بعد أنباء ومعلومات متضاربة، ومرور نحو 18 ساعة من بدء عملية بحث صعبة شاركت فيها عشرات من فرق الإنقاذ وسط سوء الأحوال الجوية للعثور على مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، برفقة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وأشخاص آخرين، هم إمام جمعة مدينة تبريز محمد علي آل هاشم، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، ورئيس الفريق الأمني للرئيس الإيراني مهدي موسوي، والطيار ومساعده، وتقنيي الطيران، أعلنت السلطات الإيرانية صباح اليوم الاثنين 20 أيار/مايو 2024 العثور على جثامين جميع من كانوا على متن المروحية في منطقة جبلية في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غرب البلاد.
المروحية تحطمت بعد نصف ساعة من إقلاعها من منطقة جُلفا، خلال عودة الوفد الإيراني من مراسم عُقدت بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف لتدشين سد مشترك (قيز قعله سي) على نهر أَرَس الواقع على حدود البلدين.
المروحية التي حملت الرئيس الإيراني ومرافقيه كانت ضمن موكب مؤلف من 3 مروحيات، وقد وصلت المروحيتان الأخريان إلى وجهتهما بسلام إلى مدينة تبريز. وكان هذا الوفد في طريقه من مدينة جُلفا إلى تبريز لافتتاح مشروع "تطوير مصفى تبريز".
تحطمت المروحية بعد نصف ساعة من إقلاعها من منطقة جُلفا، خلال عودة الوفد الإيراني من مراسم عقدت بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف لتدشين سد مشترك على نهر أرَس الواقع على حدود البلدين
ساعدت المسيرة التركية "أكينجي"، إيرانَ، في العثور على مكان سقوط المروحية، حيث رصدت موقعين لعلامات حرارية أُعتُقد أنها لمكان المروحية، قبل أن تتوجه فرق الإنقاذ إلى الموقع.
بعد هذا الخبر الذي أثار صدمة كبيرة وردود فعل واسعة في إيران وخارجها، أعلنت السلطات أنه جرى نقل الجثامين التي سقطت في حادث سقوط المروحية بسبب سوء الأحوال الجوية والضباب الكثيف، إلى مدينة تبريز مركز محافظة أذربيجان الشرقية، على أن يتم يوم غد الثلاثاء، تنظيم مراسم تشييع للجثامين في تبريز، قبل انتقالها إلى العاصمة طهران، لتشييعها في طهران يوم الأربعاء المقبل 22 أيار/مايو 2024.
أثناء عملية البحث عن مروحية الرئيس الإيراني، طُرحت احتمالات بتورط اسرائيل في الحادث، لكن إسرائيل نقت ذلك، ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول إسرائيلي لم تسمه قوله: "لا علاقة لإسرائيل بوفاة الرئيس الإيراني".
كان إبراهيم رئيسي مقرباً من المرشد الأعلى علي خامنئي، وكان ينظر إليه كأحد المرشحين الأقوياء لمنصب المرشد بعد خامنئي، كما أنه صهر رجل الدين المتشدد وإمام جمعة مدينة مشهد أحمد علم الهُدى.
ترأس رئيسي عدة مناصب في البلاد قبل أن يصبح رئيساً لها عام 2021 في انتخابات شهدت أدنى نسبة إقبال في تاريخ إيران. وشغل رئاسة السلطة القضائية، ومنصب المدعي العام الخاص لمحكمة رجال الدين، وعضو المجلس المركزي لجمعية رجال الدين المناضلين المحافظة، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام. كما يتضمن سجله أيضاً العضوية في ما يسمى "لجنة الموت" عام 1988، وهي اللجنة التي قررت تنفيذ الحكم بالإعدام بحق آلاف من السجناء السياسيين.
أدى فوز رئيسي في انتخابات 2021 إلى سيطرة المحافظين المتشددين على جميع أفرع السلطة، وذلك بعد 8 سنوات من حكم الرئيس حسن روحاني الذي تَفاوض على اتفاق نووي مع واشنطن. لكن مكانة رئيسي تأثرت باحتجاجات حاشدة مناهضة لحكم رجال الدين، وإخفاقه في تحسين الوضع الاقتصادي الذي تضرر بشدة جراء العقوبات الغربية، وفق رأي كثير من الخبراء في الشؤون الإيرانية.
أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي لقي مصرعه في الحادث أيضاً، فكان معروفاً بانتمائه إلى التيار المحافظ وبقربه من الحرس الثوري الإيراني، برغم هدوئه في تصريحاته.
