ملاحظة المحررة: نزحت الصحافية دعاء شاهين، مراسلة موقع رصيف22، تسع مرات، من مخيم جباليا إلى رفح. وبعد اجتياح المدينة، نزحت إلى مخيم النصيرات وسط القطاع. بعد أيام من النزوح وكتابة هذا التقرير، تعرضت دعاء إلى قصف إسرائيلي وخرجت حيّة من تحت ركام المنزل الذي نزحت إليه.
بعد رحلة نزوح متكررة عاشها صحافيو وصحافيات قطاع غزة، منذ بدء الحرب الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبحت مدينة رفح خيمة نزوحهم الأخيرة، والمكان الذي ينقلون منه صورة الإبادة للعالم.
لكن مع اجتياح المدينة ورمي منشورات تجبر أهلها ونازحيها على إخلائها، حزم الصحافيون خيامهم وأمتعتهم ونزحوا مرة أخرى من دون أن يحدد معظمهم الوجهة القادمة، حالهم كحال المدنيين الفارين من جحيم القصف الإسرائيلي المتواصل.
تبدو الآن مخيمات الصحافة في رفح فارغة تماماً، ما أدى إلى توقف التغطية الإعلامية للمدينة، بعد أن نزح معظم صحافييها إلى ساحة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ليستكملوا مهمتهم في نقل الحقيقة.
وتستمر معاناة الصحافيين المهنية والإنسانية في آن واحد، إذ سجل قطاع غزة حتى اللحظة أعلى مؤشرات انتهاك لحرية الصحافة، بعد استهداف 142 صحافياً، وتدمير أكثر من 100 مؤسسة إعلامية، و10 مركبات مجهزة بمعدات البث تابعة لقنوات إعلامية تلفزيونية عالمية ودولية، وفق إحصاءات منتدى الإعلاميين الفلسطيني.
لم نترك رفح طواعية، تركناها مرغمين تحت النيران والقصف
هل تصلنا الصورة من رفح؟
"لم نترك رفح طواعية، تركناها مرغمين تحت النيران والقصف. وذلك بعد أن أصدر الاحتلال أوامر بإخلائها وبدأ بهجومه البري"، يقول الصحافي سامر الزعانين لرصيف22.
ويبدو أن موجة نزوح الصحافيين من رفح جعلت المدينة من دون تغطية إعلامية حقيقية، بعد أن كانت ملاذهم الوحيد.
"كنا نأمل أن يكون نزوحنا إلى رفح النزوح الأخير، ومن ثم نعود إلى شمال غزة، ونعمل من مكاتبنا، رغم تدميرها. لكننا، بكل أسف، ننزح مجدداً إلى المنطقة الوسطى لنعيش الأمرين"، يضيف سامر، الذي وقعت على عاتقه، بعد أن نزح من بيته في بيت حانون، كصحافي وأب، مسؤولية مهنية ومسؤولية تأمين مسكن لعائلته التي نزحت من رفح، وضمان المأكل والمشرب والمصاريف اليومية، وفك الخيمة ثم إعادة إنشائها مرة أخرى في محطة النزوح الجديدة، ثم نقل معداته الصحافية لمخيمات الصحافة في باحة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة. ولا شك في أن هذه المهام التي ترافق النزوح أعاقت عمل سامر في التغطية الإخبارية.
أما الصحافية شروق شاهين (30 عاماً)، فكانت تقيم مع مجموعة من الصحافيات في خيمة في رفح، اضطررن جميعهن لنقل أمتعتهن ومعداتهن الصحافية من دون أن يعرفن إلى أين؟
وسط حزنهن الكبير، وجدن صعوبة بالغة في إيجاد وسيلة نقل لمكان نزوحهن الجديد، والذي يكلفهن جهداً كبيراً ومالاً كثيراً.
"كنت أتابع بترقب تهديدات الاحتلال لرفح. وكثيراً ما سألت زميلاتي في الخيمة: أين سنذهب؟ لم يعد لدينا طاقة لنزوح جديد"، تقول شروق.
وتردف: "تفاءلنا بعودتنا، لا سيما بعد موافقة حركة حماس على مقترحات وفق إطلاق نار مع الاحتلال، لكن سرعان ما صدمنا مباشرة بالتصعيد في رفح، واستيقظنا على أمر الإخلاء".
في كل مرة تنزح فيها شروق، كصحافية، إلى مكان جديد تبدأ من الصفر، كما تقول. "لا يوجد مكان أضع فيه أمتعتي ومعداتي الصحافية وأغراضي الشخصية. فتوقفت عن التغطية الإعلامية لعدة ساعات ولمدة يومين كاملين منذ أن جاءنا خبر الإخلاء".
منذ تلك اللحظة، بدأت شروق تبحث عن مكان تنزح إليه، تتوافر فيه شبكة اتصال وانترنت وأجهزة خاصة بالبث الإعلامي. فتبرع أحد زملائها بخيمة مؤقتة إلى حين تجد مكاناً تستقر فيه.
في حين تبحث عن مكان قريب منها لعائلتها، حتى تسنح لها زيارتهم وأخذ قسط من الراحة لديهم. فمنذ بدء الحرب على غزة، لا تراهم شروق إلا لماماً بسبب تغطيتها الإعلامية المستمرة.
العمل الصحافي في غزة معقد جداً. نعمل ضمن إمكانات ضعيفة وفي ظل نزوح مستمر، نتنقل في الشوارع وفوق أسطح البنايات وباحات المشافي. نواجه المجاعة والموت والعطش
التغطية في ظل النزوح المتكرر
يعد النزوح من رفح، لأعداد كبيرة من الصحافيين، نزوحاً ثانياً أو ثالثاً وربما رابعاً، إثر إجبار الاحتلال أهالي غزة والشمال على النزوح إلى الجنوب.
يقول الزعانين: "في كل مرة ننزح فيها تتجدد معاناتي كصحافي. نزوحي الأول كان من مستشفى الشفاء عندما اقتحمه الاحتلال في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فقدت معداتي الصحافية، واعتمدت على استعارة بعض المعدات مثل كاميرا وميكروفون وهاتف نقال من زملائي الذين لم يفقدوا معداتهم. ولا يقتصر الأمر على فقدان المعدات، بل فقدان زملائنا الذين لازموا الميدان معنا منذ بداية الحرب".
ويضيف: "العمل الصحافي في غزة معقد جداً. نعمل ضمن إمكانات ضعيفة وفي ظل نزوح مستمر، نتنقل في الشوارع وفوق أسطح البنايات وباحات المشافي. نواجه المجاعة والموت والعطش".
لكن سامر يؤكد على استمراره في تغطية الإبادة حتى آخر نفس. ويرى في ذلك واجباً وطنياً ورسالة شعب يتعرض للقتل إلى العالم أجمع.
من جانبها، تعلق شروق شاهين على تجربتها المتكررة مع النزوح كصحافية: "نزحنا في المرة الأولى إلى مستشفى الشفاء بعد أن قصف الاحتلال مكاتبنا الإعلامية. لكنا صدمنا بتهديده من قبل الاحتلال، فتوجهنا إلى مستشفى شهداء الأقصى، الذي تم تهديده هو الآخر، ثم نزحنا إلى مستشفى ناصر في خانيونس".
وتتابع: "لم نرتح من معاناة النزوح في مستشفى ناصر، حتى اضطررنا للنزوح مرة أخرى تحت وابل القذائف بعد أن هاجمنا الاحتلال. فهربنا إلى رفح قبالة المستشفى الكويتي، معتقدين أنها ستكون محطتنا الأخيرة. ثم جاء أمر الإخلاء، فنزحنا من جديد في حالة من الألم والتعب والقهر".\
الأمهات الصحافيات
تأثرت التغطية التي تقوم بها الصحافية النازحة نور السويركي (36 عاماً)، مراسلة تلفزيون الشرق، بسبب نزوحها هي كذلك. فتقول، والإرهاق باد على ملامحها: "الحياة شاقة داخل الخيمة في مستشفى شهداء الأقصى. لم نجد متسعاً لإنشاء خيمتنا في باحته، نتيجة تكدس خيام الصحافة. فوجدنا أنفسنا في خيمة ضيقة من دون تهوئة، أشفق علينا أحد الزملاء وسمح لنا المبيت فيها".
تصف نور الأمر بالمفزع، فعلاً مفزع أن تكون بلا مأوى نحو ثمانية شهور، وأن تفتقد أبسط تفاصيل حياتك الكريمة.
اتخذت نور قراراً لم تندم عليه، وفق تعبيرها، وهو سفر أبنائها خارج غزة، وبقاؤها لتمارس عملها الصحافي. فوجود أبنائها معها سيضطرها للمحاربة من أجل تأمين المأوى والحاجات اليومية لهم، في وقت لا تجد مأوى لها بين جموع الصحافيين وفي مخيماتهم المتكدسة. الأمر الذي يُشعرها بعجز كبير أمام أمومتها، حسبما تقول.
من أدبيات العمل الإعلامي أن تكون حياة الصحافي أهم من الخبر. لكن ذلك مفقود في غزة، لأن الصحافي معرض للاستهداف حتى لو كان آمناً في منزله
كيف يختلف نزوح الصحافيين عن المدنيين؟
يؤكد محمد اللحام، رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين الفلسطينيين، أن الاحتلال يرتكب، بقرار من أعلى مستوى سياسي، انتهاكات بحق الصحافيين مع سبق الإصرار والترصد.
"يتبدى ذلك في قتلهم بشكل مباشر، أو قتل عائلاتهم وتدمير أماكن عملهم ومنازلهم وتكرار حالة النزوح القسري والترحال، مما يضعهم أمام مخاطرة كبيرة جداً"، يقول اللحام لرصيف22.
ويشير إلى أنه من أدبيات العمل الإعلامي أن تكون حياة الصحافي أهم من الخبر. لكن ذلك مفقود في غزة، لأن الصحافي معرض للاستهداف حتى لو كان آمناً في منزله.
"لقد تم استهداف 12 % من مجموع 1200 صحافي يعملون في غزة. وهذا مؤشر على إمعان الاحتلال في استهدافهم ضمن سياسته الهادفة إلى إخفاء الحقيقة، ولأن الصحافة نجحت في كشف وجهه الحقيقي"، يؤكد اللحام.
وعن تداعيات النزوح على الرسالة الإعلامية، فيرى أنه يحمل أبعاداً نفسية ومهنية واجتماعية، لا سيما في ظل عدم وجود سيولة مالية للعديد منهم لدفع ثمن وسائل التنقل، وفي ظل شح معداتهم الصحافية أو فقدانها أو تعرضها للقصف، وعدم توافر الكهرباء التي يحتاجونها لاستمرار التغطية والتواصل مع مؤسساتهم الإعلامية.
"يضاف كل ذلك إلى المعاناة التي يتكبدونها، والمتمثلة في بحثهم عن الطعام وعن مكان للنوم، وعن حاجاتهم الأساسية. يؤثر كل ذلك على عملهم الصحافي، وبالتالي يؤخر وصول رسالتهم الإعلامية"، يضيف اللحام.
لكن يبدو أن ثمة إصراراً يجمع هؤلاء الصحافيين ويدفع عدداً كبيراً منهم إلى المغامرة بحيواتهم وإلى مكابدة تحديات مضاعفة من أجل نقل الحقيقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع