هذه النصوص القصيرة التي تتناول مواضيع متعلقةً بالصحة الجنسية والحقوق الجنسية والإنجابية وملكية الجسد، تندرج ضمن مشروع تعاون بين رصيف22 ومؤسسة "براح آمن"، وهي مؤسسة نسوية مصرية تناهض العنف الأسري. الهدف من هذا المشروع إفساح المجال أمام الأشخاص، وتحديداً النساء، للتعبير عن ذواتهنّ ومشاعرهنّ وجنسانيتهنّ وعلاقتهنّ بأجسادهنّ.
نشأت منذ طفولتي كأنني فتى. ألعب ألعاب الصبية، أرتدي ملابسهم، أتصرّف مثلهم دوماً. كانت أمي تضحك وتقول لي: "ده أنتِ الولد التالت في أخواتك".
لم أكن أعبأ بقولها ولم أدر ماذا تقصد، إلى أن جاءت مرحلة المراهقة بكل متغيراتها المفاجئة والمخيفة: جسد وعقل صغيران لا يتحمّلان كل هذا الضغط النفسي والمخاوف.
لمن ينتمي هذا الجسد؟
أصبحت أتحاشى الحركة السريعة واللعب، وأرفض النظر في المرآة من فرط الخوف وعدم التصديق: أصبح لدي أثداء! وأعتقد أنه ينبغي أن أواجه ذلك.
لحظة هائلة من الرعب وعدم القدرة على التنفّس ودقات قلب سريعة؛ عندما قرّرت النظر إلى المرآة وأنا عار.
من هذا؟ ولمن ينتمي هذا الجسد؟ وكيف حدث ذلك؟ لم يمض شهران تقريباً حتى فاجأتني الدورة الشهرية.
أتذكر جيداً وأنا أنظر إلى ملابسي الداخلية برعب ودهشة واغتراب، كيف تمرّد عليّ جسدي بهذا الشكل؟ رغم مرور سنوات، لا زلت أعاني هذه المشاعر في كل مرة تأتيني الدورة الشهرية، تنتابني نفس المشاعر، ولكن أقل وطأة بقليل.
مشاعر تدفعني للتفكير في كل مرة بانتزاع هذا الرحم الذي لا ينتمي لي ولا أنتمي له، ثم أتدارك نفسي وأتمالك أعصابي وأمضي في تهدئة نفسي.
يخبرني طبيبي النفسي بنظرة حزينة: "أنتِ تعانين من اضطراب في الهوية الجندرية والانزعاج الجندري". رائع، أصبح شعوري بجسدي مرضاً ووصمة من وجهة نظره، ويجب أن أخفيها كي لا أتهم بالجنون.
"أتذكر جيداً وأنا أنظر إلى ملابسي الداخلية برعب ودهشة واغتراب، كيف تمرّد عليّ جسدي بهذا الشكل؟ رغم مرور سنوات، لا زلت أعاني هذه المشاعر في كل مرة تأتيني الدورة الشهرية، تنتابني نفس المشاعر، ولكن أقل وطأة بقليل. مشاعر تدفعني للتفكير في كل مرة بانتزاع هذا الرحم الذي لا ينتمي لي ولا أنتمي له"
يستطرد طبيبي: "اقبلي طبيعتك كست، والبسي فساتين وغيري نمط حياتك. في ناس كثير زيك بتدخل المستشفى تتعالج". عدت إلى بيتي حزيناً وأفكر في مدى جدية الطبيب، لا يمكن أن تنتهي الأمور هكذا، وقرّرت الانصياع لأوامره فماذا لو كنت مريضاً بحق؟
تجاوبت مع الطبيب، والتزمت بتعليماته التي ضاعفت حالة الاغتراب التي أشعر بها، وتفاقم انفصالي عن جسدي. لأشهر كرهت نفسي والعالم. لماذا يحدث كل ذلك لي؟ ماذا جنيت لأستحق كل هذا العذاب؟
لا أنسى نظرة الطبيب عندما أخبرته أنني أنجذب إلى الإناث أكثر من الذكور، وتحذيراته الشديدة لي، والكلام عن الحلال والحرام والمجتمع. صدمت قليلاً وفقدت بعدها السيطرة، وقرّرت أن أكون أنا كما كنت دائماً، وبتعبيري الجندري الذي أعبّر به عن نفسي.
لم أدر أن هذا مستوى صراع مختلف، فالمجتمع كان له قول آخر.
التعافي
أذكر في أول مرة ذهبت إلى العمل بشكل متعايش ليصيح أحد زملائي بي: "ايه يا واد يا بت اللي عامله في نفسك ده؟". ابتسمت لأنهي أي محاولات للنقاش وغادرت، فلا أحد يعلم شيئاً عن الإرهاق والصراع في داخلي، فهما كافيان حقاً دون أي مؤثرات خارجية وهما يدفعانني أكثر للانطواء.
"لا يزال هناك صراع داخلي لأنني مضطر أحياناً للظهور بمظهر الأنثى، بما لا يتوافق مع تعبيري الجندري، لأحمي نفسي من الأذى، وأتفادى النبذ المجتمعي والأسئلة السخيفة التي قد أتعرّض لها"
لا أقول إنني بدأت بالتعافي من أذى المحيطين، إلا أن الانزعاج الجندري أصبح أقل قليلاً؛ رغم الصعوبات التي قد تواجه شخصاً مثلي بسبب الديسفوريا الجندرية.
لا يزال هناك صراع داخلي لأنني مضطر أحياناً للظهور بمظهر الأنثى، بما لا يتوافق مع تعبيري الجندري، لأحمي نفسي من الأذى، وأتفادى النبذ المجتمعي والأسئلة السخيفة التي قد أتعرّض لها، والتي لا أنكر أنها أحياناً تُطرح بحسن نية أو نتيجة عدم الفهم من السائل، إلا أنها شديدة الخصوصية والإيلام، وصراع آخر يأتي من المخاطر المجتمعية التي قد أتعرّض لها وتعليقات المارة عن شكلي غير النمطي.
لكن، أنا الآن أكثر استقراراً وسعادة مما سبق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...