حظرت منصة "تيك توك عربي"، أمس الثلاثاء، "بشكلٍ نهائيٍّ"، حساب الدكتورة ساندرين عطالله، المُتخصصة في الطبّ الجنسي، بسبب شرحها في فيديو نشرته على المنصّة، عن البظر من خلال نموذجٍ تشريحي، في قرارٍ لم يصمد طويلاً، بعد أن اتّهمت الأخيرة تيك توك، عبر تويتر، بممارسة "عملية ختانٍ رقمية للأعضاء التناسلية الأنثوية".
تعرّض الحساب لهذا "الحظر الدائم"، بعد أن نشرت عطالله فيديو قدّمت خلاله شرحاً لتكوين الجهاز التناسلي الأنثوي، مستخدمةً نموذجاً طبّياً. في المقابل، فإن فيديو مشابهاً تماماً عن العضو الذكري، حصد 32 مليون مشاهدة، ولم ينتج عنه أي إجراءات من قبل المنصّة العالمية.
تعرّض الحساب لهذا "الحظر الدائم"، بعد أن نشرت عطالله فيديو قدّمت خلاله شرحاً لتكوين الجهاز التناسلي الأنثوي، مستخدمةً نموذجاً طبّياً
وتنشط المتخصصّة في الطبّ الجنسي، بشكلٍ رئيسيٍّ، عبر منصتَي تيك توك (1.3 مليون متابع، و3.3 مليون إعجاب)، وإنستغرام (230 ألف متابع)، وتنشر فيديوهاتٍ توعويةً حول الصحة الجنسية للإناث والذكور على حدٍّ سواء، وكانت قد تعرّضت في السابق للحظر المؤقت بشكلٍ متكررٍ من تيك توك، كما عانت من "الحظر الخفيّ (الشادو بان)"، لكن بشكلٍ أقلّ تكراراً على إنستغرام.
تقول عطالله، لرصيف22، إن "الحظر المتكرر يرتبط دائماً بنشرها محتوى عن الصحة الجنسية للنساء، فيما تنتشر الفيديوهات التي تتناول الصحة الجنسية للرجال على نطاقٍ واسع"، وهو ما ترى فيه تمييزاً رقمياً ضد النساء، خصوصاً على تيك توك.
تقول عطالله، لرصيف22، إن "الحظر المتكرر يرتبط دائماً بنشرها محتوى عن الصحة الجنسية للنساء، فيما تنتشر الفيديوهات التي تتناول الصحة الجنسية للرجال على نطاقٍ واسع"
تخاف المتخصصة في الطبّ الجنسي، من حظر حسابها مجدداً، وتقول: "جميعنا تعرّضنا لعملية ختانٍ للبظر في عقولنا، وتيك توك عربي يحاول إبقاء الأمر على هذا النحو". وتكشف عن تواصلها مع فريق تيك توك عربي، الذي برّر لها تعرّض حسابها للحظر بـ"الخوارزميات التي يتضمّنها التطبيق، وهو حظر أوتوماتيكي"، على الرغم من أن حسابها موثّق على المنصّة، ويحمل الإشارة الزرقاء.
ويُعدّ تطبيق تيك توك، أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي نموّاً حول العالم، وأحد أكثر التطبيقات تحميلاً في جميع المتاجر، إذ بلغ عدد مستخدمي التطبيق النشطين، في نهاية الربع الثالث من العام الحالي، مليار شخص شهرياً، ويعني ذلك أن واحداً من كل سبعة أشخاصٍ من سكّان الكرة الأرضية يشاهد على نحو منتظمٍ مقاطع فيديو قصيرة على هذا التطبيق. لكن سياسات الخصوصية، ومعايير الحظر عليه، لا تزال تثير جدلاً، ما اضطره إلى تغيير سياساته في حزيران/ يونيو الماضي، "لجعلها مناسبةً أكثر للمراهقين".
تقول الخبيرة في الأمن الرقمي، والحماية على وسائل التواصل الاجتماعي، ليال جبران، التي كانت قد ساعدت عطالله في التواصل مع فريق تيك توك العربي، إن "تعرّض حساب المتخصصة في الطبّ الجنسي للحظر الدائم، يعود إلى كثرة التبليغات ضدّها، ولا يرتبط بالخوارزميات أبداً، بل بوجود ثقافةٍ إلغائيةٍ في المحتوى العربي، تتظهر من خلال حملاتٍ لحظر أشخاصٍ معيّنين. فعطالله إمرأة عربية تقدّم محتوى تعليمياً جنسياً باللغة العربية، وبسبب حصد فيديوهاتها أعداد مشاهداتٍ هائلة، فإنها باتت تظهر لعدد ضخم من المستخدمين في المنطقة العربية، وتالياً فإن هناك حكوماتٍ ومؤسساتٍ دينيةً كبرى، تهاجم هذا النوع من الحسابات، عبر جيوشٍ إلكترونيةٍ، وبوتس (روبوتات رقمية)، من خلال شنّ حملة تبليغاتٍ تهدف إلى حظر هذا الحساب، أو ذاك، بحجة أن هذا المحتوى لا يجوز دينياً، أو قد يشجّع على الممارسة الجنسية قبل الزواج، أو فساد الأخلاق".
هناك حكومات ومؤسسات دينية كبرى، تهاجم هذا النوع من الحسابات، عبر جيوشٍ إلكترونيةٍ، وبوتس (روبوتات رقمية)، من خلال شنّ حملة تبليغاتٍ تهدف إلى حظر هذا الحساب، أو ذاك، بحجة أن هذا المحتوى لا يجوز دينياً
وتؤكد جبران لرصيف22، أن منصّة تيك توك، "لا تهتم أبداً لنوعية المحتوى الذي يقدّمه حساب ما، وأهميته، ولا عدد المشاهدات التي يحصدها، بل ما يهمّها هو مجرد أنك تقدّم محتوى، وأنه يتوافق مع قوانينها". وتصف منصّة تيك توك بأنها "شديدة الصرامة في ما يتعلّق بالمحتوى الجنسي، لأن معظم المتابعين، ومعظم صانعي المحتوى عليها، هم من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 سنةً، وهو ما تعرفه تيك توك جيداً، بل وتعرّف بنفسها على أنها مخصصة للمراهقين".
وتشرح جبران أن المنصّة العالمية "لا تسمح أبداً بنشر مواد تتضمن إيحاءاتٍ جنسيةً، أو تروّج للاغتصاب، أو تقدّم محتوى قد يستدرج الأطفال لممارسة الجنس. ومن هذه الناحية، فإن حساب عطالله لا يخرق أيّاً من سياسات تيك توك، وقوانينها، وتالياً فإنّ عرض المجسّمات الطبّية التي تصوّر الأعضاء التناسلية، قد يكون الثغرة التي يتمّ استغلالها لحظر حسابها بشكلٍ متكرر".
منصّة تيك توك، "لا تهتم أبداً لنوعية المحتوى الذي يقدّمه حساب ما، وأهميته، ولا عدد المشاهدات التي يحصدها، بل ما يهمّها هو مجرد أنك تقدّم محتوى، وأنه يتوافق مع قوانينها"
تعلّق عطالله على هذه النقطة، بأن "المحتوى الذي يعرض معلوماتٍ موجّهةً إلى الرجال، مثل حقائق عن طول القضيب، أو تعزيز الانتصاب، أو كيف يستطيع الرجل الحصول على المتعة الجنسية القصوى، لا تتسبّب لي بأيّ مشكلةٍ في الحساب، بل إنها تكون الأكثر انتشاراً، وتحقيقاً للمشاهدات. في المقابل، فإن الفيديوهات التي تتحدّث عن المتعة الجنسية للمرأة، أو صحّتها الجنسية، أو تساعدها على التعرّف أكثر على أعضائها التناسلية، هي التي تتعرّض لحملات التبليغ، وللحظر، ويتمّ قمع انتشارها في حال بقيت على المنصة. وهذا يعود إلى وجود خوفٍ من تثقيف النساء جنسياً، وخوفٍ من توعية المراهقين جنسياً أيضاً".
وتؤكد عطالله، أن "70% من النساء والفتيات لا يعرفن أعضاءهن الجنسية، وإذا نظرن إليها في المرآة، لا يعرفن ما الذي أمامهن، وهذا جزء من جسدهنّ يتمّ تجاهله كأنه غير موجود"، وتشرح أن "معرفة النساء بأعضائهنّ التناسلية، ومما تتكوّن، وما هي وظائفها، هو ضرورة من أجل إشباع رغباتهنّ بشكلٍ صحّي، وتحقيق المتعة الجنسية الآمنة والصحّية، وهو ما ينعكس على حياتهنّ بتفاصيلها كافة".
في المقابل، تشير الطبيبة اللبنانية إلى أهمية تقديم التوعية الجنسية للمراهقين، ووضعها في متناول أيديهم، "لأن الدراسات بيّنت أن التربية الجنسية تساهم في تأخير موعد أول لقاءٍ جنسيٍّ للمراهقين، وتحميهم من التعرّض للتحرش، والاستغلال، والجنس غير الآمن"، كما تؤكّد على أهمية محتواها "الذي يشرح للمراهقين، على سبيل المثال، مفاهيم علميةً، مثل ضرورة أن يكون الجنس آمناً، وقائماً على التراضي، وأنّ طول العضو الذكري ليس معياراً صحيحاً، وأن مفهوم العذرية هو مفهوم خطأ".
الدراسات بيّنت أن التربية الجنسية تساهم في تأخير موعد أول لقاءٍ جنسيٍّ للمراهقين، وتحميهم من التعرّض للتحرش، والاستغلال، والجنس غير الآمن
وفيما تدافع المتخصصة في الطبّ الجنسي عن أهمية محتوى ما تنشر، فإنها تحذّر بشدّةٍ في المقابل، من المحتوى الموجود على تيك توك حالياً، "إذ ينتشر التنميط ضد النساء، ويتمّ تقديمهنّ من خلال الفيلترز، وبعض المحتوى شديد الرواج على المنصّة، وكأنهن سلعاً جنسية، ما يثير اضطرابات في كيفية رؤيتهنّ لأنفسهنّ، ويخلق صورةً خطأ لدى الذكور، بأن هذا ما يجب أن تكون عليه الفتاة والمرأة، وهو أمر خطأ تماماً". كما تحذّر من "انتشار التنمّر والسخرية ضد النساء والأشخاص المختلفين، وأصحاب الوزن الزائد، ومجتمع الميم عين على سبيل المثال"، وهو محتوى ينتشر يومياً، عبر آلاف المؤثّرين الناشطين، ويلقى تفاعلاً هائلاً من المتابعين، لكنه لا يتعرّض لأي إجراءٍ من قبل إدارة المنصّة.
ينتشر التنميط ضد النساء، ويتمّ تقديمهنّ من خلال الفيلترز، وبعض المحتوى شديد الرواج على المنصّة، وكأنهن سلعاً جنسية، ما يثير اضطرابات في كيفية رؤيتهنّ لأنفسهنّ
بدورها، تُحذّر جبران من خطر الفيلترز في خلق صورٍ نمطيةٍ "تؤثّر على نفسية الأطفال والمراهقين، وصحّتهم، إذ يرون صوراً غير واقعية لما ينبغي أن يكون عليه شكلهم، ما يخلق لديهم مشكلاتٍ نفسيةً، كرفض ذواتهم، وعدم تقبّل أشكالهم، ومشكلاتٍ صحيةً، كاضطرابات الطعام، وسوء التغذية، خلال محاولتهم الوصول إلى ما يتمّ الترويج له على أنه الشكل المثالي، وهو في الحقيقة شكل غير واقعي"، وتؤكد على أن "تيك توك ومنصّات التواصل الاجتماعي كافة، هي مكان غير مناسب للأطفال والمراهقين دون عمر الـ16 عاماً، فيما تبقى التوعية الجنسية حاجةً وضرورة".
ويُعدّ الجدل حول سياسات منصّات التواصل الاجتماعي، على تعدّدها، شاغل العالم والمهتمين، إذ تضع هذه المنصّات العابرة للحدود والثقافات، قوانين خاصّةً بها، تجعلها أقرب إلى إمبراطوريات عالمية، فيما تتوسع حملات مكافحة التمييز ضد النساء في نسبة العري المسموح بها على هذه المنصّات، كحملة "حرّروا الحلمات Free the nipples" مثلاً، ويكافح الناشطون في المنطقة العربية ضدّ مجرّد نشر التوعية الجنسية المحظورة في المدارس والمنازل، ومؤخراً على منصّات التواصل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومينحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 3 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين