شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الغيرة المرضية... حبيبتي تغار من الكوب الذي أشرب منه

الغيرة المرضية... حبيبتي تغار من الكوب الذي أشرب منه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 20 مايو 202411:14 ص

حين كنت أشاهد  أو أقرأ  في أشعار الأولين والآخرين قصصاً من الحب والبحث عن تلك العاطفة، أشعر خلال كل ذلك أن الحب شيء مقدس، هو البحث عن الحياة في روح أخرى، أن تكمل روحان بعضهما البعض، وتعيشا الحياة بتناقضاتها، بصراعاتها، بأتراحها وأفراحها، بالمجمل أن يكون الحبيب أملاً أو وراحة، كل ذلك كان يوماً، إلى أن...

يقتضي الحب التضحية، بل تضحيات جمة، لكن إلى أي حد؟ هل يصبح الحب شمّاعة كل التصرّفات والتجاوزات؟ هل نتغاضى عن الزلات والأخطاء باسمه؟ ماذا حين نصل لدرجة التعلّق؟

"الشخص الذي لم تدمع عيناه من الغيرة لم يعشق أبداً"، هكذا قرأتها يوماً عند نزار قباني، لكني لا أتفق معه، ماذا لو كانت تلك الغيرة قادمة من مشكلات نفسية في سن صغيرة؟ لا أتفق، لأن طبيبي النفسي قال لي حينها: "اختر بين من تحب وبين سلامة عقلك".

لا تتعجّل عزيزي القارئ، أجب عن أسئلتي حين أسرد لك قصتي.

"الشخص الذي لم تدمع عيناه من الغيرة لم يعشق أبداً"، هكذا قرأتها يوماً عند نزار قباني، لكني لا أتفق معه، ماذا لو كانت تلك الغيرة قادمة من مشكلات نفسية في سن صغيرة؟

 حين وصلت الغيرة إلى الكوب الذي أشرب منه

كنت دائما أحاول أن أبعد نفسي من أية علاقة عاطفية، أن أقحم نفسي فيها لدرجة أن تتقلص دائرة خصوصياتي، أحب أن أعيش حراً، بعيداً عن أية قيود، أن أقفل هاتفي لساعات طويلة دون أن يعاتبني أحد عن ذلك، أن أخرج في نزهة مع أصدقاء وصديقات العمل، أن أفعل ما أريد دون عتاب ولا لوم.

ورغم ذلك، كنت أنظر للحب كشيء مقدّس، تلك العاطفة كنت أراها عجيبة، عاطفة واحدة تجمع كل العواطف والأحاسيس، وكنت على يقين أني لا بد أن أعيش ذلك يوماً ما، وذاك ما كان.

حتى لا أقحمك عزيزي القارئ في التفاصيل، نشأت علاقتي بها على مهل، حديث لشهور متعدّدة، قبل أن تنبت بذرة الحب.

تطوّر ذلك الحب إلى أن وصل بها لدرجة الهيام، وهنا بدأت التصرفات اللامنطقية.

حين تطورت علاقتنا، بدأت القرارات الصارمة، حذفت حسابي على الإنستغرام، وقلّصت دائرة أصدقائي وصديقاتي التي جمعتني معهم سنين. كان القرار مني، احتراماً لها، وإظهاراً لاهتمامي بها وفقط، لكن، حين كنت أنشر إحدى صوري في مواقع التواصل الاجتماعي، تخلق صراعات، رغم أن قائمة الأصدقاء لا تشمل سوى الرفاق والعائلة، رغم ذلك كانت ترفض أن أنشرها. لم أدرك السبب، أن تغارَ من النساء، طبيعي، لكن أن تغار حتى من نشر صوري، ذلك ما لم أفهمه حتى الساعة.

في أحاديثنا الأولية، عَلِمت أني مدوّن. كانت محبة لذلك قبل أن تستقر العلاقة، من بعد سيتغير كل شيء. رفضت رفضاً قاطعاً أن أتعامل مع الإناث، أخبرتها أن تعاملي معهن تفرضه طبيعة الموضوعات، وحديثي معهن يظل في إطار ما هو مهني، لكن الأذن غير صاغية: رفض قاطع حتى ولو أنهيت عملي كمدوّن.

وافقت على ذلك، أبعدت نفسي عن كل موضوع قد آخذ منه تصريحاً من امرأة، وربما موافقتي تلك ما جلبت علي وابلاً من التصرّفات اللامنطقية. وقد تتساءلون لم وافقت؟ لعله الحب، ولعلي كنت سعيداً بغيرتها تلك، وأظن أني رأيتها تضحية من أجل حب.

 تجاوزت الأمر حدّ التدخّل في مهنتي وطريقة عملي. تفرض علي مهنتي، كمدرس في الثانوية، تعاملاً خاصاً مع تلاميذي من كلا الجنسين، أكون أستاذاً كما أكون أحياناً فاعلاً اجتماعياً أو حتى خبيراً نفسياً، هي ممارسات في ممارسة واحدة، زد على ذلك تعلقي بهم أشد التعلق، لم أكن أظن يوماً أن تلاميذي سيكونون جزءاً من الصراع، أن يكون تلاميذي مطية للركوب على وساوس الغيرة.

في اتصال هاتفي معها، وجدتني أشرب كوب شاي، تغيّر صوتها، حين سألتها السبب، ردّت: "أغار من الكوب الذي تشرب منه، لذلك يجب أن تتوقف عن الشرب فيه"

كانت إحدى صديقاتها تشتغل معي في نفس المؤسسة، تراقب لها كل صغيرة وكبيرة، وتخبرها بكل فعل. ثم ماذا بعد؟ ماذا لو تمّ منعك حتى من محادثة تلاميذك؟ حين أتذكر الآن كيف وافقت على ذلك، أبتسم ابتسامة سوداء. منع علي محادثة تلميذاتي، لا أحدثهن إلا خلسة حين لا أكون مراقباً، خارج القسم لا يوجد حديث معهن، لاحظ التلاميذ تهربي المبالغ فيه حتى من أسئلة متعلّقة بالدرس، بل اشتكى بعض آباء التلاميذ من تلك التصرفات.

كنت نشطاً داخل المؤسسة، أترأس عديد الأندية المدرسية، لذلك كان لا بد أن أقوم بأنشطة ثقافية أو اجتماعية، وهي التي لا تخضع للتمايز، كل له الحق في المشاركة، لكني رفضت من بعد أن أكون في أي ناد مدرسي، لئلا أحرج مع تلاميذي ولئلا أَجرح من أحب.

لم يكن الأمر هيناً، إذ لم يقتصر الأمر على التلاميذ فقط، إنما تعداه إلى تحية السلام التي تجمعني مع زميلات العمل. كل ما يقع داخل المؤسسة يصلها، هنا بدأت الوساوس تنتابني، كما كنت مراقَباً، كنت مراقِباً. مجرّد أن توقفني إحداهن داخل المؤسسة، أتلفّت يميناً ويساراً حتى لا تلاحظني جاسوستها، داخل المؤسسة لا يمكن أن أتحاشى الجميع، بمجرّد أن يصلها أمر وقوفي أو سلامي، تبدأ الصراعات. أثّر علي ذلك كثيراً، بدأت أحسّ أنني مراقب في كل مكان، حتى في المقهى الذي أجلس فيه، أو المنزل، بدأت أرى أن الكل يراقبني. رفضت رحلات الاستجمام التي كانت تتكلف بها المؤسسة بعد عناء الموسم الدراسي، كانت تهدّدني إن أنا ذهبت.

في اتصال هاتفي معها، وجدتني أشرب كوب شاي، تغيّر صوتها، حين سألتها السبب، ردّت: "أغار من الكوب الذي تشرب منه، لذلك يجب أن تتوقف عن الشرب فيه". بدأت أضحك بهستيرية متسائلاً: "ما هذا الطلب؟". كنت أظنها تهزأ لكن الأمر كان جدياً، بدأت الأمور تظهر لي غير منطقية، هناك علة ما في هذه العلاقة.

وصل أمر غيرتها إلى العائلة، بدأت ترفض أن أحمل ابنة أخي التي لم تتجاوز حينها السنة، حين قلت إن الأمر غير ممكن إطلاقاً، بدأت تهدّد وتتوعّد، بدأت أخفي عنها لقائي بأخي وابنته الصغيرة. حاولت جاهدة أن تفصلني عن عائلتي، لا حديث مع خالتي التي أكبرها بسنوات. نعم لا تريدني مطلقاً أن أتحدث لخالتي أو حتى أذهب لزيارتها، نفس الأمر مع بنات عمي، بل تدخّلت حتى في طبيعة الأصدقاء الذين يجب أن أصادقهم.

هنا بدأت الأمور تأخذ منعطفاً آخر، وجدت نفسي أعزَل عن محيطي الخارجي، قلّما أزور العائلة، وربما منذ بدأت علاقتي بها لم أزر بيت عمي الأكبر، رغم أني كبرت مع أبنائه وبناته وكانت تجمعنا علاقة طيبة، أقضي ساعات طِوال في المقهى، منعزلاً عن الآخرين.

"لك أن تختارَ بين أن تستمرّ مع من تحب وقد تصاب بالحمق، أو أن تنهي كل ذلك وتختار راحتك النفسية أولاً". هذا ما أخبرني به طبيبي النفسي في آخر جلسات العلاج 

أتت القشة التي ستقسم ظهري

يومَ وصلتني رسائل منها وأنا جالس بالمقهى، على خاصية الستوري الخاص بها في أنستغرام، كتبت عني الكثير، شوّهت سمعتي، وقالت عني الكثير، حين سألتها عن سبب ذلك، قالت إن إحداهن أخبرتها بوجود علاقة سابقة معها.

لم يزعجني كثيراً كذب الفتاة، بقدر ما أزعجني أنه وإن كان لي – فرضاً – علاقة سابقة مع تلك الفتاة، فذلك جزء من ماضٍ لا علاقة لها به.

حين سألتها عن سبب فعلتها كانت إجابتها بالحرف: "أرفض أن يكون لك ماض مع أي فتاة غيري، أو حتى عشق لإحداهن وإن كان من الماضي".

شاع ما كتبت بين زملائي كالنار في الهشيم، ودخلت في حالة استياء ونوبات عصبية، بدأت أراسل كل من قرأ ذلك، أحاول أن أشرح، والكل يتحاشى. بكيت لأيام عديدة، كيف يمكن أن يفعل بي الحب كل هذا؟ ألم تشفع التضحيات التي قدمتها؟ الغريب أنها رغم فعلتها تلك، اعتذرت، وأن الحب أكبر من أن ينتهي بسبب خطأ، لكنه ليس كالأخطاء، بعدها نصحني أحدهم أن أزور طبيباً نفسياً.

ليس بيني وبين الحمق إلا شعرة

"لك أن تختارَ بين أن تستمرّ مع من تحب وقد تصاب بالحمق، أو أن تنهي كل ذلك وتختار راحتك النفسية أولاً". هذا ما أخبرني به طبيبي النفسي في آخر جلسات العلاج.

أخبرني أن طبيعة هذه العلاقة سامة، قد تفصلني عن حياتي الطبيعية، قد تفصلني عن عائلتي، قد تفصلني عن ذاتي أيضاً، أن الحب ليس مبرّراً لإكمال العلاقة، لأن أساسه فاسد، فسدَ حين انتفى شرط الثقة التي تبنى عليها كل العلاقات، من الصعب أن تنجح العلاقات التي يطغى عليها حب التملك.

اتصلت بها لكي تزور هذا الطبيب، لعل تصرفاتها تصبح أكثر عقلانية، لكنها رفضت. لذلك كان لا بد أن أنهي كل شيء. كان ذلك صعباً لأني كنت أيضاً أشعر بكمية حب هائلة تجاهها، لكني اخترت ذاتي أولاً، ولم أندم يوماً على قراري هذا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image