ردود الفعل الإيرانية والدولية
توالت ردود الفعل المحلية والدولية وعبارات التعازي على المستوى الرسمي إثر وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه.
أعلن المرشد الأعلى الإيراني الحدادَ في البلاد لمدة خمسة أيام. وأصدرت الحكومة تعميماً بإغلاق دور السينما في جميع أنحاء البلاد، وتأجيل عرض جميع الأفلام والفعاليات المسرحية. كما أعلن مدير مكتب الموسيقى في وزارة الثقافة الإيرانية، إلغاء كافة الحفلات الموسيقية في البلاد لمدة أسبوع.
أما شعبياً، فجاءت ردود الأفعال في الداخل والخارج متناقضة، فبينما عبر الكثير من الإيرانيين عن سعادتهم بموت إبراهيم رئيسي، ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور تظهر إطلاق الألعاب النارية وأجواء من الفرح في طهران وتعليقات عديدة أشارت إلى أن الحادث هو عقاب لرئيسي بسبب سياساته ومواقفه ضد الشعب، بث الإعلام الإيراني في الداخل مشاهد من المدن الإيرانية، لا سيما طهران ومشهد وقُم، شملت إقامة مراسم الأدعية من أجل نجاة الرئيس ومرافقيه، ومن ثمّ الحزن والعزاء. ومن المقرر أن تقام عدة تجمعات لداعمي النظام اليوم الاثنين والأيام المقبلة في طهران والمدن الأخرى.
وتعليقاً على التعليقات الإيرانية المرحبة بمصرع الرئيس الإيراني، خاطبت الصحافية الإيرانية المعارضة مسيح علي نجاد على منصة "إكس" الشعبَ الإيراني وكتبت: "من حقكم أن تفرحوا بمقتل إبراهيم رئيسي وقتَلة أبنائكم، وأنا سعيدة بسعادتكم. لا تحزنوا أبداً على هؤلاء القتلة".
أحداث مشابهة أخرى شهدتها إيران
مثل هذا الحدث ليس جديداً في إيران، فيُعتبر إبراهيم رئيسي، ثالث رئيس في البلاد تعرض لحادث الطيران.
في 16آب/أغسطس 1980 تعرضت مروحية الرئيس الأول للبلاد بعد الثورة الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، لعطل مباغت، إلا أنه نجا من الحادثة. ووفي 2 حزيران/يونيو 2013، اصطدمت مروحية الرئيس الأسبق، محمود أحمدي نجاد، بأسلاك كهربائية في مرتفعات جبال أَلبُرْز الإيرانية، ونجا ومرافقوه أيضاً بعد سيطرة الطيار على المروحية.
كما أنه ثاني رئيس جمهورية للبلاد لم يكمل فترة رئاسته بسبب تعرضه لحادث، بعد محمد علي رجائي، الذي تولى رئاسة إيران في تموز/يوليو 1981, وقْتل إثر تفجير في مكتب رئاسة مجلس الوزراء بعد بضعة أسابيع من توليه المنصب فقط.
ولم يكن هذا الحادث، الحادثَ الوحيد في إيران الذي يقع في مثل هذه الظروف، حيث تعرضت في شباط/فبراير 2023، مروحية كانت تقل وزير الرياضة الإيراني الأسبق حميد سجادي لحادث مماثل في أثناء هبوطها في محافظة كرمان جنوب البلاد، مما أدى إلى إصابة الوزير وعدد آخر من مرافقيه، فضلاً عن مقتل مساعده.
وفي 21 شباط/فبراير 2022، تحطمت طائرة مقاتلة إيرانية في منطقة سكنية بمدينة تبريز شمال غربي البلاد، وقتل في الحادث ثلاثة أشخاص. كذلك قتل في 18 شباط/فبراير 2018، 66 راكباً في تحطم طائرة إيرانية جنوب محافظة أصفهان أثناء رحلة داخلية. وقبلها في 25 أيار/مايو عام 2016، شهدت إيران سقوط مقاتلة من نوع "ميج 29" ومقتل طيارها في محافظة همدان غرب إيران.
في عام 2005 أيضاً، قُتل قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني أحمد كاظمي، مع عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، بتحطم طائرة من طراز "داسو فالكون 20"، بالقرب من مدينة أُرومية.
وتحطمت في عام 2001 طائرة "ياك 40" التابعة لشركة "فَراز قِشم" الجوية، والتي كانت تقلّ وزير الطرق والنقل رحمان دادمان، في محافظة مازَندران شمال إيران. كذلك قُتل عام 1994، قائد القوات الجوية منصور ستاري، مع كبار ضباط القوات الجوية، في حادث تحطم طائرة بالقرب من مطار بِهِشتي الدولي في أصفهان.
أثار حادث سقوط مروحية الرئيس الإيراني مرة أخرى الانتقاداتِ تجاه الأسطول الجوي في إيران، وسوء إدارة قطاع النقل الجوي في البلاد؛ حيث صرح المنتقدون من داخل السلطات أيضاً أن الأسطول الجوي الإيراني المتهالك لم يسلب أرواح المواطنين العاديين فحسب، بل إن مسؤولي البلاد أيضاً أصبحوا ضحايا الأحداث التي تقع بسبب ذلك.
وأشار البعض، منهم وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إلى أثر العقوبات على قطاع الطيران الإيراني، وقال إن الولايات المتحدة الأمريكية هي المتسببة في سقوط المروحية، لأنها فرضت عقوبات على قطاع الطيران في إيران، ومنعت إدخال قطع تحديث الطائرات.
المستقبل السياسي لإيران بعد الحادث
تؤكد غالبية التوقعات والآراء أن الإستراتيجية الإيرانية لن تتغير في أعقاب مصرع الرئيس الإيراني، رغم أن فترة رئاسته كانت تعتبر فترة تنسيق لكافة الجهات في البلاد في مجال سياسة واحدة.
وقبل الإعلان عن خبر العثور على حطام المروحية وجثامين ركابها، دعا المرشد الإيراني المواطنين إلى "عدم القلق"، مؤكداً بأنه لن يحدث أيّ خلل في عمل البلاد.
بعد مرور قليلٍ من الساعات على الإعلان رسمياً عن مقتل الرئيس الإيراني، أكدت الحكومة الإيرانية أن إدارة البلاد ستستمر من دون مشكلة، وأن وفاة رئيسي لن تسبب "أي اضطراب" في عملها. كما أكدت الخارجية الإيرانية في بيانها أن مقتل رئيسي وأمير عبد اللهيان "لن يؤثر على عزيمتها في أداء دور بناء إقليمياً ودولياً".
وكلف المرشد الأعلى، صاحب كلمة الفصل في البلاد، النائبَ الأول للرئيس السابق، محمد مُخبر، بتولي مهام الرئاسة، وفقاً للدستور الإيراني. وأمام مُخبر مهلة أقصاها 50 يوماً من أجل الترتيب للانتخابات بالتنسيق مع رؤساء السلطتين القضائية والتشريعية.
جاءت ردود الأفعال في الداخل والخارج متناقضة؛ فبينما عبر الكثير من الإيرانيين عن سعادتهم بموت إبراهيم رئيسي، بث الإعلام الإيراني في الداخل مشاهد من المدن الإيرانية، لا سيما طهران ومشهد وقُم، شملت إقامة مراسم الأدعية من أجل نجاة الرئيس ومرافقيه، ومن ثمّ الحزن والعزاء
كما تم تعيين كبير المفاوضين في الملف النووي ونائب وزير الخارجية للشؤون السياسية الذي ينتمي إلى التيار المحافظ المتشدد، علي باقري كني، وزيراً للخارجية بالوكالة، خلفاً لأمير عبد اللهيان.
وأشار مُخبر بعد مقتل إبراهيم رئيسي إلى تصريحات المرشد الأعلى، قالاً إن أطر النظام وأسسه متينة، ولن تكون هناك أي مشاكل في إدارة البلاد.
دولياً، كتبت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن "وفاة إبراهيم رئيسي ضربة في جهود خامنئي في تأمين النظام، لكنها لن تغيّر من المسار الداخلي والخارجي". وقالت وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية، إن حادث تحطم المروحية، سيتردد صداه على الأرجح عبر الشرق الأوسط.
أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فقالت إن الإعلان عن مقتل الرئيس الإيراني جاء في وقت عصيب لإيران التي تكافح لإصلاح علاقتها مع العالم وامتصاص غضب المعارضة الداخلية من بعض سياسات الحكومة تجاه القضايا الاقتصادية والسياسية.
وكتبت مجلة "فورين بوليسي" بشأن تداعيات وفاة الرئيس الإيراني على مستقبل إيران، أن الحادث يخلق حالة من عدم اليقين وسط توترات إقليمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه