شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل أنهت ورش كتابة المسلسلات عصر السيناريو الذهبي في مصر؟

هل أنهت ورش كتابة المسلسلات عصر السيناريو الذهبي في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأحد 12 مايو 202402:15 م

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة "ورش الكتابة"، ورغم ما يحمله لفظ "ورشة" من إهانة وتقليل لمفهوم الإبداع الدرامي -من وجهة نظري- والذي يحيلنا إلى تحويلها إلى "صنعة" تجمع مجموعة من الصنايعية تحت قيادة "أسطى" كبير في ورشة تصليح أدوات كهربائية أو سيارات، لا إبداع أدبي أو درامي في أغلبها.

صحيح أن فكرة الكتابة المشتركة أو التشاركية -وهو الوصف الذي أفضله عن ورشة- معروف منذ الأربعينيات في الولايات المتحدة وأوروبا، ودخل إلى مصر والعالم العربي في العقدين الأخيرين؛ إلا أن الموضوع هناك مختلف عما هو عليه الآن في مصر، وخاصة بعد تدني مستوى الدراما المصرية الملاحظ نتاج هذه الظاهرة الجديدة، والذي عوّض عن العجز في الكتابة بالإبهار الفني والاهتمام بالصورة والديكور والإضاءة والملابس والموسيقى والإخراج، دون أن يكون هناك سيناريو، الذي هو أساس الدراما في الأصل.

محفوظ وحامد وعكاشة

عُرف الكاتب الكبير نجيب محفوظ كروائي وقاص، ولكن الجزء المخفي من جبل الجليد في تاريخ أديب نوبل نجيب محفوظ أنه كتب سيناريوهات لأكثر من 26 فيلماً، في حين أن الأعمال المأخوذة عن رواياته حينها لم تتجاوز 22 عملاً.

بدأ نجيب محفوظ كتابة السيناريو كنوع من العمل، أو ان شئنا الدقة -كسبوبة تساعده على العيش– لأن الأدب كعادته "لا يأكل عيش"، وتعلم كتابة السيناريو وحرفيته تحت إشراف المخرج الكبير صلاح أبو سيف، الذي كان له الفضل الأول في تعليمه البناء الهندسي لكتابة السيناريو ومفهومه، على عكس ما يشاع أو ما ذكره فريد شوقي بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، بأنه كان السبب في تعليم محفوظ كتابة السيناريو حين استعان به مع السيناريست سيد بدير في كتابة فيلم "جعلوني مجرماً". 

فكرة الكتابة التشاركية معروفة منذ الأربعينيات في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنها تسبب بتدني مستوى الدراما مصرياً، وتم تعويض  العجز في الكتابة بالإبهار الفني والاهتمام بالصورة. 

تطورت كتابة السيناريو في مصر مع بداية الستينيات حتى السبعينيات، وذلك مع ظهور كتاب مسرح وروائيين امتهنوا كتابة السيناريو، كان على رأسهم نجيب محفوظ نفسه، ثم سعد الدين وهبة، ويوسف جوهر، وعبد الحي أديب، ورأفت الميهي، ووصلت قمّتها في الثمانينيات والتسعينيات بعد أن كانت معتمدة في الأربعينيات والخمسينيات على تمصير أعمال أجنبية، ثم شهدت تطوراً أكبر في احترافية كتابه السيناريو ومهنيته بعد ظهور جيل من الرواد أهمهم على الإطلاق وحيد حامد، وأسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبد القوى، وغيرهم من الكتاب العظماء الذين كان العمل الدرامي يبدأ باسمهم ومعروف بأنه من إبداعهم الخالص.

كان إبداع هذا الجيل من كبار كتاب السيناريو ذاتياً خالصاً، وناتجاً عن خبرة حياتية وثقافية وسياسية كبيرة، الأمر الذي جعل أعمالهم راسخة في ذاكرة الدراما العربية مثل مسلسل "ذئاب الجبل 1993" و"الضوء الشارد 1998" و"أفراح إبليس 2009" للسيناريست الكبير الأستاذ محمد صفاء عامر، أو أعمال الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة التي تحمل بصمته وثقافته وفكره كما في "ليالي الحلمية" بأجزائه الخمسة، ومسلسل "زيزينيا"، و"ضمير أبلة حكمت"، و"الشهد والدموع".

أما وحيد حامد فلعله الأكثر إتقاناً للبناء الدرامي والسيكولوجي والاجتماعي والسياسي للشخصية المصرية في السيناريوهات التي كتبها للسينما والدراما، أشهرها "أحلام الفتي الطائر 1978"، ومسلسل "الجماعة 2010 – 2017"، وهو أكثرهم شهرة حيث جمع فيه عصارة تاريخه الأدبي وأفكاره في أغلب ما كتب سابقاً، وأيضاً تحفته الفنية مسلسل "بدون ذكر أسماء 2013" من إخراج المخرج الشاب حينها تامر محسن، والذي يعتبر من اهم الأعمال الدرامية التي تؤرخ لمصر فترة الثمانينيات والتسعينيات، وتنامي الفكر الأسلامي وجماعات التطرف الديني والحياة الإجتماعية والسياسية، وما يدور في كواليسها من تناقضات، وكيفية ظهور الكوادر والقيادات السياسية والدينية والفنية من بدايتها وما تحمله من تغيرات.

