شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تحدَّين نظرة المجتمع وحطّمن التابوهات... نساء يتخصصن في العلاج الجنسي

تحدَّين نظرة المجتمع وحطّمن التابوهات... نساء يتخصصن في العلاج الجنسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 28 مايو 202412:52 م

تزوّجت مروة (23 عاماً)، من زميلها في الجامعة بعد قصة حب جمعتهما لسنوات، لكن الحياة الزوجية السعيدة التي حلما بها لم تتحقق على أرض الواقع لعدم قدرتهما على ممارسة العلاقة الحميمة طوال خمسة أشهر من زواجهما، بسبب معاناتها من التشنج المهبلي اللاإرادي، وهو حدوث تقلصات لاإرادية لعضلات فتحة المهبل حال اختراق أي شيء له، كالقضيب أو السدادات القطنية، مما يتسبب في انغلاق فتحة المهبل وعدم قدرتها على الإيلاج الطبيعي، بالإضافة إلى الآلام الناتجة عن التشنج في العلاقة.

تأثير سحري

خلال تلك الأشهر، أصاب اليأس الزوجين برغم لجوئهما إلى عدد من أطباء/ طبيبات النساء والتوليد وأمراض الذكورة لحل المشكلة. بقيت الأمور على حالها وازدادت علاقتهما توتراً وباتا يتبادلان اللوم والاتهامات، إلى حين قررت الزوجة استشارة أخصائية في العلاج الجنسي.

في حديثها إلى رصيف22، تقول مروة: "رُحت لأكتر من دكتورة نساء، منهن اللي كتبوا لي علاج للالتهابات المهبلية ومنهن اللي قالوا لي أحقن بوتوكس بالمهبل، وكلامهن ما ريحنيش ولا وصلت لحل للمشكلة، ما كانش فيه سبب عضوي عندي، وحتى جوزي كشف عند أكتر من دكتور وما طلعش عنده مشكلة، وأنا ما اقتنعتش بتخاريف السحر والأعمال اللي قالت عليها حماتي".

العلاج الجنسي النفسي كان له تأثير سحري على علاقتهما الزوجية، وجعلها تشعر بالمتعة بدلاً من الألم والخوف

وتضيف: "بحثت كثيراً على الإنترنت، وعرفت أنني أعاني من تشنج مهبلي لاإرادي، وفي أثناء بحثي وجدت أخصائية علاج جنسي فحجزت عندها".

وتتابع: "تحدثت معنا المعالجة الجنسية، وسألتني عمّا إذا كنت أخاف وأتوتر من العلاقة، فقلت لها إني أخاف من الألم وفض غشاء البكارة، وأشعر بتشنجات في جسمي وأتألم في كل مرة يحاول فيها زوجي ممارسة العلاقة معي. وسألت زوجي عن المداعبة قبل العلاقة، وكشفت لنا أن المشكلة سببها نفسي، واشتغلت معنا على برنامج يعتمد على نزع الأفكار السلبية المسببة للخوف والتوتر، وبعدها بدأنا بتدريب تدريجي على ممارسة العلاقة وقد احتاج العلاج إلى 6 جلسات"، مؤكدةً أن العلاج الجنسي النفسي كان له تأثير سحري على علاقتهما الزوجية، وجعلها تشعر بالمتعة بدلاً من الألم والخوف.

ثقافة العيب في المجتمع‏

كانت آية البحقيري، لا تزال طبيبة امتياز حديثة التخرج من كلية طب جامعة المنصورة، حين شعرت بوجود حاجة ماسة لدى المجتمع المصري إلى التربية الجنسية والتوعية بأمور الصحة الجنسية؛ فبدأت في العام 2018 دراستها لدى الجمعية العالمية للطب الجنسي والجمعية الأوروبية للطب الجنسي، بالإضافة إلى دراسة مراجع أجنبية حول علم الجنس، وهو علم دراسة النواحي الجنسية للإنسان وتطوره الجنسي والأمراض الجنسية، والطب الجنسي وهو التخصص الطبي الذي يتعامل مع الصحة الجنسية، لتقدّم بعدها ورشاً تدريبيةً في مجال التثقيف الجنسي للفتيات المقبلات على الزواج، ليستطعن التمتع بحياة حميمية مع أزواجهنّ دون خوف أو قلق أو ألم.

حققت آية نجاحاً في تلك الورش، لكن سرعان ما طالبها كثيرون/ ات بتقديم الاستشارات الجنسية للمتزوجين/ ات، فقررت أن تدرس أكثر لتتخصص في الاستشارات المتعلقة بالصحة الزوجية/ الجنسية‏، وحصلت على دبلوم لندن للعلاج النفسي الجنسي والعلاج الزواجي من جامعة ميدلسكس البريطانية، وأصبحت عضواً في الجمعية العالمية للطب الجنسي ومعالجةً نفسيةً/ جنسيةً‏ لدى ‏الكلية المهنية في المملكة المتحدة للعلاج النفسي الجنسي والعلاج الزواجي.

في حديثها إلى رصيف22، تقول آية البحقيري، إن ثقافة المجتمع لا تزال تنظر إلى الحديث عن الجنس على أنه عيب، لكن ما ساعدها على أن تصبح متخصصةً في العلاج الجنسي والصحة الزوجية، هو كونها طبيبةً في الأساس، والمجتمع الذكوري بطبيعته يتقبل مسألة تقديم طبيبةٍ توعيةً جنسيةً للسيدات.

وتكشف آية أنها بعد توسعها في دراسة العلاج النفسي الجنسي، واجهت تخوفات من عائلتها لكون عملها غير مقبول اجتماعياً، حتى أن والدتها لا تزال تخفي عن الآخرين طبيعة عمل ابنتها، وتقول إنها طبيبة نفسية، خوفاً من نظرة المجتمع، في حين وجدت البحقيري تشجيعاً من زوجها وأصدقائها المثقفين، كونهم يؤمنون بحاجة المجتمع إلى العلاج الجنسي الذي يمنع الكثير من الألم والمآسي الزوجية.

 "إن مجتمعاتنا منغلقة ولديها فوبيا من الجنس وتعدّ الحديث عنه عيباً وحراماً وغالبية الأكاديميين لديهم حساسية منه ونفور شخصي بسبب خلفيتهم المحافظة، مما يعيق عملية التوعية والتثقيف

وتقول المعالجة الجنسية: "العلاج الجنسي يرتبط بالطب النفسي وأمراض النساء وأمراض الذكورة وطب الغدد الصماء، كما يرتبط بالمجتمع والعلاقات ويركز على العافية الجنسية والانسجام النفسي مع الجنس، الذي يرتبط بالجانب الاجتماعي ويتأثر بالمشكلات بين الشركاء بالإضافة إلى الهرمونات والأدوية والأفكار الاجتماعية وصورة الجسد ومعارفنا عن الجنس"، مشيرةً إلى كون المعالج الجنسي يقدّم المعرفة حول العلاقة الجنسية الصحية والتوقعات بشأنها، ومتى تكون هناك مشكلة في العلاقة، وكيف تصبح نظرتنا إلى الجنس إيجابيةً، ويستعين بخبرات التخصصات الأخرى المرتبطة به عند الحاجة إليها.

وبجانب العلاج الجنسي، تقدّم آية البحقيري الاستشارات الزوجية للأفراد الذين يواجهون صعوبةً في المضي في حياتهم الزوجية ولديهم مشكلات متراكمة ويواجهون صعوبةً في التفاهم أو تجاوز محنة صعبة أو الخيانة الزوجية، بالإضافة إلى المشكلات الجنسية بين الأزواج كضعف الانتصاب وسرعة القذف لدى الزوج، وآلام الجماع والتشنج المهبلي لدى الزوجات، ومشكلات زيادة الرغبة الجنسية أو نقصانها أو الفجوة في معدلاتها بين الزوجين وإدمان الإباحية: "يكون العلاج الزواجي سلوكياً معرفياً يعمل على زيادة التواصل، في حين يمكن للطبيب المعالج الجنسي وصف أدوية للمرضى أو يحيلهم إلى تخصصات طبية أخرى".

وتوضح البحقيري أن من يقصدون عيادتها للعلاج الجنسي والزوجي ليسوا من المتزوجين فحسب: "هناك مقبلون على الزواج يأتون بغرض التثقيف الجنسي وفهم أجسادهم ومساعدتهم على تخطّي تجربة مؤلمة كالتحرش الجنسي والاغتصاب أو كسر حاجز الدخول في علاقة".

