شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الجاذبية الجنسية ونوستالجيا الذكور... كريستيانو رونالدو واللمسة الأنثوية

الجاذبية الجنسية ونوستالجيا الذكور... كريستيانو رونالدو واللمسة الأنثوية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 10 مايو 202411:59 ص

كريستيانو رونالدو مهووس بجاذبيته الجنسية، ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال من طينة اللاعبين القدامى المحاربين، مثل فيني جونز وبيبي وروي كين، لأنه يقبع في مكان ما بين الرياضة والإباحية، خاصةً بعدما طوّر جسداً رياضياً مفتول العضلات، ثم استمرّ في تمجيد هذا الجسد على وسائل التواصل الاجتماعي، وبطريقة تهدف إلى استقطاب شركاء "جنسيين" من الذكور والإناث، ومن الجماهير المحبة لجسده، وليس لما يفعله داخل الملعب.

لم ينس الاعتناء ببشرته، وحقن ما تيسر من الفيلر والبوتوكوس لإخفاء التجاعيد، ووضع طلاء الأظافر باللون الأسود على قدميه، واستلقى في الشمس أياماً حتى تحولت بشرته إلى اللون الذهبي، وإلى آخره من اللمسات الأنثوية الغريبة على المجتمع الكروي الذكوري.

كانت تلك هي خلاصة تصريحات الكاتب البريطاني مارك سيمبسون، في مقابلة أجراها مع صحيفة "La Vanguardia" الكاتالونية، وهنا سيظهر السؤال الهام: لماذا اختفت الرجولة من ملاعب كرة القدم؟

نوستالجيا الذكور

يعد بناء الهوية الجندرية أمراً معقداً لدى الشباب، خاصة في ظل الضغوطات المجتمعية الكبيرة، والأفكار القديمة المتجذّرة عن مفهوم الذكر الراعي والمسؤول، الذكر الذي لا يبكي، والذي لا يُظهر أية عاطفة في تعاملاته، وبما أن الرجل يظل مسؤولاً أمام المجتمع عن فكّ تلك الطلاسم حتى ولو يكن له يد في اختيارها، فقد ظهرت فكرة استخدام الرياضة في بناء هوية ذكورية محبوبة لدى المجتمع، ثم فرد مساحة نموذجية لعرض الأشكال السائدة من الفحولة، من جسد مفتول ومتناسق العضلات، والتحامات وقوة بدنية هائلة، وشوارب يقف عليها الصقر بلا تأفف. 

لم ينس الاعتناء ببشرته، وحقن ما تيسّر من الفيلر والبوتوكوس لإخفاء التجاعيد، ووضع طلاء الأظافر باللون الأسود على قدميه، واستلقى في الشمس أياماً حتى تحولت بشرته إلى اللون الذهبي، وإلى آخره من اللمسات الأنثوية الغريبة على المجتمع الكروي الذكوري

تقف كرة القدم على رأس المجتمعات الذكورية، كلعبة تحمل داخلها أرضاً خصبة لإثبات "قيمة" السيطرة المفترض تواجدها لدى الرجال، فتختلط الفكرة العامة مع ما يفعله اللاعب داخل الملعب، حيث يكمن دوره في السيطرة على الكرة والذهاب بها إلى حيث يشاء، فاللاعب يتحكّم بمقاليد الأمور على أرض الملعب، يترنح يمنى ويسرى، ويستخدم الحيل والألاعيب المباحة وغير المباحة، ليروّض كرته قائلاً لها: "كوني"، على أن "تكون" "فـلا تعصي له أمراً"، وبعد انتهاء المباريات، سيظهر مرةً أخرى في حفل صاخب مع صديقة أو زوجة، "أنثى"، جذابة ومثيرة، من أجل لعب نفس الدور.

وعند النظر إلى التفاصيل، سنجد أن هذا التعريف البسيط يتماس مع نشأة اللعبة أيضاً، بعد أن تبناها المجتمع كبديل سلمي للحروب والقتال الذكوري العنيف، فبدلاً من أن يتقاتل الرجال بالسيوف والحراب، فضل البابوات ورجال المال أن تتحوّل الحروب من الفضاء العام، إلى ملعب كرة قدم صغير محدّد بقوانين واضحة، وبدلاً من إضاعة الوقت والجهد في خناقات شوارع عنيفة توقف عجلة الاقتصاد، أصبح هناك طريقة فعّالة لضرب عصفورين بحجر واحد؛ أن  نجعل المعركة في خدمة الأرباح، خاصة مع تزايد عجلات الإنتاج إبان الثورة الصناعية، وتراكم الثروات في يد قلة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال.

لذلك كان من الطبيعي أن نرى حوادث العنف مقبولة اجتماعياً، طالما لم تخرج من المستطيل الأخضر: أن نرى فرانك ريكارد يبصق على رودي فوللر، ثم نرى لويس سواريز يأكل خصومه حرفياً دون أدنى شعور بالندم، وأن نصفق لمارادونا بعد أن لمس الكرة بيديه ثم قال أنها يد الله، لأن المكر والخداع من علامات الرجولة القويمة، وأن نشاهد لاعبين من طينة جينارو جاتوزو يملؤون الملاعب بالعويل، والجماهير تصفق وتلوح وتشعل الشماريخ، وتهتف بأسماء هؤلاء اللاعبين، لماذا؟ لأن كرة القدم لعبة حياة أو موت، ثم أن الحرب خدعة، والرجال هم الذين يكسبون المعارك.  

من الطبيعي أن نرى حوادث العنف مقبولة اجتماعياً، طالما لم تخرج من المستطيل الأخضر: أن نرى فرانك ريكارد يبصق على رودي فوللر، ثم نرى لويس سواريز يأكل خصومه حرفياً دون أدنى شعور بالندم، وأن نصفق لمارادونا بعد أن لمس الكرة بيديه ثم قال أنها يد الله

صعود ناعم

لم يكن كريستيانو هو الحالة الغريبة الوحيدة في حالة الهيجان الشديدة تلك، بل يمكن اعتباره جزءاً من تيار كامل صاغ مفهوماً آخر عن الرجولة، خاصة وأن ذلك "التستوستيرون" الفائض عن الحاجة، لم يظهر في الملاعب إلا بناءً على ضغوطات مجتمعية واضحة.

ولذلك بعد أن أصبحت المجتمعات أكثر تعقيداً فيما يتعلق بالهوية الجندرية، وأصبحت أكثر استعداداً لتقبّل الاختلافات، وأضحت هناك حاجة ماسة لاستكشاف طريقة سوية وغير عنصرية لتفعيل النوع الاجتماعي في الرياضة، وطرح أسئلة مثل: كيف يفهم الشباب الذكورة؟ وكيف يجسّدون هوياتهم الجنسية؟ وكيف يمكنهم التلاعب بهويتهم الخارجية كيفما يحبون، مع الحفاظ على إحساسهم بالذات؟ ظهر لنا مصطلح جديد بعنوان: metrosexual" أو "الغيرية الذكورية الحضرية".

وبحسب تعريف سيمبسون؛ يعتمد أصحاب هذا الاتجاه على استعراض رجولتهم بطريقة أكثر نعومة وأنوثة من ذي قبل، فيصرخون في الملاعب مثل الأسود، ولكنهم في الوقت نفسه يهتمون ببشرتهم، وبأسنانهم، ويعانقون بعضهم البعض، ويرتدون سراويل قصيرة من طراز "jockmail"، ويظهرون عاطفة جسدية أكثر من أي مكان عمل آخر.

لمسة أنثوية

"لماذا يعتبر ديفيد بيكهام من أشهر الأشخاص في العالم؟ ليس لأنه أفضل لاعب كرة قدم في العالم، فهو بعيد عن ذلك، ولكن لأنه جميل جداً وحريص على أن يكون مرغوباً". مارك سيمبسون.

ولأن الأمر كله مرتبط بسيطرة رأس المال على مقاليد الأمور؛ فلم يحظ هذا المصطلح بشهرة واضحة، إلا بعد أن وصف ظاهرة إعلانية حدثت في أواخر التسعينيات، ظاهرة ترتبط بأفكار النزعة الاستهلاكية واستخدام نمط الحياة الساحر في بيع المنتجات، ظاهرة جسدها عالم كرة القدم يدعى: ديفيد بيكهام، كان له السبق في شهرة هذا المصطلح، بمظهره غير التقليدي، مرتدياً "السارونغ" وواضعاً طلاء الأظافر، ومصففاً شعره الأشقر الطويل، وغيرها من المعايير الأنثوية التقليدية للملابس الأنيقة، في وقت كان فيه لاعبو كرة القدم شخصيات عنيفة، يحبون المرمغة في تراب الويسكي والشمبانيا والمخدرات، وسمعتهم محفورة في تقاليد الطبقة العاملة.

فهل تتخيل كيف كانت ردة الفعل في غرفة خلع الملابس عندما قام بيكهام بإخراج المرطب و"البرونزر" لأول مرة؟ حسناً؛ لقد سمعنا موقفاً مشابهاً من مدرب الزمالك المصري السابق أحمد حسام ميدو، حين حكى في  إحدى حلقات بودكاست "اشتري مني" عن ردة فعله الغاضبة والعنيفة، عندما وجد أحد لاعبي الزمالك "يمشط حاجبيه" قبل النزول إلى الملعب، وكيف أنه "لعن الزمن الي احنا عايشين فيه"، ممصمصاً شفاهه في حنين لأيام زمان، حين كان اللاعب رجلاً يشار إليه بالبنان.

هل تتخيل كيف كانت ردة الفعل في غرفة خلع الملابس عندما قام بيكهام بإخراج المرطب و"البرونزر" لأول مرة؟

أما اليوم، فلا يمكن تصور التاريخ الثقافي بدون تأثير بيكهام، لأنه ساعد على التغيير، وحطم صورة البطل الرياضي القَسورة، الذي يسبّ قدمه إن "شُرخت" في مباراة مصيرية، كما برز كأول رياضي متعدّد الأغراض، فبحسب ما ذكرته دراسة بعنوان "Inclusive and Orthodox Masculinities Multiplicity Versus Reification"، كان هناك اثنان من ديفيد بيكهام: أحدهما بشري من لحم ودم يركل الكرة من أجل لقمة العيش، أما الآخر فهو نتاج مخيلتنا نحن، فلو أنه تبنى آراءً خاصة أو انحاز إلى قضايا عظيمة، لأفسد تلك الصورة الذهنية، ولكنه كان صامتاً، يرفض إجراء المقابلات أو الظهور العلني، باستثناء حفلات الأزياء السنوية وبعض حفلات موسيقى الروك.

لقد أزعج بيكهام النظام الذكوري القائم والمعترف به من قديم الأزل على طريقة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، ودون أن يكون هناك أي مساحة للتأمل والتفكير، ثم كوّن قاعدة جماهيرية من أناس لا يهتمون باللعبة الذكورية تلك، ولا بالطريقة التي يلعب بها الرجال المحترمون، بل كانوا مهتمين به فقط، ومن خلال إعلان حبه ودعمه للمثليين، أصبح استيعاب الرجال للمنتجات والممارسات والنسائية وللمثليين أمراً طبيعياً، وحتى ولو كنا لا نزال نشير إلى كلمة "رجل" من خلال الأجساد المنتفخة، والوشوم المعزّزة للعضلات، واللحى الرائعة، وخطوط العنق المتدلية، إلا أننا تقدمنا للأمام نحو تحرير الأجساد من وطأة المجتمع الغاشم.

ضبط المصنع

في كتابها "الجندر والسلطة"، تعرف عالمة النفس راوين كونيل، الذكورة على أنها مجموعة من الصفات والأنماط السلوكية والأدوار التي تحدّدها المجتمعات للذكر، مثل حجم الجسد وشكله ومهاراته، وتعدّ جزءاً من البنية الاجتماعية الأبوية المكرسة للثنائية الجندرية شديدة التضاد: "الرجل/الذكر" في مقابل "المرأة/الأنثى"، وبالتالي يُتوقع من النساء اجتماعياً أن يحملن كل ما هو نقيض الصفات الرجولية.

كذلك تلعب الأجساد أدواراً محورية في تجسيد بعض الصفات الحصرية المرتبطة بانتماء الفرد لأحد الجنسين، إلا أن المعنى الجسدي للذكورة ليس بالأمر الهين، لأنه يحتوي على حجم وشكل الجسد، وعاداته وحركته، إضافة إلى بعض المهارات المطلوب توافرها بدقة في الجسد المذكر، وأيضاً الطريقة التي يؤدي بها الجسد في الممارسات الجنسية، فالمعنى الجسدي للذكورة ينمو من خلال التاريخ الشخصي للممارسات الاجتماعية، أي التاريخ المُعاش في المجتمع.

وبالتالي يمكن القول إن التيار المُمثل في بيكهام، ورغم تسليعه لجسده، حسب بعض الروايات، إلا أنه يظل حلاً وسط لكسر شوكة الهيمنة الذكورية، عن طريق إضفاء طابع ذكورة هجينة، من خلال ممارسات أكثر شمولاً تجبر الأطراف المختلفة على الاعتراف بالتهجين والمرونة والتعددية، بدلاً من الاشتراك الأعمى في وجهة نظر فردية، خاصة وأن تلك الفكرة خرجت من قلب مجتمع يحمل أكثر الرجال المتعصبين في العالم: مجتمع كرة القدم.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image