ميزات السيناريو بالأب الواحد

السيناريو حينها كان له "أب" واحد هو كاتبه، دون مساعدة أو تعدد في الرؤى والسرد ووجهات النظر. وهو الأفضل لصالح العمل الدرامي أولاً والمخرج ثانياً. ذلك لأن كاتب السيناريو هو الأكثر دراية بشرح فكرته ووجهة نظره، سواء فنياً أو فكرياً واجتماعياً من خلال سيناريو يعلم هو بدايته وبناءه الهندسي وبناء شخصياته وأبعادها الاجتماعية والنفسية والمهنية. وهو من يدرك كل تفاصيل الحكاية من البداية مروراً بالذروة وصولاً بالخاتمة. ويدرك مواطن الحبكة وصراع شخصياته سوياً أو تداخلها، وفك الاشتباك بينها بالوصول إلى ذروة الكتابة وحلها في النهاية. وهذا ما ميّز هذا الجيل وجعل أعمالهم علامات درامية لا زالت تعيش حتى الآن.

قديماً كان السيناريست إذا استعان بأحد الكتاب للكتابه معه من الباطن لسيناريو يكتبه، يخفي ذلك ويعتبره عيباً لا يفصح عنه. غير أن هذا المفهوم تغير مؤخراً مع انتشار ما يسمى "ورش كتابة السيناريو"، التي توقع كثيرون في بداياتها أن تكون عاملاً فارقاً في تطور الدراما المصرية للأفضل. غير أن وقوع الكثير منها في فخ الاستعجال والاستسهال وعدم المهنية واختلاف الرؤى والأفكار لدى المشاركين فيها فعل العكس.

ثم وقعت هذه الورش في فخ أكثر مرارة من الفخ الأول، وهي "ورش الكتابة" التي فصلت خصيصاً على مقاس نجم بعينه، وما يريده، بغض النظر عن المحتوى الدرامي.

ومع هذا... لا يمكن إنكار المسلسسلات الناجحة

لكن في المقابل هناك نجاحات لا بد من الإشارة إليها، أشهر الورش التي استطاعت أن تستمر دون الوقوع في أزمة التناسق هي ورشة "سرد" للسيناريست مريم نعوم صاحبة الخبرة في الكتابة الدرامية مسبقاً بمفردها كما كان في مسلسلها الأشهر "ذات 2013 "، والذي يعتبر علامة من علامات الدراما المصرية والمقتبس من رواية "بنت اسمها ذات" للروائي صنع الله إبراهيم ومن إخراج كاملة أبو ذكري. 

السيناريو المصري كان له "أب" واحد، دون  تعدد في الرؤى والسرد ووجهات النظر. وهو الأفضل لصالح العمل الدرامي أولاً والمخرج ثانياً. لأن الكاتب هو الأكثر دراية بشرح وجهة نظره، وهذا ما ميّز جيل نجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وجعل أعمالهم علامات درامية لا زالت تعيش حتى الآن

ثم أعقبها مسلسل لا يقل عنه أهمية وهو "سجن النسا 2014"، عن مسرحية "سجن النسا" للكاتبة فتحية العسال ومع نفس المخرجة كاملة أبو ذكري، ولكن هذه المرة استعانت بسيناريست آخر لكتابة الحوار وهي "هالة الزغندي". وربما هذا ما دفع "مريم نعوم عام 2016 لتأسيس ورشة "سرد" والتي كان نتاجها أعمالاً ممتازة مرجعها إلى وجود قائد "Head writer" وعين تراجع السيناريو النهائي الذي كتبته تلك الورشة والتي تكون متجانسة ومتوافقة في رؤيتها من البداية. وهذا ما ميزها عن الورش الأخرى والتي نتج عنها مسلسلات مهمة في السنوات الأخيرة مثل مسلسل "وش وضهر"، و"الهرشة السابعة"، و"ليه لأ"، و"مين قال"، و"خلي بالك من زيزي".

ذات الأمر فعله السيناريست "تامر حبيب" صاحب الخبرة، بتكوينه ورشة كتابة تحت قيادته يتناقش مع كتابها، ويطرح فكرة السيناريو الرئيسة ويشترك معهم في صياغتها ثم يراجعها هو المراجعة النهائية، حتى تكون الرؤية واحدة ومتجانسة. 

نتج عن هذه "الورشة" مسلسلات جيدة ومكتوبة بصورة حسنة شارك في تمثيلها نجوم كبار مثلما فعل الفنان عادل إمام في مسلسله "عوالم خفية"، ويسرا في مسلسلها "الحساب يجمع"، ومسلسل "هذا المساء" بطولة إياد نصار وأروى جودة. حتى الأعمال الكوميدية انتهجت ورش الكتابة كما في مسلسل "ريّح المدام"، بطولة أحمد فهمي وأكرم حسني.

غير أن الورش أخفقت إخفاقاً كبيراً مع النجم "أحمد مكي" في مسلسله "الكبير أوى" في جزئيه الأخيرين السابع والثامن، لاعتمادها على الأفيهات والكتابة الارتجالية غير المتماسكة وغير المقنعة في شحذ الكوميديا لدى المشاهد.

وعلى العكس منه نجح الثنائي خالد دياب وشيرين دياب نجاحاً كبيراً في كتابة سيناريو مسلسل "أشغال شقة"، الذي تميز هذا العام 2024 في كوميديا اجتماعية صادقة معتمدة على الكتابة الذكية والمواقف الحياتية الناجحة في الإضحاك، وربما يرجع ذلك في أنه –وباعتراف المخرج خالد دياب نفسه– ترك السيناريو للكاتبة شيرين دياب واهتم بالإخراج وإضافة بعض الرتوش النهائية على العمل ليخرج بهذا التميز والتفوق الذي كتب به شكلاً جديداً للكوميديا وصياغتها.

من أفضل الورش التي قامت على الخبرة والمنهج الواضح للعمل ورشة "سرد" للسيناريست مريم نعوم، وكذلك ورشة السيناريست "تامر حبيب".

وكما نجحت بعض الأعمال المكتوبة بطريقة الورش سابقاً الا أنها كانت في اسوأ حالتها هذا العام، وخاصة في دراما رمضان الفائت مثلما حدث في مسلسل "بدون سابق إنذار" لآسر ياسين وعائشة بن أحمد، الذي وقع في الترهل والمط وتهلهل السيناريو والدوران في حلقة مفرغة من التكرار، لأن كل حلقة كتبها شخص مختلف عن الآخر رغم وجود مخرج مهم مثل هاني خليفة. 

الأفضل والأسوأ

ورش الكتابة في مصر بدأت بأمل أن تطور الكتابة الدرامية وانتهت بنوع من التجارة –باستثناء ورشة سرد لمريم نعوم– وبعض منها صنع على مقاس النجم الذي أسس الورشة لنفسه كما في ورشة "ملوك" لمؤسسها الممثل "عمرو سعد"، والتي استعان بها في كتابة مسلسلات بعينها من بطولته مثل "توبة 2022" ومسلسل "الأجهر 2023"، والتي أخذت اسمها من مسلسله السابق "ملوك الجدعنة 2021" مع الممثل "مصطفى شعبان. كان من ضمن هذه الورشة السيناريست أمين جمال الذي كوّن فيما بعد ورشته الخاصة والتي كانت آخر أعمالها مسلسل "مسار إجباري" الأكثر تماسكاً لوجود السيناريست "باهر دويدار" في قيادة الورشة. ولكنه أيضاً أخفق في اعمال أخرى في ذات الموسم، كما في مسلسل "سر إلهي" للممثلة روجينا.

أما أكثر ورش الكتابة سوءاً فهي "ورشة كتابة بلاك هورس" للنجم محمد سعد التي كتبت له مسلسله الأسوأ "إكس لانس 2023".

ورش الكتابة ظاهرة فرضت نفسها على الدراما المصرية ربما لكثرة المُنتج الدرامي وانشغال كثير من المشاركين فيها بأكثر من عمل في آن واحد مما نتج عنه تدني واضح واستنساخ وتكرار لمواضيع بعينها في أكثر من عمل، مع عدم الاهتمام بالشكل النهائي للسيناريو لعدم توافر وقت للمراجعة والانشغال بكتابة أعمال أخرى، وربما استسهال المنتجين وشركات الإنتاج في الاستعانة بها في تسريع عجلة الكتابة وإنهاء السيناريو في أضيق وقت، أو توفير السعر المدفوع للمشاركين فيها بدلاً من سيناريست مشهور ومعروف بحرفيته الذي قد يطالب بمبالغ يستحقها لأنه في النهاية سيخرج عملاً متميزاً كما كان الحال في السابق.

تلك الورش تخرج عنها في النهاية سيناريوهات مهلهلة دون مراجعة أو وجود قائد لها وتستعجل أفرادها في الكتابة دون خبرة أو تشاور أو تنسيق بين فريق نفس الورشة.. وربما تحولت إلى سبوبة تجارية للربح السريع ينشئها بعض كتاب السيناريو لتعليم كتابة السيناريو نظير مبالغ قد تصل إلى أكثر من 5 آلاف جنيه في الدورة الواحدة، كما في ورشة السيناريست مدحت العدل والتي نتج عنها هذا العام مسخ مشوه ومسلسل "عتبات البهجة" للفنان القدير يحيي الفخراني التي تحولت سقطة كبيرة في تاريخه الفني، وأسوأ أعمال دراما رمضان 2024. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image