تضيف: "إن مجتمعاتنا منغلقة ولديها فوبيا من الجنس وتعدّ الحديث عنه عيباً وحراماً وغالبية الأكاديميين لديهم حساسية منه ونفور شخصي بسبب خلفيتهم المحافظة، مما يعيق عملية التوعية والتثقيف، كما أن عائق الترجمة والتكلفة المادية الباهظة للشهادات الدراسية الخاصة بالطب الجنسي وغياب الدعم من وزارة الصحة والمجلس الأعلى للجامعات، كلها أمور تؤدي إلى ندرة المتخصصين/ ات في المجال".

الارتياح لمعالجة أنثى

في العام 2017، دخلت أميرة الديب مجال مدرّبي العلاقات، بعدما درست الذكاء النوعي في مدرسة الكاتب الأمريكي جون غراي، صاحب كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة".

أميرة التي تعمل حالياً معالجةً زواجيةً ونفسيةً جنسيةً، تخصصت في العلاج الجنسي النفسي منذ العام 2019، بعد حصولها على "كورس" تدريبي من متخصصين بريطانيين، ثم تابعت دراستها للحصول على دبلوم لندن للعلاج النفسي الجنسي والعلاج الزواجي، في نسخة مخصصة للشرقين الأوسط والأقصى، واستمرت مدة عامين متواصلين منذ 2021 وحتى 2023، وكانت تضم دارسين ودارسات من مصر والسعودية والأردن.

تقول أميرة لرصيف22: "كمعالجة نفسية جنسية بعالج أي مشكلة نفسية تؤثر على العلاقة الجنسية، واتقال لي كتير من مريضات: حضرتك كنتِ فين من زمان؟ أنا اتبهدلت عند الدكاترة وقالوا لي تعملي جراحة أو حقن بوتوكس، وبيكون السبب نفسي في الأساس خصوصاً في حالات التشنج المهبلي، وعدم الوصول للنشوة الجنسية أو ضعف الرغبة الجنسية"، كاشفةً أن الكثير من المشكلات الجنسية سببها نفسي كالاكتئاب والقلق ويحتار فيها الأطباء ولا يجدون سبباً عضوياً لها، وأحياناً يضطرون إلى اللجوء للمسكنات ومضادات الاكتئاب.

وتضيف أميرة أن كونها معالجةً جنسيةً أمر يجعل كثيرات من الإناث اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين الـ25 والـ55، يقبلن على العلاج الجنسي إذ يشعرهنّ بارتياح أكبر وقدرة على البوح من دون خجل بعيداً عن العادات الاجتماعية المحافظة، وهو ما لا يحصل في العادة مع معالج ذكر، كما يجعل بعض الأزواج المحافظين يتقبلون فكرة العلاج والتوعية الجنسية لزوجاتهم، لا سيما أن معظم من يقصدونها ينتابهم الشعور بالإحراج الشديد، نظراً إلى حساسية الثقافة المتعلقة بالجنس.

سببها العلاقة الجنسية

برغم وجود توجه كبير في الوقت الراهن نحو العلاج الزوجي في مصر، إلا أن العلاج الجنسي لا يزال يواجه رفضاً مجتمعياً، لا سيما إذا تم تقديمه من قِبل معالجات إناث؛ حيث تواجه بعض المعالجات صعوبات نتيجة أفكار بعض الأزواج الذكور التي تجعلهم يرفضون تقبل حقيقة وجود مشكلة جنسية لديهم وأنهم بحاجة إلى المساعدة والعلاج، كما تُبيّن الدكتورة منى صلاح، وهي معالجة نفسية وزوجية معتمدة من وزارة الصحة المصرية ومعالجة جنسية معتمدة من الجمعية المصرية للعلاج الجنسي وجراحاته.

وتوضح صلاح لرصيف22، أنه "ليس بالضرورة أن يكون المعالج الزوجي معالجاً جنسياً؛ حيث أن الأول كان بالأساس معالجاً أو طبيباً نفسياً تخصص في العلاج الزواجي، ويكون هدف العلاج الوقوف على الجوانب النفسية للطرفين والتي قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على العلاقة الزوجية، وتحسين الرضا عن العلاقة، وكيفية فهم مشاعرهم والتعبير عنها، وتحسين التواصل. أما المعالج الجنسي فهو معالج نفسي حاصل على اعتماد العلاج الجنسي هدفه بشكل عام الوصول إلى المشكلات الجنسية المتمثلة في الأفكار والمشاعر عن الجنس، لا المشكلات العضوية التي يعاني منها طرف أو الطرفان وتؤثر على الرضا في العلاقة الجنسية، ويختلف عمل كليهما عن مستشار العلاقات الزوجية والأسرية، والذي يقدّم الإرشاد الزوجي فقط وليس العلاج".

كمعالجة زواجية وجنسية تستقبل الدكتورة منى في عيادتها أزواجاً يشكون من مشكلات زوجية، لكنها سرعان ما تكتشف أن سببها العلاقة الجنسية، وتلجأ إلى إحالة بعض مرضاها على أطباء النساء وأمراض الذكورة، في حالة وجود مشكلات عضوية في الجهاز التناسلي لدى أحدهما يعيق أداء العلاقة الجنسية، مثل ضعف الانتصاب أو الضعف الجنسي أو سرعة القذف، بينما تعالج تلك المشكلات إن كان سببها نفسياً فحسب، مؤكدةً أن "العلاج الزواجي والجنسي يساعد على الرضا عن العلاقة الزوجية والحياة بشكل عام، مما يؤثر على العلاقات والإنتاجية في البيت والعمل".

نسويةٌ تريد تطليق الزوجات

وفي حين تخصصت كل من آية وأميرة ومنى في العلاج الجنسي والزواجي، فإن الطبيبة النفسية شاهندا خليل، أصبحت أول مدربة عربية في مجال العلاج الزواجي، بعدما حصلت على الاعتماد كأول معالجة زواجية ناطقة بالعربية في الشرق الأوسط من معهد غوتمان الأمريكي في العام 2022.

تقول خليل لرصيف22: "كانت أمامي عقبة بعد إنهاء دراستي تتمثل في اختلاف الثقافة الغربية الأمريكية المنفتحة عن الثقافة الشرقية العربية، فحاولت خلق نموذج جديد يمكّننا من تطويع نموذج غوتمان ليتوافق مع مجتمعنا، وأسست معهد الإسكندرية لتعليم العلاجات النفسية (إيه. آي. بي)، وهو الوحيد الذي يقدّم التدريب على هذا النموذج"، موضحةً أن ما دفعها للتخصص في العلاج الزواجي، هو اهتمامها بحالات النساء اللواتي يعانين من انعدام القدرة على التعبير العاطفي، وتالياً يواجهن مشكلات زوجيةً.

صحيح أن مجتمعاتنا العربية لا تزال تخجل من الثقافة الجنسية وتصنف الصحة الجنسية ضمن التابوهات، إلاّ أن المشكلات الجنسية لا تختفي من تلقاء نفسها بل تتفاقم محدثةً تأثيرات سلبيةً على حياة الأفراد والأسر والمجتمع بشكل عام؛ وبعض النساء قررن خوض غمار هذه التجربة والتخصص في مجال الصحة الجنسية

وتبيّن المدربة في العلاج الزوجي أنها تواجه ثقافات مختلفةً في عملها، بدءاً من البيئات المنغلقة مروراً بالمدن الأكثر انفتاحاً والمحافظات السياحية وصولاً إلى الأزواج المنتمين إلى التيارات الإسلامية المتشددة، الذين وصفوها في بداية عملها في الإسكندرية بأنها "نسوية تعمل على تطليق زوجاتهم وإقناعهنّ بالتحرر"، لكنها نجحت في تبديد أفكارهم المغلوطة، وخلال العامين الأخيرين أصبح لديها متدربون ومتدربات من مختلف محافظات مصر، ومن بلدان عربية أبرزها: لبنان والأردن وفلسطين، تخرّج منهم نحو 70 معالجاً/ ةً وكان نحو 75% من الخريجين/ الخريجات من الإناث.

صحيح أن مجتمعاتنا العربية لا تزال تخجل من الثقافة الجنسية وتصنف الصحة الجنسية ضمن التابوهات، إلاّ أن المشكلات الجنسية لا تختفي من تلقاء نفسها بل تتفاقم محدثةً تأثيرات سلبيةً على حياة الأفراد والأسر والمجتمع بشكل عام؛ وبعض النساء قررن خوض غمار هذه التجربة والتخصص في مجال الصحة الجنسية لمساعدة النساء اللواتي يجدن صعوبةً في التحدث عن الأمور الحميمية والعمل في مجال التوعية الجنسية لكسر مبدأ "العيب والحرام". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image