شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
اللوبي الصهيوني في أمريكا... بين تأييد سياسة نتنياهو ومعارضتها

اللوبي الصهيوني في أمريكا... بين تأييد سياسة نتنياهو ومعارضتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الثلاثاء 7 مايو 202406:48 م

طالما اتسم موقف اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ تأسيسه في القرن الماضي، بموقف موحد ثابت - داعم لإسرائيل وضاغط على الإدارة الأمريكية أياً كانت جمهورية أو ديمقراطية. لكن الحرب الإسرائيلية على غزة أظهرت تبايناً لافتاً في المواقف داخل المجتمع الأمريكي، بما في ذلك ليهود أمريكيين ومنظمات محسوبة على اللوبي الصهيوني نفسه.

في حديثه لرصيف22، يؤكد الصحافي الفلسطيني المختص في الشأن الأمريكي، ثائر أبو عزيزي، هذا الموقف التقليدي في العلاقة المتكاملة والمتجانسة بين اللوبي الصهيوني و أعضاء الكونغرس والإدارة الأمريكية ودعمهم وتأييدهم الدائم لإسرائيل بغض النظر عن تغير الحكومات في دولة إسرائيل، وهذا موقف تقليدي ثابت تعزز خلال عشرات السنين في طبيعة العلاقة ما بين إسرائيل وأمريكا.
كما يؤكد أستاذ الفلسفة في جامعة القدس، الدكتور سعيد زيداني، أن عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التي نفذتها حماس ضد البلدات الإسرائيلية في ما يعرف بغلاف غزة كشفت عن حقيقة العلاقات البنيوية ما بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى بصورة أكثر وضوحاً وموضوعية من الصورة المشوهة التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تقديمها للعلاقة مع إسرائيل وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي، إذ تجلى الموقف المؤيد والمشارك والداعم لإسرائيل في ردها القوي والحاسم ضد قطاع غزة وارتكاب الكثير من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وجرائم الحرب ضد المدنيين في القطاع، وأكدت مواقف إدارة الرئيس جو بايدن على حجم الدعم القوي السياسي والعسكري الأمريكي لإسرائيل وتأثير جماعات الضغط واللوبيات الصهيونية في السياسة الأمريكية اتجاه إسرائيل.
فقد استندت العلاقة التقليدية بين الطرفين على ادعاءات ومبررات كثيرة بوصفها علاقة إستراتيجية قائمة على القيم الديمقراطية المشتركة والمصالح الإستراتيجية بينهما، والنظر إلى إسرائيل على أنها حجر الأساس والحامية للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وتعتبر قضية الحفاظ على أمن إسرائيل وقوتها وهيمنتنها في المنطقة من مسلَّمات السياسة الأمريكية الشرق الأوسطية، وتمثل إسرائيل أداة ضغط أمريكية في الإستراتيجية الدولية، إضافة إلى ذلك الاستمرار في دعم الأنظمة السياسية الموالية للإدارة الأمريكية والعمل على إقامة علاقات دبلوماسية بين حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
"منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حصل انقسام في اللوبيان اليهودية في المجتمع الأمريكي، ويتعلق هذا الانقسام بالعلاقة بين الليبرالية والصهيونية، وهما عقيدتان حددتا الهوية اليهودية الأمريكية لأكثر من نصف قرن. وفي السنوات المقبلة، سيواجه اليهود الأميركيون ضغوطاً متزايدة للاختيار بينهما"

