استفاقت شيماء (44 عاماً) من محافظة النجف، وهو اسم مستعار، على صوت والدها في زيارة صباحية مفاجئة لبيتها الزوجي يناديها: "اصحي من غفوتك وجهزي نفسك، سوف نذهب إلى الديوان اليوم".
تقول لرصيف22: "دخلت الشكوك إلى صدري، لأن الديوان هو مكان مخصص لاجتماع سادات قبيلتنا ومحظور على النساء، لم تسبق لامرأة أن دخلته باستثناء عاملات التنظيف".
صورة والدي بدلاً من صورتي في إعلاني الانتخابي
تعمل شيماء مديرة مدرسة في أحد أقضية النجف، وقد رفضت ذكر وقت تسلمها في الدورة البرلمانية حفاظاً على سلامتها. تكمل حديثها: "الكتلة السياسية التي ينتمي إليها والدي وشقيقي وزوجي كانت بحاجة إلى ترشيح امرأة، فوقع الاختيار علي. فجلست في الديوان وتحدث أولياء أمري نيابة عني مع أبناء عمي وأهالي المنطقة، وأخذوا على أنفسهم المواثيق والعهود وتم توزيع الأصوات بيني وبين مرشحي الكتلة الآخرين".
وبالحديث أكثر عن تجربة شيماء في الدعاية الانتخابية التي سبقت صناديق الاقتراع، تقول: "كان معي مرشحون في الكتلة السياسية، وقد وضعوا صورهم في بوسترات مطبوعة في الشوارع، ولكن كان الوضع مختلفاً بالنسبة لي، فقد وضعوا صورة والدي بدلاً مني، وكُتب اسمي بالطريقة التالية (انتخبوا مرشحتكم ابنة الحاج فلان وشقيقة كل من فلان وفلان، وزوجة فلان)".
تتابع شيماء مؤكدة أن الوضع مع تسلّمها منصب البرلمان لم يختلف كثيراً عن إدارة المدرسة، تقول ضاربة مثلاً من حياتها اليومية: "إذا طلب مني أولياء أمري أن أنجح طالباً في المدرسة وهو كسول ولا يستحق النجاح، فهل يحق لي الاعتراض؟ من غير المنطقي أن أرفض، والسبب أننا تربينا على طاعة الأوامر".
استفاقت شيماء على صوت والدها في زيارة صباحية مفاجئة لبيتها الزوجي لترافقه إلى الديوان، وهناك اكتشفت أن الحزب الذي ينتمي إليه هو وشقيقها وزوجها كان بحاجة إلى ترشيح امرأة للبرلمان، فوقع الاختيار عليها
تروي البرلمانية السابقة أن المكتب الخاص بشؤون المواطنين كان يديره زوجها بمساعدة أشقائها، هم من يقررون من يساعدون ومن يهملون، بينما هي محصورة في الحضور بالمجالس الحسينية النسائية أو المناسبات التي يقيمها والدها أو والد زوجها، و"المرتب الشهري كان مقسماً بين الحزب وبين والدي ولي النصيب الأخير".
"لست راضية عن الخدمة التي قدمتها في الدورة البرلمانية لمدة أربع سنوات، حتى اسمي في الشارع لم يكن مطروقاً، ولكن الاعتراض على قرارات عوائلنا مصيره إنهاء مسيرتنا العملية أو التعنيف، حتى وإن استدعى الأمر الموت"، تقول شيماء.
أزواج يرافقون زوجاتهم إلى البرلمان
تأكيداً على السيطرة الذكورية التي تمارسها العوائل والكتل السياسية على البرلمانيات، تقول النائبة السابقة من البرلمان ريزان الشيخ ديلر: "شاهدت خلال مزاولتي العمل في البرلمان أزواجاً يرافقون زوجاتهم إلى قبة البرلمان، وإلى القنوات التلفزيونية، وإلى المؤتمرات، بينما هي تنتظر الضوء الأخضر منهم قبل إبداء رأيها، فقرارها مبني على موافقتهم".
تضيف: "البرلمانيات يصلن إلى القبة من خلال أحزابهن السياسية، وبالتالي السيطرة على آرائهن واردة، وبالمجمل فإن أغلب البرلمانيات غير فاعلات، وفي وقت أخذ القرارات المهمة، إن كانت متغيبة أو حاضرة، يتم التوقيع على القرار من قبل حزبهن بدلاً عنهن".
وتشير إلى أن البرلمانيات المتفاعلات والمهتمات بحقوق المرأة لا يتجاوزن عدد أصابع اليد الواحدة منذ عشرين سنة، ويتعرضن لحملات تسقيط، ويعانين من الخوف وعدم الارتياح، على العكس من البرلمانية الصامتة التي تعد مكسباً للأحزاب السياسية.
البرلمانيات المهتمات بحقوق المرأة يتعرضن لحملات تسقيط ويعانين من الشعور بالخوف وعدم الارتياح، كما تتعرض البرلمانيات عموماً للتحرش وللمساومات داخل القبة.
وبحسب ديلر، فإن البرلمانيات داخل قبة البرلمان يتعرضن للتحرش وللمساومات، وتصف عملهن بالأكثر صعوبة لمواجهة التحديات والصعوبات، ولهذا انعكس دورهن السلبي على واقع المرأة.
البرلمانية لا تمثل المرأة العراقية
تجد ناشطات وحقوقيات أن "البرلمانيات" لا يمثلن المرأة العراقية التي يصفها الشارع العراقي بأنها "تعادل ألف رجل". فقد مرت العراقية بمراحل من التهميش لسنين طويلة بسبب الحروب والأزمات، إلا أنها استطاعت أن ترتقي بواقعها وتعبر شوطاً، هذا الرأي توافقه الكاتبة العراقية الرائدة في المجال الثقافي منى سعيد، وتصف برلمانيات الكوتا "بالملالي".
وتشير إلى أن كثيراً من البرلمانيات في المجلس يمثلن مصالح الأحزاب السياسية ولا شأن لهن بالمصالح التي تصب في منفعة المرأة، بل يساهمن في التصويت على قوانين تحجم دور المرأة وتُضعفها، مثل مقترح تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، وهو سحب حضانة الأطفال من الأم بعد الطلاق.
وتلفت أيضاً إلى غياب البرلمانيات من الحضور والاختلاط بالنساء للتعرف على مشاكلهن، باستثناء عدد قليل من البرلمانيات وغالبيتهن من إقليم كردستان، وذلك من واقع خبرتها وحضورها المستمر في المحافل والمؤتمرات التي تعقدها منظمات المجتمع المدني المعنية بتطوير المرأة،
وتنقل محادثات حضورها في الماضي القريب في مؤتمر أعدته رابطة المرأة العراقية في السليمانية، تقول سعيد: "ناقشنا في المؤتمر أهم التحديات التي كانت تواجه البرلمانيات، وقد حضرت المؤتمر ثلاث برلمانيات في الدورات السابقة، وأوضحن أسباب فشل برامجهن التي تم إعدادها من أجل النهوض بواقع المرأة وتمكينها اقتصادياً، ورفع الظلم عنها من خلال إقرار قوانين لحمايتها مثل قانون العنف الأسري، وما أعاق هذه البرامج التطويرية للمرأة هو عدم موافقة البرلمانيات التابعات للأحزاب الإسلامية ورفضهن التصويت، وكان ردهن باللهجة العراقية (احنه وره أبو خبزتنا)".
كما تصف وجودهن في العملية السياسية بالـ"صدفة"، فهن يجهلن القانون والسياسة، كما لاحظت عدم اهتمامهن بمظهرهن الخارجي مقارنة ببرلمانيات دول الجوار اللواتي يتعاقدن مع شركات الأزياء من أجل ضمان ظهور مناسب يلائم مكانتهن التي تمثل نساء البلد سواء كانت محجبة أو سافرة.
سطوة عائلة "البرلمانية" على التصويت
ريام (40 عاماً) من الموصل، اسم مستعار لها، تقول وهي مستاءة من وضعها: "بعد أن خرجت داعش من الموصل، اندمجت في دورات تدريبية وتطويرية، ظناً مني أن نظرة عائلتي وسلوكهم تغير بعد سماحهم لي بالظهور ومزاولة العمل السياسي".
تسترسل بحديثها وهي تجهش بالبكاء، وتعرض جسدها المملوء بآثار الضرب إزاء تعنيف أشقائها لها، تقول: "بعد ترشيحي لقبة البرلمان كمرشحة مستقلة، ظهرت أثناء فترة الترشيح بشعبية لا يستهان بها. هذا ليس أمراً هيناً، فقد أمسكت الخيط وتمسكت به بسبب الأعمال التطوعية والخيرية وتدويني لمشاكل الناس الضعفاء في السنوات الماضية، وقد وعدتهم أن أكون خير الممثلين بإيصال أصواتهم".
برلمانية سابقة: "شاهدت خلال مزاولتي العمل السياسي البرلماني أزواجاً يرافقون زوجاتهم إلى قبة البرلمان والقنوات التلفزيونية والمؤتمرات، بينما هي -البرلمانية- تنتظر الضوء الأخضر من ولي أمرها قبل إبداء رأيها"
تضيف: "بعد أن ظهرت شعبيتي، ظهرت أطماع الحزب الذي ينتمي إليه أشقائي، وفجأة وجدت نفسي مجبرة على الانضمام إليهم من شدة التعنيف. كنت على دراية بأن الاستمرار بالرفض يعني الموت، فأشقائي في تلك الفترة كانوا يستعرضون سلاحهم طوال الوقت"، وتقول إنها خاضت الانتخابات مع "الحزب الفاسد" كما وصفته، وبعد فوزها أجبروها على التنازل من أجل أن تصل مرشحة أخرى إلى كرسي البرلمان. وتجزم ريام أن المرشحة التي نابت عنها كانت لم تدرك ما معنى برنامج سياسي أو خطة سياسية لمدة أربعة أعوام.
وتختم: "الأحزاب السياسية الدينية تصر على بقاء النساء معنفات ومكممات الأفواه من أجل أن لا نسحب البساط من تحت أرجلهم". وعن أسباب عدم رفع شكاوى للمركز الأمني بتعنيفها تقول إن الجواب تفقهه جميع النساء، إذ "تؤول جميع قضاياهن إلى ورقة تعهد بعدم التعرض وهي لا تحمي أصلاً. فبعد هذه الورقة ماتت عشرات النساء وسجلت قضاياهن كقتل بدواعي الشرف".
الاستيلاء على حصص النساء في البرلمان
الكوتا هو نظام متبع في شغل مقاعد نسائية في البرلمان العراقي والذي يتمثل بـ25%. ترى أستاذة القانون بشرى العبيدي أن "الكوتا تعد إخلالاً جسيماً بمبدأ المساواة الذي أقره الدستور العراقي". وبحسبها فقد تم التحايل في كل الدورات الانتخابية على حصص النساء، فالقانون ينص على أن المرشحين الأعلى أصواتاً في الدائرة الانتخابية هم الفائزون (رجالاً أو نساء)، ولكن يتم احتساب الأعلى أصواتاً للنساء ضمن مقاعد الكوتا. بينما لا يجب أن تحتسب من تحصل على أعلى الأصوات من حصة الكوتا.
وبحسب دراسة صادرة عن مركز دراسات "LSE" البريطاني فقد "تراجع نطاق قوة المطالبة بحقوق المرأة لارتباط مرشحات بأجندات سياسية وحزبية"، وذلك رغم زيادة مقاعد كوتا النساء في انتخابات 2021 بنسبة 14% عن المعدل المضمون 25% وفوزهن بـ 95 مقعداً.
بينما يقول منسق عام شبكة شمس لمراقبة الانتخابات هوكر جتو لرصيف22: "إننا بحاجة ماسة إلى تمكين المرأة العراقية اقتصادياً من أجل أن تكون مهيأة لاتخاذ قراراتها دون العودة إلى الولي الجبري". ولا ينكر أن البرلمانيات يتم وضعهن تحت ضغوط من قبل عوائلهن وكتلهن السياسية. فبحكم عمله يتواصل معهن باستمرار وقد شاهد بعض الحوادث منها "تهرب البرلمانية من الحضور بحجة السفر أو المرض من أجل أن لا يتم إرغامها على قرار لا ترغب باتخاذه".
ويتابع: "السلطة على النساء صاحبات القرار وصلت إلى أن يقترح مجلس محافظة الكوت قانون السماح للبرلمانية بتعيين أحد محارمها لمرافقتها في الجلسة بحجة حمايتها. وهذه رسالة مبطنة بأن المرأة لا تستطيع في مجتمعنا أن تحمي نفسها، فكيف لها أن تتخذ قراراً؟".
ويرى أن المجتمع العراقي بحاجة ماسة إلى وجود "كم" المرأة في الحياة السياسية، وبعد تواجدها بالكم نتجه إلى "النوع". ولا ينفي جتو الدور السلبي للحملات التسقيطية والتنمر اللذان تواجههما البرلمانيات منذ بداية انغماسهن في الحياة السياسية، مثلاً نشر مقاطع إباحية مفبركة للمرشحات تستحوذ مواقع التواصل الاجتماعي أيام الانتخابات. وهي الحملات التي ساهمت في انسحاب الكثيرات وحجبت عند بعضهن التفكير بالترشح بالرغم من توفر المؤهلات لديهن.
وحول ادعاءات الناشطات بأن البرلمانيات الحاليات لا يمثلن المرأة العراقية، يعلق جتو أن المفوضية العليا لا تهتم بأن يكون لدى المرشحة أو المرشح معرفة سياسية يرتكز عليها، فمتطلباتها بحسب قانون الانتخابات تتحدد بأن يكون المرشح قد أتم عمر الثلاثين، ومن خريجي الثانوية أو الجامعة، كما تعتمد المفوضية على الكتل السياسية في تقديم مرشحيها مع برامجهم السياسية.
كان مجلس محافظة الكوت قد اقترح قانوناً يسمح للبرلمانية بتعيين أحد محارمها لمرافقتها في الجلسة بحجة حمايتها!
تقول أميرة الجابر وهي ناشطة وصحافية تعمل في منظمات المجتمع المدني التي تهدف لتنمية قدرات النساء من أجل الخوض في العملية السياسية إنها تحبذ أن تكون هناك معايير خاصة تتوفر في المرشح/ة، تقاس بسنوات الخبرة لمعرفة مشاكل المواطنين، أو أن تسهم المفوضية في إشراك المرشحين بدورات قبل الترشيح. فمن غير المعقول أن تعتلي مرشحة قبة البرلمان وهي لا تدرك بماذا تتحدث أو ماذا تفعل. فيما تتهم منى سعيد المفوضية بعدم البراءة من مشاركة الأحزاب السياسية في الفساد والتزوير وسرقة الأصوات.
من جانبها، تؤكد المستشارة النفسية إخلاص جبرين أن البرلمانيات تحيط بهن ظروف صعبة للغاية تجعلهن عرضة للإصابة بأمراض نفسية خطيرة مثل الانهيار العصبي والاكتئاب. تقول: "استشارتني أكثر من نائبة كنّ يعانين من تأنيب الضمير لأنهن ساهمن في قرارات أجبرن عليها من قبل عائلاتهن".
وتضيف: "قد يكون القرار محرضاً على القتل أو ضد قناعاتها. أو قد تعاني بعضهن من أزمة نفسية لأن سمعتهن قد تزعزعت. من هذه الحالات زارتني قبل عامين مرشحة طلقها زوجها لانصياعها لرغبة والدها الذي شجعها على الترشح. وخلال الحملة الانتخابية كانت صورتها في منطقة شعبية فاجتمع مجموعة من الشباب للتحرش بمفاتنها في الصورة، ومارس أحدهم العادة السرية وتم تصوير المقطع ونشره على مواقع التواصل، مما سبب لها أثراً نفسياً صعباً".
وتشير جبرين إلى أن من أكثر الصراعات التي تواجهها البرلمانية هي عدم قدرتها على التوفيق بين طلبات عائلتها وزوجها، إذ يسعى الطرفان إلى استغلال منصبها والاستحواذ على قراراتها، مما يؤدي إلى طلاق الكثيرات منهن بعد تولّي المنصب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.