً في الآونة الأخيرة، إلا أنه لم يتم تحديد تأثير الذكاء الاصطناعي على المترجمين بدقة. ويضيف فوزي: يرى بعض المترجمين الأدبيين أن الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي ستفرض نفسها بقوة في المستقبل القريب، وهناك فريق آخر -أنا منه- يرى أن تحرير الترجمات التي أنتجها الذكاء الاصطناعي يستغرق وقتاً أطول بكثير من الوقت الذي تستغرقه عملية الترجمة من البداية، كما أن النتيجة تكون محبطةً للغاية وغير مرضية إذا قارنّاها بترجمة قوية تلائم الغرض من البداية. ويطرح إبراهيم فوزي أيضاً تساؤلاً: هل سيرغب أي شخص في قراءة قصص أو قصائد من تأليف الذكاء الاصطناعي؟

يقول محمود شريف زكريا، أستاذ تقنيات المعلومات في جامعتَي عين شمس والمدينة المنورة، إنَّ ما يُثار الآن من كلام حول الذكاء الاصطناعي يشبه ما أثير حول شبكة الإنترنت عندما دخلت حياتنا فجأةً.

ويحكي فوزي عن مسابقة نظّمها معهد غوته في لندن فريدة من نوعها بين المترجمين والترجمة الآلية لترجمة بعض النصوص من الألمانية إلى الإنكليزية. في هذه المسابقة تنافس كل من كريستوف فريكر من جامعة بريستول، وآيشا تركوجلو ضد كل من: Google Translate وDeepL وChatGPT. وجرت المنافسة على ثلاث جولات، الأولى ضد Google Translate الذي كانت ترجمته غير متماسكة، ولم يهتم بجماليات النص، لذلك صوَّت الجمهور لصالح الترجمة البشرية، وهو الأمر الذي تكرر في الجولة الثانية ضد DeepL؛ حيث جاءت ترجمته حرفيةً. أما في الجولة الثالثة والأخيرة، ففاز ChatGPT لأنه أنتج نصاً يشبه تلك النصوص البشرية بناءً على المدخلات التي زوِّد بها، وحافظ على جماليات النص. لكن، حتى ChatGPT لا يلغي وجود البشر، فأحياناً تعطيه أمراً، فيردّ بأنه في حاجة إلى مراجعة مترجم/كاتب محترف. ويوضح أنَّ برامج الذكاء الاصطناعي تتدرب عادةً على إنتاج نصوص سلسة، لذلك هي غالباً ما تُنتج ترجمات سطحيةً؛ بحيث تبدو جيدةً وتُفهم بسهولة حتى وإن كان ذلك على حساب النص الأصلي إلى درجة أنها تختلق جملاً وعبارات ليست في النص الأصلي ولا تضيف إلى جمالياته. هذه الأمور لا يمكن ملاحظتها من قِبل أولئك الذين لا يعرفون لغة النص الأصلي. اللغة أكبر من مجرد سلسلة من الكلمات ومعانيها، إنها وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية، فمن دون سياق ثقافي ستستمر أنظمة الترجمة الآلية في إعلاء النظرة الغربية/الاستعمارية، ما يجعل من الصعب على برامج الذكاء الاصطناعي فهم خبايا معظم لغات العالم غير الإنكليزية. من ثمَّ لا ينبغي مطلقاً استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من دون مراجعتها جيداً، ولا يجب استخدامها في الترجمة من/إلى اللغات المهمشة، أو ترجمة النصوص بالغة الأهمية، وفقاً للمترجم والأكاديمي إبراهيم فوزي.

وفي سياق متصل يقول فوزي: روى لي بعض المترجمين في المملكة المتحدة بعض الحالات التي قدّم فيها الناشرون مسودةً أنتجها الذكاء الاصطناعي معتقدين أن هذه المسوّدات تساعد في تسريع عملية الترجمة، لكنها ذريعة لخفض أجور المترجمين (القليلة بالفعل) لأن الترجمة الأدبية تتطلب مهارةً عاليةً وفهماً عميقاً للّغتين (المصدر والهدف).

الذكاء الاصطناعي لا يعرف الشعور

ويحكي فوزي أيضاً عن تجربة شخصية له مع التأليف باستخدام الذكاء الاصطناعي: بينما كنت أجلس مع صديقي الدكتور أحمد فتحي ذات مساء، طلبنا من ChatGPT كتابة قصيدة عن الصداقة، فكانت النتيجة كالتالي:

"في رحاب الصداقة نمضي معاً،

كالنجوم التي تتألق في السماء الزرقاء.

صداقةٌ كالنسيم تهبُّ عذوبةً،

تجمعنا في دائرة المحبة الوفية".

ويضيف: عندما طلبنا منه أن تكون أكثر إبداعيةً، كانت النتيجة:

"في حدائق الصداقة نتجول بلا هوادة،

كأطياف الألوان ترسم الحياة بفنونها.

نحن الأصدقاء، عهدٌ وفاء وسعادة،

ننثر الفرح في مسارات الأيام المتلونة".

ويعدّ فوزي هذه النتيجة مكررةً وتخلو من الجماليات، وكلما طالت القصيدة أصبحت أكثر تكراراً وغير منطقية، وهو الأمر نفسه في الترجمة.

استخدام محدود وحذر

في حالة كتب الأطفال المصوّرة، يقوم بعض الناشرين بالاستغناء عن المترجمين عندما يتعلق الأمر بترجمة الكتب التي يرونها "سهلةً" من وجهة نظرهم؛ حيث يقدّم الوكلاء الأدبيون عيّنات من الترجمة أنتجها الذكاء الاصطناعي، وبعدها يقوم المحررون الذين يعرفون اللغة المترجَم إليها -في هذه الحالة الإنكليزية- بإجراء بعض التعديلات على النص، وهذا يكون على حساب بعض التفاصيل الدقيقة، كما أن ذلك يمثل مخاطرةً كبيرةً في تفسير نوايا المؤلف، وذلك كما أوضح إبراهيم فوزي لرصيف22.

وفي النهاية يحذِّر الباحث والأكاديمي إبراهيم فوزي، المترجمين الأدبيين وينصحهم بعدم الاستسلام لسلطة الذكاء الاصطناعي، فما هو إلا أداة تساعدنا في صياغة ترجمة أفضل، ويؤكد: نحن "المُدَرِّبين" لهذه التقنيات، نستخدمها وننقد اقتراحاتها كما نستخدم القواميس والمعاجم، بمعنى أنها تزودنا بخيارات لغوية، ثم بعد ذلك نختار الكلمات والعبارات والجمل التي تحقق الغرض الذي نريده من أجل إنتاج نص متماسك، وصحيح، وموثوق.

لا تركنوا إلى الذكاء الاصطناعي وتهملوا الذكاء الطبيعي

من جانبه، يقول عماد عيسى صالح، أستاذ علم المعلومات في جامعة حلوان، لرصيف22: دعنا نتفق في البداية على أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي تقنية بدأت وستستمر كما حدث مع التقنيات الكثيرة السابقة، ولا بد أن نعترف بأنها أصبحت أمراً وجودياً ومتطوراً بسرعة هائلة.

ويضيف: التخوف من الذكاء الاصطناعي هو كأي تخوف من التكنولوجيا في بدايتها، وهو تخوف مقبول ومفهوم. ويؤكد على أن الذكاء الاصطناعي ما زال أداةً ستتطور بفعل تقنية التعلم العميق (Deep Learning) وفيه يتعلم الذكاء الاصطناعي من مدخلات المحتوى الواردة من البشر ومن التغذية الراجعة (Feedback) الواردة من تقييمات البشر لطبيعة الأسئلة؛ وبذلك فإنَّ الذكاء الاصطناعي في النهاية يحتاج إلى المدخلات (Input) الواردة من جهة البشر.

ويوضح أستاذ المعلومات أنَّ التشاؤم الحادث بسبب تطورات الذكاء الاصطناعي لن يُجدي؛ لأنَّ الذكاء الاصطناعي قطار انطلق من محطته وسيستمر في السفر وسيواصل في التطور من جهة التقنيات والأدوات وكذلك تطور المحتوى في الوقت نفسه، وليس أمام مهن صناعة المحتوى والنشر إلا أن تتعامل مع هذا التطور، فمثلاً مشكلة إنتاج كتب كاملة باستخدام الذكاء الاصطناعي أنه يجب أن تكون هناك تشريعات الملكية الفكرية وقوانينها التي تتعامل مع هذه الإشكالية.

ويبيّن عيسى أنَّ بعض المجلات العلمية بدأت تتعامل مع بعض الاستشهادات التي تأتي في بعض البحوث الناتجة عن استخدام الـChatbots ومحركات البحث التوليدية، وهذا ما يثبت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث والتأليف أصبح أمراً واقعاً، وبناءً على ذلك يجب النظر إلى أدوات الذكاء الاصطناعي على أنها أدوات تساعد في إنجاز المهام والأعمال.

ويوضح عيسى أنَّ الإشكالية ليست في كون تقنيات الذكاء الاصطناعي أدوات، ولكن الإشكالية في أثر الاعتماد الكامل على مثل هذه التقنيات. يقول: فإذا كان الذكاء الاصطناعي بذكائه الاصطناعي يساعد الإنسان في إنجاز أعماله، فالخوف من أن يركن الإنسان إلى هذه الأدوات ويتوقف عن تنمية ذكائه الطبيعي بما يشتمل عليه من تنمية إبداعاته ومحتوى يدخل إلى أدوات الذكاء الاصطناعي حتى تتعلم، ومن هنا التخوف، وليس التخوف من إحلال الذكاء الاصطناعي محل المهن المختلفة.

ويؤكد عيسى أننا ما زلنا في مرحلة اللعب، حيث ما زال الناس يقومون باللعب بهذه الأدوات بقصد استكشاف القدرات والإمكانات المختلفة لهذه التقنية حتى يصلوا إلى درجة من النضج والتوصل إلى توظيف هذه التقنيات في إنجاز المهام.