المصالح المشتركة والاعتبارات الذاتية أهم أسباب الدعم

لكن الدوافع الحقيقية للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل تتمثل في اعتبارين أساسيين، الاعتبار الأول هو الضغط والتأثير والمصالح المشتركة للوبي الصهيوني مع صناع القرار في واشنطن، وهو ما يخضع للمصالح والاعتبارات السياسية وغالباً ما يتجلى هذا الاعتبار لدى الحزب الديمقراطي والإدارات الأمريكية الديمقراطية، من خلال مؤسسات هذا اللوبي الضاغطة وأهمها منظمة أيباك، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ورابطة مكافحة التشهير ومسيحيون متحدون من أجل إسرائيل وعدد كثير من المنظمات اليهودية الأمريكية الأخرى، والاعتبار الثاني هو الاعتبار الديني المتجذر لدى شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي وخاصة المسيحيين الإنجيليين الذين يمثلون القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، وهذا الاعتبار غالباً ما ينسجم مع الحزب الجمهوري والإدارات الأمريكية الجمهورية.
يوضح زيداني لرصيف22 أن إدارة بايدن "إدارة ديمقراطية والتأثير الأقوى عليها كان تأثيراً من قبل اللوبي الصهيوني في واشنطن، ولكن تأثير اليمين المسيحي الديني كان محدوداً من خلال بعض الموظفين المؤثرين في مراكز صنع القرار. علماً أن القرار الأساسي يكون للنخب السياسية والقادة الديمقراطيين الذين يتأثرون بالمصالح والارتباطات السياسية مع اللوبي الصهيوني، وهو ما تجسّد في موقف الإدارة الأمريكية الحالية من الحرب على قطاع غزة وتأييدها المطلق لسياسة بنيامين نتنياهو بعد عملية 'طوفان الأقصى' مباشرةً حصلت الكثير من التباينات في المواقف ما بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، وخاصة في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية واستهداف المدنيين في قطاع غزة".
فاللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو اللوبي الأكثر تنظيماً وتأثيراً على صنّاع القرار فيها، إذ تعتبر منظمة أيباك أقوى جماعات الضغط على الكونغرس بهدف استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، وتأثيرها مباشر على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتعتبر الولايات المتحدة أكبر تجمع لليهود في العالم خارج إسرائيل إذ يبلغ عدد اليهود في أمريكا نحو 5.5 مليون يهودياً. وقد استغل اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية القانون الأمريكي الصادر في العام 1946 والذي أعطى الحق للجماعات المختلفة بتشكيل مجموعات ضغط لتحقيق مصالحها باستخدام إستراتيجيات خاصة بالتأثير المباشر على صناع القرار والتأثير غير المباشر من خلال حشد وتجييش الرأي العام وخلق تأثير على صانعي السياسات لتحقيق مطلب تلك اللوبيات.
وفي عام 2022، انتقدت منظمة جي ستريت اليهودية الأمريكية لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة بـ"أيباك" بسبب تأييد وجمع التبرعات لعدد من نواب الكونغرس اليمينيين المتطرفين، في ما شكّل نوعاً من الانقسام في الموقف التقليدي الموحد للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، بالنظر إلى تحالف أيباك الكبير والواسع مع القوى اليمينية وإظهار الدعم المطلق لسياسات نتنياهو وتقديم الدعم المالي للمتطرفين بما يشكل ضرراً لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية وللقيم المشتركة بين الطرفين. ورأت "جي ستريت" أن نهج أيباك المتمثل في "دعم كل ما تفعله الحكومة الإسرائيلية، سواء كان صحيحاً أو خاطئاً"، لا يصب في مصلحة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا يمثل آراء اليهود الأمريكيين، وأن جمع ملايين الدولارات لصالح المرشحين المتطرفين في الانتخابات الأمريكية لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة أو إسرائيل، ومن المؤكد أنه لا يمثل المجتمع اليهودي الأمريكي.
وقد أعلنت "جي ستريت"، التي تصف نفسها بأنها مؤيدة لإسرائيل وللسلام، تراجعها عن إنفاق الملايين من الدولارات دعماً لما تقوم به أيباك ورفضت أن تقدم نفس الدعم الذي قدمته عام 2022 في العام 2024 خلال الحملات الانتخابية، وفقاً لتوجهات ومصالح منظمة أيباك، مما يشكل بكل وضوح انقسام في موقف تلك المنظمات بسبب سياسة نتنياهو وحربه على قطاع غزة. سوف تحاول أيباك البحث عن مصادر بديلة لسد هذه الفجوة وهذا لن يكون سهلاً، إضافة إلى ذلك أعلنت مجموعة "أرفض ابياك أن المعركة ضد أيباك هي إحدى المعارك من أجل روح الديمقراطية الأمريكية و "لقد حان الوقت للحزب الديمقراطي بأكمله أن يرفض أيباك ومواقفها الداعمة لنتنياهو والمتشددين الأمريكيين والإسرائيليين وإلى الأبد.
ويرى المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية بجامعة رتغرز بولاية نيوجيرسي الأمريكية، عبد الحميد صيام، في حديثة لرصيف22، أن ما يقوم به اللوبي الصهيوني في أمريكا من خلال الضغط المباشر وغير المباشر على الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي من أجل تقديم الدعم المستمر لإسرائيل وتأييد الموقف الإسرائيلي والدفاع عنه في المحافل الدولية وخاصة في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، أدى إلى تراجع في دعم الراي العام الأمريكي لإسرائيل وإلى انقسام داخل المؤسسات الفاعلة والمؤثرة على السياسة الأمريكية بما فيها بعض المنظمات اليهودية، وكان للمظاهرات التي خرجت في العالم منددة بتلك الحرب أثر على الانقسام في الشارع الأمريكي وفي اللوبي الصهيوني نفسه ، إذ تقدمت المنظمات اليهودية التظاهرات المنددة بالحرب والتي تدعو لوقف الحرب وخرجت تظاهرات ضخمة في المدن الأمريكية، وخاصة في مدينة نيويورك وكان في مقدمتها قادة المنظمات اليهودية الرافضة لهذا العدوان، مما يشكل مؤشراً قوياً على الانقسام في موقف اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية من هذا العدوان وسياسة نتنياهو وحكومته المتطرفة.

تحالف أمريكي جديد مناهض لسياسات وتوجهات أيباك 

تجلّى هذا الانقسام في تشكيل مجموعة من المنظمات الأمريكية بينها منظمات يهودية تحالفاً جديداً مكوناً من 25 منظمة أمريكية تحت اسم "رفض أيباك" وهو تحالف واسع من المجموعات التقدمية التي تعمل معاً لمواجهة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) ولجان المال الأسود التابعة لها عبر الإستراتيجيات الانتخابية والسياسية والرقمية والتنظيمية، ويدعو الائتلاف المرشحين لمناصب فيدرالية إلى عدم الحصول على تأييد أو مساهمات من أيباك ولجان العمل السياسي المتحالفة معها.
"ضغط اللوبيات والجماعات الضاغطة مثل أيباك خلال عشرات السنين على الإدارات الديمقراطية والجمهورية واضح، ولكن تأثيرها أكثر على الإدارات الديمقراطية، ومنها إدارة الرئيس بايدن لأن الإدارات الجمهورية يأتي تأييدها لإسرائيل من منطلقات واعتبارات ذاتية بداخلها مستندة إلى مرجعيات دينية إنجيلية (المسيحية الصهيونية)، ولا يعتمد على اعتبارات سياسية وعلاقات إستراتيجية وقيم مشتركة كما هو الحال في الإدارات الديمقراطية"
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن تحالف رفض أيباك جاء رداً على الدعم المستمر في الكونغرس للحملة الإسرائيلية في غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 30 ألف فلسطينياً منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.  ومن المجموعات المشاركة في الحملة مجموعة "الديمقراطيون العدالة" التقدمية، وهي أحد فروع منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" ومنظمة المناخ "حركة شروق الشمس". وفي بيان لهذا التحالف، ورد: "شاهدنا كيف بذلت أيباك كل ما في وسعها لإسكات المعارضة المتزايدة في الكونغرس ضد هجوم نتنياهو على غزة، حتى في الوقت الذي يدعم فيه الناخبون الديمقراطيون بأغلبية ساحقة وقف إطلاق النار ويعارضون إرسال المزيد من المساعدات لإسرائيل".
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة "الأسبوع" الأمريكية، في تقرير لها، أن مجموعة رفض أيباك تشكلت بعد أن أعلنت أكثر من 20 منظمة تقدمية عن تشكيل مبادرة جديدة تهدف إلى مواجهة ما أسموه "التأثير المدمر للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية المدعومة من المانحين الجمهوريين على العملية التمهيدية للحزب الديمقراطي وسياسة حكومتنا تجاه فلسطين وإسرائيل". يتألف ائتلاف "رفض أيباك" الذي تم تشكيله حديثاً من مجموعات ذات ميول يسارية، بما في ذلك "ديمقراطيو العدالة"، و"حركة الشروق"، و"الصوت اليهودي من أجل العمل من أجل السلام"، و"ثورتنا"، و"يهود من أجل العدالة العنصرية والاقتصادية ، حيث أن حرب إسرائيل المستمرة في غزة جددت الاهتمام بجماعة الضغط في الولايات المتحدة، واتهمت "رفض أيباك" لجنة الشؤون العامة الأمريكية، أيباك، بأنها تعمل كل ما في وسعها لإسكات المعارضة المتزايدة في الكونغرس ضد هجوم نتنياهو على غزة" على الرغم من الدعوات الكبيرة لوقف إطلاق النار من الناخبين الديمقراطيين، وإن عمل هذه المجموعة سيتركز على "تشجيع الأعضاء والمرشحين المؤيدين للفلسطينيين بالإضافة إلى تسليط الضوء على الاستطلاعات الوطنية التي تظهر أن غالبية الناخبين الديمقراطيين متفقون مع مواقفهم" ضد دعم أيباك الموحد لإسرائيل في حرب غزة. 

ضغوط أمريكية شعبية على إدارة بايدن 

وحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فقد احتشدت مجموعات من المتظاهرين في ناشونال مول في العاصمة واشنطن ، واقتحم عدد منها مبنى الكونغرس الأمريكي ونظم متظاهرون اعتصاماً بداخله مطالبين الكونغرس بإصدار قرار لوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بما في ذلك اليهود الأمريكيون وحلفاؤهم الذين يشعرون بالقلق بشأن الفلسطينيين في غزة، ورفع المتظاهرون لافتة كُتب عليها باللون الأحمر "دماؤنا نفس اللون" ولوّحوا بالأعلام الفلسطينية، ورفعوا لافتات منددة بالحرب. كان هناك يهود يرتدون شالات الصلاة والكبوت، وناشطون شباب يغطي جسدهم الوشم ويضعون حلقات الأنف، وأشخاص يرتدون الحجاب والأوشحة الفلسطينية ذات المربعات السوداء والبيضاء، وآخرون ارتدوا قمصاناً سوداء مكتوباً عليها "أوقفوا إطلاق النار الآن"، وكانوا يغنون ويهتفون رغم تحذيرات الشرطة والطلب منهم مغادرة المكان، وقالت المتحدثة باسم منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وهي منظمة يهودية وطنية مناهضة للصهيونية، سونيا ميرسون نوكس، خلال التظاهرة إن الحشد ضم 400 يهودياً أمريكياً و25 حاخاماً يعارضون الاحتلال الإسرائيلي ويطالبون الكونغرس بتمرير قرار لوقف إطلاق النار.
ويشير زيداني، في حديثه لرصيف22، إلى أن هناك وضوحاً في ضغط اللوبيات والجماعات الضاغطة مثل أيباك خلال عشرات السنين على الإدارات الديمقراطية والجمهورية، ولكن تأثيرها أكثر على الإدارات الديمقراطية، ومنها إدارة الرئيس بايدن لأن الإدارات الجمهورية يأتي تأييدها لإسرائيل من منطلقات واعتبارات ذاتية بداخلها مستندة إلى مرجعيات دينية إنجيلية (المسيحية الصهيونية)، ولا يعتمد على اعتبارات سياسية وعلاقات إستراتيجية وقيم مشتركة كما هو الحال في الإدارات الديمقراطية، ومن هنا يرتاح نتنياهو للتعامل أكثر مع الحزب الجمهوري بينما الآخرون في إسرائيل يفضلون التعامل مع الحزب الديمقراطي لأن نسبة اليهود المؤثرين على الحزب أكبر وينطلقون من اعتبارات سياسية ديناميكية، ويوجد وزن انتخابي لليهود في الكونغرس وفي الإدارة الديمقراطية ويتلاءم مع البرامج السياسية لأحزاب الوسط واليسار في إسرائيل سواء في معالجة القضايا ذات العلاقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو في القضايا ذات العلاقة الداخلية الإسرائيلية مثل الديمقراطية الإسرائيلية والحريات العامة ومكانة السلطة القضائية في إسرائيل إذ حدث حينذاك جدل كبير في أوساط النخب الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي، وكان هناك نوع من التحرك الأمريكي في هذا الشأن، إذ كانت إدارة بايدن مؤيدة بشكل واضح وصريح للمعارضة الإسرائيلية وللمظاهرات التي خرجت لوقف ما عُرف بـ"الإصلاحات القضائية".
ويشير صيام إلى أن دور الجماعات الضاغطة وخاصة اليمين المسيحي على المؤسسات الأمريكية والتمثل في العامل الديني اللاهوتي أهم الأسباب في الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل على مر السنين، فقبل تشكل اللوبيات السياسية الضاغطة في الولايات المتحدة الأمريكية كان العامل الديني اللاهوتي هو الحاضر بقوة في السياسة الأمريكية. ومن هنا، فإنّ العامل السياسي والعامل الديني يلتقيان معاً في صياغة إستراتيجية وسياسة الولايات المتحدة اتجاه دعم إسرائيل وتأييدها، وغالباً ما كانت الإدارات الأمريكية الجمهورية تتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي من مرجعية دينية، والإدارات الديمقراطية تتعامل من مرجعيات سياسية وانتفاعية.
صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير لها، أوردت أنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حصل انقسام في اللوبيان اليهودية في المجتمع الأمريكي، ويتعلق هذا الانقسام بالعلاقة بين الليبرالية والصهيونية، وهما عقيدتان حددتا الهوية اليهودية الأمريكية لأكثر من نصف قرن. وفي السنوات المقبلة، سيواجه اليهود الأميركيون ضغوطاً متزايدة للاختيار بينهما. اعترف زعيم الأغلبية الديمقراطية، السيناتور تشاك شومر بهذا الانقسام في خطاب ألقاه حول إسرائيل في قاعة مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، وكرر التزامه الطويل الأمد بالدولة اليهودية، ولكن ليس برئيس وزرائها، ولكنه اعترف أيضاً بأنه يستطيع أن يفهم المثالية التي تلهم الكثير من الشباب على وجه الخصوص لدعم حل الدولة الواحدة، وهو الحل الذي لا يشمل دولة يهودية.
"العامل السياسي والعامل الديني يلتقيان معاً في صياغة إستراتيجية وسياسة الولايات المتحدة اتجاه دعم إسرائيل وتأييدها، وغالباً ما كانت الإدارات الأمريكية الجمهورية تتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي من مرجعية دينية، والإدارات الديمقراطية تتعامل من مرجعيات سياسية وانتفاعية"
هذه كلمات سياسي يدرك أن حزبه يمر بتغيّرات عميقة، بالنسبة لليهود الأميركيين الذين يريدون الحفاظ على دعم بلادهم غير المشروط لإسرائيل لجيل آخر، لا يوجد سوى شريك سياسي واحد يمكن الاعتماد عليه: الحزب الجمهوري، واليهود الأمريكيون الذين يتخذون خياراً مختلفاً من حيث التخلي عن الصهيونية لأنهم لا يستطيعون التوفيق بينها وبين المبدأ الليبرالي المتمثل في المساواة بموجب القانون ويحظون باهتمام أقل لأنهم يظلون أبعد عن السلطة. لكن أعدادهم أكبر مما يدركه الكثيرون، بحسب الصحيفة الأمريكية، إنهم ينضمون إلى حركة التضامن الفلسطينية التي تنمو بشكل متزايد، ولكنها أكثر تطرفاً رداً على تدمير إسرائيل لغزة، لقد أنتج هذا التطرف المتنامي مفارقة جديدة وهامة، فالحركة التي ترحب بالمزيد من اليهود الأمريكيين تجد صعوبة أكبر في تفسير موقع اليهود الإسرائيليين في رؤيتها لتحرير فلسطين، إن القطيعة الناشئة بين الليبرالية الأمريكية والصهيونية الأمريكية تشكل أعظم تحول في السياسة اليهودية الأمريكية خلال نصف قرن، وسوف يعيد تعريف الحياة اليهودية الأمريكية لعقود قادمة.
في الأثناء، سياسة نتنياهو تعمل على تقويض المجتمع في إسرائيل وتقسيمه - وهذا تجلّى في ما عُرف بالإصلاحات القضائية في العام 2023 - وكانت التحركات الجماهيرية في الشارع الإسرائيلي رداً قوياً لإجبار نتنياهو على وقف تلك الإصلاحات المزعومة والتراجع عنها. وكان هناك تحرك للإدارة الأمريكية والتدخل لوقف تلك الإصلاحات بضغط من اللوبي الصهيوني الذي عارض تلك الإصلاحات، من خلال مؤسسات الدولة العميقة في واشنطن وضغطها على إدارة بايدن التي رأت أن نتنياهو يعمل على "تغيير شكل النظام الديمقراطي في إسرائيل" ويمس بالقيم المشتركة مع الولايات المتحدة من خلال تلك الإصلاحات وتحويل إسرائيل إلى دولة تسلّطية، وظهر بوضوح التباين في مواقف اللوبي الصهيوني من سياسة نتنياهو، وقد تكون مصلحة جميع الأطراف في إقصاء نتنياهو من السلطة.
وكان التحالف الذي أطلقته المنظمات الأمريكية، ومن بينها منظمات يهودية داعمة لإسرائيل تحت مسمى "ارفض أيباك" والمكون من 25 منظمة تقدمية، يطالب برفض كل ما تقوم به أيباك من الدعم المطلق لإسرائيل، وتعمل تلك المجموعة على مواجهة لجنة الشؤون الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) في الحملات الانتخابية والمنصات الإعلامية والرقمية ويطالبون المرشحين للانتخابات برفض أية تبرعات من منظمة أيباك. وسوف تقوم تلك المجموعة بدعم المرشحين المناصرين للشعب للقضية الفلسطينية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ماضينا كما يُقدَّم لنا ليس أحداثاً وَقَعَت في زمنٍ انقضى، بل هو مجموعة عناصر تجمّعت من أزمنة فائتة ولا تزال حيّةًً وتتحكم بحاضرنا وتعيقنا أحياناً عن التطلّع إلى مستقبل مختلف. نسعى باستمرار، كأكبر مؤسسة إعلامية مستقلة في المنطقة، إلى كسر حلقة هيمنة الأسلاف وتقديم تاريخنا وتراثنا بعين لا تخاف من نقد ما اختُلِق من روايات و"وقائع". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. ساعدونا. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard