شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصص مثليين شيعة في العراق...

قصص مثليين شيعة في العراق... "الله يحبنا والمجتمع يرفضنا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الأحد 26 مايو 202401:15 م

عند الحديث عن أفراد مجتمع الميم-عين، غالبًا ما يواجهون الأحكام المسبقة، كالصور والقوالب التي يتخيلها المجتمع الكبير عن أفراد هذا المجتمع الصغير في العراق. لتبدأ رحلة التساؤلات حول ماهية الديانة التي يتبعونها، وهل لهم دين واحد؟ وهل هناك تنوع للأفكار الدينية داخل هذا المجتمع؟ 

مثليون مسلمون... نعم 

تتحدث الدكتورة سارة وهي باحثة اجتماعية عراقية لرصيف22 عن الهوية الدينية المتوقعة من مجتمع الميم عين في العراق، تقول: "المجتمع العراقي يرفض أفراد مجتمع الميم عين، ودائمًا ما يربطهم بكونهم لا دينيين، بسبب حياتهم الجنسية لأن الدين يضع ضوابطاً صارمة على الإنسان وجسده، وهذا ليس مقياسًا في ربط الإيمان بالميول الجنسية، ولكن الموضوع يتم تصويره هكذا من وجهة النظر الدينية".

تضيف: "يتم نبذ أفراد مجتمع الميم عين بشكل كبير واعتبارهم أشخاصًا غير محترمين ولا يعرفون ماهية الدين، لأن النص الديني نبذهم وحاربهم، فليس من المعقول في تصور المجتمع أن يوجد أفراد في مجتمع الميم عين ويكونوا مؤمنين في نفس الوقت". 

بحسب استبيان تمّ مؤخراً في العراق، تبيّن أن نصف الأشخاص المشاركين يُعرّفون بأنفسهم كأشخاص من مجتمع الميم عين ومسلمين في نفس الوقت.

بحسب استبيان قامت به منصة گالا المختصة بشؤون أفراد مجتمع الميم عين في العراق، تبيّن أن نصف الأشخاص المشاركين في الاستبيان يُعرّفون بأنفسهم "كأشخاص من مجتمع الميم عين ومسلمين في نفس الوقت".

بدأ المسلم المثلي بالظهور بشكل أكبر على الساحة العالمية في السنوات الأخيرة، مع وجود العديد من المنصات والمشاريع المختصة بالدفاع والحديث عن حرية المعتقد والدين لأفراد مجتمع الميم عين والاحتفاء بهويتهم الإسلامية، وبما أن التشيع هو المذهب الغالب في العراق، فقد عرّف أغلب المشاركين في الاستفتاء أنفسهم كمسلمين من الطائفة الشيعية.

وفي الوقت عينه يمتلك مجتمع الميم عين المسلم الكثير من المنصات والمواقع التي تحتفي بوجوده وتشرح الموضوع من زاوية دينية كمشروع مسلم مثلاً، فعلى الجانب الآخر ما زال الكوير الشيعة يعانون من غياب أي مصدر للمعلومات يشرح لهم الصراع الداخلي لديهم بسبب هويتهم الشيعية والكويرية في المراحل المبكرة لاكتشاف أنفسهم.

يقول شمس (24 عامًا) وهو اسم مستعار لشاب مثلي من البصرة يعمل طبيباً: "أعيش وسط عائلة شيعية محافظة، تربيت منذ طفولتي على أفكار واجهت بسببها صعوبة في تقبل نفسي، وإلى الآن أعاني من هذا الصراع، ولا يوجد هناك شخص أو جهة تساعدنا أو تشرح لنا الموضوع، فنحن نرى أنفسنا مهمشين حتى بالنسبة لحراك مجتمع الميم عين من هذه الناحية".

وبسبب تصدر المذهب السني على أنه المذهب المعياري للإسلام، فأغلب التوجهات الفقهية تهمش الأفراد الذين ينتمون لمذاهب أخرى، إذ تم الاحتفاء بالتاريخ الكويري للمنطقة من منظور سني فقط، أو تم وصف الكوير الشيعة بأنهم متشددون، فما زالت الغالبية ترى عدم إمكانية أن يكون المرء مثليًا وشيعيًا في نفس الوقت، بينما يمكن تقبل ذلك إن كان الفرد ينتمي للمذهب السني.

في هذا الصدد يقول بحر (28 عامًا) وهو مبرمج من بغداد: "لا أتحدث عن الدين أو الطائفة مع أفراد مجتمع الميم عين إلا نادرًا، والسبب أن الكثير منهم يصابون بالخوف مني عند علمهم بتشيعي، وأتوقع أن خوفهم مبرر، بسبب المليشيات الشيعية في العراق، وفي أغلب الأحيان أحاول إضافة الفكاهة إلى الموضوع لكي أقلل من أجواء التوتر عند الحديث في الموضوع".

يهمش أفراد مجتمع الميم عين الشيعة نتيجة لتقاطع الهويتين، فالكويرية هي الهوية المضطهدة والأقلية مقارنة بالغيرية المسيطرة، والتشيع هو المذهب المهمش في الدين الإسلامي الذي يعتبر المذهب السني هو مذهبه المعياري، فحتى إن وجد كوير مسلمون فإنهم سيهمشون الكوير الشيعة بشكل مباشر أو غير مباشر.

يضيف شمس: "دائمًا ما ينتقد الأشخاص داخل مجتمع الميم عين الأفراد الذين يحملون أفكارًا دينية، وبالذات إن كانت إبراهيمية، أما عند معرفتهم بأنني أنتمي للطائفة الشيعية فأتعرض للاستهزاء، وقد أخبرني العديد منهم أنه من الاستحالة أن أكون شيعيًا ومثليًا في نفس الوقت، وهي من العبارات التي نسمعها باستمرار بهدف جعلنا نختار بين الاثنين، إما الهوية الشيعية أو ميولنا الجنسية".

كيف يعيش الكوير الشيعة؟

يقول أحد العاملين في منصة گالا: "بعد النتائج التي حصلنا عليها من الاستبيان قمنا بجمعها ونشرها مع إطلاق منصة جديدة لحل الموضوع، وهي منصة كوير شيعة، التي تهدف لتعزيز الظهور الكويري الشيعي، بالإضافة إلى الاحتفاء بالإرث والتاريخ الكويري الشيعي، كما تحتوي المنصة على العديد من الآراء الدينية لرجال دين وباحثين إسلاميين لديهم آراء متسامحة مع مجتمع الميم عين، ولكنهم يخشون التصريح عنها بشكل علني، والهدف من هذه المنصة هو زيادة التسامح الديني وجعل الأفراد أكثر تقبلاً لأنفسهم". 

يرى البعض أنه بسبب تصدر المذهب السني على أنه المذهب المعياري للإسلام، فأغلب التوجهات الفقهية تهمش الأفراد الذين ينتمون لمذاهب أخرى، فما زالت الغالبية ترى عدم إمكانية أن يكون المرء مثليًا وشيعيًا في نفس الوقت، بينما يمكن تقبل ذلك إن كان الفرد ينتمي للمذهب السني

تعمل أبرار بحرينية الجنسية (30 عامًا) ناشطة في حقوق مجتمع الميم عين ومؤسسة "queer shia collective" وهي أول منصة كويرية شيعية في العالم ومقرها كندا، تقول لرصيف22: "شعرت وكأن هناك صمتًا كبيرًا من المجتمع المسلم الكويري حول وجودنا ومن المجتمع الكويري أيضًا. ولم يكن هناك ذكر لنا ولا لوجودنا في أي مكان. لقد تم محو تجاربنا وهويتنا تمامًا ما جعلني أشعر بالانزعاج والحزن. ومذ بدأت المجموعة حتى يومنا هذا أتلقى رسائل تبدو كأنها تنهيدة غامرة من الارتياح لوجود آخرين مثلهم. هذا الأمر يجعلني سعيدة جداً. وبالنسبة للمجموعات الإسلامية الكويرية الأخرى، فقد أدى ذلك إلى انفتاحهم على الحديث عن الشيعة واحتياجاتهم وخبراتهم وهو أمر رائع للغاية".

ثم تكمل: "نادرًا ما أجد أي مصادر تتحدث عن التشيع أصلاً، ناهيك بالتشيع الكويري! فالإنترنت واسع جدًا، ولكن الموارد التي تتحدث عن المذهب الشيعي قليلة، ويكاد يكون من المستحيل على الأشخاص العثور على موارد تتحدث عن التشيع الكويري. خاصة إذا كان الشخص لا يفهم اللغة العربية الفصحى بطلاقة. وأعتقد أن ما نقوم به مهم لأنها -أي الكويرية الشيعية- هوية يرتبط بها الكثير من الناس، وأنا بالتأكيد أحد هؤلاء الأشخاص الذين ناضلوا مع الهويتين كلتيهما ولم يشعروا مطلقًا بأنهم مرئيون. لكنني أشعر الآن أن لدي مجتمعًا كبيرًا ومؤيدين، وهو أمر جميل. ومع مشاريع أخرى بدأت تظهر، سيكون لدينا القدرة على فهم تاريخنا وهويتنا بشكل أفضل".

الله يحبنا... ولسنا حراماً

يرى أفراد مجتمع الميم عين الشيعة بأن الله يحبهم وهو الذي خلقهم على هذه الصورة، ولا يمكن أن يخلقهم بهذه الصورة ومن ثم يقوم بعقابهم عليها، كما أنهم في أغلب الأحيان يرفضون القراءة الدينية التقليدية، فعند الحديث عن أفراد مجتمع الميم عين المتدينين، يظن الناس أن هؤلاء الأفراد متناقضون، فهم يعبدون الله ويعصونه بشكل واضح في نفس الوقت، ولكن الاختلاف الذي لا يدركونه، هو أن أفراد مجتمع الميم عين، لا يرون أن ما يفعلونه حرام أو أن الله سيعاقبهم عليه، وبذلك يتعايشون مع ميولهم الجنسية وأفكارهم الدينية معًا، دون شعور بأي تناقض.

إبراهيم (23 عامًا) وهو اسم مستعار لطالب جامعي مثلي من النجف، يقول لرصيف22: "رغم قلة عدد من يعرفون بميولي، ولكن أغلبهم يظنون بأني أعيش صراعًا دائمًا بين مذهبي وميولي الجنسية، لأن لدي حبًا كبيرًا لمذهبي، فهم يعتقدون بأنني أخدع نفسي لأن من المستحيل على الشخص أن يوازن بين الاثنين، ويروني كشخص لا يعلم شيئًا، لأن الأمر أبيض وأسود وفق منظورهم، فإما أن تكون مع القراءة الدينية التقليدية والرأي السائد، أو أن تكون ملحدًا خارجًا عن الدين، ولا يعرفون فكرة التوازن".

فيما تقول نجم (19 عامًا) وهو اسم مستعار لطالبة جامعية من بغداد: "أعتقد بأن الله يحبنا جميعًا، ونحن لا نؤذي أحدًا لأن حبنا غير مؤذٍ، وعلاقتي بالله رائعة، لأني لا أتكلم وأخبر أحدًا بكل ما يحدث معي إلا الله على سجادتي، فأرى علاقتي به لطيفة للغاية، كما أنني أحبه جداً، لأنه أعطاني الكثير من الأشياء التي لم أكن أحلم بها حتى، رغم كل الكلام الذي كنت أسمعه من الناس بأن الله يكرهني وأنني كافرة ومن المستحيل أن يعطيني شيئًا". 

نجم: "الله يحبنا جميعًا، ونحن لا نؤذي أحدًا لأن حبنا غير مؤذٍ، وعلاقتي بالله رائعة، لأني لا أتكلم وأخبر أحدًا بكل ما يحدث معي إلا الله على سجادتي". 

ويقول آدم (18 عامًا) من بغداد، وهو اسم مستعار لشاب عابر جندري لا يزال طالبًا: "الله خلقنا وخلق هذه الجنسانية معنا، ومن المؤكد أنه كان يعرف بما سيصيبنا، ولكن الأمر يعود لمدى قرب الشخص من الله، لأن الموضوع بإمكانه أن يقربه أكثر منه. أنا متمسك بديني ومذهبي ولا أرى أن ما نقوم به حرام، بل أنا ضد القراءة التقليدية التي تحاول إخراجنا من الصورة".

الإرث الكويري الشيعي

ليست فكرة الكوير الشيعة حديثة وجديدة، إذ يحتوي التاريخ على العديد من الشخصيات والأدلة على ذلك، ومنها الأشعار والقصص، ونذكر منهم الشاعر المعروف صفي الدين الحلي (677 - 752 هـ) الذي كان يدمج الهويتين الشيعية والكويرية في نفس القصيدة، فكان يستخدم التشييع في غزله الغلماني، فيقول في أحد قصائده متغزلاً بغلام اسمه علي:

"كيف حللتَ يا علي دمي فيك وإني من شيعة الأنصارِ
وتلا مرحباً فؤادي للقياكَ فنابت عيناك عن ذي الفقارِ"

ويقول في غلام اسمه حسين:

"إذا ما قلبوا في الحشر قلبي رأوا بين الضلوع هوى حسينِ
سميك كان مقتولاً بظلمٍ وأنت ظلمتني وجلبت حيني"

إلا أن مجموعة كبيرة من الشعراء تم تهميش أشعارهم عند الاحتفاء بالإرث الكويري للمنطقة، بسبب التشييع الواضح لهذه الشخصيات، الأمر الذي جعل الكثير من الكوير الشيعة عند بحثهم عن الموضوع في مراحلهم المبكرة لاكتشاف أنفسهم، يرفضون القراءة الدينية التقليدية التي تحرم مجتمع الميم عين، يقول إبراهيم: "في بداية معرفتي لميولي الجنسية حاولت ربطها بمعتقداتي لأني لم أرغب بالخروج عن مذهبي، ولكني فشلت لكون النصوص الدينية التي وصلت لنا خاضعة لقراءة تقليدية متناقضة، ومتعصبة غير واقعية، لذلك حاولت القراءة بعدها ولكن هذه المرة بتجرد من العاطفة وبدون انحياز لرأي دون آخر".

ويضيف: "وصلت في النهاية لاستنتاج مفاده وجود فجوة أو قراءة مفقودة، أو انقلاب بين اعتقادات الشيعة في العصور العباسية، وبين اعتقاد المجتمع الشيعي في العصر الصفوي، إذ رأيت أن الشيعة باتوا أكثر تعصبًا مؤخراً، وأصبح المذهب مختلفًا بشكل جذري عن مذهب آل البيت الذي كان موجودًا سابقًا، وبالتالي فأنا أرفض القراءات التقليدية الدينية، فالمنطق والربط الصحيح بين الروايات والتفاسير أوصلني إلى تقبل ميولي الجنسية بشكل كامل".

يسترد إبراهيم الحديث: "أنا نفس الشخص الذي يقرأ القرآن ويناجي ربه ويصلي الفجر بكل خشوع، والذي يقف على أبواب مرقد الإمام علي بن أبي طالب بكامل إيمانه واعتقاده وحبه لأهل البيت، وفي نفس الوقت أدخل علاقة مع شخص من نفس جنسي وأمارس معه جميع أشكال الحب، ولا أشعر بعدها بصراع داخلي، ولا أن الله قد أغلق أبواب رحمته في وجهي، وأستطيع القول إن الله ليس طائفيًا أو عنصريًا أو أنه يكرهنا بسبب ميولنا، فالله ينظر إلى قلوبنا ويرانا جميعًا متشابهين في القلوب".

الحنين إلى الطقوس الشيعية

يختلف المذهب الشيعي عن نظيره السني، بكونه مذهبًا أكثر طقوسية، فأجواء الليالي الأولى من شهر محرم وصفر والأربعين، والطقوس العديدة التي تأتي مع هذه المناسبات، جعلت هذه الأشهر تتفوق على شهر رمضان بالنسبة للشيعة من الناحية الروحية والطقوسية. فهل يشارك أفراد مجتمع الميم في هذه الطقوس؟ وكيف يعبرون عن أنفسهم داخل نظام من الأفكار الدينية والاجتماعية القاسية ضد أفراد مجتمع الميم عين.

حسين (19 عاماً) هو شاب مثلي يعمل في متجر إلكترونيات في البصرة، يقول لرصيف22: "لا أعتبر نفسي مذنباً لأنّي من مجتمع الميم عين، ولا أعتبر ما أقوم به حراماً، وأحب أن أشارك في الطقوس الدينية الشيعية، وأعتبرها من الأشياء التي تجلب النعمة وتقربنا إلى الله، ووجودي داخل الأماكن المقدسة يشعرني بالطمأنينة".

سيف مسلّط اسمه "قانون مكافحة البغاء"

أنهى البرلمان العراقي التصويت على هذا القانون القاسي، الذي يحتوي على عقوبة السجن 15 سنة لكل من يمارس المثلية، و7 سنوات "لمن ينشرها أو يروج لها"، كما يعاقب على العبور الجندري أو الجنسي بالسجن لمدة 3 سنوات. ورغم أن لهذا القانون آثاراً كبيرة ومباشرة على جميع أفراد مجتمع الميم عين في العراق، فإنّ له آثارًا أخرى جانبية تؤثر على أفراد مجتمع الميم عين الشيعة تحديدًا. إذ يكون جميع النواب المسؤولين عن هذا القانون من النواب الشيعة، والذين رافقهم الدعم الكبير من أغلب الجهات الدينية والسياسية الشيعية المسيطرة في العراق.

كل هذا يظهر الرفض لأفراد مجتمع الميم عين الشيعة من قبل مجتمعهم الشيعي، وبذلك يدخلون في دوامات أخرى من الانعزال أكثر عن مجتمعهم، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه الموضوع في تقليل تقبل الأشخاص لأنفسهم لكونهم شيعة وكوير في نفس الوقت، مما يفاقم الصراع الداخلي لديهم. 

إبراهيم: "أنا نفس الشخص الذي يقرأ القرآن ويصلي الفجر ويقف على أبواب مرقد الإمام علي بن أبي طالب بكامل إيمانه وحبه لأهل البيت، وفي نفس الوقت أدخل في علاقة مع شخص من نفس جنسي وأمارس معه جميع أشكال الحب، ولا أشعر بعدها بصراع داخلي"

يقول عباس، وهو كوير شيعي ويعمل محاميًا في بغداد: "من أشد ما يعاني منه الكوير الشيعة هو موجات التعصب التي تعصف بالمجتمع وتجعل رجال الدين أكثر عنفاً في خطابهم المجتمعي وبتأثيرات خارجية. وهذا ما يجعل الكوير الشيعة في حيرة بين تقمص دور الشخص الديني، وبين عيش حياة الشخص المنبوذ من مجتمعه في سبيل أن يحافظ على ما تبقى من نفسه مع اعتقادات دينية مختلفة. ويبقى التساؤل هو: إلى متى يعيش أفراد مجتمع الميم عين بين المطرقة والسندان، وكلما مر الوقت زادت التحديات والمعاناة؟".

الاغتراب المستمر

يُعتبر العراق إحدى الدول الشيعية الرئيسية في العالم لاحتضانها مدنًا هامة مثل النجف، التي تُعد عاصمةً للتشيع في العالم. يعود ذلك إلى احتوائها على مرقد الإمام علي بن أبي طالب. كما تُعد النجف مرجعاً دينياً ومركزاً للحوزة، بالإضافة إلى احتضان العديد من المدارس والجامعات الدينية.

ولا تقل أهميةً عن النجف مدينة كربلاء، حيث يوجد مرقد الحسين بن علي. ويضاف إلى ذلك احتضان العراق لأربعة أئمة آخرين والعديد من المراقد الشيعية الأخرى، مما يمنحه طابعاً مقدساً بالنسبة للشيعة. لذا يصعب عليهم ترك هذا البلد بسبب الروحانية العميقة التي يتمتع بها والتي تمثل جزءاً لا يتجزأ من تراثهم الديني.

في نفس الوقت، فالعراق يُعتبر واحدًا من أخطر البلدان في العالم بالنسبة لأفراد مجتمع الميم عين، الذين يتعرضون باستمرار لأعمال العنف والقتل والابتزاز والاختطاف والتمييز من قِبل الدولة والمليشيات والمجتمع، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العديد منهم يضطرون إلى مغادرة العراق خوفاً على حياتهم. ويتعين على أفراد مجتمع الميم عين الشيعة اتخاذ قرار صعب بين البقاء في العراق من أجل الأجواء الروحية الخاصة بهم، وبين الاضطرار إلى الاغتراب الدائم داخل العراق بسبب انتمائهم لمجتمع الميم عين المضطهد.

علي (19 عامًا) هو اسم مستعار للاجئ عراقي مثلي ويعمل كشيف في أحد المطاعم، يقول: "وصلت إلى أوروبا قبل عامين تقريباً، والآن أفكر بالرجوع إلى العراق، فبالرغم من الأمان الذي أعيشه الآن، أشعر بغربة شديدة، وخصوصاً في شهري محرم وصفر، عندما أرى قصص أصدقائي على فيسبوك وإنستغرام وهم يشاركون في الطقوس الحسينية. أنا شيعي وأرغب بالمشاركة أيضًا في هذه الطقوس التي كنت أشارك بها كل عام. وعندما أفكر بأنه من الممكن ألا أشارك في هذه الطقوس مرة أخرى في حياتي، لا أستطيع أن أصف الشعور الذي يصيبني".

وبذلك، فإن الكوير الشيعة يعيشون طول حياتهم في اغتراب مستمر، فإما أن يكون في العراق وتكون حياته في خطر أو يعيش في أمان مع اغتراب مضاعف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image