اجترار وتكرار من دون إبداع بشري

تفكير الشركات والمؤسسات في استخدام الذكاء الصناعي من خلال تقنية الـChatbot في تنفيذ المهام المختلفة، هو نوع من التسرع، وهذا الإحلال ليس وقته الآن على الإطلاق؛ فأدوات الذكاء الاصطناعي ما زالت بحاجة إلى المزيد من التقييمات وهي لم تصل بعد إلى المستوى المرغوب، ولكنها من المتوقع أن تصل. فإذا أخذنا في تغذيتها بالتلقيمات الراجعة Feedback بهذه السرعة وبهذه الكمية، فمن المؤكد أنها ستتمكن من أداء وظائف أفضل، لكن يظل الإبداع الإنساني الذي يُنتج من اللاشيء هو الأساس، فهذا الإبداع هو تركيبات غير توليفية؛ فالإنسان عندما يُبدع فإنه يبتكر شيئاً غير مسبوق، لكن ما تقوم به أدوات الذكاء الاصطناعي الآن عبارة عن توليفات و"تربيطات" وعلاقات بين محتوى سابق بطريقة قوية جداً، ولكن في النهاية هذا المحتوى آت من كمية الإنتاج الفكري الذي أبدعه البشر، وفقاً للدكتور عماد عيسى صالح أستاذ علم المعلومات.

تفكير الشركات والمؤسسات في استخدام الذكاء الصناعي من خلال تقنية الـChatbot في تنفيذ المهام المختلفة، هو نوع من التسرع، وهذا الإحلال ليس وقته الآن على الإطلاق؛ فأدوات الذكاء الاصطناعي ما زالت بحاجة إلى المزيد من التقييمات وهي لم تصل بعد إلى المستوى المرغوب

ويضيف أيضاً: إذا توقف البشر عن الإبداع وعن إعمال العقل وعن التأليف، وعن اللمسة الإنسانية في الترجمة، ستظل هذه التطبيقات تجترّ المحتوى إلى أن تصل إلى درجة سيصبح فيها المحتوى مكرراً بسبب كثرة تركيباته المختلفة، وحتى لو افترضنا أنَّ ما أنتجته هذه الـChatbots تمت تغذيته مرةً أخرى، فسنظل ندور في حلقة مفرغة لأنها لم تتم تغذيتها بإبداعات جديدة، فمثلاً لو استخدمنا ChatGPT وأعطيناه سؤالاً وقلناه له إنَّ إجابته غير مُرضية ولم نعدِّل الصياغة، فإنه سيُعطيك إجابةً ثانيةً، وإجابةً ثالثةً، فإذا نظرت إلى الإجابات بعد الإجابتين الثالثة والرابعة ستجد أن الكلام إلى حد ما عبارة عن توفيقات وتبديلات، فهو يعيد الكلام نفسه لأنه يستخلص من المصدر نفسه، فنحن لم نغيّر طبيعة السؤال، وتالياً لم يبحث ChatGPT في مصدر آخر. فإذا توقف الإبداع البشري فإن هذه الأدوات ستصل إلى نقطة ما ولن تتقدم.

لننتبه... هناك مخاطر ووظائف مفقودة

ويؤكد عماد عيسى صالح، أستاذ علم المعلومات، أنَّ فرص العمل ستتأثر، وهناك وظائف فعلاً قد تنتهي ليس على المدى القريب ولكن على المدى البعيد، وهو ما سنجده قد حدث من قبل إذا ما تتبّعنا تطور التكنولوجيا، فقد اتجهت المصانع إلى الروبوتات والأجهزة في القيام بالأعمال الروتينية الدقيقة، فالمصانع لم تستغنِ عن كل العمالة، ولكنها أوكلت بعض الوظائف إلى هذه الأجهزة.

وشدد عيسى على أنَّ هناك خطراً على صناعة المحتوى؛ لأننا لو تركنا أدوات الذكاء الاصطناعي تقوم بذلك من دون ضوابط ومن دون تحذيرات ومن دون وعي، سنجد أننا في النهاية نتعامل مع توليفات من نصوص سابقة وتركيبات لا تُمثِّل جديداً وتفتقد اللمسة البشرية. وهنا لا بد من الاهتمام بالضوابط والأخلاقيات وتنمية العقل وتنمية الإبداع وتنمية الوعي حتى نجعل الناس تفكر في تقنيات الذكاء الاصطناعي كأدوات وليس كمنتج نهائي، فالبشر يجب أن يتدخلوا على الأقل في المدى القريب وليس في المدى البعيد.

وأوضح أيضاً أنه ليس عندنا تصور واضح حول ما ستؤول إليه الأمور في ظل تطور أدوات الذكاء الاصطناعي هذه مع كمية المحتوى الذي يغذّي به الناس تلك الأدوات عن قصد أو من دون قصد من خلال ما يقومون به من استكشاف وتجريب لإمكانات تلك الأدوات مع تطور الخوارزميات الخاصة بالتعلم العميق. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image